في قمة الألفية التي عقدت في أيلول (سبتمبر) 2000، أكدت الأمم المتحدة الالتزام بالعمل نحو عالم تكون الأولوية فيه لتعميم التنمية والحفاظ على التوازن البيئي والقضاء على الفقر. في هذا الاطار، تم تطوير ما سمّي "الأهداف الانمائية للألفية"، حيث وضعت أهداف للتحقيق مع حلول سنة 2015. بعد سنة تماماً من قمة الألفية، وقعت أحداث 11/9/2001، التي حولت كثيراً من الاهتمام نحو مفهوم الأمن. وفي أيلول (سبتمبر) 2002، انتهت قمة الأرض في جوهانسبورغ الى تأكيد خجول لأهداف الألفية، من دون آلية واضحة للتنفيذ.
ما زال أمامنا 11 سنة للوصول الى علامة 2015. فأين وصلنا؟
لنتذكر بعض أهداف الألفية: فبين 1990 و2015، وعدت بتخفيض عدد الفقراء والجياع الى النصف. مع نهاية 2004، ما زال أكثر من 1,2 مليار انسان يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً، و840 مليون شخص يعانون الجوع. وفي حين يبدو هذا الهدف ممكن التحقيق مع سنة 2015 في الهند والصين، الا أن بلوغه صعب جداً في افريقيا.
ومن أهداف الألفية حصول كل الأطفال على التعليم الابتدائي سنة 2015. وفي حين ما زال أكثر من 100 مليون طفل خارج المدرسة اليوم، الا أن تحقيق هذا الهدف يبدو ممكناً في معظم مناطق العالم، ما عدا افريقيا. أما تخفيض نسبة وفيات الأطفال تحت سن الخامسة بنسبة الثلثين، وتحسين صحة الطفل والأم، فممكنة التحقيق سنة 2015 بالتكنولوجيات الطبية المتوافرة، إذا أحسن استخدامها. وتبقى حظوظ النجاح 50/50 لأن هذا يتوقف على تعميم الخدمات الطبية في المكان والوقت المناسبين. وبينما تطمح أهداف الألفية الى وقف انتشار مرض العوز المناعي المكتسب (الايدز) سنة 2015، والقضاء على الملاريا والأوبئة، فتقارير التقدم الآن لا تبشر بالخير. وتدعو أهداف الألفية الى ادخال مبادئ الادارة البيئية والتنمية المستدامة كجزء عضوي في السياسات الوطنية، ووقف تدهور الموارد. كما تدعو الى تخفيض نسبة الأشخاص الذين لا يحصلون على مياه نظيفة وخدمات صرف صحي الى النصف. ومن الواضح اليوم أن تحقيق هذه الأهداف بحلول سنة 2015 سيكون شبه مستحيل في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا.
الجميع يكرهون المواعيد القصوى، سواء كانت ببساطة لترتيب المنزل أو لتنظيم الادارة المالية أو الضرائب وما الى ذلك. لكنها جزء هام من حياتنا اليومية. و"الموعد الأقصى" الذي سيكون هاماً جداً للعالم أجمع هو سنة 2015.
ويبدو أن هذا الموعد الأقصى ما زال بعيداً، لكنه ليس ببعيد المنال لو أخذت في الاعتبار التغيرات والتحسينات الهائلة التي ينبغي على العالم القيام بها للوفاء بهذا الموعد الأقصى. لقد تعهدت جميع البلدان أنها ستفي به، لكن السؤال يبقى ما اذا كانت ستنجح. فبالنسبة الى البلدان الأفقر، يبدو كثير من هذه الأهداف محالاً.
