منذ المؤتمر الأول للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ عام 1995، الذي شارك فيه أكثر من 30 منظمة مراقبة، انخرط المراقبون بفاعلية في مفاوضات تغير المناخ، وتنامى انخراطهم باطراد منذ ذلك الحين. وذلك من خلال إبداء الرأي في الجلسات العامة، أو كأعضاء في وفود حكومية. كما تزود المنظمات المراقبة المفاوضين بالمعلومات والخبرة، وتنظم فعاليات جانبية ومعارض.
واعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أدرجت أمانة الاتفاقية أكثر من 1300 منظمة مراقبة معتمدة تمثل مجموعة كبيرة من الاهتمامات والتوجهات، وتتنوع من منظمات بيئية غير حكومية (NGOs) الى منظمات للشعوب الأصلية.
أجرى المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا استطلاعاً لهذه المنظمات استهدف الاجابة عن سؤالين رئيسيين: أولاً، ما هي النشاطات التي تمارسها المنظمات المراقبة أثناء المفاوضات، وهل هناك اختلافات منهجية بينها؟ ثانياً، أي وفود حكومية يسعى المراقبون الى الاتصال بها، ولماذا؟
طلب الاستطلاع من المشاركين الإفادة عن نشاطات منظماتهم، كالآتي: كم مرة تمارس منظمتهم كلاً من هذه النشاطات؟ كم تساعد هذه النشاطات منظمتهم للتأثير في المفاوضات؟ واضافة الى ذلك، سأل الاستطلاع عن الاتصالات مع الوفود الحكومية خلال مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية، وعن العوامل المؤثرة في قرار الاتصال بوفد حكومي.
تقدم نتائج الاستطلاع بعض المعلومات العامة حول المنظمات المشاركة ونشاطاتها ومدى تأثيرها.
المنظمات المراقبة في عينة
وهناك عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي لا تنتسب الى أي من هذه المجموعات، ولذلك تم ادراجها على أنها «منظمات غير حكومية معترف بها».
وقد استحوذت المجموعة البيئية على أكثر من نصف المنظمات المشاركة في الاستطلاع (127 منظمة، 55 في المئة). ويطغى تمثيل المجموعات البيئية والشبابية، في حين يقل تمثيل المنظمات البحثية والمستقلة و«المعترف بها». لكن العينة المشاركة تعكس توزع المجموعات المراقبة في مفاوضات تغير المناخ.
نشاطات المنظمات المراقبة
مع مرور السنين، توسعت أجندة تغير المناخ بشكل كبير، فباتت تشمل كثيراً من المجالات المختلفة. لكن غالبية المنظمات ما زالت تعتبر أن التزامات التخفيف من تأثيرات تغير المناخ وتخفيض الانبعاثات الكربونية، إضافة الى اجراءات التكيف، هما السياستان المناخيتان اللتان تحظيان بأكبر أهمية بالنسبة اليها. (141 و131 منظمة على التوالي). يتبع ذلك مباشرة التمويل المناخي (106 منظمات) ومجالات سياسية أخرى (199 منظمة).
كيف تشارك المنظمات المراقبة المختلفة في مؤتمرات اتفاقية تغير المناخ؟ تم تصنيف جميع النشاطات بين مباشرة وغير مباشرة، بناء على وسيلة التواصل: فالمنظمات تتواصل مع المتفاوضين من خلال نشاطات مباشرة، مثل وضع مسودات النصوص، ومن خلال نشاطات غير مباشرة مثل التظاهرات أو المقابلات مع وسائل الاعلام.
وغالباً ما تعمد المنظمات المراقبة الى النشاطات غير المباشرة، خصوصاً بالتشبيك (networking) مع منظمات غير حكومية أخرى. وقد أفاد نحو 90 في المئة من الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم يتواصلون عبر التشبيك. ويأتي بعد ذلك إبلاغ المعلومات الى الجمهور، والمقابلات مع وسائل الاعلام، وإصدار البيانات الصحافية.
