Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عصام الحناوي هل يضرب تسونامي الشــواطئ العربية؟   
شباط (فبراير) 2005 / عدد 83
 ''لا أعرف كيف تسلقنا الدرج المؤدي الى سطح الفندق. لم يخطر ببالي لحظة أن البحر سيبتلع البر''. هذه شهادة الصحافية الفرنسية فيرونيك رادييه، إحدى الناجين من الكارثة البحرية التي عصفت ببلدان جنوب شرق آسيا، حين ضرب زلزال عنيف بقوة 9 درجات على مقياس ريختر قاع المحيط الهادئ قبالة سومطرة في اندونيسيا، وشكل موجة عملاقة (تسونامي) اكتسحت الشواطئ مخلفة أكثر من 230 ألف قتيل. هذه الكارثة العظمى حفزت دول العالم، التي اجتمع ممثلوها الشهر الماضي في مؤتمر تخفيف الكوارث في مدينة كوبي اليابانية، على التعهد باقامة نظام رصد مبكر للتسونامي في المحيط الهندي قبل منتصف سنة 2006.
في كل عام يحدث في أنحاء العالم ما يقرب من 30,000 زلزال. وتقدر قوة 61 في المئة من هذه الزلازل بأقل من 4 درجات على مقياس ريختر للزلازل، ولا يشعربها الإنسان ولكن تسجلها أجهزة الرصد المنتشرة حول العالم. و34 في المئة تقدر بقوة بين 4 و4,9 درجات، يشعر بها الإنسان ولكنها نادراً ما تحدث أي تلف. وهناك 4 في المئة من الزلازل التي تحدث سنوياً تتراوح قوتها من 5 الى 5,9 درجات وتتسبب في خسائر مختلفة في المنشآت القديمة. أما الـ 1 في المئة الباقية فمعظمها زلازل بقوة 6 الى 6,9 درجات تحدث تدميراً ملموساً، خصوصاً في المناطق السكانية العشوائية المكتظة والتي غالباً ما تكون منازلها ومنشآتها قديمة ودون المستوى. أما الزلازل التي تبلغ قوتها 7 الى 8 درجات على مقياس ريختر فيتراوح عددها سنوياً بين 11 و23 زلزالاً، يحدث معظمها في الأحزمة الزلزالية حول العالم وخصوصاً في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ (الباسيفيك)، وعادة ما يصاحبها دمار كبير يختلف نطاقه طبقاً لبعد المناطق المأهولة عن مركز الزلزال. اما الزلازل التي تفوق قوتها 8 درجات فهي نادرة الحدوث وقد لا تقع الا مرة أو مرتين كل عشرة أعوام تقريباً.
تحدث الزلازل نتيجة تحركات في القشرة الأرضية، في ما يعرف بالصفائح أو الأطباق التي تكوِّن القارات وما عليها من جبال وما بينها من محيطات وبحار. فالمعروف أن هذه الصفائح دائمة الحركة، بعضها قد يبتعد عن الآخر أو يقترب منه أو يحتك به في نقاط التماس، طبقاً لنظرية ''تكتونية الصفائح'' (plate tectonics theory) التي تلقى الآن قبولاً واسعاً بين العلماء. ولا تحدث الزلازل على اليابسة فقط، بل ان نسبة كبيرة منها تكون مراكزها في قاع المحيطات والبحار، كما حدث في زلزال إندونيسيا الأخير.
ففي 26 كانون الأول (ديسمبر) 2004 حدث زلزال عنيف بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، غرب الساحل الشمالي لجزيرة سومطرة في إندونيسيا. وكان الزلزال الأعنف منذ زلزال ألاسكا عام 1964، ويعتبر رابع أعنف زلزال حدث منذ العام 1900. كان مركزه على بعد 160 كيلومتراً غرب سومطرة وعلى عمق 30 كيلومتراً تحت سطح البحر. وهو حدث نتيجة انزلاق الصفيحة الهندية التي تغوص تحت صفيحة بورما على امتداد فالق يقدر طوله بنحو 1200 كيلومتر. ونتيجة لذلك ارتفع قاع البحر فوق صفيحة بورما بعدة أمتار، محدثاً موجات هائلة في قاع المحيط الهندي تحركت بسرعة وصلت الى 800 كيلومتر في الساعة، مكونة موجة تسونامي عملاقة في المحيط. ولقد أدت الطاقة الهائلة التي انبعثت إثر الزلزال الى تحريك بعض الجزر، وكذلك الجزء الشمالي من جزيرة سومطرة، من أماكنها في اتجاه الجنوب الغربي بنحو 20 الى 36 متراً، كما ارتفع سطح بعض الجزر عدة أمتار. وتجرى حالياً عمليات رصد وقياس لهذه التغيرات الجيوفيزيائية الهامة في المنطقة.
التسونامي
كلمة ''تسونامي'' تعبير ياباني مكون من كلمتين: ''تسو'' ومعناها ''ميناء''، و''نامي'' ومعناها ''موجة''، أي أنها  تعنى ''موجة الميناء''. وقد استخدمها اليابانيون القدامى للتفرقة بين موجة المياه العاتية التي تدمر موانئ الصيد وموجات المياه العادية. وكثيراً ما تخلط وسائل الإعلام بين التسوماني وموجات المد او الموجات البحرية العادية. التسونامي ليس موجات مد، لأن المد يحدث يومياً نتيجة تفاعلات الجاذبية بين القمر والشمس والأرض. وليس موجات بحرية، لأن هذه تنتج من تفاعل تيارات الهواء مع سطح البحر وعادة ما تكون سطحية ذات ارتفاع محدود والمسافة بين الموجة والأخرى لا تزيد على 30 متراً في المتوسط. أما موجات التسونامي فهى طويلة (يكاد يصل طولها الى 140 كليومتراً) وعميقة (تصل الى أكثر من عشرة كيلومترات) وسريعة (في المتوسط 700 كيلومتر في الساعة)، ولكن سرعتها تقل كثيراً كلما قل عمقها.
