تكثر التحذيرات حول العالم من التداعيات الكارثية لتغير المناخ، وقد يكون أبرزها في السنوات المقبلة زوال مجتمعات وولادة أخرى من «لاجئي المناخ» الباحثين عن أوطان بديلة. إنه أحد الأوجه المأسوية، المنسية غالباً، للاحتباس الحراري. يلقي هذا المقال نظرة على ملايين الأشخاص الذين تهجِّرهم كوارث مناخية متزايدة مثل العواصف والأعاصير وموجات الجفاف وذوبان الكتل الجليدية وارتفاع مستويات البحار
أكثر من 150 مليون شخص سيصبحون لاجئين بحلول سنة 2050 نتيجة تداعيات تغير المناخ، وفق تقديرات الأمم المتحدة التي تقدر عددهم الحالي بنحو 25 مليون لاجئ. فمعدل الحرارة على الأرض يرتفع، وقد سجل في الأعوام الاثني عشر الماضية أعلى مستوياته منذ 1850. ترافق ذلك مع انخفاض المتساقطات في بلدان كثيرة وتراجع في مخزون المياه وجفاف وتصحر وازدياد واشتداد في العواصف والأعاصير.
ويحاول المجتمع الدولي الحد من تداعيات الاحتباس الحراري، عبر إجراءات لمنع ارتفاع معدل الحرارة على الأرض أكثر من درجتين مئويتين بخفض انبعاثات غازات الدفيئة. لكن الأثر الحاد لتغير المناخ بدأ يتجلى في مناطق مختلفة حول العالم، حيث تهدد حركة نزوح سكاني تدريجية بتبدد دول ومساحات واسعة وبخسارة التنوع الطبيعي، كما ترسي معالم جغرافية واجتماعية وثقافية بديلة في القارات الخمس. ولن يجد المتضررون مفراً من استبدال أوطانهم، سواء كانوا موضع ترحيب كلاجئين جدد في البلدان المضيفة أم لا.
في ما يأتي نماذج من أكثر الدول تأثراً، استناداً إلى كتاب «لاجئو المناخ» الصادر عن مجموعة Collectif Argos. وهي تلقي الضوء على الوجه الإنساني لتغير المناخ.
ألاسكا وساحل خليج المكسيك:
الجلاد والضحية واحد
ولاية ألاسكا الأميركية هي من المناطق الأسرع سخونة في العالم. وهي تشهد ذوباناً سريعاً لكتلها الجليدية وتراجع صلابتها أمام الرياح والأمواج العاتية، كما تواجه ازدياد وتيرة العواصف وقوتها. وقد بنيت فيها أربعة سدود بحرية خلال العقدين الماضيين في محاولة لمنع تآكل اليابسة، لكنها غرقت كلها بسرعة تحت سطح المياه. وها هي قرية شيمارشيف، الواقعة على جزيرة ساريشيف الصغيرة ويقطنها 600 شخص من شعب الإينوبياك، تغوص تدريجياً في مياه المحيط، ويتوقع أن تصبح غير قابلة للسكن بحلول سنة 2050. وقد صوت سكانها عام 2001 للانتقال إلى مكان آخـر قبل سنة 2015، لكنهم أمام خيارين: إما الانتقال إلى منطقة حضرية تبعد 322 كيلومتراً، وهو ما يعتبره شعب الإينوبياك «دفناً لثقافته وروحه وفرادته ومستقبله»، وإما إعادة إنشاء القرية على أرض تبعد نحو 20 كيلومتراً. وفي الحالتين، سيكونون لاجئين غرباء داخل وطنهم.
معاناة من نـوع آخر يشهدها خليج المكسيك، الذي اعتادت سواحله موسم أعاصير سنوياً. فتداعيات إعصار كاترينا، الذي ضرب مدينة نيو أورلينز في لويزيانا عام 2005 وهجَّر نحو مليون نسمة، ما زالت واضحة. معظم المنازل المدمرة ما زالت على حالها، ونحو 300 ألف نازح، خصوصاً إلى ولايات ميسيـسيبي وأركانسـا وتكسـاس، لم يعودوا. أما من بقي في نيو أورلينز أو عاد إليها، فلا يعيش وسط الركام فحسب، إنما في ما أصبح أخطر المدن الأميركية من حيث ارتفاع معدل الجرائم. وتـؤشر الحركة التي بـدأت تتحسن في منطقة «فرنش كوارتر» (الحي الفرنسي) وسط المدينة على تناقض صارخ مع الضواحي الفقيرة. ويرى كثير من ذوي الأصول الافريقية أن الهدف من تشييد مبان فخمة هناك هو منعهم من العودة إلى المنطقة.
