على أنغام المزامير والطبول "السحرية" شقّ أحد النبلاء وخادمه وعدد من الراقصين والمغنين طريقهم رقصاً الى المسرح. وبملابسهم التقليدية الملونة، تحركوا بجذل حول رجلين تنكّرا كأسدين، في محاولة لابعاد الأرواح الشريرة والتماس السلام والرخاء من الآلهة. بهذه الرقصة، التي ترمز الى التآلف بين الانسان والطبيعة، افتتح منتدى الشباب الدولي الخامس عشر في كوريا الجنوبية.
أقيم هذا المنتدى بين 18 و25 آب (أغسطس) الماضي تحت عنوان "التنمية البيئية المستدامة وخطة عمل للشباب". وقد نظمه المجلس الوطني للمنظمات الشبابية في كوريا (NCYOK)، واستهدف اعطاء الشباب في أنحاء العالم فرصة لتبادل الأفكار وتقاسم الاهتمامات حول دمار البيئة. وباعتبار التنمية المستدامة تحدياً مشتركاً للشمال والجنوب، قال رئيس المجلس هيون ـ سونغ بارك انه، بالتوافق والتعاون، يستطيع الشباب تطوير حلول عملية وخلاقة للمساعدة في انقاذ أمنا الأرض.
إثر حفلة الافتتاح، نقل المشاركون الـ108 القادمون من 25 بلداً من العاصمة سيول الى بيونغ ـ تشانغ في قلب الريف الكوري. وعلى مدى خمسة أيام، استمعوا الى محاضرات وشاركوا بفعالية في المناقشات وابتدعوا عروضاً فنية وثقافية حول مواضيع تتعلق بالبيئة. ورغم تنوع خلفياتهم الأكاديمية والمهنية والثقافية، قرروا أن يفكروا أقل في اختلافاتهم وأكثر في مصالحهم المشتركة.
أقام كل عشرة أشخاص في منزل خشبي صغير. ومن خلال تقاسمهم حماماً واحداً، تعلموا أن يقصّروا وقت استحمامهم، وتحسسوا شحة المياه المتوافرة للبشر. وفي مكوثهم وسط غابة كريمة، تسنى لهم أيضاً أن يقدروا في كل ساعة جمال الطبيعة وثرواتها وقيمة الحياة الفطرية. إينا، الطالبة في علم الانسان الاجتماعي من ألمانيا، وصفت مشاعر "الخوف والاعجاب" التي انتابتها عندما شاهدت أكبر عنكبوت في حياتها أثناء تجوالها في الأحراج المحيطة بمركز المؤتمرات. قالت إنها في تلك اللحظة أدركت بشكل أوضح "قوة الطبيعة وأهمية الحفاظ على حياة جميع الأنواع".
خلال الأيام الأولى، قدمت عدة محاضرات لرفع وعي المشاركين حول الأضرار التي تسببها النشاطات البشرية، ولفتح آفاقهم تجاه خطط العمل الممكنة للحفاظ على البيئة. ماغلون ديجان ـ بون، رئيسة قسم التخطيط المكاني وهندسة المناظر الطبيعية في مجلس أوروبا، تكلمت حول قانون المناظر الطبيعية الأوروبي وتنفيذه. قالت ان المناظر الطبيعية عامل أساسي للرفاه الفردي والجماعي وجزء هام من نوعية حياة الناس، موضحة أهمية حمايتها وادارتها وتخطيطها كمورد للنشاط الاقتصادي، وخصوصاً السياحة. وقدم تشوي يي ـ يونغ، مدير التخطيط في الاتحاد الكوري للحركة البيئية (KFEM)، عرضاً للأخبار البيئية الأكثر اثارة عام 2003. وناقش مواضيع متنوعة، من تزايد مزارع الرياح في البحار الأوروبية الذي فتح عصر الطاقة المتجددة، الى الكوارث الناجمة عن احتراق آبار النفط واستعمال الأسلحة التقليدية وغير التقليدية في الحرب على العراق.
