Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
محمد الجندي صندوق البيئة ونظام الحوافز  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2004 / عدد 76-77
 شهد النصف الثاني من القرن العشرين اهتماماً متزايداً بحماية البيئة وجهوداً متنامية لرفع الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد البيئية وصونها. فانعقدت المؤتمرات الدولية الداعية لذلك وأبرمت المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية في مجالات حماية البيئة على المستويين الدولي والإقليمي، وصدرت التشريعات الداخلية التي تعكس هذا الاهتمام في اغلب دول العالم.
وكانت مصر من بين الدول التي أولت اهتماماً كبيراً بحماية البيئة، فأصدرت العديد من التشريعات ذات الأبعاد البيئية، حيث اشتمل قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على نصوص تعاقب من ألقى في الطريق بغير احتياط أشياء من شأنها جرح المارة أو تلويثهم إذا سقطت عليهم وكذلك من أهمل في تنظيف أو إصلاح المداخن أو الأفران أو المعامل التي تستعمل فيها النار، وكذلك من رمى في النيل أو الترع أو المصارف أو مجاري المياه الأخرى أدوات أو أشياء يمكن أن تعوق الملاحة أو تزحم مجاري تلك المياه. وتعاقب أيضاً من قطع الخضرة النابتة في المحلات المخصصة للمنفعة العامة أو نزع الأتربة منها أو الأحجار أو مواد أخرى و لم يكن مأذوناً بذلك . كما نص على عقاب كل من حصل منه في الليل لفظ أو ضجيج مما يكدر راحة السكان وكذلك كل من وضع في المدن على سطح أو حيطان مسكنه مواد مركبة من فضلات أو روث البهائم أو غيرها مما يضر بالصحة العمومية.
كما اصدر المشرع المصري عدة تشريعات للنظافة العامة تحظر إلقاء القمامة أو حرقها في الطريق العام، كان أخرها قانون النظافة رقم 38 لسنة 1967، والقانون رقم 45 لسنة 1949 بشان تنظيم استعمال مكبرات الصوت، والقانون رقم 59 لسنة 1960 في شان تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة، والقانون رقم 96 لسنة 1962 في شان صرف المخلفات السائلة، والقانون رقم 52 لسنة 1985 في شان الوقاية من أضرار التدخين، والقانون رقم 48 لسنة 1982 في شان حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث، والقانون رقم 102 لسنة 1983 في شان المحميات الطبيعية، والقانون رقم 57 لسنة 1978 في شان التخلص من البرك والمستنقعات ومنع أحداث الحفر، والقانون رقم 116 لسنة 1983 بشان عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها وحظر تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة لاستعمالها في غير أغراض الزراعة. كما حظر تبوير الأرض الزراعية عمداً أو البناء عليها.
واخيراً توج المشرع المصري اهتمامه بحماية البيئة بإصدار القانون رقم 4 لسنة 1994 في شان حماية البيئة، الذي بدا العمل به منذ 4 شباط (فبراير) 1994. ويعد صدور هذا القانون حدثاً بيئياً هاماً ونقلة حضارية كبيرة تبوأت بها مصر مكانتها بين الدول المتحضرة التي أولت عناية خاصة لحماية البيئة ومكافحة تلوثها وتنمية مواردها.
وجدير بنا وقد مضى على صدوره والعمل بأحكامه عشر سنوات أن نعرض لاهم ملامح هذا القانون واهم ما اشتمل علية من أحكام وان نبرز من خلال ذلك ما لهذا القانون وما عليه.
1994: قانون حماية البيئة
لعل من أهم ملامح القانون رقم 4 لسنة 1994 انه أول تشريع مصري يصدر أساساً لحماية البيئة وتحت هذا المسمى، وهو ما يميزه عن باقي التشريعات ذات الأبعاد البيئية التي أشرنا إليها والتي كانت في غالبيتها تنظم أنشطة معينة لها اتصال بالبيئة ولم تكن حماية البيئة هي هدفها الأساسي كما هي الحال بالنسبة للقانون الأخير.
وإدراكاً من المشرع المصري لحداثة الاهتمام بالبيئة وحرصاً منه على وضوح أحكام ذلك القانون وتفهمها والتعرف على مدلول المصطلحات التي تضمنتها نصوصه، حرص على تضمين المادة الأولي منه 37 مصطلحاً أو عبارة موضحاً المعاني التي يقصدها المشرع في تطبيق أحكام القانون.