الآراء منقسمة. في العام الماضي، قال مناصر القضايا الافريقية المغنّي بونو إن افريقيا "بعيدة مئة سنة عن الوفاء بأهداف الألفية. لكن سليل شطي، مدير حملة الأهداف الانمائية للألفية، وهو هندي، قال ان التطورات التي حدثت في بلدان افريقية تعد بالخير، مؤكداً ضرورة ممارسة ضغط على الحكومات التي التزمت بالأهداف كي لا تبقى افريقيا متخلفة عن بقية العالم. أضاف: "المسألة ليست استحالة تحقيق هذه الأهداف، فهي ضمن الامكانات، وهي واقعية وعملية. ولكن لا بد من محاسبة أداء الحكومات في هذا الصدد".
يزعم بعض الناس أنه ما دامت البلدان النامية رازحة تحت ديون كبيرة جداً فلن تُستوفى أهداف الألفية على الاطلاق. فهذه البلدان تسدد لدائنيها أكثر من 43 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من 1000 دولار في الثانية. والبلدان الغربية مسؤولة جزئياً عن الديون المرتفعة من خلال إقراض مبالغ هائلة الى أنظمة فاسدة، غالباً لاعتبارات سياسية أو اقتصادية. وقد أثبتت أبحاث أن بلداناً افريقية لا يترتب عليها تسديد ديونها أنفقت 70 في المئة أكثر على الرعاية الصحية و40 في المئة أكثر على التعليم. وهكذا فان جزءاً من المال الاضافي كان ينفق في واقع الأمر على الرعاية والتعليم. والمشكلة هي أن بعض البلدان التي تلغي تسليفات التصدير سوف تقتطع هذا المبلغ من موازنة المساعدات التنموية، بحيث يتوافر مال أقل للمشاريع الجارية.
هناك حاجة الى أموال كثيرة وعمل شاق والتزام وإرادة حسنة. ولن تفرض أي عقوبات في حال عدم تحقيق أهداف الألفية بحلول سنة 2015، ولكن عار على العالم المتقدم ألا يتمكن من الوفاء بالتزاماته، جزئياً على الأقل.
منتدى دافوس: التقدم في البيئة 3 من 10
المنتدى الاقتصادي العالمي، المعروف عموماً بـ "منتدى دافوس"، هو هيئة اقتصادية مستقلة وذات نفوذ، تسعى الى "توفير اطار تعاوني لقادة العالم لمواجهة القضايا العالمية، وترويج المؤسساتية في تحقيق المصلحة العامة العالمية". وفي رأي المنتدى أن العالم يفعل القليل للوفاء بوعوده حول استئصال الفقر، وأن جهود تحقيق أهداف الألفية تترنح وتتداعى. وطوال سنة عملت "مبادرة الحكمية العالمية" التي أطلقها المنتدى على تحليل التقدم الذي أحرزه العالم لتحقيق الأهداف، وقيَّمت المنجزات على مقياس من نقطة واحدة الى 10 نقاط.
السلام والأمن سجلا 3 نقاط. يقول المنتدى ان الناحية الايجابية هي أن لا حروب أهلية جديدة نشبت في 2003، رغم أن العالم فشل في منع الحرب في العراق.
الفقر سجل 4 نقاط، وقد أُثني على السياسات المحلية والجهود الفردية لتحسين حياة الملايين، رغم انعدام التقدم عالمياً.
الجوع أحرز 3 نقاط فقط، مع تعليق يقول ان "شرائح واسعة من البشرية ستواجه جوعاً متزايداً ما لم تتغير السياسات التجارية الدولية.
التعليم نال 3 نقاط أيضاً، لأنه رغم التقدم "المؤثر" الذي حدث مؤخراً باتجاه تأمين التعليم الأساسي والتكافؤ الجنسي، فان 96 بلداً على الأقل هي بعيدة عن الهدف.
الصحة أحرزت 4 نقاط، مع "كثير من المبادرات الجديدة والواعدة" حول العوز الأيدز) وأوبئة أخرى.
البيئة "كئيبة الى حد كبير"، مع "ضعف أدلة" على أن العالم كان يفكر بجدية في شأن تغير المناخ والتنوع البيولوجي وماء الشرب المأمون. وقد سجلت البيئة 3 نقاط.