من المفارقة أن الولايات المتحدة، التي كانت أكبر منتج لغازات الدفيئة في العالم وقد تخلت عن بروتوكول كيوتو لتخفيض الانبعاثات، هي ضحية إحدى أكبر حركات النزوح المناخي في العالم.
بنغلادش: الفيضان الكبير
غياب التضاريس وكمية المياه الهائلة المتدفقة من هضبة التيبت يضعان بنغلادش دائماً في دائرة الفيضانات، التي تغمر ثلث مساحتها سنوياً في موسم الرياح. وهي من البلدان الأعلى كثافة سكانية في العالم، حيث يقطن 147 مليون شخص في مساحة 148 ألف كيلومتر مربع. وإن يكن أهلها اعتادوا على الفيضانات، إلا أنهم باتوا يخشونها كثيراً بعدما لحظوا اتساع نطاقها الزمني والجغرافي بسبب الاحتباس الحراري.
بلدة مونشيغانج، في جنوب غرب البلاد، شديدة التأثر بالفيضانات. وما يدفع سكانها إلى المغادرة أن أراضيها لم تعد صالحة للزراعة بعد ارتفاع ملوحة التربة، وقد استبدلت حقول الرز بمزارع الروبيان (الجمبري) التي لا تتطلب الكثير من اليد العاملة. وتوفر غابات صندربانز بعض المصايد وموارد أخرى، لكنها معقل للقراصنة وملاذ للنمر البنغالي الذي يخافه السكان.
الوجهة الأولى للنازحين هي العاصمة داكا، فإليها يلجأون بحثاً عن فرص العمل ويسر العيش. لكن مساحتها اتسعت 40 في المئة خلال الأعوام العشرين الماضية، وهي من أسرع المدن الكبرى نمواً في العالم. ويتوقع أن يزداد سكانها إلى 21 مليوناً بحلول 2015، ما يجعلها رابع مدينة في العالم من حيث الكثافة السكانية. والسؤال يطرح نفسه: متى تضيق داكا بسكانها؟ يتوقع خبراء ألا تتمكن العاصمة من استيعاب حركة النزوح المتنامية، ويرجحون أن تكون الهند وميانمار وجهتين محتملتين للنازحين من بلدة مونشيغانج وغيرها. ولا يستبعدون موجات هجرة إلى أبعد من جنوب آسيا. وقال أحد متابعي هذه القضية: «سيكون على الدول الكبيرة المساحة تغيير سياسات الهجرة إليها. إذا اعتبرنا تغير المناخ مشكلة عالمية فسنضطر لإيجاد حلول عالمية، لأن محاولة حلها على صعيد محلي خطأ».
تشـاد: البحيرة «المحيط» أصبحت ظلاً!
خلال ستينات القرن الماضي، كان سكان مناطق متاخمة لبحيرة تشاد يطلقون عليها اسم «المحيط». لكن الممارسات البشرية وتداعيات تغير المناخ استنزفت رابع مصدر للمياه العذبة في أفريقيا. لم يبق من البحيرة إلا 10 في المئة من مساحتها، التي تقلصت من 25 ألف كيلومتر مربع قبل أربعين عاماً إلى 2500 كيلومتر مربع اليوم. ولم تعد تحدها سوى دولتين هما تشاد والكاميرون، فيما فقدت النيجر ونيجيريا مصدراً رئيسياً للمياه. وخسرت البلدان الأربعة مورداً مهماً للثروة السمكية، التي كان يعتاش عليها نحو 300 ألف شخص.
تعتبر وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن البحيرة باتت مجرد ظل لما كانت عليه سابقاً، وأنها ستختفي كلياً خلال 20 سنة إذا لم يحرك ساكن. وفي تشاد نزح كثير من سكان الأراضي المحاذية للبحيرة إلى جزيرة بلاريغوي، حيث لا توجد مدرسة ولاخدمات صحية. وهم يشربون مياهاً ملوثة على رغم تفشي الكوليرا، وينتظرون معجزة تعيد المياه إلى مجاريها وتمنع نشوب نزاع مستقبلي على هذا المورد الحيوي.