ويصنف النشاطان المباشران الأكثر شعبية، وهما إبلاغ المعلومات الى المتفاوضين والاتصال بهم، بأنهما الأكثر تأثيراً. واعتبر نحو ثلث المستطلعين أن كلاً منهما على حدة لا يساعد كثيراً جداً في التأثير على المواقف الحكومية. ورأى ثلث آخـر أنهمـا عموماً يساعدان كثيراً جداً. أما النشاطات المباشرة الأخرى فتستعمل بشكل أقل وتعتبر أقل فعالية. وأشار نحو 40 في المئة من المنظمات الى أن هذه النشاطات، أي التقديمات الى الأمانة العامة ووضع مسودات النصوص والمداخـلات في النقاشات والمشاركة في الوفود الحكومية، لا تساعد أبداً، في مقابل 20 في المئة أجابوا بأنها لا تساعد كثيراً. واعتبرت النشاطات غير المباشرة، الأكثر استعمالاً، فعالة أكثر بقليل. ويأتي الاتصـال الشبكي في المرتبة الأولى، اذ اعتبره أكثر من ثلثي المنظمات مساعداً الى حد ما أو كثيراً.
وعند مقارنة معدل تكرار وتأثير جميع النشاطات (الشكل 2)، يتبين بوضوح أن معدل تكرار استعمال نشاط ما يجاري التأثير الملحوظ لذلك النشاط. ومع ذلك، تستعمل النشاطات المباشرة أقل كثيراً مما يوحي تأثيرها الملحوظ، ربما بسبب القيود التي تفرضها الحكومات على استعمالها. لكن ما يثير الاهتمام أن الصورة مماثلة بالنسبة الى التظاهرات والمؤتمرات الصحافية، اذ يبدو أن هذين النشاطين مؤثران نسبياً، لكنهما يستعملان قليلاً نسبياً.
عموماً، لا توجد اختلافات كبيرة في ممارسة النشاطات المباشرة أو تأثيرها بالمقارنة مع النشاطات غير المباشرة. ومع ذلك فثمة اختلافات كبيرة بين المنظمات في هذا المجال. وتوحي البيانات المستقاة من الاستطلاع أن المنظمات ذات الخبرة تستعمل النشاطات المباشرة مرات أكثر، في حين أن المنظمات التي تمثل اهتمامات متنوعة تميل الى النشاطات غير المباشرة.
اتصالات بالحكومات أثناء المفاوضات
ركز الجزء الثاني من الاستطلاع على اتصالات المنظمات المراقبة بالوفود الحكومية خلال مؤتمرات البلدان الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ. طُلب من المستجيبين أن يدرجوا جميع الوفود الوطنية التي كانت لمنظماتهم اتصالات بها أثناء مؤتمر الأطراف الأخير. وأوردت الأجوبة إشارة الى البلدان التي يتم الاتصال بها أكثر المرات. وكما يتبين في الشكل 3، يبدو أن وفد الاتحاد الأوروبي هو الأكثر استقطاباً، يليه وفد الولايات المتحدة. ومن الأهداف «الجذابة» الأخرى بلدان متقدمة كبيرة مثل بريطانيا وكندا وأوستراليا وألمانيا واليابان، وبلدان نامية مثل البرازيل وكينيا وإندونيسيا والفيليبين والصين.
أخيراً، سأل الاستطلاع أياً من ائتلافات البلدان المفاوضة الرئيسية يمثل مواقف مماثلة لمواقف المنظمات. فتبين أن مواقف الاتحاد الأوروبي مماثلة لمواقف 75 مستجيباً. ورأى 60 مستجيباً أن البلدان الأقل نمواً (LDCs) واتحاد الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) والمجموعة الأفريقية تعكس المواقف الخاصة بمنظماتهم. وفي المقابل، أشارت تسع منظمات فقط الى أن لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) مواقف مماثلة لمواقفها.
توفر البيانات التي تم جمعها من خلال الاستطلاع انطلاقة مفيدة لتحليل مشاركة المنظمات المراقبة بمزيد من الدقة في محادثات اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ. وهذا موضوع مهم لقي حتى الآن اهتماماً قليلاً نسبياً.