حقوق الانسان بانت "مشوشة جداً"، فسجلت 3 نقاط أيضاً. وانتقد المنتدى سوء معاملة المهاجرين وأولئك الذين يُحتجزون للاشتباه بتورطهم في أعمال ارهابية.
وقال مدير المنتدى ريتشارد سامانز ان "المجتمع الدولي ببساطة لا يبذل جهداً كافياً، والتقرير يسلط ضوءاً مستقلاً على الفجوة الكبيرة بين طموحاتنا وأفعالنا".
ويقدر خبراء أن مساعدات التنمية التي تقدمها البلدان الغنية الى الفقراء يجب مضاعفتها، من 50 مليار دولار الى 100 مليار سنوياً، للوفاء بأهداف الألفية. الولايات المتحدة، التي تقدم أقل المساعدات كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي لأي دولة كبرى، أعلنت مؤخراً زيادة ميزانيتها الخاصة بالمساعدات بمقدار 5 مليارات دولار سنوياً.
التنبوء بالمستقبل: 4 سيناريوهات
استشراف الغد ليس مهمة سهلة. ومع ذلك تطالعنا على الدوام سيناريوهات محتملة تضعها مجموعات بحث حول العالم باتت تعرف بـ"خزائن الأفكار" (think-tanks). هذه السيناريوهات لا تكشف أموراً حول المستقبل فحسب، وإنما تخبر أيضاً عن الحاضر. فالسيناريو المكتوب بعد أيلول (سبتمبر) 2001 يشمل الارهاب كعامل رئيسي. والسيناريو الذي يكتب في فترة نمو اقتصادي يُبنى تقريره على مزيد من النمو. والى هذا، كثيراً ما يعكس السيناريو المستقبلي الافضليات السياسية والمخاوف والآمال الشخصية للمؤلف.
طُلب من أربعة مسؤولي تنمية اوروبيين كتابة أربعة سيناريوهات مختلفة على أساس نظرتهم الى العالم سنة 2015. فهل ستطغى آنذاك النزعة الفردية "أما بعدي فالطوفان"، أم سيكون العالم "قرية" متضامنة واحدة؟
سيناريو "البقاء للأقوى"
التقدم يكافأ، والذين يتخلفون سيكونون متخلفين أكثر فأكثر. العولمة لا تؤدي الى عالم موحد واحد وإنما الى عالم طبقي، فيه قصور وفيلات فخمة على جهة وأحياء بؤس على جهة أخرى. وهاتان المجموعتان المتعارضتان ترتاب إحداهما من الأخرى بشدة، والأمل ضئيل بردم الفجوة بينهما.
لقد بدأت الأمور على خير ما يرام في مطلع القرن الحادي والعشرين. فتحرير السوق والتجارة الحرة كان يفترض أن يستأصلا الجوع على المدى البعيد، والمحاصيل المعدلة وراثياً كان يؤمل أن تجعل من افريقيا أهراء العالم. ولكن لم يحدث شيء من هذا. فشلت الاتفاقيات التجارية، وكل بلد وضع مصلحته الخاصة في المقام الأول. وفي مواجهة العولمة، تقوقعت بعض البلدان داخل هويتها الثقافية، في حين تحولت بلدان أخرى الى العنف كردة فعل على فقدان هذه الهوية.
عالم 2015 يضم مجموعة صغيرة من البلدان الغنية وعدداً متزايداً من الفقراء والبائسين.
في افريقيا، لم تعد الدولة شريكاً موثوقاً به. بعض البلدان تحكمها أنظمة فاسدة كلياً، وفي بلدان أخرى يتولى قادة الجماعات المسلحة زمام الأمور.
انتاج الغذاء شبه معدوم، والاستثمارات والمعونات الأجنبية ناضبة تماماً، بسبب الوضع غير المستقر. ولا وجود للتضامن ومساعداعت التنمية.