وضع القانون رقم 4 لسنة 1994 في شأن حماية البيئة تنظيماً كاملاً للإدارة البيئية، فنص في المادة الثانية منه على أن ينشأ في رئاسة مجلس الوزراء جهاز لحماية وتنمية البيئة يسمى جهاز شؤون البيئة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة وموازنة مستقلة، ويكون مركزه مدينة القاهرة. واجاز أن ينشأ بقرار من الوزير المختص بشؤون البيئة فروع لجهاز شؤون البيئة بالمحافظات وتكون الأولوية في إنشائها للمناطق الصناعية. وأناط بجهاز شؤون البيئة رسم السياسة العامة وإعداد الخطط اللازمة للحفاظ على البيئة وتنميتها ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع الجهات الإدارية المختصة، كما أجاز للجهاز أن يضطلع بتنفيذ بعض المشروعات التجريبية. وأوكل إليه مهمة دعم العلاقات البيئية بين جمهورية مصر العربية والدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وان يوصي باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بالبيئة وإعداد مشروعات القوانين والقرارات اللازمة لتنفيذ هذه الاتفاقيات. وأوكل القانون لجهاز شؤون البيئة في سبيل تحقيق أهدافه اختصاصات عديدة منها إعداد مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بتحقيق تلك الأهداف وإبداء الرأي في التشريعات المقترحة ذات العلاقة بالمحافظة على البيئة ووضع المعايير والاشتراطات الواجب على أصحاب المشروعات والمنشات الالتزام بها قبل الإنشاء وأثناء التشغيل والمتابعة الميدانية لتنفيذ المعايير، والاشتراطات التي تلتزم الأجهزة والمنشآت بتنفيذها واتخاذ الإجراءات التي ينص عليها القانون ضد المخالفين لتلك المعايير والشروط ووضع المعدلات والنسب اللازمة لضمان عدم تجاوز الحدود المسموح بها للملوثات، والتأكد من الالتزام بها. كما أوكل للجهاز وضع أسس وإجراءات تقويم التأثير البيئي للمشروعات وإعداد خطة للطوارئ البيئية والتنسيق بين الجهات المعنية لاعداد برامج مواجهه الكوارث البيئية والمشاركة في إعداد وتنفيذ البرنامج القومي للرصد البيئي والاستفادة من بياناته ووضع برامج التثقيف البيئي للمواطنين والمعاونة في تنفيذها. وأناط بالجهاز إدارة المحميات الطبيعية والإشراف عليها وتنفيذ المشروعات التجريبية للمحافظة على الثروات الطبيعية وحماية البيئة من التلوث وإعداد تقرير سنوي عن الوضع البيئي يقدم لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وتودع نسخة منه مجلس الشعب.
وإلى جانب عدد من الاختصاصات الأخرى التي تعين الجهاز على تحقيق أهدافه، أرسى القانون مبدأ المشاركة الشعبية في الإدارة البيئية، فنص على أن مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة هو السلطة العليا المهيمنة على شؤونه وتصريف أموره ووضع السياسة العامة التي يسير عليها، وان يشكل مجلس الإدارة من عشرين عضواً برئاسة الوزير المختص بشؤون البيئة من بينهم ثلاثة أعضاء يمثلون التنظيمات غير الحكومية المعنية بشؤون البيئة وثلاثة من ممثلي قطاع الأعمال العام واثنين من الجامعات ومراكز البحوث العلمية واثنين من الخبراء في مجال شؤون البيئة، وهو ما يعني أن نصف أعضاء مجلس الإدارة يمثلون قطاعات غير حكومية ويؤكد المشاركة الشعبية في رسم السياسات البيئية وصنع القرارات في مجال حماية البيئة. وقد نص القانون على أن الرئيس التنفيذي للجهاز