والتسونامي ليس بالضرورة موجات سيزمية (زلزالية)، مع أن ما يقرب من 82 في المئة من التسونامي يحدث بعد وقوع الزلازل. إذ يمكن حدوث التسونامي إثر الإنهيارات الأرضية في قاع البحار أو في المناطق الساحلية، أو إذا ارتطم نيزك هابط من طبقات الجو العليا بسطح البحر. كذلك يحدث التسونامي إثر تفجيرات في قاع البحر، مثل التجارب النووية التي اجريت في قاع المحيط الهادىء وغيره. وعلى رغم أن هناك إحصائيات عن التسونامي تعود الى أكثر من ألفي عام، الا أنه يجب التعامل بحرص مع أرقام الخسائر في هذه الإحصائيات التاريخية، إذ كثيراً ما تخلط الأرقام بين الخسائر التي نتجت عن الزلزال وتلك التي نتجت عن التسونامي الذي نتج عنه.
في غرب سومطرة، كان الفالق الذي تأثر بالزلزال في اتجاه شمالي ـ جنوبي، ولذلك تركزت قوة موجات التسونامي الذي نتج عن الزلزال في اتجاه شرقي ـ غربي. فكانت أكثر المناطق الساحلية تضرراً هي السواحل الإندونيسية الواقعة شرق منطقة الزلزال والقريبة منه، حيث وصلتها الموجات العاتية في بضع دقائق. أما في الغرب فقد تابعت موجات التسونامي طريقها لتضرب سواحل الهند وسري لانكا بعد نحو ساعتين، وبعد أن هدأت قوة التسونامي التدميرية إلى حد ما، ثم تابعت الموجات المتبقية طريقها في المحيط المفتوح لتصل الى سواحل الصومال وكينيا بعد نحو سبع ساعات، بعد أن انخفضت سرعة موجات التسونامي وقوتها الى حد كبير. وتجدر الإشارة هنا الى أن بنغلادش ذات الأراضي المنخفضة والواقعة في شمال خليج البنغال لم تتأثر بموجات التسونامي لأنها لم تصلها. وعلى رغم قرب سواحل تايلاند من منطقة الزلزال، فقد وصلتها موجات التسونامي بعد ساعتين، وذلك بسبب ضحالة المياه في المنطقة مما أدى إلى ابطاء سرعتها، علماً أن سرعة موجات التسونامي تزداد بزيادة عمق المياه.
وكما هو متوقع، حدثت معظم الخسائر البشرية في اندونيسيا. أما ضخامة الخسائر في سري لانكا مقارنة بالهند، وكلتاهما وصلتهما موجات التسونامي في الوقت نفسه وبالقوى نفسها تقريباً، فترجع الى الكثافة السكانية العالية في المناطق الساحلية في سري لانكا والى ان معظمها من المناطق الفقيرة ذات الأبنية القديمة التي هي دون المستوى والى كثرة الأبنية العشوائية كأكواخ الخشب وغيرها.
والى الخسائر البشرية، أحدث الزلزال والتسونامي خسائر اقتصادية ضخمة في المباني والمنشآت والطرق التي دمرت او أتلفت بدرجات متفاوتة، وكذلك نتيجة توقف أو تراجع الحركة السياحية في المنطقة، خصوصاً في تايلاند ودول الجزر الصغيرة مثل المالديف. بعد ذلك تأتي تكاليف اعادة تأهيل المناطق المتضررة. ويخشى هنا ان تهتم دول المنطقة باعادة تأهيل المناطق ذات الدخل المرتفع، خصوصاً المناطق السياحية، ولا تولي الإهتمام نفسه للمناطق الأخرى المنخفضة الدخل، مثل المناطق العشوائية التي كانت فيها كثافة سكانية عالية، مما سوف يترتب عليه آثار سلبية كثيرة.
والى جانب الآثار الاقتصادية والاجتماعية للزلزال والتسونامي، هناك آثار بيئية متعددة. فلا شك في أنه حدث خلل في النظام الإيكولوجي في المحيط الهندي، خصوصاً في المناطق الساحلية، نتيجة لموجات التسونامي الضاغطة تحت الماء وتحريك كميات هائلة من الرسوبيات في قاع المحيط او من الشواطئ بعد انحسار المياه. ولهذا كله آثار سلبية كبيرة على الشعاب المرجانية في المنطقة - التي تمثل قاعدة هامة لجذب السياحة - وعلى الثروة السمكية وتنوع أصنافها. كما أدت موجات التسونامي الى الاضرار بالعديد من غابات المنغروف الساحلية التي تشتهر بها بعض الدول والتي تحتوي على تنوع بيولوجي نادر وهام. أما على الشواطئ نفسها، فقد أفرز تدمير المباني والمنشآت كميات هائلة من المخلفات الصلبة تتطلب إدارتها تخطيطاً دقيقاً لتلافي آثارها البيئية في المستقبل. كما أدى تدمير أو اتلاف منشآت مياه الشرب والصرف الصحي الى تلوث المياه في المنطقة، وهذا أيضاً يجب التعامل معه بأسلوب علمي وتخطيط دقيق لحماية الصحة العامة.