وفق هذا السيناريو سيكون تتابع الأحداث كما يأتي:
2005: الولايات المتحدة ترفع يديها عن نزاع الشرق الأوسط...
2006: البلدان الغربية تقفل حدودها في وجه المهاجرين...
2007: الولايات المتحدة توقف عمل الوكالة الاميركية للتنمية الدولية...
2008: مؤتمر الشمال ـ الجنوب الهام يفشل بعد تصاعد النزاعات...
2009: ثلاثة آلاف أبيض يفرّون من جنوب أفريقيا...
2011: اندونيسيا تتفكك...
2013: العصابات المسلحة تهيمن على البيرو والبرازيل...
2015: الأفارقة ينزحون الى الغرب بأكبر أعداد في التاريخ...
سيناريو "خانات المعلوماتية"
ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تفرض ضغطاً على الأنماط الاقتصادية والاجتماعية التقليدية. الشبكات المرنة العالمية الانتشار حلت مكان البيروقراطيات القديمة، التي كانت بطيئة وصارمة لكنها كانت على الأقل توفر بعض الدفء وتقدم نوعاً من شبكة أمان. الأفراد يبنون نسختهم الحديثة من "الخانات" القديمة. ضمن هذه المحطة (الشبكة) الوضع مأمون ومريح، أما في الخارج فالبرد وقحل الصحراء.
عالم 2015 هو عالم الشبكات التي تؤدي الى الفردية. تفككت الصلات المحلية والاجتماعية، والمرونة هي الجهاز. الشركات العالمية الكبرى غير قادرة على الصمود في وجه اللاعبين المرنين الصغار. وافريقيا؟ أي افريقيا؟ ان "الفهود الصيادة"، وهي التسمية التي تطلق على الاقتصادات المزدهرة في افريقيا، ستكون الاقتصادات الاسرع نمواً في العالم سنة 2015.
الفجوة بين الأغنياء والفقراء لم تختفِ، وانما تشعبت. والى جانب الفهود الصيادة نرى كثيراً من البلدان الافريقية التي فشلت في الانضمام الى ثورة الشبكات. تلك هي البلدان التي عانت من حكومات رديئة ومشاكل داخلية، ووضعها يشتد سوءاً. وللفقر وجه آخر: فلا تحدده بعد اليوم ظروف جغرافية وانما بنية تحتية و"بنية معلوماتية". والاستثمارات في هاتين البنيتين تترجَم بسهولة ارتفاعاً في الدخل، ولكن في خيوط الشبكة يضرب الفقر بضراوة أكثر من أي وقت مضى.
وفق هذا السيناريو:
2007: تكنولوجيا جزيئات "النانو" تطبق أولاً في العالم الطبي...
2008: الاقتصاد العالمي ينمو أسرع من أي وقت مضى...
2008: غانا تصبح مورِّداً رئيسياً للمكمِّلات الغذائية...
2009: آخر مزارع هولندي يستخدم الخيم البلاستيكية يقفل خيمه...
2009: شركات جنرال إلكتريك ومايكروسوفت وإكسون وفيليبس تتوقف عن العمل...
2009: مؤيدو التجارة العادلة يركبون كاميرات إنترنت في مزارع البن لمراقبة حياة عائلات المزارعين...
2011: مزيد من النزوح داخل افريقيا، خصوصاً الى بلدان "الفهود الصيادة"...
2015: عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار في اليوم بات أقل من مليار، لكن وضع الذين ما زالوا فقراء يتدهور بسرعة...
سيناريو "العولمة المحلية"
النمو المستدام والاستقرار والأمن تتصدر جدول أعمال المنظمات الوطنية والعالمية. لكن بطء عملية صنع القرار يثبط عزم كثيرين. الخطط والأهداف الجميلة نادراً ما تثمر نتائج محلية، والمصالح المحلية والعالمية تتداخل أكثر فأكثر.
