ينفرد العراق بمحنة لا نظير لها في دول العالم، ألا وهي استمرار تعرض أبنائه للاشعاع منذ 14 عاماً، وكأنما لا يكفي ما عانته الغالبية الساحقة من العراقيين وهي تعيش، منذ نحو ثلاثة عقود، في بيئة موبوءة بسموم أخطر الملوثات.
لقد نتج عن حرب الخليج الثانية عام 1991 تلوث إشعاعي خطير يعادل نحو 7 قنابل ذرية من النوع الذي استخدم في هيروشيما وناغازاكي، نتيجة لاستخدام القوات الأميركية وحلفائها ذخائر اليورانيوم مما سبب كارثة بيئية وصحية وخيمة، من نتائجها انتشار أمراض السرطان في العراق، وخاصة في جنوبه، على نحو ''وبائي''. هذا ما أكده العديد من الدراسات الأجنبية والمحلية، ومنها دراسات الدكتور جواد العلي، رئيس قسم السرطان في المستشفى التعليمي ومدير مركز السرطان والأورام في البصرة حول سرطان الدم والتشوهات الولادية الناجمة عن اليورانيوم المستنفد (راجع موضوع ''الأضرار البيئية والصحية للحرب في مؤتمر دولي في السويد''، ''البيئة والتنمية''، حزيران / يونيو 2004).
وبينت دراسة للباحث أحمد عبد اللطيف، من كلية العلوم في جامعة بابل، أن استخدام اليورانيوم المستنفد ضد العراق تسبب بارتفاع حالات الاجهاض لدى الحوامل العراقيات 3 اضعاف عما كانت عليه عام 1989، وازدياد حالات الاصابة بأمراض السرطان نحو 7 أضعاف، والاصابة بسرطان الرئة 4 مرات. وتضاعفت الوفيات بسرطان الرئة 5 مرات.
ولم تقتصر الأضرار على الإنسان. تقول الدكتورة منى تركي الموسوي، مديرة مركز بحوث السوق وحماية المستهلك ورئيسة فريق بحثي أجرى دراسة علمية ميدانية في البصرة، ان الفحوص التي أجريت عام 1996 من قبل منظمات دولية، مثل منظمة الاغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، أظهرت وجود تلوث اشعاعي في التربة وفي بعض النباتات بتراكيز متباينة من نظيري الثوريوم ـ 234 والراديوم ـ 226 والبزموث ـ 214 يفوق ما هو موجود في المناطق الطبيعية. وهذا أفرز ظهور حالات مرضية غامضة، منها التشوهات الخلقية والاعتلال العصبي والعضلي والاجهاضات والامراض السرطانية، مثل سرطان الدم والغدد اللمفاوية والثدي، فضلاً عن التلوث البيئي الواسع الانتشار في المنطقة. وأشارت الى ضرورة اجراء دراسة لمستوى النشاط الاشعاعي من النباتات الطبيعية في منطقة البصرة، التي منها الصمعة والرفث والعرفج، بعد أن اثبتت الدراسات السابقة تلوثها اشعاعياً واحتمال انتقالها الى الانسان عبر السلة الغذائية. (''الصباح''، 9/1/2005).
الحرب الأخيرة على العراق في آذار (مارس) ،2003 التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم المشعة من جديد وبكميات فاقت ما استخدم عام 1991 بـ 4-6 أضعاف، فاقمت انتشار الولادات الميتة والتشوهات الولادية والأمراض السرطانية وغيرها. ولكثرة انتشار السرطان بين العراقيين، بات يعرف اليوم بـ''الانفلونزا الجديدة''. فما إن تدخل عيادة أي طبيب متخصص بأمراض السرطان حتى تدرك حجم الخطر الذي يهدد آلاف العراقيين. (''إسلام اونلاين''، 27/7/2004).
وليس في ذلك مبالغة، إذ أعلن مصدر في وزارة الصحة العراقية عن وجود أكثر من 140 ألف عراقي مصاب بالسرطان حالياً، تضاف اليهم 7500 حالة جديدة كل سنة. ويستقبل مستشفى الطب الذري والإشعاع في بغداد كل يوم نحو 150 حالة من كافة المحافظات. وتوقع خبراء أن يرتفع عدد الاصابات في العراق الى أكثر من25 ألف اصابة سنوياً. (''الخليج'' الإماراتية، 18/9/2004).