التسونامي في المنطقة العربية
باستثناء الأضرار المحدودة التي لحقت ببعض المناطق الساحلية في الصومال، لم تصب المنطقة العربية بأضرار من جراء الزلزال أو التسونامي. فلقد شكلت شبه القارة الهندية وسري لانكا عائقاً طبيعياً حال دون وصول الموجات الكاسحة الى جنوب شبه الجزيرة العربية (عُمان واليمن). ولم يحدث ارتفاع يذكر في مستوى مياه الخليج العربي او البحر الأحمر. وحتى لو لم تكن شبه القارة الهندية في الطريق، فإن موجات التسونامي كانت ستصل الى المنطقة العربية بعد أن تكون فقدت جزءاً كبيراً من طاقتها وسرعتها. فكما ذكرنا، تنخفض سرعة هذه الموجات بدرجة كبيرة كلما أصبحت المياه ضحلة، وكما هو معروف فان متوسط عمق الخليج العربي هو نحو 35 متراً، وأعمق نقطة في البحر الأحمر نحو 2000 متر. وبذلك فإن الأضرار التي كان من الممكن حدوثها هيمحدودة للغاية.
هل يحدث التسونامي في المنطقة العربية؟ لا يوجد حتى الآن سجل يوضح حدوث التسونامي في الخليج العربي أو في البحر الأحمر. أما في شرق البحر المتوسط المعروف بكثرة نشاطه الزلزالي، خصوصاً حول جزر اليونان وجنوب تركيا في بحر إيجه، فتوضح السجلات حدوث موجات تسونامي وصل بعضها الى سواحل سورية ولبنان وفلسطين ومصر قبل العام .1900 وتذكر بعض السجلات أرقاماً للوفيات التي صاحبت هذه الموجات استمدت من روايات قدامى المؤرخين. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الوفيات هي نتيجة للتسونامي وحده أم للزلزال أم لهما معاً.
ومن المعروف أن متوسط عمق البحر المتوسط هو نحو 1500 متر، ويصل العمق الى نحو 5000 متر في البحر الأيوني بين إيطاليا واليونان. وضحالة هذه المياه، خصوصاً في بحر إيجه بين اليونان وتركيا حيث تتركز معظم بؤر الزلازل، توضح أن أي موجات تسونامي قد تحدث لن تكون بسرعة وقوة موجات تسونامي اندونيسيا.
هل ستحدث توابع لزلزال إندونيسيا في المنطقة العربية؟ يخشى بعض علماء الجيولوجيا أن يؤدي تحرك القشرة الأرضية (الصفيحة الهندية) الى حدوث تحركات في الغرب، في الصفيحة العربية التي تنفصل عن الصفيحة الأفريقية على طول البحر الأحمر. وإذا حدث هذا فقد يؤدي الى نشاط زلزالي في قاع البحر الأحمر، ولكن لا يمكن التكهن بميعاد حدوثه أو قوته. كذلك قد تسفر التحركات في الصفيحة العربية عن تنشيط التحركات في شرق البحر المتوسط، ولكن لا يمكن ايضاً تحديد موعد ذلك او قوته. وفي جميع الأحوال، من غير المحتمل حدوث زلزال شديد وموجات تسونامي في حجم تلك التي حدثت في اندونيسيا.
تسونامي 1350 ق.م. قرب كريت وصل الى جبيل وأوغاريت
أي خطـر على البحـر الـمتـوســـط ولبـنان؟
هل يمكن حصول تسونامي في البحر المتوسط شبه المقفل؟ الجواب هو نعم، وآخر موجة من هذا النوع سجلت في 21 أيار (مايو) 2003 حين ضرب زلزال عنيف منطقة بومرداس الجزائرية، وأنتج موجة تسونامي بلغ ارتفاعها نحو متر وصلت الى جزر البليار الاسبانية حيث سببت أضراراً بالغة في السفن والمرافئ. ولعل أقدم حدث كبير مسجل في المتوسط هو تسونامي سنة 1350 قبل الميلاد الذي نجم عن ثورة بركان جزيرة ثيرا شمال كريت. وقد أدت ذيول تلك الكارثة الى زوال الحضارة المينوية، وأوحت الى أفلاطون نظريته حول اختفاء أطلنطيد (Atlantis) أو القارة المفقودة غرب المتوسط. وبلغ أثرها التدميري شرق المتوسط أيضاً، حيث دمرت بيبلوس (جبيل) وأوغاريت (رأس شمرا) ومدناً ساحلية أخرى. وشهدت المنطقة لاحقاً هجمات تسونامي متعددة، أهمها عامي 525 و140 قبل الميلاد وفي الأعوام 306 و551 و1403 ـ 1404 و1752 و1856 ميلادية. وبحسب سجلّ تأريخي وضعته الموثِّقة الفرنسية ماري فرانس بلاسار عام ،1981 تعرض لبنان لـ14 تسونامي خلال 2500 سنة.
راغدة حداد
ما يحدث في المحيط الهندي يمكن أن يصل الى البحر الأحمر والبحر المتوسط، ولذلك فإن دولاً افريقية تأثرت من مفاعيل زلزال إندونيسيا، ''التي كان من الممكن ان تستمر حتى تضرب الدول العربية في شمال أفريقيا، كمصر والجزائر وتونس والمغرب''. كلام العالم الأميركي مارينز كنسي في أعقاب كارثة زلزال وتسونامي جنوب شرق آسيا، في 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لم يكن مستغرباً في أوساط الجيولوجيين العرب. فمنطقة ''حلقة النار'' التي انطلق منها الزلزال تتشارك في الطبقات الأرضية مع الكثير من الدول العربية في آسيا، خصوصاً عُمان واليمن. كما أن هذه الطبقة الأرضية ترتبط مع الكثير من الدول الأفريقية المطلة على ساحل البحر الأحمر، ومن بينها مصر والسعودية.
