أشرف السبحي (أبوظبي)
منطقة مروِّح تمثل البيئة البحرية والساحلية لامارة أبوظبي. وقد أعلنت محمية بمرسوم أميري عام 2002. تقع على بعد نحو 150 كيلومتراً غرب مدينة أبوظبي. تحدها من الشرق جزيرة أبو الأبيض، ومن الغرب جزيرة صير بني ياس، ومن الجنوب شريط ساحلي كثير الخلجان والتعاريج، ومن الشمال جزيرة قرنين. وفيها العديد من الجزر، من أهمها مروِّح وبوطينة والبزم الغربي وجنانة وأم عميم. وتنتشر فيها "الحالات"، أي الأراضي البحرية الضحلة التي تتكشف جزئياً أثناء الجَزْر، مثل حالات الحيل.
تبلغ مساحة المحمية المعلنة 4255 كيلومتراً مربعاً، وهي من أكبر المحميات البحرية في الامارات ومنطقة الخليج العربي. وقد تم إعداد مقترح بتعديل حدودها لتشمل جزيرة أبو الأبيض والمنطقة الساحلية المقابلة، وبذلك تصبح المساحة الكلية للمحمية 5561 كيلومتراً مربعاً.
تنوع الأعماق في المنطقة، من الأماكن الضحلة الى المسارات العميقة حتى 25 متراً، يهيئ موائل مختلفة لكائنات القاع والمجتمعات البحرية الأخرى. وهي بيئة مميزة للأعشاب والطحالب، ومؤهلة طبيعياً كمرعى لأبقار البحر (الأطوام أو عرائس البحر) المهددة بالانقراض والسلاحف البحرية، خصوصاً الخضراء وسلاحف منقار الصقر، التي تتكاثر على شواطئها الرملية. وتكثر الدلافين ذوات الأنف المدبَّب في المياه المفتوحة.
الشعاب المرجانية الصلبة المتفرعة والكتلية هي المكون الرئيسي للحاجز المرجاني العميق والمتكشف. وتحتوي المنطقة الساحلية الرطبة التي تغمرها مياه المد والجزر على تجمعات من أشجار الشورى (القرم أو المنغروف). وفيها حياة نباتية وحيوانية مميزة، وهي من الأهمية بمكان للطيور البرية والبحرية المقيمة والمهاجرة، ولتفريخ وحضانة الأسماك. كما تؤمن الغذاء. وتنمو مجموعات من النباتات الملحية التي يساعد وجودها في ثبات التربة وتوازنها.
وفي السبخات الشاسعة المنتشرة على طول الشريط الساحلي، وتشاهد طيور أمثال النحام ونسر البحر وصقر الغروب والحجل والدراج الأسود والدراج الرمادي والبلشون الأخضر والطيور الخوّاضة وطائر اللوها، وهو من الطيور المتأثرة جداً بالتداخلات البشرية السلبية.
التداخلات البشرية في المنطقة ما زالت قليلة نسبياً، من حيث أعمال الحفر والردم والبنية التحتية للتنمية العمرانية. وقد تمت مراعاتها عند اختيار نظام الحماية المناسب للمحمية، ويمكن حصرها في الآتي: محميات خاصة كتلك الموجودة في جزيرة قرنين وجزيرة أبو الأبيض، صيد أسماك تقليدي وترفيهي حول الجزر وفي المياه الضحلة والغزيرة، أنشطة ترفيهية مثل الغوص والرياضات البحرية والتخييم، ملكيات خاصة، إنتاج ونقل النفط في حقل مبرز والحقول المحيطة. وهناك مقترح بإنشاء خط أنابيب غاز طبيعي يصل بين حقل أم الشيف وحقل حبشان مروراً بمنطقة المحمية.
تراث بحري عريق
طبقاً للأنشطة المتداخلة الاهتمامات، وجد من المناسب اعتبار منطقة مروِّح "محمية إدارة موارد طبيعية" طبقاً لتصنيف الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN)، على أن يتم تقسيمها وفق خطة روعيت فيها الادارة البيئية لاستدامة تلك الأنشطة. ولما كانت مساحة المنطقة المحمية كبيرة نسبياً مقارنة بمثيلاتها في دول الخليج العربي، فقد يكون من المناسب اضافة بعض أنظمة المحميات الدولية، مثل نظام محميات المحيط الحيوي ومحميات التراث الطبيعي.