وفي حين تؤكد التقارير الطبية موت عشرات الآلاف من العراقيين والعراقيات المصابين بالسرطان، لأسباب عديدة، لمس القاصي والداني مدى تجاهل سلطة الإحتلال لتفاقم التلوث الإشعاعي الخطير، الذي سببته ذخائرها الحربية المشعة، وعدم قيامها بأي إجراء لدرء المخاطر، ناهيكم عن معالجة المشاكل البيئية الوخيمة، وانكار وجود التلوث الاشعاعي في العراق ومخاطره التي ظلت تنفيها.
إنتشار التلوث الإشعاعي
أكدت الفرق البحثية لوزارتي الصحة والبيئة العراقية نتائج الدراسة العلمية الميدانية التي قام بها المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم(UMRC)، وهو مركز أبحاث دولي مستقل يرأسه العالم الأميركي الكرواتي الأصل أساف دوراكوفيتش المتخصص بالذرة والطب النووي، وكان عقيداً في الجيش الأميركي. وقد شملت الدراسة مدن وسط وجنوب العراق، وأثبتت انتشار التلوث الإشعاعي في أرجاء البلاد وبنسب خطيرة. وفي ما يأتي نماذج من المواقع الملوثة التي كشفتها فرق مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة العراقية:
تم العثور على حاويات ذات علامات تشير الى النشاط الإشعاعي، وعدد من المصادر المشعة، في مزارع وقرى وأحياء ومنازل المناطق المحيطة بموقع التويثة جنوب بغداد، مثل الوردية والمنسية والغراوية الرياض والزهور. وقد تبين استخدام الحاويات الملوثة للأغراض اليومية من قبل السكان. أعلنت ذلك وزيرة البيئة الدكتورة مشكاة المؤمن. وقالت: ''تم استطلاع الموقع بشكل كامل وبمرافقة فريق من منظمة الطاقة الذرية العراقية السابقة وفريق علمي أميركي لجمع الحاويات. وأضافت أنه تم جمع أكثر من 100 حاوية وعدد من المصادر المشعة، ''بحيث قمنا بجهود عالية لجمع أغلب الحاويات الخاصة باليورانيوم''. (''النهضة''، 19/9/2004).
في محافظة المثنى، على بعد 300 كيلومتر جنوبالعاصمة، وجد 30 موقعاً تعرضت لنسب عالية من الأشعاع، وخاصة موقع ''المجزرة''، حيث تتواجد كميات كبيرة من الأسلحة المدمرة، ومعظمها ملوث بالاشعاعات. (''الحياة''، 13/12/2004). وأكد فريق بيئي متخصص بالوقاية من الإشعاع، قام بكشف ميداني، تلوث مجزرة المثنى القديمة باليورانيوم المستنفد. وقال مصدر في وزارة البيئة ان أسباب التلوث تعود الى ترك مخلفات عدد من الأسلحة المضروبة العائدة للجيش العراقي المنحل. (''النهضة''، 21/12/2004).
في محافظة البصرة منطقة ملوثة بالإشعاع كلياً، وتم العثور على 8 مواقع ملوثة باليورانيوم المستنفد في منطقة زراعية، حيث بقايا الدبابات والناقلات الملوثة. صرح بذلك مصدر في وزارة البيئة، وأوضح أن دائرة الوقاية من الاشعاع في الوزارة قامت باجراء مسح اشعاعي في المحافظة، وتم قياس الاشعاع في جذع احدى اشجار النخيل، وأثبت القياس تلوثها باليورانيوم المستنفد. وفي الاطار نفسه تم فحص قطع من السكراب (الخردة) المقطع حيث تم العثور على ثلاث قطع ملوثة باليورانيوم. وأعدّ القسم مجموعة توصيات لتقليل تعرض سكان المنطقة الملوثة بالاشعاع. (''بغداد''، 2/1/2005).
في محافظة ذي قار، جنوب العراق، بلغت القراءات الجديدة التي حصل عليها فريق مركز الوقاية من الإشعاع رقماً يزيد 60 مرة عن القراءة السابقة التي تم تسجيلها. واستنتج أن هذه نسبة قد تؤدي الى مشاكل خطيرة لكونها تسبب أمراضاً سرطانية، بحسب المهندسة أنعام محمد حساني مديرة بيئة ذي قار، التي أكدت أن الفريق أخذ عينات من التربة لأكثر من منطقة سكنية في المحافظة لغرض فحصها مختبرياً في بغداد. وقد تم صبغ المعدات العسكرية المتروكة في شوارع المحافظة ووضع العديد من العلامات التحذيرية لمنع المواطنين من الاقتراب منها. (''النهضة''، 14/12/2004).