لبنان، مثلاً، يقع على الحد الفاصل بين الصفيحة الآسيوية ـ العربية والصفيحة الافريقية. فاذا وقف المرء على الفالق الزلزالي في جزين يمكنه ، مجازياً، أن يضع رجلاً في آسيا ورجلاً في افريقيا.
رئيس قسم الحد من الكوارث في منظمة الاونيسكو بدوي الرهبان قال ان على دول حوض المتوسط العمل معاً من أجل انشاء نظام انذار مبكر للوقاية من أخطار الزلازل المدمرة، ''خصوصاً ان البحر المتوسط هو من المناطق المعرضة للزلازل التي لن تقتصر أضرارها في حال حدوثها على منطقة معينة بل ستطاول الجميع".
علم الزلازل قائم على الاحتمالات المبنية على دراسات معقدة، لا يستطيع أي إنسان أن يجزم في شأنها من حيث التوقيت والشدة. فعلى رغم التقدم العلمي والتقني المذهل في مجال العمل على جيولوجيا الطبقات العميقة من الأرض واهتزازاتها، الا ان التنبؤبزلزال ما في مكان ما قبل حدوثه بمدة تكفي لانقاذ الارواح، غير وارد راهناً.
أمر واحد يمكن القيام به في مثل هذه الكوارث الطبيعية، هو نظام الانذار المبكر الذي يمكن ان يرصد الزلازل في قعر البحار ومدى قوتها، من أجل اشعار الدول المهددة بالخطر الآتي، للقيام بما يلزم من أجل اخلاء الاماكن المهددة بأمواج التسونامي. هذا النظام، المعتمد في المحيط الهادئ وتديره منظمة الاونيسكو منذ العام 1968، ساعد في انقاذ عشرات الآلاف من البشر في 26 دولة، علماً ان 85 في المئة من أمواج التسونامي تحصل في هذا المحيط. وقد أسفر مؤتمر تخفيف الكوارث الذي عقد في مدينة كوبي اليابانية في كانون الثاني (يناير) 2005 عن تعهد عالمي بإقامة نظام انذار مبكر في المحيط الهندي خلال 12 ـ 18 شهراً. وتطالب الاونيسكو باعتماد هذا النظام أيضاً في البحر المتوسط والبحر الكاريبي.
نظام الانذار المبكر هو عبارة عن عدةمحطات لرصد الزلازل في قعر المحيطات، اضافة الى ''فواشات'' عملاقة لقياس ارتفاع سطح البحر في صورة مستمرة وعلى مدار الساعة. وتجمع هذه المعلومات كلها في قناة واحدة ومنها الى الاقمار الاصطناعية ثم الى جميع الدول المحيطة بحوض نظام الانذار المبكر.
الاحتمالات في لبنان
يرى اسكندر سرسق، مدير المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنّس التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الخطر الزلزالي في لبنان أشد من أن يكون معتدلاً، لأن لبنان يختلف جيولوجياً عن البلدان المجاورة بوجود نظام فوالق خاص به كان في أساس تشكل جباله التي ما تزال ترتفع بعد كل زلزال كبير. وبما أن المناطق الساحلية اللبنانية تعرضت لزلازل عديدة عبر التاريخ، يحذر سرسق من إمكانية حصول هزة كبيرة مماثلة يمكن أن تؤدي فجأة، وبسبب الكثافة السكانية في المناطق الساحلية وتمركز كافة الادارات والمؤسسات العامة والخاصة فيها، الى شللتام وانعكاسات سلبية ومدمرة على كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في البلد''. وعن إمكان حصول تسونامي، قال سرسق ان معظم الشاطئ اللبناني عالٍ عن سطح البحر، وإذا حصلت موجات عالية بفعل زلزال بحري فقليلة هي الأماكن المعرضة للخطر. والزلازل التي تحصل في البحر المتوسط قلما تسبب أمواجاً عملاقة كاسحة، لقصر مدى ارتحالها في هذا البحر المحدود. فأمواج كهذه تحصل غالباً في المحيطات، حيث تتعاظم مع طول المسافة المترامية.
في لبنان حالياً شبكة رصد من ثلاث محطات، في بحنّس واهدن والزهراني، اضافة الى محطة رابعة جديدة مجهزة وعاملة ولكنها غير مربوطة بالشبكة بواسطة الراديو. ويقول اسكندر سرسق، ان المحطات القائمة ترصد نحو 500 هزة سنوياً في البر والبحر ضمن نطاق 300 كيلومتر شعاعاً من لبنان، ''وثمة حاجة الى 9 محطات لاستكمال شبكة الرصد، ففي سورية مثلاً 27 محطة عاملة، وفي الاردن نحو 50، وفي قبرص 12، مع أن لبنان هو الأكثر تعرضاً للزلازل".