وتمثل المصادر الطبيعية الحية عنصراً هاماً من مكونات المحمية البحرية. وتعتبر الثروة السمكية من المقومات الأساسية ومصدر الدخل للمجتمع المحلي في المحمية والمناطق المحيطة بها. ولقد أوضحت الدراسات في الخليج العربي أن كل كيلومتر مربع من قاع البحر المغطى بالأعشاب البحرية يدعم إنتاجية نحو خمسة آلاف كيلوغرام من الأسماك التجارية في السنة. وعلى هذا الأساس، اذا كان هناك أكثر من 1900 كيلومتر مربع من الأعشاب البحرية داخل محمية مروِّح، فهذا يعني أنها تدعم إنتاج نحو 9700 طن من الأسماك التجارية، بما قيمته أكثر من 50 مليون درهم (13,6 مليون دولار) كل سنة. وتتطلب الاستراتيجية تحديد القدرة الاستيعابية للمصايد داخل المحمية، وبناء عليه يتم تحديد حجم الاستخدام الأمثل المطلوب تدعيمه.
طبقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للسياحة، فإن قطاع السياحة البيئية يمثل الاتجاه الخامس من حيث أعداد السائحين في العالم. وتتوقع المنظمة زيادة مطردة في هذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط عموماً لما لها من خصوصية ثقافية وبيئية مميزة. وعلى هذا الأساس، من المهم التخطيط الجيد والدقيق عند اعتبار عنصر السياحة البيئية داخل منطقة المحمية، حرصاً على عدم تأثير التنمية السياحية على القيم الطبيعية والثقافية التي من أجلها أنشئت.
أما النشاطات المحظورة في جميع نطاقات المحمية فتشمل: إزالة أو التسبب بالضرر أو حيازة أي من المنتجات البحرية الحية أو الميتة، رمي المخلفات والملوثات، جرف أو حفر أو ردم أو تغيير قاع البحر، قيادة وإرساء القوارب خارج المناطق المحددة، إزعاج الطيور والسلاحف المعششة، قيادة وإيقاف السيارات على الشاطئ خارج الممر المخصص، ممارسة التزلج المائي خارج المناطق المحددة، قيادة القوارب بسرعة تفوق السرعة المحددة، الصيد بالحربة أو المواد الكيميائية أو السامة أو المتفجرات أو أية وسائل صيد أخرى عدا تلك المسموحة والتي تندرج تحت طرق الصيد التقليدي، إنشاء رصيف أو كاسر أمواج أو جدار مائي في مناطق المد والجزر أو خارج المحمية بحيث يمكن أن يؤثر على حركة دوران المياه والمسار الطبيعي لخط الساحل.
محمية حدودية مع قطر؟
بناء على نتائج المسح الجوي والزيارات الحقلية للمناطق البحرية في إمارة أبوظبي، تبين أن أعداد أبقار البحر والسلاحف البحرية زادت بين عامي 2001 و2004 في منطقة محمية مروح البحرية.
ولوحظ أيضاً أن المنطقة الحدودية مع دولة قطر جديرة باعلانها محمية بحرية. فهي تحتل المرتبة الثانية من حيث تركيز أعداد أبقار البحر والسلاحف البحرية في إمارة أبوظبي، وفيها واحد من أربعة تجمعات لأبقار البحر في منطقة الخليج العربي كلها. والتداخلات البشرية فيها، من أنشطة الصيد وحقول البترول والغاز الطبيعي، أقل منها في أي قطاع بحري آخر في الامارة. وتتمثل فيها بيئات الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والمنغروف والسبخات.
وتماشياً مع الاتجاهات الحديثة في تشجيع "المحميات عبر الحدود"، قد يكون من المفيد النظر في دراسة هذه المنطقة على نطاق أوسع لتشمل الجانب القطري، خصوصاً أن مسطحات الأعشاب البحرية التي تمثل المرعى لأبقار البحر والسلاحف البحرية تمتد عبر الحدود البحرية للدولتين.
أشرف السبحي باحث في مركز بحوث البيئة البحرية التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في الامارات.
