الأطفال هم في طور نمو حافل بالحيوية والنشاط، لذلك يتعرضون لأخطار بيئية أكثر من البالغين. بعض الوظائف الحيوية للجسم، كالجهاز المناعي، لا تكون نمت بشكل كامل عند الولادة، والبيئات غير الصحية يمكن أن تعوق نموها الطبيعي. لكن معظم الأخطار البيئية يمكن تفاديها، والتقليل من التعرض هو الوسيلة الأفعل لحماية صحة الأطفال.
هنا حقائق عن الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس، وما تسببه من حروق واصابات متزايدة بسرطان الجلد وأمراض العين وضعف المناعة، وسبل وقاية الأطفال من أخطارها.
الأشعة فوق البنفسجية هي احدى مكونات أشعة الشمس. وهي تُصفّى تدريجياً مع مرور الضوء خلال الغلاف الجوي، وخاصة عبر طبقة الأوزون. ولكن مع استنزاف هذه الطبقة وترققها تنخفض التصفية ويصل الى سطح الأرض مزيد من الأشعة فوق البنفسجية، وخاصة النوع "ب" الأكثر ضرراً.
في العام 2000، بلغ ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية أكبر حجم له على الاطلاق، اذ غطى رقعة مساحتها 29,5 مليون كيلومتر مربع، أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف مساحة الولايات المتحدة. ولأول مرة امتد الثقب فوق مناطق آهلة، معرضاً سكانها لمستويات فائقة من الأشعة فوق البنفسجية. وقد حذرت السلطات المحلية في جنوب التشيلي السكان من أنهم قد يصابون بحروق الشمس خلال أقل من سبع دقائق، وأن عليهم الامتناع عن المكوث خارجاً عند الظهيرة.
الاستنزاف المستمر لطبقة الأوزون، وتزايد مستويات الأشعة فوق البنفسجية على سطح الأرض، يفاقمان تأثيرات هذه الأشعة على جلد الانسان وعينيه وجهازه المناعي. والأطفال معرضون لأذاها بشكل خاص.
أخطار التعرض للشمس
التعرض للأشعة فوق البنفسجية يسبب الحروق وسرطان الجلد ويسرع شيخوخة البشرة. والتعرض المفرط يمكن أن يؤدي الى التهاب قرنية العين والملتحمة (الغشاء المخاطي لباطن الجفن) وأن يسبب إعتام عدسة العين (الماء الأزرق) أو يسرع حدوثه. وهناك مسألة صحية تثير قلقاً متنامياً، هي أن الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تقلل فعالية الجهاز المناعي للانسان. ونتيجة لذلك، فان التعرض للشمس يمكن أن يزيد خطر الاصابة بالتهاب، وأن يحد من فعالية التلقيح ضد الأمراض. وهذان الأمران يؤثران على صحة المجموعات الفقيرة والسريعة التأثر، خاصة أطفال العالم النامي، اذ ان كثيراً من البلدان النامية تقع قريباً من خط الاستواء حيث تتعرض لمستويات عالية جداً من الأشعة فوق البنفسجية.
سرطان الجلد بات محور حملات صحية في اوستراليا وأوروبا وأميركا الشمالية. ويعتقد كثيرون أن ذوي البشرة الشقراء هم وحدهم الذين يجب أن يخشوا من التعرض المفرط للشمس. ولكن رغم أن الجلد الداكن يحوي مزيداً من الصبغة الواقية، فانه يبقى عرضة للتأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية. وحالات سرطان الجلد هي أقل بين ذوي البشرة السمراء، لكنها تحدث لهم، وغالباً ما تكتشف في مرحلة متأخرة أكثر خطورة. واحتمال حدوث أضرار صحية أخرى، كتلف العينين وشيخوخة البشرة قبل الأوان وكبت المناعة، لا علاقة له بنوع الجلد. فمن المتوقع، مثلاً، أن يؤدي انخفاض بنسبة 10 في المئة في اجمالي الأوزون الستراتوسفيري الى اصابات اضافية باعتام عدسة العين تراوح بين 1,6 و1,75 مليون اصابة سنوياً في أنحاء العالم.
تحدث في العالم كل سنة مليونان الى ثلاثة ملايين اصابة بسرطان الجلد غير القتاميني، ونحو 132 ألف اصابة سرطانية قتامينية خبيثة (ميلانوما). ومع تقلص طبقة الأوزون بنسبة 10 في المئة، يمكن توقع 300 ألف اصابة اضافية بسرطان الجلد غير القتاميني و4500 اصابة قتامينية اضافية في أنحاء العالم، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وحالياً، سيصاب شخص من كل خمسة أشخاص في أميركا الشمالية وشخص من كل شخصين في اوستراليا بنوع من سرطان الجلد خلال حياتهما.