يكون مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة الموضوعة لتحقيق أغراض الجهاز وتنفيذ قرارات مجلس الإدارة. ولم يقصر المشرع المشاركة الشعبية على الإسهام في تشكيل مجلس إدارة الجهاز ورسم السياسات البيئية وصنع القرار في شؤون البيئة، بل تجاوز ذلك إلى المشاركة الشعبية في انفاذ التشريعات البيئية والرقابة الشعبية على الالتزام بتلك التشريعات، فنص في المادة 103 من القانون على أن لكل مواطن أو جمعية معنية بحماية البيئة الحق في التبليغ عن أيه مخالفة لاحكام هذا القانون. كما نصت المادة 65 من اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 338 لسنة 1995 على انه يجوز لكل مواطن أو جمعية معنية بحماية البيئة اللجوء إلى الأجهزة الإدارية والقضائية المختصة بغرض تنفيذ أحكام قانون البيئة وما ورد بتلك اللائحة، واوجبت على وزارة الداخلية بالتنسيق مع جهاز شؤون البيئة من أجل إنشاء شرطة متخصصة لحماية البيئة بالوزارة ومديريات الأمن بالمحافظات تختص بالعمل على تنفيذ أحكام القوانين والقرارات المتعلقة بحماية البيئة، وتلقى الشكاوى والبلاغات التي تقدم في هذا الشأن واتخاذ القرارات القانونية بشأنها. وإعمالاً لتلك النصوص استطاعت جمعية أصدقاء البيئة بالإسكندرية من خلال الاحتكام الى القضاء إلغاء العديد من القرارات الحكومية التنفيذية لمحافظ الإسكندرية لمخالفتها لاحكام التشريعات البيئية والتصدي لأي مخالفة لاحكامها. ونهجت نهجها جمعيات بيئية أخرى في أنحاء الجمهورية وحققت نتائج متميزة في هذا المجال.
صندوق البيئة والحوافز
انشأ القانون صندوقاً لحماية البيئة تخصص موارده للصرف منها في تحقيق أغراضه وذلك بهدف توفير مصادر التمويل الذي تتطلبه مواجهة الكوارث البيئية وتنفيذ المشروعات التجريبية في مجال حماية الثروات الطبيعية وحماية البيئة من التلوث وإنشاء وتشغيل شبكات الرصد البيئي وإنشاء وإدارة المحميات الطبيعية وصرف المكافآت عن الإنجازات المتميزة والجهود التي تبذل في مجال حماية البيئة ودعم البنية الأساسية للجهاز وتطوير أنشطته، إلى غير ذلك من الأنشطة التي أوردتها اللائحة التنفيذية. ويقوم على إدارة هذا الصندوق مجلس إدارة برئاسة الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة وتنظم أدارته لائحة داخلية يضعها جهاز شؤون البيئة بالاتفاق مع وزير المالية وتخضع جميع أعمال الصندوق ومعاملاته لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبة. والى جانب تنظيمه للإدارة البيئية وتوفير التمويل اللازم للأنفاق على حماية البيئة من خلال إنشاء صندوق حماية البيئة، ادخل المشرع المصري نظام الحوافز فافرد له الفصل الرابع من الباب التمهيدي ونص فيه على أن يضع جهاز شؤون البيئة بالاشتراك مع وزارة المالية نظاماً للحوافز التي يمكن أن يقدمها الجهاز والجهات الإدارية المختصة للهيئات والمنشات والأفراد وغيرها الذين يقومون بأعمال أو مشروعات من شانها حماية البيئة، وان يراعى عند وضع هذا النظام المزايا والأوضاع المنصوص عليها في القوانين والقرارات السارية وعلى الأخص تلك المتعلقة بالاستثمار والجمارك والصناعة والتعاونيات وغيرها. وهكذا أوجد المشرع إلى جانب العقوبات التي توقع على من يخالف أحكامه نظاماً للحوافز التي تقدم لمن يقومون بأعمال أو مشروعات من شانها حماية البيئة.
