قناة البحرين، الواعدة باستجرار مياه البحر الأحمر الى البحر الميت المهدد بالنضوب، كانت مدار بحث وجدل في المؤتمر الدولي لادارة الطلب على المياه الذي انعقد الشهر الماضي على شاطئ البحر الميت. نظمت المؤتمر وزارة المياه والري الاردنية بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وشارك فيه نحو 1000 مندوب من 30 بلداً، وافتتحه ملك الأردن عبدالله بن الحسين.
ركز المؤتمر على خفض الطلب على المياه وادارتها في المنازل والقطاعات الزراعية والصناعية. وشملت الجلسات التقنية أكثر من 100 عرض ومحاضرة قدمها أكاديميون وخبراء من القطاعين الخاص والعام ومنظمات غير حكومية، وعكست خبراتهم المتنوعة والممارسات الادارية والتكنولوجيات المتعلقة بالمياه.
وزير الموارد المائية والري في مصر الدكتور محمود أبو زيد قال ان متوسط حصة الفرد من المياه العذبة في العالم تتناقص سريعاً، من 12,000 متر مكعب في 1960 الى 8000 متر مكعب في 1990، ومن المتوقع أن يهبط الى أقل من 4000 متر مكعب بحلول سنة 2050. ويشمل الاستهلاك العالمي الحالي نحو 54 في المئة من مجمل المياه العذبة السطحية والجوفية التي يمكن الوصول اليها، ومع الارتفاع المتوقع في عدد سكان العالم سوف يرتفع الى 70 في المئة بحلول سنة 2025. وشكلت بعض الوسائل المحسنة لادارة الطلب على المياه جوانب رئيسية في عرض أبو زيد، ومنها التقييم الفعال للموارد المائية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، والادارة اللامركزية، والاستدامة المالية، والشراكة الحكومية والخاصة، وتحسين الأوضاع المؤسساتية، وزيادة الانتاجية المائية، والوعي الجماهيري.
وكشف وكيل وزارة الكهرباء والماء في الامارات المهندس علي العويس أن هناك دراسة لربط دول الخليج بشبكة مائية على غرار شبكة ربط الكهرباء الخليجية.
قالت وزيرة البلديات والأشغال العامة العراقية نسرين برواري إن مشكلة العراق المائية "متراكمة منذ عقود"، وان نسبة التغطية والتزويد المائي المائي تصل الى 60 في المئة. وبعدما أشارت الى "ان أمراضاً وبائية انتشرت نتيجة رداءة نوعية المياه التي تستخدم للشرب"، أملت أن يتحسن الوضع المائي في العراق، مع رصد موازنة تراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار. وقال وزير الموارد المائية العراقي عبداللطيف رشيد إن حصة العراق من مياه نهر الفراتع "تدنت من 27 مليار متر مكعب سابقاً الى 11 ملياراً بعد بناء السدود التركية والسورية"، لافتاً الى أن لا اتفاقات تحدد حصص الدول المستفيدة من مياه النهر.
قالت المديرة في دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي لاتيشيا اوبنغ ان مكان انعقاد المؤتمر مناسب جداً نظراً الى وضع الأردن الذي يعد من الدول العشر الأشد فقراً مائياً. وأعربت عن أسفها لأن دول المنطقة، ورغم النقص في المياه، تزيد من استهلاكها الجائر للمياه الجوفية، اضافة الى التنافس بين القطاعات الاقتصادية من صناعة وزراعة وخدمات على زيادة استهلاك المياه، داعية هذه الدول الى الموازنة بين الطلب على المياه والموارد المتوفرة.
تخللت المؤتمر 21 ورشة للتنمية المهنية تلقى فيها المشاركون تدريبات مكثفة على مهارات متصلة بادارة المياه، كبرامج التخطيط الكومبيوترية، والمصادر البديلة كالمياه الرمادية، والتحلية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقييم الجفاف وادارته. ورافق المؤتمر معرض لتكنولوجيات المياه شمل تقنيات عالمية في مجال ادارة الطلب عليها وترشيد استهلاكها ومعالجتها واعادة استعمالها، والبرمجيات المتطورة في مراقبة الاستهلاك وضبطه، والأساليب الصناعية الجديدة للافادة من المصادر المائية المحدودة.