بعد كارثة جنوب شرق آسيا، اطلعت اللجنة البرلمانية للأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه من المجلس الوطني للبحوث العلمية على حركات المد البحري التي رافقت بعض الزلازل في منطقة المتوسط عبر التاريخ، وتأثر بها لبنان. وأوصت اللجنة الحكومة بإنشاء الهيئة اللبنانية لادارة الكوارث الطبيعية، واعتماد معايير مقاومة الزلازل في الأبنية وخصوصاً المنشآت الحكومية والمستشفيات والمدارس. كما طلبت اقامة محطة بحرية للانذار المبكر داخل المياه الاقليمية لرصد الزلازل واحتمال تولد المد البحري على عمق 1500 ـ 2000 متر قبالة الشاطئ اللبناني، تعطي معلومات قيمة للبنان وسورية وقبرص وتركيا ويمكن أن تكون جزءاً من الدعم الدولي أو الاوروبي. وأوصت اللجنة بانشاء صندوق تعاضد لضحايا الكوارث الطبيعية يمول جزئياً من عقود التأمين، وتزويد مرافئ بيروت وطرابلس وصور بأجهزة لقياس حركة الأمواج البحرية. ودعت الى اكمال المعلومات عن نشاط الفوالق والبراكين البحرية التي يتأثر بها الشاطئ اللبناني، ووضع آلية لتوعية الرأي العام لمواجهة الاخطار المحتملة. وقد نفذ المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2003 مسحاً لقاع البحر لوضع خريطة جيولوجية للفوالق الزلزالية الممتدة في عرض البحر قبالة السواحل اللبنانية.
يؤكد اسكندر سرسق على ضرورة التحضر لمواجهة كوارث كالزلازل، معتبراً أن المساعدة في هذا المجال يجدر أن تأتي قبل حدوثها: ''لنعرف احتمالات الخسائر، علينا إجراء دراسات جيوفيزيائية عن قشرة الأرض، والاستعداد المسبق والمنظم لادارة الكوارث، وإجراء دراسات اجتماعية لمعرفة كيف سيواجه الناس الحدث''. ويلفت الى أن ''المساعدات الدولية متاحة، ولكن البيروقراطية عندنا قاتلة وتحرمنا من الكثير المتاح''. على سبيل المثال، عرض الفرنسيون أن يؤسسوا فيلبنان مركزاً اوروبياً - متوسطياً لادارة الكوارث. لكن هذا المشروع، الذي كان يمكن من خلاله فتح باب واسع للتعاون العلمي مع اوروبا، لم يبصر النور.
جدار بحري يحمي وسط بيروت
فيما يزداد قلق سكان السواحل حول العالم من أن تضرب أمواج التسونامي القاتلة شواطئهم، يبدو أن سكان وسط بيروت هم في مأمن. فالواجهة البحرية الجديدة اشتملت على انشاء جدار دفاعي قادر على حماية الشاطئ في أوقات المد العالي والعواصف، يحول دون اجتياح الأمواج البحرية للشاطئ، بما فيها تلك العالية جداً (حتى 9 أمتار) والتي قدر حدوثها مرة كل نحو 100 سنة.
استلزم المشروع إقامة خطين للحماية: الأول هو كاسر الموج المغمور بطول 1350 متراً وعرض 80 متراً عند الجهة الشرقية و140 متراً عند الجهة الغربية، بحيث يرفع قاع البحر من نحو 25 متراً الى 6 أمتار تحت سطح المياه. ويتكون من الرمل والصخور الضخمة، بالاضافة الى نحو 10آلاف من القوالب الاسمنتية التي تزن الواحدة بين 20 و40 طناً.
تتبدد طاقة الأمواج الكبيرة اذ تعبر هذا الكاسر قبل اصطدامها بخط الدفاع الثاني، وهو حائط متواصل يتكون من 80 حجرة خرسانية ضخمة صامدة للماء، يوازي ارتفاع كل منها بناء من أربع طبقات وتزن فارغة نحو 2000 طن. وعندما تدخل الأمواج الحجرات السفلى، يتم امتصاصها داخلها ومن ثم يعيدها الجدار الى البحر. واذا كانت الأمواج أعلى، تمتصها حجرات الطبقة العليا وتردها من حيث أتت. وقد صُبّت هذه الحجرات على اليابسة، ثم عومت الى مواقعها وأنزلت في البحر، حيث أغرقت وثبتت بضخ كمية مدروسة من الرمال فيها. وكانت الرمال جرفت من القاع للوصول الى الأرض الصلبة، ومن ثم وضعت الأساسات بسماكة 11 متراً بحيث تستطيع هذه الإنشاءات ليس فقط أن تصد الأمواج بل أيضاً أن تصمد ضد الزلازل.
بعد تثبيت الحجرات في أماكنها، بدأ إنشاء البنى الفوقية التي تتضمن ممرات للتنزه: الأسفل بارتفاع 1,5 متر عن سطح مياه البحر، والأوسط بارتفاع 4,5 أمتار، والأعلى بارتفاع 5,5 أمتار. ويحمي كل ممر من جهة البحر حائط (متراس) يعلو نحو متر. ويقول أنغوس غيفن، مستشار التخطيط في شركة اعمار وسط بيروت (سوليدير)، ان المعايير التصميمية المفروضة ضمنت ألا يزيد ارتفاع الجدار البحري على 5,5 أمتار فوق المياه كي لا يحجب منظر البحر عن وسط المدينة.
بالاضافة الى ذلك، تضمن المشروع إنشاء كاسر للموج بطول 450 متراً عند الجهة الغربية من الواجهة البحرية، بهدف استكمال المرفأ السياحي الغربي. الأمر المؤكد، بحسب مصممي المشروع، هو أن الناس سيتمتعون بجميع النشاطات المتوافرة في الواجهة البحرية لوسط بيروت حتى في أوقات العواصف... والتسونامي!
بعد الخضّة العالمية التي هيّجها زلزال وتسونامي جنوب شرق آسيا، لا بد من العمل على اتخاذ تدابير فعلية للحد من أخطار الكوارثالطبيعية. ويجب أن يشمل ذلك، خصوصاً في لبنان، وضع وتطبيق خطة حازمة لاستخدام الأراضي، بما في ذلك منع البناء على السواحل الا وفق أنظمة مشددة، وازالة المخالفات، واعتماد معايير مقاومة الزلازل في الأبنية الجديدة وتأهيل الأبنية القائمة، وتعليم المواطنين طريقة التصرف في مواجهتها. هكذا يتحول الاهتمام من رد الفعل بعد الكارثة الى العمل قبل حدوثها.