ان طريقة تصرف الناس تحت الشمس هي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات سرطان الجلد في العقود الأخيرة. فتزايد النشاطات الشعبية في الهواء الطلق، والتغيرات التي طرأت على عادات "الاستحمام الشمسي"، كثيراً ما تؤدي الى تعرض مفرط للأشعة فوق البنفسجية. ويعتقد كثيرون أن التشمُّس المكثف أمر طبيعي، حتى أن كثيراً من الأطفال وأهاليهم، لسوء الحظ، يعتبرون أن اسمرار البشرة نتيجة التعرض لأشعة الشمس رمز للجاذبية والصحة الجيدة. لكن هذا الاسمرار ما هو الا دليل على الضرر الذي تحدثه الأشعة فوق البنفسجية، ويمثل دفاع الجلد لمنع المزيد من الأذى.
حماية خاصة للأطفال
خطر اصابة الأطفال بأضرار نتيجة تعرضهم للأشعة فوق البنفسجية هو أكبر مما يحدث للبالغين. فبشرة الطفل أرقّ وأكثر حساسية، حتى أن مكوثه وقتاً قصيراً تحت شمس الظهيرة يمكن أن يسبب له حروقاً بالغة. وقد أظهرت دراسات وبائية أن التعرض المتكرر للشمس وما ينجم عنه من حروق في الطفولة يمهد لمعدلات مرتفعة من الاصابة بسرطان الجلد القتاميني في مرحلة لاحقة. والأطفال هم أكثر تعرضاً للشمس، فالتقديرات تشير الى أن 80 في المئة من تعرض المرء للأشعة فوق البنفسجية طوال حياته قد تحدث قبل سن الـ18. الأطفال يعشقون اللعب في الخارج، ولا يدركون التأثيرات الضارة لهذه الأشعة.
أفادت دراسة اوسترالية أن أربعاً من كل خمس اصابات بسرطان الجلد يمكن تجنبها من خلال تصرف عاقل. وتشجيع الأطفال على اتخاذ تدابير وقائية بسيطة يبعد الضرر عنهم في المديين القصير والطويل، مع التمتع بالوقت الذي يقضونه خارج المنزل. وعلى الأهل التصرف كصمام أمان، اذ هم مسؤولون عن التأكد من أن أطفالهم يتمتعون بحماية كافية. وللمدارس دور هام في تشجيع التلاميذ، وخاصة الأطفال، على اتقاء أشعة الشمس وزيادة وعيهم لمخاطرها وتغيير سلوكهم وسلوك أولياء أمرهم تجاهها.
يجب الحرص دائماً على ابقاء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 شهراً في الظل. تأكدوا من أن أطفالكم يرتدون ثياباً واقية، ويعتمرون قبعات، ويضعون على عيونهم نظارات شمسية. ادهنوا بشرتهم بمرهم واقٍ لا تقل درجة حمايته عن 15 (أي يؤمن 15 ضعفاً من الحماية الطبيعية). قصِّروا فترة مكوثهم في شمس الظهيرة. انشدوا الظل. اجتنبوا استعمال المصابيح الشمسية وارتياد "عيادات التسمير".
الوقاية من الشمس ليست ضرورية فقط على الشاطئ أو في حوض السباحة، وانما تلزم في جميع الأماكن المكشوفة. وفي حالات كثيرة، تحدث حروق لأن الناس لا يدركون الحاجة الى وقاية. والأطفال قد يتعرضون لأشعة الشمس القوية على شرفة المنزل، وأثناء رحلة في نهاية الاسبوع، وعند زيارة حديقة الحيوان، وخلال فترات الاستراحة في روضة الأطفال أو المدرسة، ولدى القيام بنشاطات رياضية في الهواء الطلق.
ويجب بذل عناية خاصة في الجبال، لأن مستويات الأشعة فوق البنفسجية تزداد بنسبة 8 في المئة تقريباً كلما ارتفعنا 1000 متر. ورغم أن هذه الأشعة تكون في أشدها تحت سماء صافية، فقد تكون عالية حتى في يوم ملبد بالغيوم. وهناك أنواع كثيرة من السطوح، كالثلوج والرمال والمياه، التي تعكس أشعة الشمس وتزيد جرعة اضافية من الأشعة فوق البنفسجية.
برامج الوقاية من الشمس، التي تهدف الى رفع الوعي وادخال تغييرات على أسلوب المعيشة، مطلوبة بالحاح لابطاء الاتجاه نحو تزايد الاصابات بسرطان الجلد وعكس هذا الاتجاه في نهاية الأمر. واطلاق حملة توعية فعالة يمكن أن يكون له أثر كبير على الصحة العامة. في اوستراليا، تبين أن الاستعمال المنتظم للمراهم الواقية التي لها عامل حماية بدرجة 15 فما فوق حتى سن الـ18 يمكن أن يخفض وتيرة الاصابة بسرطان الجلد بأكثر من 70 في المئة. وفضلاً عن الفوائد الصحية، فان البرامج التثقيفية الفعالة يمكن أن تخفض كثيراً نفقات النظام الصحي وتقوي الاقتصاد. ان حملات الوقاية الحالية في اوستراليا تكلف نحو 0,08 دولار أميركي للشخص في السنة، في حين قدرت النفقات المباشرة لمعالجة سرطان الجلد بنحو 5,7 دولارات لكل مواطن خلال الفترة الزمنية ذاتها.