Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
الارادة السياسية شرط للادارة البيئية السليمة  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2004 / عدد 76-77
 الدكتور محمود يوسف عبدالرحيم، الذي شغل منصب المدير الاقليمي لغربي آسيا في برنامج الأمم المتحدة للبيئة خلال السنوات الخمس الماضية، أنهى عمله الرسمي في نهاية حزيران (يونيو)، بعدما طلب اعفاءه من مهماته قبل شهور من بلوغه التقاعد، وذلك ليستقر مع عائلته في بلده الكويت. "البيئة والتنمية" حاورت الدكتور عبدالرحيم حول تجربته في العمل البيئي العربي، وحاولت أن تقيّم معه وضع البيئة في المنطقة وآفاق تطورها.
 
الوضع البيئي انعكاس للسياسة والاقتصاد
الوضع البيئي في المنطقة العربية هو امتداد للتدهور السياسي والأمني والاقتصادي، يؤكد الدكتور عبدالرحيم، ويضيف: "لقد لخص برنامج الأمم المتحدة للبيئة الوضع البيئي في الوطن العربي بتقريره الذي رفعه إلى مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة في دورته المنعقدة في القاهرة بين 7 و9 كانون الأول (ديسمبر) 2003، وهو يتضمن رسالة محددة مفادها أن الوضع البيئي هو انعكاس للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الوطن العربي، وبالتالي فإن عدم تمكن المؤسسات البيئية من إيقاف التدهور البيئي وإصلاح البيئة هو كذلك انعكاس لما تعانيه مؤسساتنا من تحديات في المجالات الأخرى. فمن الناحية السياسية لا تزال الحروب والاحتلال العسكري والنزاعات الداخلية واضطراب الأمن والاستقرار هي الهاجس الرئيسي لدى الحكومات العربية وشعوب المنطقة، كما أن تذبذب الوضع الاقتصادي نتيجة لتقلبات الأسواق العالمية وتأثيرات العولمة وارتباط القرارات الاقتصادية بالوضع السياسي غير المستقر قد انعكست جميعها على الوضع الاجمالي وجهود التنمية وحماية البيئة في المنطقة".
لكن عبدالرحيم يؤكد أنه لا يجوز أن يغفل الجانب الوطني: "فمسيرة العمل البيئي في الوطن العربي لا تزال حديثة ولا يرقى معدل نموها وقدرتها على التأثير الفعال في القرار السياسي إلى الحد الذي يمكِّنها من التعامل مع المتغيرات البيئية على المستويات الوطنية والاقليمية والعالمية ضمن الامكانات المحدودة لديها. فتضاؤل الموارد المائية، السطحية منها والجوفية، وتدهور الأراضي وانحسار الغطاء النباتي الخضري والزحف على المناطق الساحلية واستمرار تدفق مياه الصرف غير المعالجة الى الانهار والبحار الاقليمية وتدهور موارد الثروة البحرية وازدياد معدلات تولد النفايات الحضرية والصناعية وتردي نوعية الهواء في المدن، لا تزال كلها تتزايد بمعدلات تفوق قدرات المؤسسات البيئية على التعامل معها فنياً. كما أنها لا تزال عاجزة عن إيجاد الموارد اللازمة لإصلاح البيئة المتأثرة وإعادة تأهيلها. وليس القصد من هذا إعطاء صورة متشائمة، ولكن فقط لبيان أن التحديات البيئية الرئيسية هي كما كانت وأنها تزداد حدة مع مرور الوقت واستمرار معدلات النمو المتسارعة، خاصة في ظل ظروف دولية وإقليمية ووطنية صعبة".
مؤسسات البيئة العربية ثانوية
ويقول عبدالرحيم ان مؤسسات البيئة العربية، كما هي الحال في العديد من الدول النامية، "لا تزال تتبوأ مكانة ثانوية بالنسبة للسياسات والبرامج الوطنية". ويؤكد أن "مفهوم التنمية المستدامة بحاجة الى المزيد من الجهد لكي يترسخ كاستراتيجية عملية للتخطيط وتحقيق الازدهار والنمو. ويأتي هذا على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته الأجهزة القائمة. فهناك العديد من الدول العربية التي أصبح لديها مؤسسات، بعضها على مستوى وزارة، للرصد والتقييم البيئي، وتم تطوير التشريعات البيئية وإعطاء الضبطية القضائية لتلك المؤسسات البيئية، كما أن هناك بوادر ازدياد في التعاون بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني، في وقت ارتفع مستوى مشاركة المؤسسات البيئية العربية في البرامج الاقليمية والدولية، وعلى الأخص بالنسبة للاتفاقيات الدولية في مجال البيئة، لكن لا يزال هناك مجال أكبر لتعزيز تنسيق بين الوفود العربية في المحافل الدولية ذات الصلة".