كادر
زلزال 551 وتسونامي بيروتفي كتابات مؤرخين قدماء
في صيف سنة 551 الميلادية ضرب زلزال عنيف القسطنطينية وأجزاء أخرى من الامبراطورية البيزنطية. فدمر كثيراً من المدن تدميراً تاماً، ومنها بيروت (بيريتوس آنذاك) درة فينيقيا، التي تحولت كنوزها الأثرية ومعالمها الحضارية أكواماً من الانقاض سحقت تحتها ألوف السكان والوافدين. وكان بين هؤلاء طلاب قدموا من بلدان بعيدة للدراسة في مدرسة الحقوق الشهيرة، التي نقلت لاحقاً الى صيدا (صيدون) ريثما يعاد بناء المدينة المنكوبة. وقد نجمت عن الزلزال موجة بحرية كاسحة (تسونامي) أغرقت كثيرين في البحر وعلى الشاطئ.
المؤرخ يوحنا مالالاس (490 ـ 570) كتب عن تلك الكارثة:
''في اليوم السادس من شهر تموز (يوليو) حدث زلزال مروِّع في كل أرض فلسطين والعربية وبلاد ما بين النهرين وأنطاكية وفينيقيا البحرية. وفي هذا الرعب عانت المدن الآتية: صور وصيدون وبيريتوس وبيبلوس (جبيل) وتريبوليس (طرابلس) وأجزاء من مدن أخرى، وقضى أناس كثيرون. وفي مدينة بوتريس انهار جزء من جبل محاذٍ للبحر يدعى ليثوبروسوبون، وسقط في البحر، وكوّن ميناء باتت السفن الضخمة قادرة على الرسو فيه (حيث رأس شكا حالياً). ووقت حدوث الزلزال تراجع البحر مسافة كبيرة، وغرقت سفن كثيرة. وبقدرة الله عاد البحر لاحقاً الى قاعه الأصلي".
وكتب يوحنا الافسوسي (507 ـ 586):
''عبرة للأجيال المقبلة، سنسرد عن كارثة رهيبة حدثت في مدينة بيريتوس أثناء الزلزال الذي دمر المدن. ففي خضّم الارتباك الرهيب، عندما ارتد البحر بقدرة الله وتراجع عن بيروت ومدن فينيقيا الساحلية الأخرى مسافة ميلين تقريباً، أصبحت الأعماق الرهيبة مرئية. وفجأة صار في الامكان مشاهدة مناظر مدهشة وسفن غارقة بحمولاتها. وبعض السفن التي كانت راسية في الموانئ استقرت على قاع البحر، وبقيت بقدرة الله منتصبة وجافة بعدما انحسرت المياه بعيداً. وسارع سكان المدن والبلدات الساحلية الى البحر في اندفاعة جسورة لينهبوا الكنوز الضخمة التي تراءت لهم في القاع. ورآهم آخرون يعودون مثقلي الأحمال، فسارعوا الى القاع كي لا تفوتهم الكنوز المحجوبة التي كشفها الزلزال فجأة. وكان الجميع يتراكضون هنا وهناك بارتباك. فجأة أتت موجة هائلة لم يلاحظها أحد أعادت البحر الى عمقه الأصلي، فالتهم في أعماق مياهه المدوّمة جميع أولئك البائسين. ومثل فرعون،نزلوا الى الأعماق وغرقوا كالحجارة، كما هو مكتوب، وطرح الله مياه البحر فوقهم، ووجدت أجسادهم طافية على الأمواج كالنفايات. وفي أنقاض المدينة المدمرة بالزلزال شب حريق عظيم رمَّد كل شيء. حتى الحجارة تحولت الى كلس. عندئذ أرسل الله المطر من السماء لمدة ثلاثة أيام بلياليها، فأخمد النيران التي أحرقت بيريتوس. ومن نجا من هجمة البحر وانهيار المدينة خرَّ جريحاً أو هالكاً من العطش، لأن قنوات المياه في المدينة دمرت".
عندما زار أنطونيوس البلاسنتي (من إقليم بياسينزا في شمال ايطاليا) المنطقة المنكوبة سنة 570 في رحلة حج الى فلسطين، مر عبر طرابلس وجبيل وبيروت. ووصف خط رحلته على النحو الآتي:
"دخلنا سورية عن طريق جزيرة انثارادوس (ارواد)، ومن ثم دخلنا الى تريبوليس التي دمرها الزلزال في زمن الامبراطور يوستينيانوس. ومن هناك أتينا الى بيبلوس التي دمرت أيضاً مع سكانها... ثم قدمناالى بيريتوس الرائعة التي كانت فيها مدرسة الحقوق قبل زمن وجيز. الزلزال دمر المدينة، وأخبرنا رئيس أساقفتها أن ثلاثين ألف شخص معروفين ممن حددت أسماؤهم، في ما عدا الأجانب، هلكوا في وقت وجيز".
كارثة إنسانية ... كارثة بيئية
تسونامي سومطرة جرف القاع بكائناته الحية وموائله البيولوجية
وحيد محمد مفضل
ما أعظم الفارق بين جزيرة سومطرة وما جاورها اليوم وبين حالها بالأمس القريب، قبل "الأحد الأسود" في 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. زلزال رهيب ضرب قاع المحيط قبالة الجزيرة، وأعقبته موجات بحرية عاتية أو تسونامي، ابتلعت في لحظات مدناً وقرى كاملة لتخلف كارثة مروعة دخلت التاريخ كواحدة من أقسى الكوارث الطبيعية التي ألمت بالبشرية. والأمر لا يقتصر على خسائر إنسانية واقتصادية، ففي الخلفية تظهر كارثة أخرى بيئية تنطوي على نتائج بالغة الأثر.