تقييم الأثر البيئي
أكد المشرع المصري في الباب الأول من القانون رقم 4 لسنة 1994 الخاص بحماية البيئة الأرضية من التلوث على الربط بين التنمية والبيئة كوجهين لعملة واحدة. فأوجب على الجهة الإدارية المختصة أو الجهة المانحة للترخيص أن تتولى تقييم التأثير البيئي للمنشأة المطلوب الترخيص لها وفقاً للعناصر والتصميمات والأسس التي يصدرها جهاز شؤون البيئة بالاتفاق مع الجهات الإدارية المختصة وان تقوم بإرسال صورة من تقييم التأثير البيئي المشار إليه إلى جهاز شؤون البيئة لابداء الرأي وتقديم المقترحات المطلوب تنفيذها في مجال التجهيزات والأنظمة اللازمة لمعالجة الآثار البيئية السلبية. كما أوجب القانون على تلك الجهات التأكد من تنفيذ هذه المقترحات، والزم جهاز شؤون البيئة أن يوافي الجهة الإدارية المختصة، أو الجهة المانحة للترخيص برأيه في هذا التقييم خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ استلامه له وإلا اعتبر عدم الرد موافقة على التقييم. وأوجب القانون على الجهة الإدارية المختصة إبلاغ صاحب المنشأة نتيجة التقييم وأجاز له الاعتراض كتابةً على هذه النتيجة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغه أمام اللجنة الدائمة للمراجعة برئاسة مستشار من مجلس الدولة وعضوية مندوب عن جهاز شؤون البيئة وصاحب المنشأة أو من ينوب عنه وممثل عن الجهة المختصة أو الجهة المانحة للترخيص وثلاثة من الخبراء يتم اختيارهم لعضوية اللجنة. وأوجب القانون على اللجنة أن تصدر قرارها في الاعتراض خلال ستين يوماً من تاريخ وصول أوراقه مستوفاة إليها.
التشجير والمخلفات الخطرة والهواء
أوجب القانون أن تخصص في كل حي أو قرية مساحة لا تقل عن ألف متر مربع من أراضي الدولة لاقامة مشتل لانتاج الأشجار، على أن تتاح منتجات تلك المشاتل للأفراد والهيئات بسعر الكلفة، مع إعداد الإرشادات الخاصة بزراعة هذه الأشجار ورعايتها. وحظر القانون صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية المنصوص عليها في الملحق (4) للائحة التنفيذية، كما حظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة، أو اتلاف أوكار الطيور المشار إليها أو إعدام بيضها.
واستحدث القانون فصلاً كاملاً للمواد والنفايات الخطرة حظر فيه تداولها بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، كما حظر استيراد النفايات الخطرة أو السماح بدخولها أو مرورها في أراضي جمهورية مصر العربية، وحظر بغير تصريح من الجهة الإدارية المختصة السماح بمرور السفن التي تحمل النفايات الخطرة في البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية. ونص على عقاب من يخالف هذا الحظر بالسجن مده لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على أربعين ألف جنيه، مع إلزام مستورد النفايات الخطرة بإعادة تصديرها على نفقته الخاصة. واخضع القانون إدارة النفايات الخطرة لقواعد وإجراءات حددتها لائحته التنفيذية وأوجب على القائمين على إنتاج أو تداول المواد الخطرة اتخاذ جميع الاحتياطات بما يضمن عدم حدوث أي أضرار بالبيئة.
وخصص القانون الباب الثاني منه لحماية البيئة الهوائية من التلوث، فاشترط أن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسباً لنشاط المنشأة بما يضمن عدم تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء، وان تكون جملة التلوث الناتج عن مجموع المنشآت في منطقة واحدة في الحدود المصرح بها. واشترطت اللائحة التنفيذية للقانون أن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسبا لنشاط المنشاة من حيث اتفاقه مع طبيعة تقسيم المنطقة ووفق خطة استخدام الأرض التي تقررها وزارة المجتمعات العمرانية الجديدة، واشترطت في جميع الأحوال أن يوخذ في الاعتبار عند تقرير مناسبة الموقع مدى بعده عن العمران، سواء في منطقة المشروع أو المناطق المحيطة، واتجاه الريح السائدة.
الضوضاء وبيئة العمل
للحد من الضوضاء الزم القانون جميع الجهات والأفراد عند مباشرة الانشطه الانتاجيه أو الخدمية أو غيرها، وخاصة عند تشغيل الآلات والمعدات واستخدام آلات التنبيه ومكبرات الصوت، بعدم تجاوز الحدود المسموح بها لشدة الصوت. وأوجب على جميع الجهات المانحة للترخيص مراعاة أن يكون مجموع الأصوات المنبعثة من المصادر الثابتة في منطقة واحدة في نطاق الحدود المسموح بها والتأكد من التزام المنشأة باختيار الآلات والمعدات المناسبة لضمان ذلك. وقد بينت اللائحة التنفيذية الحد الأقصى المسموح به لشدة الضوضاء في المناطق المختلفة والحدود المسموح بها لشدة الصوت داخل أماكن العمل وداخل الأماكن المغلقة وأقصى مدة تعرض للضوضاء المسموح بها في أماكن العمل.
