التصحر من أخطر الظواهر الطبيعية التي تهدد الواحة في الجنوب المغربي. وهو يتمثل في الجفاف والانجراف وزحف الرمال وزحف الجراد وقد قلص الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي لعبته الواحة منذ قرون.
تمتد الواحة على الشريط الحدودي، انطلاقاً من إقليمي كلميم وأسا الزاك جنوباً فأقاليم طاطا ووارزازات وزاكورة والراشيدية وانتهاء بإقليم فكيك شرقاً. وقد بات هذا الحزام الأخضر وسط الصحراء مهدداً بالزوال. وستكون لذلك لا محالة انعكاسات سلبية على سكان المنطقة، مما يقتضي إيجاد حلول مناسبة وسريعة تفادياً لكارثة محتملة.
الواحة بين الأمس واليوم
منذ نهاية الستينات، بدأت الواحة تشهد تراجعاً عن دورها الحيوي، حيث كانت مصدر عيش سكانها بتوفيرها كل حاجياتهم اليومية. فعليها يعتمدون في مدخولهم المالي وعيشهم اليومي وعيش دوابهم ومواشيهم. وهي تمدهم بوسائل وأدوات الفلاحة والبناء. كل ذلك شجعهم على الاستقرار فيها محاولين استغلال كل امكاناتها، مما أرسى مجالاً بيئياً وطبيعياً وقوة سياسية يحسب لها حساب في المنطقة. ولكن مع مطلع السبعينات شحت السماء بعطائها، وتأثرت الواحة تدريجاً بعامل الجفاف. فتقلصت الزراعة البورية بشكل كبير مما جعل السكان يعتمدون على الزراعة المسقية.وبتوالي سنوات الجفاف،بدأ المخزون المائي يتقلص بدوره، خصوصاً بعد الاعتماد على الضخ العصري. وخلال فترات الجفاف التي يمتد بعضها ما بين 4 و6 سنوات متتالية، تشهد المنطقة عواصف رعدية ينتج عنها تساقط كميات كبيرة من الأمطار. فتتضاعف حمولة الأودية وتكوِّن مجاري، على حساب الأراضي الفلاحية والمنازل والمنشآت الأخرى.
وبتكرار هذه الظاهرة الطبيعية، إضافة إلى قوة الرياح وسوء استعمال الفلاحين لبعض الآليات الفلاحية العصرية، بدأت الواحة تشهد ظاهرة زحف الرمال التي تضرب حصاراً على أشجار النخيل وتقلص من المساحة المزروعة وتعمل على تخريب المنشآت الأساسية.
ومن حين الى آخر، تشهد المنطقة زحف الجراد، الذي غالباً ما يأتي في السنوات التي تشهد تساقطات مطرية متوسطة.
هذه الوضعية، التي يعود سببها للعوامل الطبيعية أحياناً ولتدخل الإنسان بشكل يخل بالتوازن البيئي أحياناً أخرى، جعلت المنطقة تشهد أربعة مظاهر من التصحر أثرت سلباً على الواحة في الجنوب المغربي عموماً. وهي أفقدت المنطقة آلاف أشجار النخيل التي عمرت أزيد من قرن، كما تحولت مئات الهكتارات المزروعة إلى مناطق صخرية أو إلى صحارى قاحلة غمرتها كثبان الرمال.
الجفاف: حالة سائدة
أصبح الجفاف ظاهرة بنيوية في منطقة الواحات، وباتت سنوات الجفاف الحالة السائدة لا حالة استثناء. فمعدل التساقطات السنوي هو ما بين 50 و100 مليمتر في السنة، مما حال دون القيام بالزراعة البورية وفرض الاعتماد على الري الصغير والمتوسط بواسطة العيون والخطارات. وفي السنوات الأخيرة لم تعد هذه العيون والخطارات تفي بالحاجة لضعف المخزون المائي، مما جعل السكان يعملون على تقويتها بحفر الآبار المجهزة بالمضخات انطلاقاً من رأس الخطارة أو نهايتها. وأدى ذلك الى تملح الأراضي الفلاحية في الواحة، فضلاً عن إتلاف الأراضي الخصبة وتحويلها إلى مناطق منتجة للرمال التي تزحف على الواحة ومحيطها الطبيعي.
الانجراف: فيضانات كارثية
بسبب الاختلالات البيئية والمناخية التي تعاني منها الأرض عموماً، بدأت منطقة الواحات بدورها تعرف من حين الى آخر أمطاراً طوفانية تتجاوز كمياتها المعدل السنوي (أكثر من 100مليمتر في لحظة واحدة). هذا جعل المجاري الطبيعية للأودية لا تتسع لحمولتها، الأمر الذي يسبب انجراف الأراضي المزروعة وأشجار النخيل، وتدمير البنية الأساسية التي يعتمد عليها السكان، من قنوات المياه والطرق والمساكن. فتحولت نسبة كبيرة من حقول الواحات إلى مجاري الأودية.
كما عرفت المنطقة عدة كوارث طبيعية بسبب هذه الفيضانات، خلفت خسائر مادية وبشرية تختلف من منطقة إلى أخرى، أخطرها القضاء على نحو مليون نخلة عمرت أكثر من قرن ولا يمكن تعويضها في وقت وجيز.
