في عالم يزداد نهماً للموارد الطبيعية المحدودة، بدأ الانسان يستيقظ من حلم قديم ليدرك الحقيقة: كي يضمن بقاءه، عليه أن يعيش في انسجام مع ما تستطيع الأرض أن تقدمه. وهذا ليس ادراكاً حديثاً، فقد سبقنا اليه "هنود حمر" وبدو رحَّل عاشوا وفق هذا المبدأ مئات السنين، قبل أن يتسلل الى حياتهم التأثير الغربي الذي توجهه الصناعة. وما زالت قبائل في أميركا وأفريقيا وآسيا، بما فيها الشرق الأوسط، تفعل ذلك حتى اليوم.

احدى الممارسات العصرية الهادفة الى حياة مستدامة هي قيادة سيارة هجينة، أو هايبريد (hybrid)، تعمل بالوقود والكهرباء. لقد مضت سنوات قبل أن تصبح هذه السيارة حقيقة عملية، لكنك اليوم تراها على الطريق. تمر بها وتنظر اليها، فتبدو لك سيارة عادية. وتلاحظ أن السائق هو كالسائقين الآخرين تماماً، له رأس وعينان وأنف وأذنان، ويداه على عجلة القيادة، وقدمه على الدواسة، وهو يصغي الى الموسيقى، وحتى يتكلم على الهاتف الخليوي. فلماذا لا نرى هذه السيارات في لبنان والاردن والسعودية والامارات والبلدان العربية الأخرى؟ أليست هذه البلدان بحاجة الى حياة مستدامة كبقية البلدان؟

ربما الجواب في قلة الاطّلاع. فالناس، حتى في البلدان الصناعية، ليسوا ملمين بحقائق السيارات الهجينة. الأفكار الأولى التي تتبادر الى الذهن هي أن هذه السيارات باهظة الثمن، وتحتاج الى كثير من الصيانة، وأنها معقدة وغير مأمونة. والواقع أن لا شيء أبعد عن الحقيقة. وأنا لم أدرك ذلك تماماً حتى أصبحت المالك الفخور لسيارة هايبريد.

عندما بدأنا البحث عن سيارة جديدة، لم نفتش عن هايبريد بالتحديد. أردنا سيارة عائلية مقتصدة، وقد لبَّت الهايبريد لائحة رغباتنا.

لدينا الآن هوندا سيفيك هايبريد طراز 2003، تشبه تماماً سيارة سيدان عادية بأربعة أبواب. فهي واسعة، وهادئة، ومزودة بناقل حركة أوتوماتيكي. تصعد المرتفعات كأي سيارة أخرى، تماماً كما كانت تفعل سياراتي السابقة. و... أنا لا أحتاج الى وصلها بمأخذ كهرباء لشحن البطارية في آخر النهار.

تفحصنا سيارات كثيرة، وكانت الهايبريد أرخص ثمناً من طرازات عديدة أخرى. ففي ولاية كاليفورنيا حيث نقيم، يبلغ سعر الهوندا سيفيك هايبريد، وكذلك التويوتا بريوس هايبريد، نحو 20,000 دولار، مع إمكانية تخفيض السعر عند العزم على الشراء. وكحافز للتشجيع على بيع هذه السيارة "الخضراء"، تقدم سلطات كاليفورنيا لمالكها حسماً ضريبياً لمبلغ 2000 دولار. وبالمقارنة، يبلغ سعر سيارة مرسيدس أو BMW نحو35,000 دولار كحد أدنى.

كل ما في السيارة معد للاقتصاد بالوقود. فهي مطلية بألوان فاتحة تعكس أشعة الشمس، فلا تسخن في الصيف، مما يقلل استهلاك الطاقة للتكييف. وعندما توقفها أمام اشارة حمراء بالدوس على الكابح، يتوقف المحرك بكامله (ظاهرة غريبة في البداية، لكنك تعتاد عليها). وعندما تطلق الكابح، تعود السيارة الى "الحياة" تلقائياً. ولا تقلق لو نسيت أن تطفئ المصابيح الأمامية، فهي متصلة بجهاز توقيت، وسوف تنطفئ تلقائياً. وينطبق ذلك أيضاً على المصباح في مقصورة الركاب.