في مدينة السماوة، حذرت وزارة البيئة المواطنين من استخدام المجزرة القديمة في المدينة، وذلك لوجود مدافع تم تدميرها بفعل قصف جوي بقذائف اليورانيوم المستنفد. وقال فريق العمل المكلف من دائرة الوقاية من الاشعاع ان الوزارة اتخذت الاجراءات اللازمة للمناطق الملوثة، حيث تم تحديدها وتسويرها بالطابوق ومنع الاقتراب منها، وسحب نماذج ترابية لاجراء الفحوصات عليها، وإبعاد المواد المسببة للتلوث الى منطقة الطمر الصحي خارج المدينة. (''بغداد''، 26/12/2004).
في محافظة نينوى، شمال العراق، أثبتت نتائج القياسات العلمية، التي تمت خلال الكشف الموقعي الذي أجرته وزارتا البيئة والعلوم والتكنولوجيا لمنطقتي ''العداية'' ومصنع ''الرماح''، وجود تلوث اشعاعي ناجم عن الحفر العشوائي لموقع ردم النفايات المشعة. وتم اعداد تقرير عمل مفصل شامل يتضمن القياسات الميدانية والفحوص المختبرية لنماذج التربة في مختبرات مركز الوقاية من الاشعاع، والايعاز الى مديرية بيئة نينوى لاتخاذ الاجراءات اللازمة بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية في المحافظة، لايقاف العمل في الموقع بصورة تامة وعدم السماح للمتعهد بإخلاء أية معدات، وتحديد المنطقة بأسلاك شائكة وعلامات تحذيرية تمنع دخول الاشخاص اليها تمهيداً لتنفيذ خطة العمل الكفيلة بمعالجة الحالة. وقال مصدر في وزارة البيئة ان نتائج المسح الميداني بينت أن هذه المواقع تتسم بالسرية التامة التي كانت تتميز بها المواقع العائدة الى البرنامج النووي للنظام السابق، وقد تعرضت لعمليات السلب والنهب، مما يتطلب تنفيذ برنامج متكامل بشكل علمي من خلال فرق فنية مشتركة بين وزارتي البيئة والعلوم (''الخليج'' الإماراتية، 27/12/2004).
تحديات غير اعتيادية
لم تكن التحديات التي واجهتها وزارة البيئة العراقية بالتحديات الهينة أو الإعتيادية، وهي فتية ولا يزيد عدد موظفيها في كل العراق على 650، ولا تتجاوز تخصيصاتها 7 ملايين دولار، مقارنة بمئات الألوف من الموظفين في بقية الوزارات. وكان على الوزارة أن تواجه عقوداً من الاهمال للقضايا البيئية. ''فإذا أخذنا في الاعتبار صعوبة حل المشاكل البيئية والكلفة الباهظة اللازمة لذلك، يمكن عندها للصورة أن تكتمل حول واقع هذه الصعوبات''. هذا ما كتبته وزيرة البيئة الدكتورة مشكاة صبيح المؤمن في مقال نشرته صحيفة ''النهضة'' في 16/1/2005. وأكدت المؤمن أن الوزارة تفتقر الى الميزانية الكافية لتنفيذ المشاريع، مع ان المشاكل البيئية لا تقل خطورة عن المشاكل الامنية. ومن بين القضايا الخطيرة التي طرحتها عدم وجود موقع طمر للنفايات النووية، اضافة الى عدم وجود نظام معالجة لهذه النفايات (''الصباح''، 2/1/2005). وأكدت أن خطر الملوثات التي تواجه العراق يعود الى عدم امتلاكه نظاماً للتعامل مع النفايات المتعددة ومنها مخلفات النشاط النفطي.
والوزيرة المؤمن متخصصة في حقوق الانسان وأستاذة قانون في جامعة بغداد وناشطة في المكتب الاستشاري لشؤون المرأة، وهو الفرع السياسي للمجلس الاعلى للمرأة.
خطوات وإجراءات مطلوبة
خطت وزارة البيئة العراقية خطوات إيجابية مهمة على طريق تحديد مصادرالتلوث الإشعاعي الراهن، وتقييم حجمه، والسعي لمعالجته. أول هذه الخطوات تشكيل دائرة، تطورت فيما بعد الى مركز للوقاية من الإشعاع تابع للوزارة. وقام المركز بكشوفات موقعية ومسوحات إشعاعية للمواقع التي تعرضت للقصف الجوي لبيان حالات التلوث الإشعاعي ومتابعة تجمعات السكراب (''النهضة''، 15/9/2004). والمفرح ان الفرق التي قامت بالكشوفات والمسوحات الإشعاعية الميدانية اتصفت بالكفاءة المهنية والمصداقية العلمية والجرأة في إعلان النتائج، بعيداً عن ضغوط سلطة الإحتلال.