معالجة المياه الرمادية واعادة استعمالها
تناولت عشرة عروض تقنية موضوع معالجة المياه الرمادية. وكان من أبرز المحطات في هذا الاطار ندوة نظمها المركز الدولي لابحاث التنمية في كندا (IDRC)، حيث عرض الدكتور مراد بينو والدكتور هاني أبو قديس (الاردن) وبوغوص غوكاسيان (لبنان) وناصر فاروقي (كندا) خبرتهم ونتائج أبحاثهم في ما يتعلق باعادة استعمال المياه الرمادية. مما يساعد الاهالي على توفير المال وزيادة الانتاج الزراعي في حدائق منازلهم.
وتشكل المياه الرمادية 60 في المئة من المياه المبتذلة المتولدة على المستوى المنزلي. وهي مياه صافية نسبياً تتولد في المطبخ ومن الدش وأعمال الغسيل. أما المياه الناتجة عن المرحاض فتعتبر مياهاً "سوداء" وليست "رمادية".
حماية البحر الميت
كُرست احدى الجلسات الخاصة لحماية البحر الميت. فعرض الدكتور حازم الناصر، وزير المياه والري والزراعة الاردني، الوضع المأسوي للبحر وخطط انقاذ "هذا الكنز العالمي الذي يقبع في أدنى بقعة على الأرض".
تبلغ ملوحة مياه البحر الميت 27 في المئة، أي ثلاثة أضعاف ملوحة المياه البحرية المعتادة. وقد انخفض منسوبه من مستوياته التاريخية التي كانت نحو 395 متراً تحت سطح البحر الى مستواه الحالي البالغ 410 أمتار تحت سطح البحر. وحدث 80 في المئة من هذا الانخفاض منذ سبعينات القرن الماضي، وهو مستمر حالياً بمعدل نحو متر في السنة. السبب الرئيسي تحويل جزء كبير من المياه الداخلة الى البحر الميت، وقد تم تحويل 90 في المئة من مياه نهر الاردن التي كانت تصب فيه أصلاً. واذا استمر هذا الوضع، يقدر أن يجف البحر بحلول سنة 2050.
ورأى الوزير الناصر أن هناك حلاً بيئياً عملياً وحيداً لانقاذ البحر الميت هو قناة البحرين، أو "قناة السلام"، التي يمكنها نقل مياه كافية من البحر الأحمر الى البحر الميت. ولهذا الخيار، في رأيه، أساس تقني يدعم استمراريته، وليست له تأثيرات بيئية جوهرية وفق ما أظهرته دراسات البنك الدولي في منتصف تسعينات القرن الماضي. وتنفيذه يفتح مجالاً لتطوير مشاريع توليد الطاقة وتحلية المياه. فالمياه الآتية من البحر الأحمر، بكمية 1,8 بليون متر مكعب في السنة (60 متراً مكعباً في الثانية)، ستهبط من ارتفاع 400 متر فتولد طاقة كهرمائية من نحو 550 ميغاواط، يمكن استخدام بعضها لتشغيل محطات التحلية. ويمكن انتاج 850 مليون متر مكعب من المياه العذبة المحلاة سنوياً، لتلبية الطلب في الاردن وفلسطين واسرائيل.
تقدر كلفة القناة بـ0,8 بليون دولار، وكلفة تحلية المياه وانتاج الطاقة وشبكات التوزيع بـ3 بلايين دولار. والمشروع قابل للتمويل الذاتي، لكن الكلفة الأولية للقناة تحتاج الى رعاية دولية. وسوف يستغرق انشاؤها نحو خمس سنوات.
وقد أعرب الوزير المصري محمود أبوزيد عن تأييد بلاده لمشروع قناة البحرين، بينما تحفظت السلطة الوطنية الفلسطينية عن هذا المشروع الذي سيعلن البنك الدولي شروطه المرجعية قريباً. وأوضح نائب رئيس سلطة المياه الفلسطيني فضل كعوش ان تحفظ الفلسطينيين "ينصب على الموقف الاسرائيلي بعدم اعتبار فلسطين دولة مشاطئة للبحر الميت". ونبّه الى ان نهر الأردن "صار جدولاً" بسبب استيلاء اسرائيل على مياهه، الأمر الذي يمثل "اعداماً" للبحر الميت. وقال في تصريحات صحافية على هامش المؤتمر انه، على رغم تعدد الاتفاقات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لم يتم التوصل الى اتفاق على تقاسم المياه. وشدد على أن الفلسطينيين "لا يستفيدون الا من 15 في المئة من حصتهم من المياه ومن مصادر مطرّية تحديداً، فيما هم محرومون المياه الجوفية والمتجددة من مياه نهر الأردن".