تقطع سيارتي الهايبريد نحو 82 كيلومتراً بغالون البنزين العادي (الغالون يعادل 3,78 ليتر في الولايات المتحدة) ولا تحتاج الى بنزين عالي الأوكتان. وقد أجريتُ بعض الحسابات البسيطة لمعرفة كمية البنزين التي توفرها علي (أنظر الجدول أدناه)، اعتمدت فيها سعراً للبنزين هو دولاران للغالون (السعر الحالي حيث أقيم)، ومعدلاً للمسافة التي تقطعها الهايبريد بالغالون هو 82 كيلومتراً، ومعدلاً للمسافة التي تقطعها سيارة "كفوءة" عادية هو 40 كيلومتراً بالغالون، ومعدلاً للمسافة التي تقطعها سيارة رياضية (SUV) هو 24 كيلومتراً بالغالون، والمسافة التي أقطعها أنا وهي 3380 كيلومتراً في الشهر. وكانت الوفورات مذهلة! فإضافة الى السعر الاقتصادي للسيارة، والحسم الضريبي الذي حصلت عليه من الولاية، أنا أوفر أيضاً نحو 5000 دولار خلال السنة الأولى من قيادة الهايبريد. ولو اشتريت لعائلتي سيارة رياضية لكانت كلفتني 12,000 دولار أكثر في السنوات الخمس المقبلة، و24,000 دولار أكثر في السنوات العشر المقبلة (بافتراض أن يبقى سعر البنزين عند هذا المستوى المنخفض). وهذا يعادل مجموع أقساط سنتين من التعليم الجامعي لابني!

السيارات الهجينة تزداد شعبية في الولايات المتحدة، وهي متوافرة حالياً من هوندا وتويوتا وفورد. لكن صانعي السيارات يدركون أهمية هذه السوق، وقد بدأت شركات أخرى إنتاج سيارات عادية بطراز هايبريد. ولمَ لا؟ فتكون لديك السيارة ذاتها ولكنك تنفق مالاً أقل على البنزين والصيانة؟ انها تتسع لخمسة ركاب، وتقطع مسافة تصل الى 1050 كيلومتراً بملء خزان وقود!

بعكس ما قد يتبادر أولاً الى ذهنك، أنت لا تحتاج الى توصيل سيارتك بمأخذ كهرباء لاعادة شحن البطارية. فالبطارية تشحن ذاتها، لأن من حقك أن تشغل وقتك بأمور أهم من التوصيل والانتظار. وبالنسبة الى سيارتي الهوندا سيفيك، فإن معادلة انتاج الطاقة قائمة على موتور كهربائي رقيق جداً يساعد المحرك كلما تقتضي الحاجة. هذه الوحدة المدمَّجة الكفوءة تزيد مردود عزم التدوير بنسبة 66 في المئة عند 1000 دورة في الدقيقة.

وفي ما عدا معاينة الزيت والفرامل والاطارات وتغييرها في أوقات منتظمة، فإن المحرك بسيط ويحتاج الى القليل جداً من الصيانة. وقد فوجئت فعلاً عندما أبلغني البائع أنني لا أحتاج الى ضبط المحرك الا بعد اجتياز 160,000 كيلومتر. وهذا أرخص كثيراً من السيارات العادية، التي يجري ضبط محركها كل نحو 40,000 كيلومتر.

سيارتي الهايبريد تشبه تماماً سيارة هوندا سيفيك عادية من حيث الراحة والمظهر. ولو لم أعلم أنها هجينة، ولو لم تشر الى ذلك العلامة في المؤخرة، لما شعرت بأي اختلاف. واقتصادها في الوقود لا يأتي على حساب الترف. فلدي ناقل حركة أوتوماتيكي، ونظام قيادة آلية (كروز) قلما استعمله في كاليفورنيا مع زحمة السير التي نواجهها، وجهاز تبريد وتدفئة فعال ومقتصد، وجهاز راديو وCD، وأبواب ونوافذ تفتح وتغلق آلياً، وقفل للسيارة يتم التحكم به عن بعد. واعتمدت فيها أيضاً تكنولوجيا سلامة متقدمة، مثل أكياس الهواء الأمامية والجانبية وجهاز التنبيه ضد السرقة.