يمكن تقسيم المناطق المتضررة من التسونامي إلى ثلاث، تتفاوت في حجم الدمار الناتج. الأولى هي منطقة المياه العميقة داخل المحيط حيث تبدأ الأمواج العاتية رحلتها الطويلة في اتجاه الشواطئ. وهي عموماً تُعدّ أقل المناطق تضرراً نظراً لانخفاض علوّ أمواج التسونامي وعدم وجود أثر هدمي لها. والخسائر في البشر والكائنات البحرية قليلة جداً نسبياً ضمن هذه المنطقة، وتعتمد أساساً على مقدار ما يحدث من تشوهات وشروخ في قاع البحر.
المنطقة التالية هي الضحلة القريبة من الشاطئ والتي تتميز عادة بثراء وتنوع أحيائي كبير جداً. وهي أيضاً تتعرض لدمار كاسح بكل ما عليها من كائنات بحرية وموائل بيولوجية. وتمتد الأضرار فيها إلى بعض الخسائر البشرية من الصيادين ومرتادي الشواطئ. ففي هذه المنطقة تبدأ أمواج التسونامي الاحتكاك بقوة بالقاع الضحل، ما يؤدي إلى جرفه بكل ما عليه من كائنات وموائل.
المنطقة الثالثة هي منطقة السهل الساحلي التي تلي خط الشاطئ في اتجاه اليابسة، وفيها تواصل أمواج التسونامي رحلتها المدمرة مسافة قد تمتد إلى كيلومترين أو أكثر داخل اليابسة اعتماداً على قوتها، لكنها هذه المرة تكون محملة بصخور من قاع البحر وأجزاء من الشعاب المرجانية المنجرفة، إضافة إلى بقايا السفن والقوارب المحطمة. وبديهي أن معظم الخسائر في هذه المنطقة تنصبّ على العنصر البشري، نظراً لاستيطان نسبة كبيرة من السكان هذا النطاق وتركز معظم الأنشطة البشرية فيه. كما تشمل الخسائر بعض أنواع الحياة الفطرية الموجودة في مدى هجوم الأمواج البحرية.
الموائل البيولوجية القاعية، مثل الشعاب المرجانية والمنغروف (نبات الشورى أو القرم) وحشائش البحر والطحالب الكبيرة، هي أكثر الكائنات البحرية تضرراً من آثار التسونامي. كذلك الكائنات التي تتحرك ببطء أو تدفن بيضها في الرمال قرب الشاطئ، مثل السلاحف والسرطانات وغيرها، فالأمواج العاتية تجتاح هذه الكائنات وتبيدها هي وأجيالها المنتظرة في لحظات قليلة. ولعل أقل الأنواع تضرراً تلك التي تستوطن المياه العميقة، وخصوصاً السريعة والكبيرة الحجم مثل الحيتان والدلافين.
تسونامي سومطرة... دمار بيئي في البحر والبر
لم تتوافر حتى كتابة هذه السطور إحصاءات دقيقة للأضرار البيئية الناتجة عن زلزال سومطرة. وما هو متاح لا يخرج عن كونه تقديرات أولية. فدراسات تقييم الأثر البيئي تستلزم كثيراً من الوقت والجهد والفكر، كما أن الأولوية ليست لها الآن حيث ما زال العالم منشغلاً بأعمال الإغاثة وإعادة تأهيل المرافق الأساسية اللازمة للحياة.
 
بيد أن هذا لم يمنع منظمات بيئية دولية واقليمية من الإعلان عن إرسال اختصاصيين الى المنطقة لدراسة الوضع البيئي. وفي مقدم هذه المنظمات برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي أعلن عزمه إجراء مسح بكلفة مليون دولار لتقييم الآثار البيئية للكارثة. كما أعلنت اليونسكو مبادرة مشابهة لتقييم مدى الضرر الذي ألم بمواقع التراث العالمي في المنطقة. وبدأت منظمة BirdLife الدولية تقييم آثار الكارثة على طيور المنطقة والتنوع البيولوجي فيها.
لا خلاف على أن تفشي الأمراض والأوبئة يعد من أخطر الآثار البيئية الناتجة عن التسونامي. فتعفن الجثث وتحللها، وتلوث مياه الشرب مع انخفاض مستوى النظافة، تسفر عن أمراض وبائية مثل الكوليرا والملاريا والالتهاب الكبدي. وتمثل الألغام الأرضية التي زُرعت إبان الحرب الأهلية في سري لانكا خطراً إضافياً، فقد نَزعت الأمواج هذه الألغام والعلامات التحذيرية المحيطة بها، لتزرعها في أماكن جديدة غير معلومة، مما يهدد بوقوع مزيد من الضحايا.