وحفاظاً على البيئة داخل مكان العمل حماية للعاملين فيه، الزم القانون صاحب المنشأة باتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لعدم تسرب أو انبعاث ملوثات الهواء داخل مكان العمل إلا في الحدود المسموح بها، كما أوجب توفير سبل الحماية اللازمة للعاملين تنفيذاً لشروط السلامة والصحة المهنية، وان يكفل ضمان التهوية الكافية وتركيب المداخن وغيرها من وسائل تنقية الهواء، كما الزم القانون صاحب المنشأة باتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على درجة الحرارة والرطوبة داخل مكان العمل بما لا يتجاوز الحدين الأقصى والأدنى المسموح بهما، وان يكفل وسائل الوقاية المناسبة للعاملين من ملابس خاصة وغيرها في حالة ضرورة العمل في درجتي حرارة أو رطوبة خارج هذه الحدود.
واشترط القانون في الأماكن العامة المغلقة وشبه المغلقة أن تكون مستوفية لوسائل التهوية الكافية بما يتناسب مع حجم المكان وقدرته الاستيعابية ونوع النشاط الذي يمارس فيه، بما يضمن تجدد الهواء ونقاءه واحتفاظه بدرجة حرارة مناسبة. وأوجب على المدير المسؤول عن المنشأة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة في الحدود المسموح بها في الترخيص الممنوح لهذه الأماكن، وتخصيص حيز للمدخنين بما لا يؤثر على الهواء في الأماكن الأخرى. وحظر القانون التدخين في وسائل النقل العام.
التلوث الاشعاعي والمياه
وللحماية من التلوث الإشعاعي حظر القانون ان يزيد مستوى النشاط الإشعاعي او تركيزات المواد المشعة في الهواء عن الحدود المسموح بها، والتي يصدر بها قرار من وزير الكهرباء والطاقة المسؤول عن الأمان النووي، بعد الرجوع الى وزارة الصحة وجهاز شؤون البيئة.وفي مجال حماية البيئة المائية من التلوث، خصص القانون لها بابه الثالث الذي اقتصرت أحكامه على حماية البيئة المائية البحرية وشواطئ جمهورية مصر العربية وموانئها من مخاطر التلوث بجميع صورة وأشكاله. أما البيئة المائية في نهر النيل وفرعيه وسائر المجاري المائية الداخلية، فان حمايتها تكفلها أحكام القانون 48 لسنة 1982 في شأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث، وهو ما أكدته المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 4 لسنة 1994 في شأن حماية البيئة. وقد عالج المشرع في الفصل الأول من الباب الثالث حماية البيئة المائية من التلوث من السفن، فحظر عليها تصريف أو إلقاء الزيت أو المزيج الزيتي في البحر الإقليمي (12 ميل بحري من خط الشاطئ) أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية (200 ميل بحري من خط الشاطئ) كما حظر على الشركات والهيئات الوطنية والأجنبية المصرح لها باكتشاف أو استخراج أو استغلال حقول البترول البحرية والموارد الطبيعية الأخرى، بما في ذلك وسائل نقل الزيت، تصريف أي مادة ملوثة ناتجة عن عمليات الحفر والاستكشاف واختبار الآبار أو الإنتاج في البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية.
ولمنع التلوث بالمواد الضارة، حظر القانون على ناقلات المواد السائلة الضارة إلقاء او تصريف أي مواد ضارة أو نفايات أو مخلفات ينتج عنها ضرر بالبيئة المائية أو الصحة العامة. وتأكيداً من المشرع المصري على أن الهدف من حماية البيئة هو حماية صحة الانسان، نصت المادة 95 من القانون على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات كل من ارتكب عمداً أحد الأفعال المخالفة لاحكام هذا القانون إذا نشأ عنه إصابة أحد الأشخاص بعاهة مستديمة يستحيل شفاؤها. وتكون العقوبة السجن من 3 سنوات الى 15 سنة إذا نشأ عن المخالفة إصابة ثلاثة أشخاص فأكثر بهذه العاهة. فإذا ترتب على هذا الفعل وفاة إنسان تكون العقوبة الأشغال الشاقة الموقتة (السجن المشدد من 3 سنوات الى 15 سنة)، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا ترتب على هذا الفعل وفاة ثلاثة أشخاص فأكثر، وهما العقوبتان المقرتان في الماة 234 (عقوبات للقتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد).
