تغطي رقعتها 5 في المئة من مساحة البلاد، وهي آخر امتداد جنوبي للأرز اللبناني ومعبر عالمي رئيسي للطيور المهاجرة

أرز الشوف لوحة رائعة بين المناظر الطبيعية المتنوعة في لبنان. جباله شاهقة شديدة الانحدار، تغطيها غابات الأرز والسنديان والصنوبر، مع مسطحات تشكل ملاذاً نادراً للحياة البرية في البلاد. وتعتبر هذه المنطقة آخر امتداد للأرز اللبناني جنوب الكرة الأرضية وثاني أهم ممر في العالم للطيور المهاجرة بين أوروبا وافريقيا.

أنشئت محمية أرز الشوف الطبيعية في العام 1996 بموجب قانون من مجلس النواب. وهي أكبر محمية طبيعية في لبنان، اذ تبلغ مساحة الأراضي التي تغطيها، مع القرى المحيطة بها، نحو 5 في المئة من مساحة البلاد، حيث تمتد على 50,000 هكتار (500 كيلومتر مربع)، 70 في المئة منها تقع في قضاءي الشوف وعاليه و30 في المئة في البقاع الغربي. وتتولى جمعية أرز الشوف ادارة المحمية.

استقبلت المحمية العام الماضي نحو 21 ألف زائر من محبي الطبيعة وممارسي النشاطات المتنوعة المتاحة، وأهمها السير في الممرات داخل الغابات، والتعرف على النباتات والأشجار، ومراقبة الطيور والحيوانات، والمشي في الثلج، ومراقبة النجوم، بالإضافة الى نشاطات  التوعية البيئية الموجهة الى طلاب المدارس والجامعات.

تشمل المحمية سبع غابات أرز، ثلاثة منها رئيسية في الباروك وعين زحلتا والمعاصر. وهي تتميز بتنوع بيولوجي غني جداً وتكاثر طبيعي قل مثيله. غابة الباروك (400 هكتار) هي أكبر غابات الأرز في لبنان. تحتوي على عدة ممرات لكافة الأعمار، ويمكن للزوار دخولها بواسطة حافلة أو سيراً على الأقدام. أما غابة عين زحلتا (110 هكتارات) فتحتوي على بحيرة جبلية أنشأتها جمعية أرز الشوف بتمويل من السفارة اليابانية، بهدف المحافظة على استقرار الحياة البرية وإخماد الحرائق في حال حصولها. وهناك ممرات للمشي وموقع لمراقبة الطيور والحيوانات قرب البحيرة.

وتضم غابة أرز المعاصر (7 هكتارات) أكثر أشجار الأرز المعمرة. وفيها ممرات لزيارات متنوعة بحسب الوقت والمسافة.

تقام في منطقة المحمية نشاطات متنوعة بمشاركة السكان المحليين والجمعيات الأهلية والبلديات والمدارس وجهات أخرى معنية. كما يتم تحفيز الوعي البيئي من خلال السياحة البيئية، وتنظيم رحلات ميدانية مجانية إلى المحمية لسكان القرى المحيطة.

وقد أقيم مركز للتوعية البيئية في المدينة الكشفية في عين زحلتا، يستقبل كل الفئات العمرية وخصوصاً طلاب المدارس. وفيه متحف بيئي يحوي عيِّنات من نباتات وحيوانات تعيش في المحمية، ومنشورات بيئية وصوراً ولوحات فنيَّة تشكيلية رسمت في المحمية، بالاضافة الى منتجات مشروع التنمية الريفية.

وقد باشرت جمعية أرز الشوف بمشروع إحياء الحرفيات والمنتجات الريفية وتطويرها منذ أوائل 1999. وساهم المشروع بمساعدة 53 عائلة من خلال شراء المواد الغذائية والمؤونة البلدية منها، بعد تدريب أبناء القرى على الطرق السليمة لتحضير المأكولات وحفظها.

ويتم تعريف الزائر على تراث المجتمع الريفي وتقاليده وانتاجه الغذائي من مربيات وأعشاب وشراب ومقطَّرات وحرفيات، في مركز التوعية البيئية ومراكز استقبال الزوّار على مداخل المحمية.

يجري العمل على تعزيز مركز الأبحاث والمراقبة في المحمية، من أجل تقديم معلومات وخبرات دقيقة تساعد في ادارة المحمية بشكل سليم عبر اتخاذ قرارات مبنيّة على أسس علمية، والمساهمة في الحفاظ على الإرث الطبيعي والثقافي. ويؤمل أن يصبح مركزاً للتدريب على إدارة الموائل الطبيعية. ومن أهم نشاطاته دراسة التنوع البيولوجي ومراقبته بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث في لبنان والخارج، والعمل لإيصال هذه المعلومات الى الجمهور بطريقة مبسطة للإستفادة منها في التوعية البيئية.

وقد أحصت الدراسات تنوعاً بيولوجياً غنياً جداً في المحمية. فعلى صعيد النباتات، تم تسجيل ما يزيد على 500 نوع، منها30 نوعاً يحمل اسم لبنان، مثل البربريس اللبناني وغرنوقي لبنان والقرنفـل السِِحاري اللبناني. وهناك 25 نـوعاً مهدداً بالانقراض علـى الصعيدين العالمي والوطني، مثل سحلب الأناضول والفصـة الزراعية والنفل المثـانـي، بالإضافة إلى 50 نوعاً متفرداً في المنطقة مثل توليب أوشيه وسيلينة المكمل، و12 نوعاً نادراً مثل جُلبان لبنان وباذنجان الغول، و30 نوعاً من النباتات الطبية مثل الورد البرِّي والبيلسان البرِّي، وما يزيد على 50 نوعاً من النباتات المأكولة مثل العكّوب والهندباء. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من النباتات العطرية.