العمل البيئي العربي على المستوى الدولي
ومع تأكيده على أن هناك تحسناً كبيراً في التعامل مع المحافل والاتفاقيات الدولية البيئية المتعددة الأطراف من قبل المؤسسات البيئية العربية، يشير عبدالرحيم إلى أن الوضع العالمي أصبح هو الآخر أكثر تعقيداً. "فقضية البيئة أصبح ينظر إليها بشمولية أكبر وتم تبني مفهوم التنمية المستدامة كأساس للتنمية، فيما لا تزال المؤسسات الدولية والاقليمية تعمل بأسلوب التجزئة وعلى الأخص بالنسبة لفصل الجانب الاقتصادي عن الجانب البيئي، ولم يتم إيجاد الآليات التي تمكنها من العمل على دمج جهود المؤسسات المعنية لتحقيق هذا المفهوم، مما انعكس سلباً على الوضع الوطني". ويرى عبدالرحيم بعض الجوانب الايجابية على المستوى العربي، مثل وجود لجان التسيير على مستوى مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة واللجان الفنية المنبثقة، مما ساهم في زيادة مستوى التنسيق بين الدول العربية في المحافل الدولية، وعلى الأخص في ما يتعلق باجتماعات الاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة، بالاضافة إلى دفع مسيرة العمل البيئي العربي على المستوى الوطني وإتاحة فرصة أكبر لتبادل الخبرات بين المؤسسات البيئية".
وعن فعالية مؤسسات البيئة الاقليمية العربية، يقول عبدالرحيم إن إيجاد الامانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة ولجنة البيئة والتنمية قد ساعد على رفع القدرة في التنسيق بين المواقف العربية دولياً والحد من التكرار والازدواجية في العمل على المستوى الاقليمي. لكنه يؤكد "الحاجة الى المزيد من الفاعلية في تنفيذ البرامج المشتركة ذات المردود المباشر على البيئة، وتبقى هناك الحاجة الى تعزيز الأمانة الفنية بكوادر عربية يتم تدريبها على العمل مع الأمانة الفنية لفترات قصيرة، والذي من شأنه أن يوفر المهارات الفنية للأمانة الفنية ويتيح فرصة للعاملين في مؤسسات البيئة العربية من ممارسة العمل البيئي الاقليمي والدولي".
دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة
وعن دور "يونيب" في المنطقة، بميزانيته المتواضعة، وسط البرامج البيئية ذات التمويل الكبير التي تتولاها منظمات غنية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي وبرامج المساعدة المباشرة من كندا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، يشير عبدالرحيم إلى أن "كون برنامج الأمم المتحدة للبيئة برنامجاً وليس منظمة لا يمكّنه من أن يكون أكثر من عامل محفّز ومنسق لجهود حماية البيئة على المستويين العالمي والاقليمي، وقد أمكن من خلال مذكرة تفاهم جدة التي وقعت عام 1999 التوفيق بين برنامج العمل الاقليمي لليونيب مع البرنامج الذي يقره مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة سنوياً، وبالتالي أمكن توفير بعض الدعم المادي، وإن كان محدوداً نسبياً، لتنفيذ الأنشطة الاقليمية. كما أن نجاح المكتب الاقليمي في استقطاب بعض الدعم للبرامج الاقليمية وإدخالها ضمن إطار عمل مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، مثل برنامج مكافحة التصحر مع الآلية الدولية لاتفاقية التصحر (GM) والبرنامج العالمي لتقييم موارد المياه (GIWA) وإعادة تقارير المنظور البيئي الاقليمي (GEO) هي بعض قصص النجاح التي يعتز بها المكتب. كما أن المكتب الاقليمي لغرب آسيا يقوم بتنفيذ أنشطة يتم التنسيق بشأنها مع الأمانة الفنية لدول مجلس التعاون الخليجي (GCC) والذي يقدم له الدعم سنوياً. وقد كان لدول مجلس التعاون دور مباشر في الابقاء على المكتب الاقليمي الذي تستضيفه مملكة البحرين. وبموجب مذكرة تفاهم جدة يتم كذلك التنسيق مع كل من المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية (ROPME) وهيئة المحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (PERSGA) وغيرهما".