نظرة عامة على قانون البيئة
يمكن القول أن قانون البيئة المصري قد حقق اغلب الأهداف التي صدر من اجلها، باعتباره أول تشريع يصدر بهدف حماية البيئة في عناصرها المختلفة والربط بين البيئة والتنمية، كما حقق تحسناً ملحوظاً في البيئة، مما انعكس على الصحة العامة وصحة الأفراد. كما كان لصدوره وتنفيذه الفضل الأكبر في توجيه الجهود ولفت الأنظار وإثارة الاهتمام لدى متخدي القرار والمسؤولين في الدولة وفي سائر منظمات المجتمع المدني ونشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتثقيف البيئي والتعريف بحقوق المواطنين في البيئة الصحية السليمة وسبل الحفاظ على تلك الحقوق. كما كان له فضل تنظيم الإدارة البيئية في مصر تنظيماً متكاملاً يقوم على مشاركة شعبية واسعة في صنع القرار وانفاذ التشريعات والرقابة على سلامة البيئة والأداء التنفيذي لحمايتها.
ومع كل هذه المزايا التي حققها صدور هذا القانون، فان ثمة ملاحظات لنا عليه لا تقلل من شأنه أو قيمته ولكن إبداءها بعد انقضاء عشر سنوات على صدوره قد يفيد في تلافيها من خلال تعديل بعض احكامة بما يمكن معه تلافي هذا القصور أو تلك العيوب. وتوجز هذه الملاحظات بما يلي:
- نظم القانون في المواد من 19ـ23 إجراء تقييم التأثير البيئي للمنشآت المطلوب الترخيص لها أو إجراء توسيعات أو تجديدات في المنشات القائمة. وبرغم أهمية هذا التقييم في الحد من قيام مصادر جديدة لتلوث البيئة، فان المشرع اغفل النص في مواد القانون 4 لسنة 1994 على عقوبة جنائية مناسبة لمن يخالف تلك الأحكام بإقامة منشأة أو إجراء توسعات أو تجديدات دون إجراء تقييم التأثير البيئي، مع انه نص على عقوبة لمن لا يقوم بإجراء دراسة تقييم بيئي لمنشأة تقام على شاطئ البحر أو قريباً منه ينتج عنها تصريف مواد ملوثة. ولا يوجد أي مبرر لإغفال النص على عقوبة لمخالفة أحكام المواد من 19ـ23 الخاصة باستلزام إجراء تقييم التأثير البيئي للمنشأة المطلوب الترخيص لها أو التوسعات والتجديدات في المنشآت القائمة.
- كذلك أغفل المشرع النص على عقوبة جنائية لصاحب المنشأة الذي لا يحتفظ بسجل لبيان تأثير نشاط المنشأة على البيئة، مع انه من أهم وسائل الالتزام البيئي للمنشأة وتتحقق من خلاله الرقابة الذاتية للمنشأة على الالتزام بالمعايير والمعدلات الموضوعة لحماية البيئة. في حين انه قرر عقوبة جنائية توقع على صاحب المنشأة التي ينتج عن نشاطها مخلفات خطرة إذا لم يحتفظ بسجل يدون به المخلفات وكيفية التخلص منها والجهات المتعاقد معها لتسليم تلك المخلفات. كما نص على عقوبة جنائية على عدم احتفاظ السفينة أو ناقلة الزيت بسجل للزيت أو للشحنة من الزيت.
ونص في المادة 28 منه على حظر صيد أو قتل أو إمساك أو إزعاج الطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية التي تحدد أنواعها اللائحة التنفيذية، لكنه اغفل النص على حظر مماثل لقطع أو اتلاف النباتات والأشجار النادرة أو المهددة بالانقراض أو القيام بأي عمل من شأنه تدمير الموائل الطبيعية لها أو تغيير الخواص الطبيعية لها أو لموائلها.
- واغفل القانون كذلك النص على جمع أو حيازة أو نقل أو الاتجار في الحفريات بأنواعها النباتية والحيوانية أو تغيير معالمها أو تدمير التراكيب الجيولوجية أو الظواهر البيئية المميزة لها أو المساس بمستواها الجمالي. وكذلك حظر الاتجار في كافة الكائنات الحية الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض التي تحددها اللائحة التنفيذية.