وفي المحمية 24 نوعاً من الأشجار بالإضافة إلى الأرز اللبناني، وأهمها الغبيراء والعفص والملّول والسنديان والقيقب والقطلب وخوخ الدب والزعرور والاجاص واللوز والتفاح البرّي.

محمية أرز الشوف منطقة هامة للطيور المهاجرة بين أوروبا وإفريقيا. وقد تم إحصاء نحو 200 نوع من الطيور فيها، بينها أربعة أنواع مهددة على الصعيد العالمي كالدرسة الرمادية والعويسق، و10 أنواع مهددة على الصعيد الإقليمي كالنسر وعقاب سقعاء الصغرى. وهناك أكثر من 30 نوعاً معششاً كالبيدق والنسر والحجل والهدهد، بالإضافة إلى 10 أنواع محتملة التعشيش مثل ملك العقبان والبومة الاذناء.

وتم التعرف على 32 نوعاً من اللبونات، منها 12 نوعاً مهدداً بالانقراض على الصعيد العالمي كالذئب والغرير، و3 أنواع مهددة على الصعيد المحلي هي الهر البري والهر النمر والذئب، و9 أنواع نادرة منها الخفاش القديم والوطواط العمري. على صعيد الزواحف والبرمائيات، تم إحصاء نحو 27 نوعاً، منها الحرباء المهددة بالانقراض على الصعيد العالمي، والنقّاق ذو القيمة الاقتصادية، ونوعان متفردان هما السقاية الجبلية والقاروت، بالإضافة إلى نوعين نادرين هما السقاية الجبلية وحنش الباروك الذي تم تسجيله من قبل فريق المحمية بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت كنوع جديد على لائحة الزواحف العالمية.

محبو الطبيعة مدعوون الى زيارة محمية أرز الشوف للتعرف على جانب مهم من ثروة لبنان الطبيعية وتنوعه البيولوجي الفريد.

في زيارة الى مركز التوعية البيئية في عين زحلتا، يمكن للطلاب والسياح الافادة من نشاطات تقدم هناك، ومنها:

- شرح مفصَّل عن محمية أرز الشوف.

- مشاهدة فيلم فيديو عن المحمية.

- مشاهدة صور مأخوذة داخل المحمية لنباتات وحيوانات ومناظر عامة.

- التعرُّف على نباتات المحمية من خلال زيارة المعشبة، ومشاهدة عيّنات من الزواحف والحشرات والفراشات والحشرات الأخرى.

- مشاهدة معرض صغير للتنمية الريفية.

- تنظيم زيارة إلى المحمية، خصوصاً عبر الممرات التثقيفية، والتعرّف على أنواع الأشجار والنباتات الموجودة فيها.

- تنفيذ بعض الألعاب البيئية داخل هذه الممرات تهدف الى زيادة تعلق الطلاب بالبيئة وتنمية حسهم البيئي.

هذه النشاطات قابلة للتعديل تبعاً لهدف الزيارة. كما يمكن إقامة ندوات ومحاضرات متنوعة. والمنامة مؤمنة، اذ يستوعب المركز نحو 65 شخصاً تقدم لهم المأكولات القروية والخبز الطازج.

في القسم الجنوبي من محمية أرز الشوف قلعة رابضة في بلدة نيحا التي تعلو 1200 متر عن سطح البحر. وهي تتربَّع على قمة شاهقة تطل على مرج بسري أو "مرج العواميد" حيث يمر نهر الأوَّلي متدفِّقاً من نبع الباروك في طريقه إلى البحر.

والقلعة التي تُعرف بإسم "شقيف تيرون" هي صخرة طبيعية ساهمت في نحتها ثنايا الالتواءات الجيولوجية، وتتضمَّن بعض المنافذ الشبيهة بمداخل المغاور للولوج إلى جوفها. حفرتها الطبيعية وأدوات الإنسان، فأصبح داخلها تحفة فنية تتمثَّل في غُرف نُحتت في الصخر ومصاطب وسبع آبار يصل عمقها إلى عشرة أمتار، لجر المياه الى القلعة من نبع عين الحلقوم الذي يبعد نحو 750 متراً.

لعبت هذه القلعة دوراً هاماً في العهد الصليبي وعُرفت بإسم قلعة "بوفور"، وسقطت في يد صلاح الدين الذي حاصرها نحو سنتين، ثم استولى عليها الإفرنج وجعلوا منها خلال الحملات الصليبية بين 1165 و1260 حصناً لهم ومركزاً منيعاً للمراقبة. كما أن لها حكاية مع الأمراء المعنيَّين، فقد لجأ إليها الأمير قرقماز والد الأمير فخر الدين المعني الثاني اثر هزيمته أمام الأتراك عام 1584 وتوفي فيها. كما لجأ إليها الأمير فخر الدين الثاني في العام 1633 وتحصَّن فيها إثر هزيمته على يد والي دمشق الكجك أحمد، وعندما علم الوالي أن الأمير جرَّ المياه إلى القلعة من عين الحلقوم، ذبح بعض الخيول ولوّث المياه بالدم. فهرب فخر الدين إلى مغارة جزين القريبة، حيث لحق به الكجك وأسره عام 1635 مع ثلاثة من أبنائه، ثم اقتيد إلى إسطنبول وأُعدم هناك.ويروى أن ابنة الأمير رفضت الاستسلام، فوضعت غطاء على عيني جوادها وقفزت به من القلعة إلى الوادي مفضلة الموت.

قلعة نيحا التاريخية تنتظر إعادة التأهيل لاستقبال الزوار وإطلاع اللبنانيين والسياح على ما صنعت يد الخالق وما ترك الأسلاف.