بغياب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تخسر البيئة العربية وجهاً مشرقاً كان يشكل علامة فارقة في نظرته الثاقبة الى العلاقة بين البيئة والتنمية. كان حب الطبيعة عنده شغفاً فطرياً. وقد خبرتُ هذا شخصياً في مقابلة مع سمو الشيخ زايد في تشرين الأول (أكتوبر) 1997، تحدث فيها على مدى ساعتين بعفوية وعمق عن فلسفته في الطبيعة والبيئة والتراث والتنمية والتطور، متمنياً لو يصبح الاهتمام بالطبيعة باباً الى التعاون العربي.
في اللحظة الأولى لجلوسك مع هذا الرجل تشعر بتواضع العظماء والصفاء والعمق والالمام بالتفاصيل ومحبة الناس. هو يحب بلاده بلا حدود ويعرفها شبراً شبراً. لا تفوته شاردة ولا واردة: "خذوهم الى الغابات. لا تنسوا غابة بينونة. وانتبهوا، لا تلحقوا الظباء بالسيارات لئلا تخيفوها".
حدثنا الشيخ زايد بشمول وتواضع عن تخضير الامارات. وحين قمنا بجولتنا للاطلاع على معالم النهضة البيئية على الطبيعة، وجدنا ان الانجازات تفوق بأضعاف ما قرأناه وسمعنا عنه. فالمساحات الخضراء التي تمتد عميقاً على جوانب الطرقات، والحدائق العامة، ليست للزينة الخارجية في المدن فقط، بل هي توغل في المناطق النائية. ومئات آلاف الهكتارات من الغابات المزروعة في الصحراء حتى تخوم الربع الخالي شاهد على التخطيط للأجيال المقبلة. لقد ورثت بعض الدول طبيعة خضراء فحوّلتها الى صحارى جرداء بفعل الممارسات الهمجية والاهمال، أما الامارات فقد صنعت الربوع الخضراء والغابات في رمال الصحراء. كان سموه سباقاً وصاحب رؤية. فقبل بروتوكول كيوتو قال لنا انه يزرع الصحراء "لمحاولة تغيير المناخ نحو الأفضل".
ولم يفعل الشيخ زايد كل هذا طمعاً بالأرقام والاحصاءات. ذلك أن فلسفته الخاصة في التنمية تجاوزت الاحصاءات الجامدة الى نوعية الحياة: "اذا كان الانسان عارياً بلا لباس، فهذا لا يسرّه. وكذلك الأرض... الانسان يحب أن يرى النبات الأخضر... اذا رأى الأرض جرداء قاحلة لا يكون مسروراً... تصبح الأرض غالية عند الانسان عندما تدرّ عليه... تسرّه وتصبح تساوي حياته. يحبّها... كل محاولاتنا تهدف الى أن يصبح للوطن قيمة عند أهله... حين يرى منظراً يسرّ النفس ويسر الخاطر، من أشجار وطيور وماء، يرتاح ويستأنس".
لم نسمع من قبل أن حاكماً يزرع الغابات في الصحراء حتى يرتاح المواطن ويستأنس. ولم يكتفِ سمو الشيخ الرئيس بهذا القدر، إذ أكد لنا: ''يجب أن تتوازن الطبيعة والخليقة من جديد... ولو ازدهرت معيشة الانسان ولم تتأمن معيشة الحيوان وسلامة الطبيعة، يكون هناك قلة انصاف... في البداية ركّزنا على رفعة الانسان وقدرته وعلمه وثقافته ومعيشته، ثم بدأنا الاهتمام بأمور أخرى مثل الحفاظ على الحياة البرية واكثار الأنواع المهددة بالانقراض... الحياة المتكاملة تكونفي كل مخلوقات الله.
لقد وُصف الشيخ زايد بأنه قاهر الصحراء. ولعلّ اللقب اللائق بعمله هو عاشق الصحراء. فهو أراد أن يلبسها ثوباً يقيها من العري، لرفعة الانسان وتوازن الطبيعة. وهذا لا يقوى عليه غير الذي يتمتع بمحبة لا حدود لها لوطنه ومواطنيه. ويبقى أبرز ما حققه سمو الشيخ الرئيس هو الشعور بالثقة والاعتزاز بالنفس والوطن، الذي زرعه عمله وقدوته في المواطنين. وستبقى كثبان الرمال الشامخة أمام الغابات الشاسعة شاهداً صامتاً مدى الدهر على معجزة الصحراء.
|