نقاشات وأفكار خلاقة
بعد كل محاضرة، انخرط المندوبون في مجموعات نقاش صغيرة متبادلين المعارف حول بلدانهم. ومن المواضيع الساخنة التي أثيرت الكائنات المعدلة وراثياً. شرح ستيفن، وهو طالب أميركي، كيف أن "الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات، مثل "مونسانتو"، تحتكر سوق المحاصيل المعدلة وراثياً في الولايات المتحدة وكندا، جاعلة أعداداً متزايدة من المزارعين تحت رحمتها". وأفاد معظم مندوبي البلدان النامية أنه، فيما تثير مسألة الكائنات المعدلة وراثياً جدلاً واسع النطاق في العالم الغربي، فان الناس في بلدانهم لا يدركون أنهم يشترون منتجات معدلة وراثياً. واتفق الشباب عموماً على ضرورة وضع ملصقات صريحة ومفصّلة على المواد الغذائية في كل مكان، واجراء مزيد من البحوث لفهم أثر الكائنات المعدلة وراثياً على النظام الايكولوجي.
مندوبو اندونيسيا وتايلاند، حيث تتقلص كتلة الغابات المطيرة بشكل مأسوي سنة بعد سنة، أبدوا مخاوف مشتركة من تأثيرات زوال الغابات على البيئة، مثل انجراف التربة والفيضانات وفقدان التنوع البيولوجي. سوتشادا تشانتشالور، وهي طالبة تايلاندية تحضّر لنيل الدكتوراه في الادارة العامة، عبرت عن ايمانها بطاقة المجتمع المدني الأكثر وعياً في الكفاح ضد الاستغلال الجائر للطبيعة. قالت ان "الرهبان البوذيين في تايلاند، في محاولة لانقاذ الغابة، يضعون حول الأشجار قطع قماش صفراء، هي رمز القداسة في الديانة البوذية، مما جعل السكان الذين هم متدينون في غالبيتهم يحجمون عن قطع الأشجار".
شملت مواضيع النقاش أيضاً الاقتصاد في الطاقة، والمشاركة في ركوب السيارة، واستعمال الدراجات كوسيلة نقل، وادارة النفايات، والحفاظ على الحياة الفطرية، وتصدير النفايات السامة من البلدان الغنية الى البلدان الفقيرة، وأهمية الاتفاقيات البيئية الدولية.
ونظمت نشاطات لتعزيز التفكير البيئي الخلاق. طُلب من المشاركين استخدام فنون متنوعة، مثل المسرحيات والرقص والتمثيل الايمائي، للتعبير عن أفكارهم حول مواضيع مثل زوال الغابات واعادة التدوير والنفايات النووية. فابتكرت احدى المجموعات مسرحية معبرة عن تزايد سكان العالم وعواقبه الاجتماعية والاقتصادية. ومفادها أن زوجين هنديين رزقا أولاداً كثيرين وهما يكافحان من أجل البقاء. وعندما فقدا الأمل، قرر الزوج أن يبيع أعضاءه. وصممت مجموعة أخرى تشكيلة كاملة من ملابس أعيد صنعها من قطع بلاستيك وأسلاك ومواد أخرى توجد في القمامة. وقدم أعضاء المجموعة "عرض أزياء بيئياً"، قاصدين إبلاغ رسالة حول أنماطنا الاستهلاكية الحالية غير المستدامة.
في الاتحاد قوة
مع انتهاء المنتدى، كان المشاركون تحاوروا عن كثب حول القضايا البيئية المختلفة. لذلك، عندما مثَّلوا أدوارهم في "محكمة البيئة"، كانوا مستعدين لتوضيح أفكارهم بطريقة مقنعة. وقد دار موضوع المحكمة الصُوَرية حول التنمية الاقتصادية وتدهور البيئة. وبعدما تداولوا في تأثير التنمية على كوكبنا، توصلوا الى نتيجة أنه، من أجل تحقيق تنمية مستدامة، ينبغي على الشركات أن تتحمل مزيداً من المسؤولية في حماية البيئة، وعلى الحكومات تشجيع ودعم استخدام التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
وفي المساء، في بيانهم الأخير، التزموا جميعاً أن يكونوا نشطين في حماية البيئة، باستهلاك أقل، وبالاقتصاد في الطاقة، وبرفع الوعي في محيطهم، الى تعهدات أخرى. وفي الحفلة الختامية، كان من الصعب ترداد كلمة "وداعاً"، لكن التجربة كانت غنية للجميع. ولعل كلمات ليم يان ليه، وهو طالب في الاقتصاد من سنغافورة، هي لسان حال جميع المشاركين: "ان مجيئنا الى هنا هو عمل إرادي مهم، لأن الناس اذا اجتمعوا أكثر لبحث همومهم، فستصبح أوجه الاتفاق أكثر من أوجه الخلاف في أنحاء العالم. واذا تبادل الناس أفكارهم بسخاء أكبر، كانت الحلول أكثر من المآسي".