- ويتعين أيضاً تشديد العقوبات المقررة لهذه الجرائم والجرائم المنصوص عليها في المادة 28 والمقررة بالمادة 84 إلى عقوبة الحبس مع الشغل والغرامة التي لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين والنص على عقوبة للشروع في ارتكابها بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه و لا تتجاوز 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وفي حالة العود تكون العقوبة هي الحبس والغرامة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين. وان يحكم في جميع الأحوال بمصادرة الطيور والحيوانات والكائنات الحية والنباتات والحفريات المضبوطة وكذلك الأسلحة والمعدات والأدوات ووسائل النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة.
- اغفل القانون النص على حق جهاز شؤون البيئة في تحصيل رسوم على ما يقوم به من خدمات او استرداد ما يتحمله من نفقات أو أتعاب الخبراء الذين يستعين بهم في مراجعة دراسات التقييم البيئي للمنشآت، وكذلك النص على حقه في إصدار طوابع تمغة بيئية تحصل على الطلبات والتراخيص التي يصدرها وتكون حصيلته مورداً لصندوق حماية البيئة يعينه على أداء مهامه وتحمل مسؤوليته، بالرغم أن القانون أشار في بعض مواده إلى أحمال التلوث وكمية الملوثات أو حجمها، إلا انه لم يضع معايير ولو استرشادية لتلك الأحمال كما لم يوليها اعتباراً في تقدير العقوبة، مما يترتب علية توقيع العقوبة على الملوث بصرف النظر عن كمية وحجم الملوثات التي تنبعث من منشآته أو يتم تصريفها منها، وهو ما يستدعى تعديل أحكام القانون بما يكفل الاعتداد بأحمال التلوث دون الاقتصار على الاعتداد بالتركيزات وحدها.
ولا بد من إضافة نصوص جديدة يتم من خلالها استخدام الأدوات الاقتصادية في حماية البيئة ويجيز توقيع غرامات إدارية يضع القانون حدوداً لها ويتم توقيعها بمعرفة جهاز شؤون البيئة، كوسيلة للإلزام مقابل الحوافز في حالة الالتزام البيئي للمنشأة في بعض الملاحظات، إلى جانب مقترحات عديدة أخرى يمكن إدخالها على نصوص القانون ولائحته التنفيذية لرفع كفاءتها لحماية البيئة، وتبني تكنولوجيا الإنتاج الأنظف واتساع تنظيم الإدارة البيئية ليشمل مكاتب شؤون البيئة في المحافظات، التي تتبع إدارياً المحافظة وفنياً لجهاز شؤون البيئة في تنظيمها الحالي، حتى يكتمل تنظيم الإدارة البيئية تنظيماً شاملاً.
المستشار محمد عبد العزيز الجندي، النائب العام الأسبق في مصر ورئيس جمعية أصدقاء البيئة بالإسكندرية وعضو مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة
كادر
اتحاد القضاة العرب لحماية البيئة
 
القاهرة ـ من ماري يعقوب
صدق 30 رئيس محكمة يمثلون 14 دولة عربية على مشروع النظام الأساسي لاتحاد القضاة العرب لحماية البيئة، خلال المؤتمر الاقليمي لرؤساء المحاكم العربية العليا الذي انعقد في القاهرة في حزيران (يونيو) 2004. ويهدف الاتحاد الى ترسيخ دور القضاة العرب في حماية البيئة، وتفعيل وتطوير قوانين البيئة في الدول العربية، وعقد شراكة مع المنظمات القضائية المماثلة في المناطق الاخرى ومع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وغيره من المنظمات الدولية العاملة في مجال البيئة، وتيسير تبادل الخبرات بين المتخصصين بتطبيق القوانين البيئية، على أن تكون للاتحاد شخصيته الاعتبارية المستقلة.
وسوف يصدر الاتحاد مجلة دورية تنشر فيها البحوث والدراسات القانونية والقضايا المتعلقة بالبيئة، وما يصدر من المحاكم الوطنية والاجنبية من أحكام وقرارات في هذا الشأن. كما سيتم إصدار كتيبات ونشرات، وإنشاء قاعدة بيانات بيئية ومكتبة قانونية في مقر الاتحاد الذي سيكون في القاهرة.
وتعتبر كل دولة موقعة على النظام الأساسي عضواً مؤسساً، وهي: لبنان، الامارات، الاردن، البحرين، تونس، قطر، المغرب، السودان، جيبوتي، الصومال، سلطنة عُمان، ليبيا، موريتانيا، مصر.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.