المالديف: أرخبيل في خطر
ثمة خطر محدق بأرخبيل المالديف في المحيط الهندي. فهو عبارة عن نحو 1200 جزيرة مرجانية، منها 200 مأهولة، دمر معظمها تسونامي 2004. وتعد ماليه من العواصم الأكثر اكتظاظاً في العالم، حيث تحولت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى ما يشبه مانهاتن صغيرة بتراصف مبانيها وأبراجها الشاهقة. ويُخشى اليوم من انهيارها بسبب ارتفاع منسوب مياه المحيط عشرات الأمتار عما كان في العصر الجليدي. وهو يواصل الارتفاع بمعدل خمسة مليمترات سنوياً، بسبب ذوبان الجليد، أي ما قد يصل إلى 50 سنتيمتراً خلال القرن الحالي. وعلى رغم بناء سور بحري لحمايتها، يشبّهها البعض بإبرة على كومة قش، أو بسفينة زائدة الحمولة ستغرق يوماً بما فيها.
وسط مخاوف من تكرار الكوارث الطبيعية التي ضربت الأرخبيل، خصوصاً في 1987 و1998 و2004، وتحذيرات من احتمال اختفائه في العقود المقبلة، تسعى السلطات إلى شراء أراض في دول مجاورة لاستيعاب اللاجئين. وكانت باشرت منذ 10 سنين تحضير منطقة هولهوماليه لحل مشكلة الكثافة السكانية. ويتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 53 ألفاً في 2020، عندها سيتم توسيعها لتستوعب 100 ألف شخص.
جزر هاليغن: أتبقى حارسة بحر الشمال؟
لم تكن مجموعة جزر هاليغن موجودة في بحر الشمال قبالة ساحل ألمانيا في العصور الوسطى، بل تشكلت عام 1362 حين ضربت إحدى أعتى العواصف البحرية شمال أوروبا، في ما سمّي «الغرق الكبير». فقد غرقت مساحات كبيرة وبقيت الأماكن العالية جزراً فوق سطح المياه. وتكررت العواصف بين 1412 و1717 ليبتلع البحر مزيداً من الضحايا ويغرق مساحات جديدة من اليابسة في كل مرة.
ولم تبدأ إجراءات حماية الجزر من الكوارث الطبيعية والتآكل إلا في القرن التاسع عشر. لكن السدود التي بنيت لم تتمكن من مجابهة عواصف 1962 و1976 بشكل كاف، وعندها بدأ مشروع بناء سدود جديدة وزيادة ارتفاع السدود القديمة.
الآن يخشى السكان أن يضطروا إلى مغادرة أراضيهم ومنازلهم. فقد ارتفع منسوب المياه خلال القرن العشرين 15 سنتيمتراً، ويتوقع ارتفاعه متراً أو أكثر بحلول 2100. والبحث عن ملاذ جديد يحتضنهم بات ضرورياً، فهم يعتقدون أن أحداً لن يبقى في تلك الجزر بعد مئة سنة.
الصين: غضب التنين الأصفر
قرية لونغباوشان، التي تبعد 38 كيلومتراً شمال غرب العاصمة الصينية بيجينغ، لم يغمرها البحر، بل تدفنها الرمال ببطء. قال أحد السكان: «غطت الرمال والحصى حقولي. أين التراب؟ أين المطر؟ السماء أملي الوحيد، السبيل الوحيد لنأكل. بعد العاصفة الكبيرة في ربيع 2000، اضطر ابني إلى المغادرة. أصبح طباخاً في أحد مطاعم بيجينغ. لم نعد نراه».
هذه حكاية تتكرر مع كثير من سكان القرى الصينية، التي يهدد زحف الصحراء بتبديد معالمها وأشكال حياتها الطبيعية. وتعتبر الصين أحد أكثر البلدان تأثراً بالتصحر، فقد تصحّر ربع أراضيها. وتتمدد الصحراء أكثر من 2500 كيلومتر مربع سنوياً نتيجة العواصف الرملية، التي يسميها الصينيون «التنين الأصفر».