ومن الخطوات الإيجابية مبادرة لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد الى تنظيم ندوة علمية، في تموز (يوليو) 2004، شارك فيها ممثلو وزارات الصحة والبيئة والصناعة والعلوم والتكنولوجيا العراقية. أكدت الندوة وجود التلوث الإشعاعي في العراق، وقالت إن أعراضه بدأت تظهر كتشوهات ولادية وحالات سرطانية. فأعلن الدكتور سلام حسين، ممثل وزارة الصحة، بأن لجان وزارته اكتشفت وجود تلوث إشعاعي في العديد من المناطق. وأشار الدكتور رياض العضاض، رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد، الى ان سبب التلوث الإشعاعي في العراق هو اليورانيوم المستنفد الذي استخدم في الحروب، وعمليات السلب التي طالت مركز التويثة ومراكز أبحاث أخرى. وتوصل المشاركون في الندوة الى أن تلوث البيئة العراقية بالإشعاع سبب تشوهات في الولادات الحديثة بنسبة 5 في المئة وإصابة 12 في المئة من سكان البصرة بأمراض السرطان (''الزمان''، في 14/7/2004). وكانت تلك المرة الأولى، منذ غزو العراق واحتلاله، تنظم فيها ندوةعلمية مكرسة للتلوث الإشعاعي في العراق، وتشارك فيها مؤسسات حكومية معنية.
وبعد شهرين، ناقش مختصون يمثلون وزارات البيئة والعلوم والتكنولوجيا والخارجية، في لجنة مشتركة، أهم الأخطار البيئية التي حدثت نتيجة لفقدان الكثير من المواد المشعة في موقع التويثة والأسلحة التي استخدمت في الحرب على العراق ومخاطر تلوثها بالمواد المشعة. وأكدوا زيادة أمراض السرطان، خاصة في المناطق الجنوبية، وضرورة تعاون الجهات المعنية من أجل تثبيت ودراسة التلوث بالمواد المشعة ومعرفة الأماكن والمواقع الملوثة وتثبيتها على خارطة لتسهيل عملية الدراسة والمعرفة الكاملة (''النهضة''، 16/9/2004).
وفي منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2004، نظم مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة أول ندوة علمية متخصصة حول الوقاية من الإشعاع، تحت شعار ''يداً بيد من أجل سلامة بيئتنا من الإشعاع''. وقد أشارت خلالها مديرة المركزالمهندسة بشرى أحمد الى انتشار مصادر التلوث الاشعاعي وضعف الرقابة ووسائل الوقاية، وأكدت أن مركزها أعد دراسات لمواقع وتجمع السكراب وحديد الخردة ومراقبة المياه من الناحية الإشعاعية في المحافظات (''النهضة''، 14/12/2004).
ودعا الباحثون في الندوة الى ضرورة اجراء الكشوفات الموقعية والمسوحات الاشعاعية والدورية لمؤسسات الدولة والاجهزة الاشعاعية الصحية والبحثية والنفطية، وبحث مستوى تطبيق مستلزمات الوقاية من الاشعاع ووسائل الخزن الامنية، وضرورة اشراف مركز الوقاية من الإشعاع على منح التراخيص الخاصة بجميع التصرفات المتعلقة بمصادر الاشعاع كالاستيراد والتصدير والنقل والبيع والخزن والتداوال (''بغداد''، 16/12/2004).
وحيال خطورة المشاكل البيئية الراهنة تحرك اعضاء المجلس الوطني الموقت، وطالبوا بوضع ضوابط للحد من التلوث ومنح المزيد من الصلاحيات والتخصيصات لوزارة البيئة لتحسينمستوى الاداء (''الصباح''، 2/1/2005).