وكما يحصل عادة في مؤتمرات مماثلة، أصدر مندوبو الدول المشاركة في المؤتمر "إعلان 2025" الذي تضمّن 10 مبادئ عامة لادارة الطلب على المياه يجدر أن تدعمها الحكومات والجهات المانحة. ومن بين هذه التوصيات أن تتعاون بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا لتطوير خطوط توجيهية ومقاييس وأدوات لدعم تنفيذ أنشطة ادارة الطلب على المياه.
وقد أفاد الوزير حازم الناصر أن المؤتمر سينعقد كل سنتين، وسوف يستضيفه الأردن ثانية سنة 2006.
كادر
سمكرية أردنية تروج أجهزة مقتصدة بالمياه
خولة الشيخ حوراني هي أول امرأة في العاصمة الاردنية عمان تفتح محلاً لبيع أجهزة مقتصدة بالمياه وتركيبها في المنازل. فقد قرأت قبل سنة اعلاناً في احدى الصحف يدعو النساء الى المشاركة في ورشة عمل لترويج وبيع هذه الأجهزة.
شاركت 200 امرأة في تلك الورشة التدريبية القصيرة التي نظمها مشروع الكفاءة المائية والتوعية العامة للعمل (WEPIA) بالتعاون مع وزارة المياه والري والزراعة وبدعم من الوكالة الأميركية للتنمية العالمية (USAID).
ركبت خولة أول مجموعة من هذه الأجهزة في منزلها. وقد اشتملت على أجهزة بسيطة لضبط دفق ماء المرحاض، ورؤوس دشات وفوهات حنفيات ومرشات ماء. وخلال الشهر الأول انخفضت فاتورتها المائية من 15 ديناراً الى 5,19 (الدينار يساوي 1,4 دولار). تقول، على سبيل المثال، ان جهاز تهوئة بسيطاً وضعته في فوهة حنفية خفض استهلاك ماء غسل الصحون بنسبة 50 في المئة. عندئذ اقتنعت بأن هذه الاجراءات البسيطة تؤدي عملاً نافعاً وتوفر الماء على ربات البيوت. ويمكن استرداد كلفة جميع الأجهزة المركبة من الوفر في استهلاك المياه خلال فترة 3 الى 6 أشهر.
تقول خولة ان الامدادات المائية في عمان متقطعة، وهي تحصل على المياه من الشبكة العامة مرة واحدة فقط في الاسبوع. وفي ذلك اليوم يستحمّ الجميع، وتقوم كل النساء بغسل الملابس وبقية الاعمال المنزلية المستهلكة للمياه، مما يسبب لهن ارهاقاً. ومع استعمال الأجهزة المقتصدة بالمياه، أصبحت خولة قادرة على حفظ كمية وافية من المياه في الخزان لاستعمالها خلال الاسبوع.
بعد أن حققت خولة وفورات كبيرة في منزلها، بدأت ترويج هذه الأجهزة لدى جيرانها وفي المدارس والمؤسسات. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2003 فتحت محلاً للوازم السمكرة دعته "العُمَر".
خولة في الـ41 من عمرها، تفيض حيوية، وتقول: "أشعر انني في الخامسة والعشرين". لديها شهادة ثانوية وتتكلم وتكتب لغتين. وهي أم لثلاثة أولاد. تقول ان عملها جيد وهي راضية عليه تماماً، فجميع الذين ركبوا الأجهزة الاقتصادية بواسطتها سعداء بما حققوه من وفر في الماء والمال. وخططها المستقبلية أن تحصل على تدريب اضافي لمدة ثلاثة أسابيع، ومن ثم انشاء ورشة لانتاج أجهزة مقتصدة بالمياه في الأردن. زوجها وابنها البكر مهندسان، وسوف يساعدانها على تحقيق هذا الهدف، بعد ان عارضا في البداية فكرة فتح الورشة. وهي تخطط أيضاً لتعليم ربات البيوت كيف يصلحن الحنفيات المسرّبة في منازلهن.