كانت تهب على المنطقة «رياح سوداء» غبارية ورملية خمس مرات سنوياً بسرعة أكثر من 20 متراً في الثانية. وقد تضاعفت وتيرة هذه العواصف منذ مطلع هذا القرن، ويقدر أنها تجرف نحو 90 ألف طن من رمال صحراء غوبي في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) من كل سنة، إلى لونغباوشان ثم بيجينغ، قبل أن تنقلها إلى اليابان وكوريا.
توفالو: هزيمة في صراع البقاء؟
أرخبيل توفالو هو رابع أصغر دولة في العالم بعد الفاتيكان وموناكو ونورو. يقع على مساحة 26 كيلومتراً مربعاً في المحيط الهادىء بين هاواي وأوستراليا. يسكنه نحو 12 ألف نسمة. جميع جزره منخفضة لا يزيد معدل ارتفاعها على مترين فوق سطح البحر.
في المستقبل، لن يملك السكان خياراً سوى المغادرة. وتدرك السلطات المحلية ذلك وتحاول إيجاد بديل. وقد فاجأت العالم حين أعلنت عزمها على مقاضاة الولايات المتحدة وشركات النفط أمام المحاكم الدولية، لتسببها في جزء كبير من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري. ويقول أحد المسؤولين فيها: «طلبنا من حكومتي أوستراليا ونيوزيلندا الاعتراف بمفهوم لاجئي المناخ، لكنهما رفضتا باعتبار أن اللاجئين، وفق القانون الدولي، هم شعب تعرض للاضطهاد أو للضغط السياسي أو الإيديولوجي أو الإثني أو الديني».
إلا أن ازدياد أعداد لاجئي المناخ قد يدفع الشعوب المهددة إلى إثارة مفهوم «الاضطهاد البيئي». وقد يكون ذلك بالنسبة إليها بداية عدالة بيئية، بحيث لا يُسمح للدول الملوِّثة برفض لجوء سكان توفالو وسواهم من لاجئي المناخ إليها.
هملايا: نزف الكتل الجليدية
في الجزء النيبالي من سلسلة جبال هملايا، يتخوف سكان وادي كومبو من فيضان بحيرة إمجاتشو الجاثمة على ارتفاع 5010 أمتار فوق سطح البحر. وعلى رغم تشكّلها منذ أربعة عقود فقط، إلا أنها أخطر بحيرات البلاد، فتسارع ذوبان الجليد يهدد بطوفانها على 5000 شخص من شعب الشيربا الذي يقطن الوادي.
وقد شهدت السلسلة الجبلية، التي ترفد أكبر تسعة أنهار في آسيا بالمياه، ارتفاع معدل درجات الحرارة درجة مئوية واحدة منذ منتصف السبعينات. وكتلها الجليدية هي من الأسرع ذوباناً في العالم، حيث تتقلص بمعدل يتراوح بين 10 أمتار و60 متراً سنوياً، ويتوقع أن يختفي أكثر من ثلثها كلياً. كما يتوقع أن تذوب قريباً نحو 200 بحيرة جليدية نتيجة الاحتباس الحراري، منها 20 في نيبال وحدها، ما سوف يسبب فيضانات وأضراراً بشرية ومادية كبيرة. ويحذر خبراء من أن نحو بليوني شخص، أي نحو ثلث سكان العالم، قد يواجهون نقص المياه في غضون 50 ألى 100 سنة نتيجة ذوبان الكتل الجليدية التي تغذي الأنهار والينابيع بسبب تغير المناخ.
لاجئو المناخ هم ضحايا النشاط البشري. ومع استمرار الاحتباس الحراري وازدياد أعدادهم وتفاقم أزمتهم، قد يصبح من الضروري تحديث تعريف «لاجىء» في اتفاقية جنيف للعام 1951، ليشمل المضطهدين بيئياً ويلحظ حقهم في الحصول على أوطان بديلة تحترم حقوقهم وخصوصياتهم وهوياتهم الاجتماعية والثقافية.
جاء في كتاب «لاجئو المناخ»: «نحن، جميع أبناء الأرض، معرضون لخطر الاحتباس الحراري. علينا أن نجد طرقاً أفضل لتنظيم مجتمعاتنا، وبسرعة، خصوصاً أن هناك خطراً آخر يستحق اهتمامنا: خسارة التنوع الطبيعي بكل أشكاله. لقد حان وقت التغيير، وليس لدينا خيار سوى النجاح».