لكن كيف تخفف من الانبعاثات في الهواء؟ ذلك هو الجزء المعقد. غير أنني لست مضطراً أن أعرف كيف، ما يهمني هو أنها تفعل.

السيارات الهجينة الموجودة في السوق اليوم صغيرة نوعاً ما. لكن السيفيك هايبريد، مثلاً، ليست أقل أماناً من السيفيك العادية. والبريوس هايبريد من تويوتا ليست أقل أماناً من الكورولا. ومع تزايد الطلب على هذه السيارات مؤخراً، أطلقت فورد سيارة رياضية هايبريد، كما أطلقت هوندا سيارة أكورد هايبريد. فاذا اردت سيارة هجينة أكبر حجماً، لديك الآن خيارات اضافية.

سيارتي الهايبريد مزودة بالآتي: أولاً، هيكل فولاذي يشكل "قفصاً" مأموناً حول مقصورة الركاب. ثانياً، منطقتا تحطم أمامية وخلفية مصممتان لتتجعدا وتمتصا الطاقة أثناء حدوث اصطدام. ثالثاً، عمود مقود قابل للانهيار عند الاصطدام. رابعاً، أكياس هواء أمامية وجانبية (أكياس الهواء الجانبية مطلوبة فقط في الولايات المتحدة). خامساً، أحزمة أمان تثبّت الأحزمة الأمامية آلياً في حال حدوث اصطدام.

لكن عنصر الأمان الأساسي كان، وسيبقى، السائق. فالقيادة الوقائية هي أفضل آلية أمان. وحجم السيارة لا قيمة له عندما يكون أدرينالين السائق بزخم شاحنة.

احتراق البنزين في السيارات ينتج مواد ثانوية متنوعة، منها أول اوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والهيدروكربونات. والبنزين المتبخر من الخزان ينتج أيضاً هيدروكربونات. ان الحد من انتاج هذه الملوثات مهم للبيئة. ففي حالات معينة من ضوء الشمس والمناخ، تتفاعل أكاسيد النيتروجين والهيدروكربونات لتشكل ضباباً دخانياً فوتوكيميائياً يضم غاز الاوزون السام. أما أول اوكسيد الكربون فلا يساهم في حدوث الضباب الدخاني، لكنه غاز سام.

نظام التهوئة: الغازات التي تتراكم في جهاز التهوئة لا تتسرب الى الجو، بل تنتقل من الجهاز الى المحرك حيث تحترق.

تبخر البنزين: عندما يتبخر البنزين في خزان الوقود، تمتصه علبة تحكم بالانبعاثات البخارية مملوءة بالفحم. وهذه العملية شبيهة جداً بالتصفية الكربونية لمياه الشفة، في ما عدا أن جهاز السيارة يصفي الأبخرة بدلاً من المياه. وتخزن الأبخرة في العلبة أثناء توقف المحرك. وبعد تشغيله، تسحب الأبخرة الى داخل المحرك وتحترق أثناء القيادة.

التبخر أثناء تعبئة الوقود: في السيارة جهاز يحتجز الأبخرة أثناء التزود بالوقود. تحتجز هذه الأبخرة في علبة مملوءة بالكربون، وتحترق عند تشغيل المحرك.

التحكم بانبعاثات العادم: يشتمل هذا التحكم علـى أربعة أنظمة مصممة لتعمل معاً على ضبط كمية الهيدروكربونات وأول اوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين التي تخرج من عادم السيارة. ويتولى محول حفاز (catalytic converter) له ثلاثة مسارب تحويل هذه الانبعاثات، من خلال تفاعلات كيميائية، الى ثاني اوكسيد الكربون ونيتروجين وبخار ماء.

ولاية كاليفورنيا، حيث نقيم، تمنح حوافز اضافية لاقتناء سيارة هايبريد. وهذه ليست حوافز نقدية فقط، اذ أقرت الولاية أيضاً قانوناً يسمح لسيارات الهايبريد بالسير على الخطوط المخصصة للسيارات المتعددة الركاب، حتى لو كان فيها شخص واحد (القانون ينتظر الآن موافقة الحكومة الاتحادية قبل وضعه قيد التنفيذ). فالتعاون بين المالك والحكومة عنصر حاسم في رواج هذه السيارات الصديقة للبيئة.