أمام هذه الكوارث، عمل السكان على حماية أراضيهم ونخيلهم ومساكنهم بواسطة الحواجز الحجرية والإسمنت.
زحف الرمال: خانق الواحات
يتفاقم زحف الرمال مع سنوات الجفاف المتوالية والأمطار الطوفانية التي تتلف معظم وسائل التثبيت الطبيعية. وتساعد الرياح العاصفية على انتقالها،فتزحف على المساحات المزروعة وتعمل على خنق أشجار النخيل، خصوصاً في الواحات غير المنتظمة، مما يسبب موتها موتاً بطيئاً. ولم تسلم المساكن والطرق ومجاري المياه وغيرها من البنى الأساسية من زحف الرمال.
ومن أهم الوسائل المتبعة للحماية من هذا الزحفتقنية المربعات والحواجز الاصطناعية، وحماية وتنمية الأعشاب والأشجار المكونة للغطاء النباتي في المنطقة، ولا سيما أشجار الطلح والاركان والسدر.
زحف الجراد: أكول زاحف
هجمات الجراد على الواحة في الجنوب المغربي ليست بجديدة، بل هي ظاهرة قديمة تشهدها المنطقة من حين الى آخر حسب الظروف المناخية للواحة والدول المجاورة كموريتانيا والجزائر. وغالباً ما تحدث في السنوات التي تشهد تساقطات مطرية متوسطة.
في الستينات والسبعينات، كانت وسائل محاربة الجراد تقليدية وضعيفة، مما جعله يأتي على الأخضر واليابس،فيلتهم المزروعات وأوراق جريد النخيل ويحول الواحة إلى منطقة جرداء.
لذلك كان السكان يقاومونه بوسائلهم التقليدية، وعلى الخصوص أكله وإحراق صغيره أو إغراقه في خنادق تملأ بالماء.
ومنذ العام 1989 بدأت الدولة تستعمل الطائرات والرشاشات المحمولة لمكافحة الجراد باستعمال المبيدات المتطورة، مثل DCC والملاتيوم. إلا أن لذلك انعكاسات سلبية على المجال البيئي، حيث تؤثر هذه المبيدات وخاصة الملاتيوم على إنتاج النخيل والنحل وبعض الحيوانات، كما لها تأثير على الإنسان.
الواحة تحتضر
ويمكن تلخيص سلبيات مسببات التصحر في النقط التالية:موت عدد مهول من أشجار النخيل المعمرة التي يصعب تعويضها في وقت وجيز، وإتلاف مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية، وضعف مدخول سكان الواحة مما ساعد على انتشار الفقر والجهل ومظاهر اجتماعية سلبية أخرى. كل ذلك أدى إلى نتيجة حتمية تتمثل في الهجرة القوية للسكان نحو المدن، تاركين الواحة تحتضر. ومعظم المهاجرين هم من الشباب، حتى بات عدد النساء يضاعف عدد الذكور. وهذا الأمر أثر على العجلة الاقتصادية والاجتماعية للواحة، كما حمل المرأة مسؤوليات أنهكت قواها وشغلتها عن مهمتها الأساسية كأم.
هذه هي المظاهر الأربعة للتصحر في واحة الجنوب المغربي، والتي يتوجب على كل الفاعلين من حكومة ومجتمع مدني العمل لتخفيف حدتها سعياً لتنمية مجالها. فعندئذ يستطيع سكانها أن يساهموا في التنمية الشاملة بوسائلهم المحلية، تجنباً للمشاكل الاجتماعية التي تنخر المجتمعات القروية.
كادر
أصدقاء النخلةيكافحون التصحر
من أجل تحفيز السكان، ولا سيما الشباب، للإستقرار في الواحة والاهتمام بها لكي تلعب الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي كانت تؤديه سابقاً، وضعت جمعية أصدقاء النخلة في إقليم طاطا أربعة أهداف كبرى تعمل على تحقيقها، وهي: إنقاذ شجرة النخلة، محاربة الفقر، محاربة الأمية، المحافظة على البيئة.
وتعمل الجمعية على التخفيف من آثار التصحر على سكان الواحة من خلال البرامج التالية:
- البرامج التحسيسية بخطورة الظاهرة وطرق محاربتها من خلال دروس محو الأمية.
- إحياء الحرف التقليدية التي يتقنها الرجال والنساء على السواء لتنمية دخلهم، وذلك من خلال برامج محاربة الفقر وتأهيل المرأة القروية.
- الاهتمام بأشجار النخل والطلح، وذلك بالاعتناء بالرصيد الحالي، والتحفيز على غرس هذه الأشجار لتشبيب الغطاء النباتي، بالإضافة إلى تصنيع التمور للرفع من قيمتها المالية.
- مساعدة الجمعيات المحلية للحصول على تمويل لمشاريعها الرامية الى حماية الواحة من التصحر.
الدكتور الخليل نوحي باحث في التربية البيئية ورئيس جمعية أصدقاء النخلة للتنمية والمحافظة على البيئة في طاطا بالمغرب.