عملية العولمة والتحرر التي انطلقت في بداية القرن الحادي والعشرين ترسم شكل العالم شيئاً فشيئاً. وقد استفادت من هذا الوضع شركات كبرى في الغرب وشركات صغرى في بلدان نامية، فأصبحت مورِّدة في صناعة الخدمات، وبات بعضها من اللاعبين المهمين. أصبحت الدول النامية من الموردين الرئيسيين للمنتجات الزراعية.
وتراجع الفقر مقارنة بما كان عليه في بداية القرن الحادي والعشرين، والفضل جزئياً لـ"مساعدات الانماء" التي تم ترشيد استعمالها. لكن الوضع يتدهور في عدد صغير من البلدان، غالباً بسبب الافتقار الى بنية تحتية ومواد أولية، أو لأن التربة غير مناسبة للزراعة. وثمة شعور عالمي بعدم الرضى عن هذا الوضع وعن بطء العمل لتغييره. الفقر مستنكَر في عالم معولم. والعالم عموماً يناهض بقوة "عالم ماكدونالد" هذا، الذي يترك حيزاً صغيراً جداً للتنوع الثقافي.
وفق هذا السيناريو تتوالى الأحداث هكذا:
2005: توقع اسرائيل وفلسطين اتفاقية سلام...
2006: مؤتمر دولي كبير حول التنمية الاقتصادية...
2007: استثمارات أجنبية أكثر من أي وقت مضى...
2008: أدلة قاطعة: مستوى البحر يرتفع بشكل انفجاري...
2009: احتجاج المستهلكين حول العالم، مقاطعة الشركات المتعددة الجنسيات...
2009: القادة الأفارقة يتفقون على تذليل المشاكل معاً...
2010: نداء عيد الميلاد: أصغوا الى صوت الفقراء...
2011: غضب شعبي على ضعف معالجة المشاكل البيئية...
2013: منظمات المساعدة الدولية تأخذ دور مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين...
سيناريو الانعزال
العالم المعولم هو عالم أخطر، حيث تتفاقم النزاعات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدان. بعض المناطق تقلص الاتصالات مع مناطق أخرى وتعتمد أكثر على نفسها. وهذا، بالنسبة للمناطق الأفقر على وجه الخصوص، يعني ديناميكيات بطيئة وركوداً في التنمية.
العلامات الأولى لهذا التحول اتضحت في بداية القرن الحادي والعشرين. فبسبب الركود الاقتصادي، سيزداد التوتر بين القوى السياسية الكبرى في العالم. أوروبا والولايات المتحدة تتنافسان أكثر على الوقود الاحفوري والمعادن الاستراتيجية، ولا تستطيعان الاتفاق بسهولة على أمور مثل الماء والغذاء والبيئة. الشركات المتعددة الجنسيات تخسر قوتها بسبب عزلة الولايات المتحدة. وفي سنة 2015 يكون العالم منقسماً الى عدد كبير من الأقاليم المستقرة نوعاً ما. وتحدث التجارة بشكل أساسي بين هذه الأقاليم.
الأوضاع المعيشية والأمن أولويات في هذه الأقاليم، وهي على خير ما يرام. ولكن في مناطق أخرى، خصوصاً في وسط وشرق افريقيا وجنوب آسيا والقوقاز، الوضع مأسوي: فالناس هناك يعانون من العوائق التجارية وانعدام الاستثمارات الأجنبية. المناطق المزدهرة تستخدم أموال المساعدات لتيسير حاجاتها المحلية. والمنظمات المانحة الخاصة لا تقدم الا معونات طارئة.
وفق هذا السيناريو:
2005: سعر النفط يرتفع دراماتيكياً...
2005: هجوم بأسلحة بيولوجية في لندن...
2006: اكتشاف فيروسات في السلاسل الغذائية يؤدي الى فرض قيود على التجارة العالمية...