كادر
نظام الحِمى في تاريخ المنطقة العربية
تميزت المنطقة العربية منذ العصور القديمة بمظاهر حماية بعض المراعي في مواسم معينة بهدف استدامة استخدامها، وهو ما أطلق عليه نظام "الحمى". وقد استمر نظام الحمى كظاهرة مميزة في إدارة استخدامات الأراضي، وارتبطت به المجتمعات البدوية ارتباطاً وثيقاً كأولى خطوات إقامة مجتمع قروي مستقر بدلاً من حياة الترحال الموسمي بحثاً عن الكلأ والماء العذب. وبلغ مفهوم الحمى ذروته في العصر الاسلامي بإضافة المنظور الديني لاحترام المصادر الطبيعية وحمايتها. فعلى سبيل المثال، تجاوزت أعداد الحمى أكثر من 3000 عام 1969 في المملكة العربية السعودية.
وعرف الصيادون التقليديون في النظم البيئية البحرية مواسم صيد الأسماك بمختلف أنواعها، كما أدركوا أهمية تحاشي الصيد في مواسم البيض والتفريخ. إلا أنه نتيجة للنمو الحضري السريع في المناطق الساحلية، والاعتماد على البيئة البحرية كمصدر للبروتين، أضحى الصيد الجائر لأنواع الأسماك والقشريات من أهم المخاطر التي تواجه البيئة البحرية. فعلى سبيل المثال، كان صيد أبقار البحر (الأطوام أو عرائس البحر) وجمع بيض السلاحف والطيور البحرية من الممارسات المعروفة عند الصيادين وسكان الجزر في الامارات، حتى صدرت التشريعات المحرمة لذلك في ثمانينات القرن العشرين (مثل القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 1983 في شأن تنظيم صيد الطيور والحيوانات).
تطوَّر مفهوم المحميات في المنطقة العربية بعد ظهور البترول والاعتماد عليه كمصدر للدخل القومي، حيث ازدادت الرفاهية وتنامى الصيد البري والبحري وأصبح من الهوايات المميزة للثقافة والتاريخ الطبيعي في منطقة شبه الجزيرة العربية. أدى ذلك الى ظهور الاهتمام بتربية وإكثار المجموعات الحيوانية الخاصة، خاصة من المها العربي والغزال، إضافة الى حيوانات وطيور برية أخرى أدخلت المنطقة العربية وما زالت تحت الأسر بهدف إكثارها والحفاظ عليها خارج بيئاتها الطبيعية.
كذلك نشأت المزارع السمكية المفتوحة بهدف دعم وزيادة أعداد بعض الأسماك التجارية في البحر لتعويض النقص الناجم عن الصيد الجائر. كما نشأ الاهتمام بتربية السلاحف البحرية وإعادة إطلاقها بعد بلوغها المرحلة العمرية الآمنة من معظم المفترسات في البحر.
وحديثاً، تطور مفهوم المحميات الطبيعية بعد نشأة السلطات المؤسسية، مثل البلديات ومراكز البحوث، والتشريعية، المهتمة بإدارة المحميات. وتقوم هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها، بصفتها السلطة البيئية المختصة في إمارة أبوظبي، بالدراسات والبحوث والمراقبة للنظم البيئية الأرضية والبحرية، مع التركيز على الأماكن المعلنة كمحميات طبيعية.
كادر
بيئات أساسية في محمية مروِّح البحرية
المنطقة الساحلية: تمتد بطول حوالى 80 كيلومتراً وبعمق يتراوح بين كيلومتر و12 كيلومتراً. فيها بيئات أشجار القرم والسبخات والشواطئ المحمية أو المعرضة للمد والجزر. وتعتبر منطقة المرفأ أكبر تجمع حضري داخل المحمية.
مناطق الجزر والأماكن المتكشفة (الحالات): تضم المحمية أكثر من 20 جزيرة وحالة تتكشف جزئياً أو كلياً في أوقات محددة. وهناك أكثر من 107 عائلة تسكن جزر مروِّح وجنانة وصلاحة والفيي والبزم الغربي والحيل، وتمارس الصيد التقليدي حول معظم الجزر والحالات.
المياه الضحلة والعميقة: يقع معظم المحمية في منطقة المياه الضحلة التي لا يزيد عمقها عن 10 أمتار، بينما يقع الجزء الباقي في المياه العميقة التي يتراوح العمق فيها بين 10 أمتار و25 متراً. وتحتوي تلك البيئات على نحو 34 نوعاً من الشعاب المرجانية الصلبة وثلاثة أنواع من الأعشاب البحرية التي تمثل المرعى الخصب للأطوام (أبقار البحر) والسلاحف البحرية. وقد تم حصر الأنواع الموجودة وكثافة كل نوع.