لكن عبدالرحيم يضيف أن هذا "لا يلغي الحاجة الماسة لاستقطاب الدعم المادي لبرنامج العمل العربي، خاصة وأن نصف الدول العربية تقريباً هي دول تصنفها الجهات المانحة، وعلى الأخص المرفق البيئي العالمي GEF على أنها ليست من الدول المؤهلة للدعم المالي، مما يجعل مؤسساتنا البيئية عاجزة عن الوصول الى مصادر الدعم العالمي، في الوقت الذي لا تتوفر لديها الموارد من ميزانية دولها أو من مصادر التمويل الوطنية والاقليمية كبنوك التنمية. ان تحقيق التنمية المستدامة، التي طرحت في قمة جوهانسبورغ وأقرها ملوك ورؤساء الدول العربية، تبقى الأكثر حاجة الى التمويل، ولا يوجد حتى الآن مؤشرات مشجعة على إمكانية الاستفادة من الدعم الخارجي لها. وهذا يعني أن هناك حاجة ماسة لتفعيل الدعم المادي من مصادرة عربية تكون هي النواة التي يمكن من خلالها استقطاب الدعم الدولي للمبادرة، بحيث يكون هذا التوجه بمثابة اختبار للارادة السياسية العربية بالنسبة لتفعيل المبادرة العربية كإطار عام للعمل البيئي العربي وتحقيق التنمية المستدامة".
إستراتيجية البيئة العربية
وضع برنامج الأمم المتحدة للبيئة استراتيجية عمل للمنطقة العربية، لخصت التحديات بالتغلب على الفهم السائد بأن حماية البيئة عبء، بدلاً من اعتبارها تمثل أحد العناصر الهامة والأساسية للتنمية، والحاجة إلى الادارة السليمة للموارد الطبيعية الشحيحة مثل المياه المعذبة والأراضي الصالحة للزراعة بحيث تكون داعمة لعملية التنمية، والادارة السليمة لمواقع التنمية الحضرية والصناعية، والعمل على المستوى الوطني والاقليمي لحشد الموارد لتنفيذ البرامج الاقليمية الأساسية لقطاع البيئة. أما بالنسبة للتحديات البيئية الرئيسية، فقد تضمنت الاستراتيجية المياه وإدارة الموارد والمناطق البحرية والساحلية وتدهور الأراضي وترشيد التنمية الصناعية وصون التنوع الحيوي وتعزيز برامج التوعية والتثقيف البيئي.
ويقول عبدالرحيم ان "هذه الاستراتيجية تبقى إطاراً يعتمد تنفيذه على ثلاثة عوامل رئيسية، هي توفر الارادة السياسية التي تمثلت بتبني قمة تونس للمبادرة البيئية العربية، واعتماد مقترح مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة لتوسعة نطاق عمل المجلس ليشمل تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك إيجاد الآليات المناسبة لتنفيذ المبادرة العربية. وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني والبرلمانيين والإعلام في دعم المبادرة العربية وجعلها نقطة التقاء نصب فيها جهودنا جميعاً، بما في ذلك التأثير على المؤسسات المالية العربية من أجل تبني المبادرة العربية وإيجاد نواة للتمويل يمكن من خلالها لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة العمل مع جامعة الدول العربية على اجتذاب الدعم العالمي لها وتنميتها".
التغيير يبدأ من الذات
وينهي عبدالرحيم مراجعته بالتأكيد على أن العمل البيئي، كالعمل السياسي، يبدأ من الذات أولاً. "فإذا كانت القناعة هي أن التنمية المستدامة هي الهدف وليست التنمية المادية البحتة، يجب تحديد الأولويات والمقومات الاستراتيجية والآليات والأطر العملية للتنفيذ. إن العمل لحماية البيئة، إن لم يكن نابعاً عن قناعة بأن الانسان هو الخليفة المسؤول عن إدارة هذا الكوكب والحفاظ على التوازن الدقيق فيه، فإن بقاءه يبقى مؤقتاً كزائر ثقيل يلحق الأذى ببيت مضيفه ثم ينصرف إما بإرث سلبي أو ربما من دون إرث يذكر. علينا إحداث التغييرات الجذرية في التركيبة المؤسسية لإدارة المجتمع استناداً إلى آليات الحكم الرشيد، والحرص على المشاركة المسؤولة لجميع القطاعات المعنية، أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وقطاع الأعمال والمجتمع المدني. وبصيغة أخرى فإن التخطيط للتنمية وتنفيذها لا يقف على سلم رأسي وإنما على نمط هرمي تتصل فيه القمة بالقاعدة ويستند إلى أركان ثلاثة هي التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية وصون البيئة وترشيد استغلال مواردها الطبيعية. ومرة أخرى تبقى الارادة السياسية والحفاظ على البيئة والتراث الخاص بالمجتمع العربي في قلب هرم التنمية هذا".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.