2007: دولة جنوب افريقيا تؤمم المناجم...
2007: الجيوش العربية تطرد اسرائيل من الأراضي المحتلة...
2007: مجلس الأمن يجتمع للمرة الأخيرة...
2009: كوبا تنضم الى اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية (NAFTA)...
2010: حرب بين اثيوبيا وارتريا، والمجتمع الدولي لا يتدخل...
2012: اطلاق أول قمر اصطناعي جنوب أفريقي...
2014: اوروبا تنتخب أول حكومة اتحادية...
طبعاً، هذه مجرد تخمينات. ولكن نأمل أن تجعلنا نتساءل عما قد نصير اليه، ونرى صورة أوضح للتحديات التي تواجهنا حالياً، وتساعدنا كي نتوقع ونمنع كوارث محتملة في المستقبل.
"إم...دي...جي"
د.عصام الحناوي
"إم.دي.جي" ليس اسماً حركياً مثـل "ثعلب الصحراء" أو "عاصفـة الصحراء" أو "الصدمـة والترويع"، وليس اسماً لقناة فضائية، أو فرقـة غنائية أو سلاح جديد. الـ "إم.دي.جي" هو اختصار، او اسم "دلع"، للـ Millenium Development Goals (الأهداف الإنمائية للألفية) التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة في اجتماع قمة الألفية الذي عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك في أيلول(سبتمبر) 2000، وتم إقرارها بموجب القرار رقم 2/55 في الشهر ذاته بعنوان "إعلان الألفية للأمم المتحدة".
الـ "إم.دي.جي" ثمانية هي:
1. القضاء على الفقر المدقع والجوع.
2. تعميم التعليم الابتدائي في العالم.
3. تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
4. تخفيض وفيات الأطفال.
5. تحسين صحة المرأة الحامل.
6. مكافحة مرض الإيدز والملاريا والأمراض الأخرى.
7. التأكيد على استدامة البيئة.
8. إقامة شراكة عالمية للتنمية.
ما من شيء جديد في هذه الأهداف. فلقد سبق طرحها مراراً فى توصيات عشرات المؤتمرات التي عقدتها الأمم المتحدة منذ مؤتمر استوكهولم عام 1972. ويبدو أن المنظمة أحست بهرولتها في طرح هذه الأهداف، فسارعت الى عقد اجتماع لخبرائها من الأمانة العامة وبرناج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والإنمائي(OECD) لوضع ترجمة للقرار 2/55. وخلصت مجموعة الخبراء (وكلهم من موظفي هذه الهيئات ومن خبرائها من الدول المتقدمة الذين ليست لديهم خبرات كافية ومتعمقة بمشكلات الدول النامية) الى صياغة "خريطة طريق" (هكذا سميت) لتطبيق إعلان الألفية. وتم طرح هذه الخريطة على الجمعية العامة للأمم المتحدة التيأقرتها فيأواخر 2001. وفي خريطة الطريق تم تفكيك الأهداف الثمانية الى 18 هدفاً فرعياً، وتحديد 48 مؤشراً لقياس مدى التقدم في تحقيق هذه الأهداف.
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان. فبدلاً من أن تكون السنة المرجعية هي سنة 2000 التيأعلنت فيها الـ "إم.دي.جي"، حددتها مجموعة الخبراء بسنة 1990. وهذا خطأ علمي فادح، لأنه سيطمس حقيقة السير نحو تحقيق أهداف الألفية التيأعلنت فيالعام 2000 وليس فيالعام 1990. فعلى سبيل المثال، ينص أحد أهداف الألفية على وجوب تخفيض نسبة السكان الذين يعيشون فى فقر مدقع (يقل دخل الفرد منهم عن دولار واحد يومياً) الى النصف بحلول سنة 2015. أي انه اذا كانت نسبة هؤلاء السكان 50 في المئة عام 2000، فيجب خفضها الى 25 في المئة بحلول 2015. واستخدام نسبة السكان الذين عاشوا في فقر مدقع عام 1990 كأساس لحساب التقدم (نسبتهم أكبر من تلك في 2000) سوف يؤدي الى نسبة تزيد على 25 في المئة سنة 2015.
