أين الشاطئ؟ سألني الدكتور مصطفى كمال طلبه قبل سنوات، ونحن نعبر في السيارة الطريق الساحلية بين بيروت وطرابلس. فشاطئ لبنان المتوسطي الجميل تحجبه أبنية أقيمت خلافاً للقانون، لتقف حاجزاً من الباطون المسلح يقطع منظر البحر.
مشكلة الاعتداءات على الشاطئ اللبناني، التي كانت محصورة قبل الحرب، استفحلت خلالها، حيث تم احتلال الأملاك العامة بقوة السلاح أو المال، لبناء مجمعات سياحية وتجارية وسكنية، غطت الشاطئ ومنعت تمتع عامة الناس بالبحر.
أذكر أن الدكتور طلبه أشار عليّ يومها أن أكتب مقالاً عن خطر ارتفاع مستوى البحر بسبب تغير المناخ، لعل المخالفين يخافون من أن تغطي المياه مشاريعهم، فيتوقفون عن انتهاك حرمة الشاطئ.
منذ ذلك الوقت كتبت مئات المقالات، لكن هذا لم يمنع استمرار سرقة الشاطئ اللبناني، وانتقال هذه الظاهرة إلى دول أخرى، خاصة في الخليج.
مشاريع كبيرة يتم تطويرها وتسويقها، تقوم على ردم البحر واقامة المدن والجزر السياحية على طول شواطئ الخليج. نحن لسنا من دعاة ''الأصولية البيئية'' التي ترفض التنمية، لا بل اننا من القائلين بأن تحويل الطبيعة إلى موارد نافعة يشجع الحفاظ عليها. غير أن للتنمية حدوداً وأصولاً. فإذا كانت الطبيعة بالنسبة الى صناعة السياحة مثل الدجاجة التي تبيض ذهباً، فإن الافراط في استهلاك مواردها مثل الذي يقتل الدجاجة ظناً منه أنه يحصل مرة واحدة على كل ما في أحشائها من بيض ذهبي.
نخاف أن ينتقل ما حصل في لبنان من تدمير للشاطئ بسبب الفوضى، إلى شواطئ دول الخليج بسبب الاندفاع نحو التنمية السريعة.
التنمية السريعة ضرورية في العالم العربي اليوم، كشرط أساسي للانخراط في العصر الحديث. ولكن للتنمية قواعد، في طليعتها التوازن بين التنمية وموارد الطبيعة. ويبقى التطور التكنولوجي والعلمي الشرط الأساسي لاعطاء العرب صفة الشريك في عملية التنمية الدولية، لا العمارات الشاهقات، وان كانت الأعلى في العالم.
ثم ان التطور يكون بالتناغم مع الطبيعة لا بقهرها. وقد قرأنا عن العمال الهنود الذي جرفتهم قبل أيام موجة من أمتار قليلة ضربت موقع عملهم على مشروع جزيرة اصطناعية في الخليج. فماذا يحصل لو ضربت موجة عملاقة؟
ولئن كان الخيال المستقبلي وراء المشاريع العملاقة على سواحل العرب، فلا يجوز التغاضي عن انشاء بعضها من دون اجراء دراسات للأثر البيئي ونشرها علناً ليطلع عليها جميع المعنيين، واعطائهم فرصة الاعتراض قبل المباشرة بالتنفيذ.
حين يقرأ الدكتور مصطفى كمال طلبه موضوع تسونامي على غلاف هذا العدد من ''البيئة والتنمية''، سيتمنى أن يشاركه القراءة أولئك الذين يمعنون في انتهاك الشواطئ، لعلهم يتعظون.
|