كادر
شابة من الفيليبين: بين الديناميكية والجمود
جوي مشاركة من الفيليبين، بدأت العمل مؤخراً أمينة مكتبة في معهد مكسيمو كالاو للتنمية المستدامة. في البداية، عندما رأت حماسة الشباب في بلادها لمعرفة المزيد عن البيئة، رغم وضعهم الاقتصادي الصعب، شعرت بدافع قوي للعمل البيئي. وهدف المعهد، بحسب وصفها، هو "توفير مستقبل بديل، حيث تتأمن للأفراد فرص متساوية للاستفادة من موارد الطبيعة ومن الوسائل التي تمكنهم من أن يجنوا منها ما يكفيهم من رزق".
لكن جوي تدرك الجهد الهائل اللازم لبلوغ أهداف مثل العدالة والرعاية الاجتماعية للجميع، في بلد يعيش معظم سكانه بموارد قليلة جداً. ولا تخفي اشمئزازها عندما تتكم عن الفساد، وكيف أن السياسيين يضحّون بالبيئة لمصلحة الصناعات الملوِّثة المربحة. لكنها، رغم مرارتها، ليست على استعداد لفقدان الأمل.
وتتذكر كلمات مكسيمو كالاو مؤسس المعهد الذي تعمل فيه: "التنمية المستدامة عملية ديناميكية، وليست هدفاً ساكناً".
كادر
الأراضي الرطبة جديرة بالحياة
المسطحات الطينية بيئات طبيعية مميزة تنتشر في أنحاء العالم. انها موئل طبيعي لمجموعة واسعة من الحياة البحرية والحيوانات والطيور. وهي تعيد شحن الطبقات المشبعة بالمياه، وتعمل كمرشحات (فلاتر) طبيعية للمياه الملوثة، وتحمي الشاطئ من العواصف والأعاصير.
ولكن رغم الاتفاقيات الدولية المتعددة التي تعترف بأهمية المسطحات الطينية والحاجة الى حمايتها، فقد صنَّفتها الحكومة الكورية كمناطق عالية الأولوية للتنمية الاقتصادية. واذ اعتبرت السلطات أن الأراضي الرطبة "غير منتجة" وليست لها قيمة نقدية أو بيولوجية، فقد تم تنفيذ مشاريع استثمارية لتجفيفها وتحويلها الى أراض زراعية.
بالمقارنة، صنفت حكومة ألمانيا مسطحاتها الطينية على أنها منتزهات وطنية من أجل حمايتها.
مسطح سيمانجيوم، الذي يقع في جنوب غرب كوريا الجنوبية، هو واحد من المسطحات الطينية الخمسة الأهم ايكولوجياً. ولكن، على حساب دمار للنظام الايكولوجي لا يمكن اصلاحه، يجري إنشاء حاجز بحري في هذه الأراضي الرطبة الساحلية. ويحذر الاتحاد الكوري للحركة البيئية من أن الكميات الهائلة من التربة والحجارة اللازمة لانجاز هذا المشروع سيكون لها تأثير سلبي على الأراضي الجبلية. كما أن المشروع سيؤثر على حياة مئات الأنواع من الطيور المهاجرة والكائنات المائية التي تحتاج الى الأراضي الرطبة للحصول على الغذاء وللتعشيش. وبعد انجاز هذا السد البحري، فان أنواعاً كثيرة من الكائنات، مثل القواقع والقشريات والطيور البحرية ودود الأرض، ستختفي من المسطح الطيني.
واداركاً من السكان المحليين بأن مشروع سيمانجيوم سيدمر في النهاية بيئتهم ويلحق الضرر بمستوطناتهم، فانهم يبدون معارضة قوية للمشروع، مدعومين من قادة دينيين ومنظمات غير حكومية. وتجد حركة المعارضة هذه أصداء ايجابية على الصعيد العالمي، حيث الحكومات والهيئات المدنية تواصل حث الحكومة الكورية على احترام اتفاقية رامسار الخاصة بحماية الأراضي الرطبة.
ويأمل الكوريون أن تساعد هذه الجهود في ابقاء مسطحاتهم الطينية على قيد الحياة.