الأضرار التي أصابت الحياة الفطرية والمظاهر الطبيعية مؤثرة للغاية. فمنطقة جنوب آسيا من أغنى مناطق العالم وأكثرها تنوعاً بالموارد البيئية والمجتمعات الأحيائية، ولا يضاهيها في ذلك سوى منطقتي الكاريبي والأمازون. وهي تشتهر بالغابات الاستوائية والشعاب المرجانية الضحلة وأيكات المنغروف وحشائش البحر وغيرها من الموائل البيولوجية التي تقدم للبشرية خدمات جليلة. ونظراً لتمركز معظم هذه الموائل بالقرب من السواحل، فقد تعرضت للتدمير المباشر نتيجة جرف أمواج التسونامي لقطاعات عريضة منها. وتُظهر مقارنة صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة للأماكن المنكوبة قبل الكارثة وبعدها اختفاء مساحات شاسعة من تلك الموائل في أكثر من موقع، ما يمثل خسارة لا تقدر بثمن نظراً لصعوبة إصحاحها أو إعادة تأهيلها.
والضرر يمتد إلى تداعيات أخرى غير مباشرة، تتمثل في الكميات الهائلة من الرمال وفتات الصخور والعكارات التي طمرت مساحات كبيرة من الموائل البيولوجية الساحلية، ما يهدد بفناء مساحات متزايدة منها نتيجة حجب ضوء الشمس عنها وتغير درجة صفاء المياه والخصائص الإيكولوجية الأخرى المميزة. وتتمثل الأضرار غير المباشرة أيضاً في تسرب مخلفات الصرف الصحي والمواد البترولية والكيماوية وملوثات أخرى الى المياه الساحلية أو البحيرات الداخلية، من الخزانات والمرافق والمنشآت الصناعية وغيرها.
ولا يمكن إغفال تضرر الكائنات البحرية والبرية من تدمير البيئة المعيشية التي ترعى وتنمو فيها. تدمير الشعاب المرجانية مثلاً سيؤدي إلى فناء التجمعات السمكية والأحياء البحرية الأخرى التي تعتمد على وجود الشعاب. كذلك الأمر بالنسبة الى أيكات المنغروف التي تُعد حضانة طبيعية لمعيشة وتناسل آلاف الأنواع، من روبيان وأسماك وطيور بحرية بل وحيوانات برية تتغذى على أوراق هذا النبات الفريد. وهذا يكاد ينطبق تماماً على الحشائش البحرية التي تعد موئلاً رئيسياً للسلاحف والأسماك وغيرها من الكائنات البحرية.
وتفيد التقارير الأولية أن جزر نيكوبار وآندمان المرجانية، التي تقارن من حيث التنوع والثراء بالحاجز المرجاني العظيم في اوستراليا، هي من أكثر المناطق المتضررة بيئياً من جراء التسونامي الأخير. ويتخوف البعض مـن اختفاء أهـم كائناتها المستوطنة، ومنها بعض أنواع السلاحف البحرية المهددة بالانقراض مثل السلحفاة الجلدية الظهر والسلحفاة الخضراء وسلحفاة ريدلي، إضافة إلى حيوان الأطوم (عروس البحر) وكائنات بحرية أخرى نادرة يصعب حصرها. وقد امتدت الخسارة إلى الطيور أيضاً حيث يوجد في المنطقة المنكوبة ثلاثة مواقع فريدة لتجمع الطيور، ومنها ما لا يقل عن 27 نوعاً مهدداً بالانقراض. ولعل هذا ما دفع منظمة بيردلايف للتحرك سريعاً من أجل حصر تداعيات الكارثة على طيور المنطقة.
ولم تكن الحياة على اليابسة بمنأى عن الدمار. فقد أتى التسونامي على آلاف الحيوانات البرية النادرة، كما شردت ملايين الحيوانات الأليفة كالماشية والأبقار والكلاب والقطط. وأتت الأمواج على أجزاء عريضة من الغابات المدارية الاستوائية المتاخمة للشريط الساحلي، وهي مجتمع كامل يضم كوكبة من أندر النباتات والحيوانات البرية.
عبرة من الكارثة
الموائل الطبيعية تمثل ملاذاً ودروعاً واقية من شطحات قوى الطبيعة. فالشعاب المرجانية وغابات المنغروف تمثل حائط صدّ أول ضد الأمواج العاتية وحاجزاً طبيعياً يحمي المجتمعات الساحلية من جموح البحر. فقد لاحظ العلماء في الكارثة الأخيرة أن وجودها كان كفيلاً بالحد من قوة أمواج التسونامي ومنعها من التوغل كثيراً داخل اليابسة. وأوضحت تقارير أن قلة خسائر بعض السواحل المنكوبة سواء في الأرواح أو المنشآت، كما في حالة الساحل الغربي لجزيرة بينانغ التايلاندية أو الساحل الجنوبي لمقاطعة تاميل نادو الهندية، يعود بالدرجة الأولى الى وجود غابات كثيفة من المنغروف. وفي المقابل، لوحظ أن أشد السواحل تضرراً كانت تلك التي أزيلت منها الشعاب المرجانية وأيكات المنغروف.
وليس في يدنا بعد متابعة هذه الكارثة سوى الرجاء بأن تتعافى الموائل الطبيعية والبيئة المخربة في أسرع وقت ممكن. وهذا بلا شك في مصلحة الشعوب المنكوبة، فأنشطة مثل السياحة والصيد يعدان من أبرز الأنشطة في المنطقة، وهما يعتمدان بصورة أساسية على غنى السواحل بالشعاب المرجانية والمنغروف وغيرها من الموائل البيولوجية المنتجة، ما يعني أن في نمائها وإعادتها للحياة نماء وإحياء لتلك الأنشطة. ولعلنا نخرج من هذه الكارثة بدروس مستفادة، وأولها الالتفات الى ما تمتلكه المنطقة العربية من موائل ومقومات طبيعية لا تقدر بثمن. ولعلنا بعد هذا نستطيع حماية تلك الثروات لنضمن استدامتها واستمرار عطائها.
الدكتور وحيد مفضل باحث في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد في الإسكندرية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.