مدينة ساحلية تغرق رويداً في المحيط الأطلسي
روفيسك السنغالية لُقْمة سائغة للمحيط
راغدة حداد (روفيسك)
وقفتُ على تلة من النفايات حيث كان شاطئ مدينة روفيسك في السنغال. المحيط الأطلسي مفتوح أمامي، وقد زحف نحو 500 متر داخل المدينة مبتلعاً شاطئها وصفوفاً من بيوتها. انهارت أرصفة رسوّ القوارب التي بناها المستعمرون الفرنسيون، ولم يبقَ منها شاهداً إلا أعمدة خشبية منتصبة في المياه. وتفادياً لمزيد من الزحف الأزرق، عمدت السلطات إلى بناء سور إسمنتي و «سد» من الصخور والردميات والنفايات يمتد في محاذاة خط المياه. لكن المحيط ما زال يتقدم ما بين متر وثلاثة أمتار سنوياً، منذراً بابتلاع أجزاء أخرى من المدينة.
يبدو هذا مشهداً مرعباً لما قد يفعله ارتفاع مستوى البحار. وهو، بشكل محدود جداً إلى الآن، ناجم عن تغير المناخ وتمدد مياه المحيط مع ارتفاع حرارتها. لكنه، إلى حد أبعد، ناتج من سوء تدبير بشري. ويوضح ديتييه نداي، المهندس في المرصد الإيكولوجي في دكار: «قبل 25 عاماً، سمحت بلدية العاصمة التي تقع روفيسك في نطاق سلطتها باستخراج رمل الشاطئ واستعماله لأغراض البناء. ومع تآكل الحاجز الرملي هجم المحيط على الأراضي الداخلية المنخفضة، فغمر الساحل والشوارع والبيوت والأراضي الزراعية، وهجّر عشرات الآلاف من السكان». وغرقت تحت مياه المحيط غابات المنغروف التي كانت توفر غذاء وموئلاً لتكاثر الأسماك والمحار والروبيان وغيرها من ثمار البحر.
يقول ساليو با، رئيس جمعية الصيادين الشباب في روفيسك، إنه يعمل في الصيد منذ كان في الخامسة عشرة من عمره. وهو يذكر أنه كان يعود مع الصيادين من البحر قرابة الظهر بصيد وفير. أما الآن فهم يتوغلون إلى مسافات أبعد ويمضون ساعات أطول لصيد كمية السمك التي كانوا يصطادونها قبل عشر سنين. ويؤكد خبراء بيئيون في تقارير حكومية أن تغير المناخ يصعِّب الحياة على 40 في المئة من سكان السنغال الذين يعتمدون على الصيد في كسب قوتهم. هذا إضافة إلى معاناتهم من أساطيل الصيد الأوروبية التي تخضع لقيود تسمح لها بصيد كميات محددة في المياه الأوروبية، في حين تصطاد بلا وازع في المياه المقابلة لساحل السنغال وبلدان أفريقية أخرى.
يشير الباحثون إلى تأثر اقتصاد السنغال بتغير المناخ في ناحيتين رئيسيتين. لقد شحّت الأمطار منذ سبعينات القرن العشرين، ما ضرب قطاع الزراعة وتربية الماشية في شمال البلاد ووسطها. ومن جهة أخرى، أدى ارتفاع حرارة مياه المحيط إلى انخفاض الثروة السمكية في المياه الساحلية، خصوصاً في منطقة دكار وجوارها. والنتيجـة هجـرة بأشكال مختلفة. فالمزارعون ينزحون إلى المناطق الحضرية، وينتهي كثيرون منهم في أحزمة البؤس حول المدن. والرعاة يبحثون عن مراع لمواشيهم في مناطق حرجية جنوب شرق البلاد. والصيادون يبحرون مسافات بعيدة في المحيط للوصول إلى موائل الأسماك. وتنضم أعداد متزايدة من «لاجئي المنـاخ» إلى ما يزيد على مليوني مهـاجر سنغالي، ينشدون حياة أفضل خارج بلادهم التي لا يتجاوز عدد سكانها 13 مليوناً.