ولم يقتصر الأمر على هذا. فقد سارع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الى حث الدول على اعداد تقارير قطرية عن مسار تحقيق أهداف الألفية، بالرغم من أنه لم يمض على نشر خريطة الطريق التي تحتوي على تفاصيل المؤشرات وغيرهاأكثر من عام. ولا يمكن للدول اعداد مثل هذه التقارير، لأن هذا يتطلب فترة قياس زمنية لا تقل عن خمسة أعوام كاملة (بافتراض أن هناك جهوداً اضافية ستبذل لتحقيق الأهداف). ولقد سارعت كل من الجزائر والبحرين ومصر ولبنان وموريتانيا والمغرب والسعودية وسورية وتونس واليمن، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الى اصدار تقارير قطرية، ما ورد فيها هو تكرار لبيانات نشرت في تقارير التنمية البشرية القطرية أو الاقليمية أو تقارير منظمات الأمم المتحدة السنوية منذ العام 1990 وحتى 2001، ولا تذكر شيئاً عن الفترة من 2000 الى 2004، أيأعوام ما بعد إعلان الألفية. والأمر نفسه ينطبق على التقرير الذيأعده برنامج الأمم المتحدة الانمائي عن اهداف الألفية في الدول العربية والمنشور عام 2003، والذي تجاهل كلياًأنه، مع الأوضاع غير المستقرة في الصومال والسودان، واحتلال العراق وما فيه من مآسٍ، وتردي الأوضاع والقتل اليومي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق الـ "إم.دي.جي".
كذلك أصدر الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً تقريراً رقمهA/59/282 بعنوان " تنفيذ اعلان الأمم المتحدة للألفية"، لعرضه على الجمعية العامة المنعقدة حالياً، فيه مؤشرات تعود كلها الى 1990 (كسنة مرجعية) ويحدد التطور حتى 2001. وكلها مؤشرات قديمة منشورة في التقارير السنوية المختلفة لمنظمات الأمم المتحدة. ولم يحاول التقرير أن يركز على الفترة من 2000 الى 2004 ويوضح التحديات المختلفة التي تواجه وستواجه الدول في تحقيق أهداف الألفية.
وتعتبر مؤشرات تحقيق الاستدامة البيئية التي وردت في خريطة الطريق بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد وردت مؤشرات القياس التالية:
1. نسبة الأرض المغطاة بالغابات.
2. نسبة المساحة المحمية للحفاظ على التنوع البيولوجي.
3. استخدام الطاقة (كيلوغرام نفط مكافئ لكل دولار من الناتج المحلي الاجمالي).
4. انبعاثات غاز ثانيأوكسيد الكربون للفرد، واجمالي استهلاك مركبات الكلوروفلوروكربون التي تسبب تآكل طبقة الأوزون.
5. نسبة السكان الذين يستخدمون الوقود الصلب.
6. نسبة السكان الذين لديهم امدادات مياه للشرب في الحضر والريف.
7. نسبة السكان الذين لديهم خدمات صرف صحي في الحضر والريف.
8. نسبة الأسر التي لديها مسكن مضمون.
لاشيء عن تلوث الهواء والماء، أوتدهور التربة والتصحر، أو المخلفات المنزلية الصلبة والمخلفات الخطرة، أو تلوث البيئة البحرية وتدهور المناطق الساحلية...الى غير ذلك من مشكلات بيئية ملحة في الدول النامية.
عن أي استدامة بيئية يتحدثون إذاً؟ وعن أي "إم.دي.جي"؟ ولمن؟ الله أعلم.