كنا في المنامة مع مجموعة من الخبراء لبحث المساهمة العربية في تقرير توقعات البيئة العالمية الرابع (جيوـ4 ) الذي يحضّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة لاصداره سنة 2007. فلاحظنا أن التقرير الثالث، الذي صدر عام ،2002 احتوى على أربعة سيناريوهات كانت نتائجها جميعاً كارثية على العالم العربي. وحاولنا اقتراح أسس لاتجاه إيجابي، يضع المنطقة العربية على الطريق الصحيح نحو تحقيق تنمية قابلة للاستمرار.
قدم التقرير الأخير أربعة ''سيناريوهات ذكية'' هي: ''السوق أولاً''، حيث التجارة الحرة واستثمارات الربح السريع تطغى على كل ما عداها. و''السياسات الانمائية أولاً''، حيث يفترض في الحكومات أن تضع خططاً انمائية ذات أهداف اجتماعية وبيئية متوازنة مع النمو الاقتصادي. و''الأمن أولاً''، حيث يؤدي طغيان اعتبارات الحماية والسلامة الداخلية الى نشوء مجتمعات منعزلة وتراجع برامج مساعدات التنمية الدولية وزيادة الهوة بين الأغنياء والفقراء. وأخيراً، سيناريو ''الاستدامة أولاً''، الذي يفترض قيام نظام عالمي مثالي، تضع فيه الدول اعتبارات التنمية المتوازنة في المقدمة. وبينما تبين من السيناريوهات الافتراضية أن الوضع في معظم مناطق العالم سيتحسن إذا ما تبنت واحداً من الخيارات التي تقوم على تحسين السياسات الانمائية، فمصير العرب بدا مظلماً مهما يكن الخيار! واتفقنا على أن المساهمة العربية في تقرير عام 2002 جاءت مشوشة وغير واقعية، مما انعكس في النتائج الكارثية. ووجدنا أنه من غير المقبول أن نعجز عن وضع سيناريو واقعي يكون دليلاً للدول العربية من أجل اعتماد سياسات انمائية متوازنة قابلة للتطبيق.
أحد الزملاء اقترح أن تكون ''مبادرة'' جامعة الدول العربية إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002 أساساً للمساهمة العربية في التقرير العالمي الجديد. فعدنا الى نص هذه ''المبادرة''، التي لم تتجاوز إعلان النيات والمواقف العمومية، ولم تضع أية خطة عمل أو آليات للتنفيذ. ولاحظنا أن ''المبادرة'' حددت، في فقرتها الأخيرة، ثلاثة مجالات ذات أولوية، هي الموارد المائية ومكافحة التصحر وادارة المناطق الساحلية، ووعدت بأن ''البرامج الثلاثة والمشاريع ستكون جاهزة للاعتماد من خلال الآليات الاقليمية في أواخر تشرين الأول / اكتوبر 2002".
وحين طلبنا مراجعة البرامج والمشاريع الموعودة، فوجئنا أنه بعد مرور سنتين على الموعد، لم يتم إعداد أي برنامج أو مشروع لتحويل النص العام الى مبادرات فعلية. فهل تقتصر المساهمة العربية في تقرير سنة 2007 على تمنيات خطابية، تقودنا من كارثة الى أخرى؟ وتساءل بعضنا لماذا لا تتجاوز مؤسساتنا البيئية، المحلية والاقليمية، العناوين العامة إلى التفاصيل. فماذا يعني عنوان ادارة المناطق الساحلية اذا أهملنا دراسة المشاريع العملاقة التي تحدث تبديلاً أساسياً في البيئة البحرية لبعض شواطئ الخليج العربي والبحر الأحمر؟ وماذا يعني كلامنا العام عن إدارة المياه والأراضي إذا لم ندرس آثار مشاريع مثل توشكى في مصر حيث يتم جر مياه النيل الى الصحراء، أو ''النهر العظيم'' في ليبيا، أو استنفاد المياه الجوفية في بعض مناطق الخليج؟
بينما تغرق مؤسساتنا البيئية في العموميات، يستمر التدهور البيئي على مدى العالم العربي. على الأقل، فلتجمع هذه المؤسسات أرقام البنك الدولي عن التدهور البيئي، من خلال الدراسات التي نشرت خلال السنتين الماضيتين. فهي تظهر أن العالم العربي يخسر سنوياً أكثر من 20 مليار دولار لأسباب بيئية، خاصة تلوث الهواء والتربة والمياه وتدهور المناطق الساحلية. الخسارة الاقتصادية من التدهور البيئي تتجاوز 3 مليارات دولار في مصر وحدها، أي نحو 5 في المئة من مجمل الناتج القومي. وهي تصل الى 700 مليون دولار في سورية و500 مليون دولار في لبنان. هكذا، فخسارة العرب الاقتصادية من اهمال البيئة تتجاوز كل معدلات النمو. إذاً، نحن واقعياً في حالة إفلاس.
آن الأوان لنضع الأصبع على الجرح، ونطوّر خططاً عملية تكون بديلاً للواقع المخزي والسيناريوهات السقيمة.
|