وحذر خبراء البيئة من المخاطر الصحية على حياة المواطنين لخمسة مواقع من أصل 300 تعد الاكثر تلوثاً في العراق. وطالبوا باعداد استراتيجية لمواجهتها. وقال الدكتور عباس ناجي بلاسم، رئيس الهيئة التحضيرية للندوة، أن الدول المانحة لمشروع المواقع الخمسة هي اليابان وبريطانيا وألمانيا، وأن المشروع يتم بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للبيئة، وينفذ فنياً وادارياً من قبل الملاكات العراقية. وأضاف أن تقويم الاثر البيئي يتضمن جمع المعلومات والصور واجراء التحاليل لكل موقع وتدريب العاملين والبدء باعداد خطة لازالة الملوثات وطمرها. وأوضح أن برنامج الامم المتحدة للبيئة سيستخلص الدروس من تجاربه العالمية في ادارة مشاريع تعاملت مع مواقع ملوثة، في كوسوفو وصربيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وألبانيا وأفغانستان وليبيريا والاراضي الفلسطينية، في تنفيذ مشروع المواقع الخمسة (''الزمان'' 16/1/2005).
وأكدت وزارة البيئة وجود أكثر من 300 موقع ملوث في العراق يحتمل وصول اضرارها الى 22,5 مليون نسمة في عموم المحافظات. وأضافت أنه تم اختيار خمسة من المواقع الاكثر تلوثاً، وهي: مخازن الصويرة لتلوثها بالمبيدات الزئبقية، وموقع عويريج لتلوثه بالعناصر الثقيلة ومركبات الفينول المتعدد الكلور واليورانيوم المستنفد، وموقع القادسية الملوث بكبريتات الكروم والسيانيد، وموقع المشراق الملوث بالكبريت ومركباته، وموقع خان ضاري الملوث بمادة رابع اثيلات الرصاص. وتم عرض المواقع الملوثة على برنامج الأمم المتحدة للبيئة لغرض معالجتها وازالة التلوث منها مستقبلاً، فيما سيكون على عاتق وزارة البيئة العراقية تنظيف بقية المواقع الملوثة.
وأقر مركز الوقاية من الاشعاع خططه للسنة الحالية 2005. وقالت مديرته العامة بشرى أحمد ان الخطة شملت تعزيز المسح البيئيالاشعاعي، ورسم وتحديث الخريطة البيئية الاشعاعية، ومراقبة المنافذ الحدودية، ووضع المحددات البيئية الاشعاعية وتحديثها، وتقويم مواقع التلوث لعموم العراق، فضلاً عن قياس نسبة غاز الرادون في بغداد ومحافظات الموصل والبصرة والأنبار والنجف. وأضافت أن من ضمن محاور الخطة تعزيز المختبرات البيئية الاشعاعية واعداد الدراسات والبحوث، وتقويم ضمان الجودة لاجهزة (X-RAY) في المؤسسات المالكة لها، ودراسة التأثير البيولوجي للاشعاع لدى العاملين وعموم المواطنين في مواقع منتخبة. وركزت على استهداف الخطة رفع الوعي البيئي الاشعاعي لدى العاملين، موضحة أن معظم مشاكل التلوث سببها ضعف أو انعدام الوعي بماهية الاشعاع ومخاطره وسبل الوقاية منه. (''الزمان''، 7/1/2005).
التحرك على المؤسسات الدولية المعنية
كان رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد الدكتور رياض العضاض شدد على أن عمليات البحثعن التلوث الاشعاعي ودراسته تحتاج الى ملايين الدولارات. وأشار الى أن تلك العمليات ستبدأ عبر تشكيل غرفتين اداريتين في المدن، تتخصص احداهما بالبيئة والاخرى بالصحة. ونبّه الى ضرورة التركيز على التوعية الإعلامية للمواطن، خصوصاً في غياب المؤسسات الرسمية المتخصصة (''الحياة''، 13/12/2004).
وجرى التحرك على المؤسسات الدولية المعنية. فأفادت وزيرة البيئة الدكتورة مشكاة المؤمن أن وزارتها اتفقت مع برنامج الامم المتحدة للبيئة لتقديم دعم بقيمة 11 مليون دولار لتدريب وتجهيز الوزارة ومركز الوقاية من الاشعاع، وتقديم المعدات الضرورية للوقاية من الاشعاع. واضافت أن الوزارة وقعت عدداً من العقود مع بعض المنظمات الدولية، وعقدت اتفاقات لمعالجة اليورانيوم المستنفد في عموم العراق، وأنها ماضية في تنفيذ العديد من المشاريع التي تحد من تدهور الواقع البيئي بالتعاون مع عدد من الدول والمنظماتالمانحة (''بغداد''، 16/12/2004). وأكدت أن هناك مشاريع تم الاتفاق بشأنها مع منظمات دولية متخصصة، من بينها اعادة احياء الاهوار، ومشروع معالجة الآثار البيئية الناجمة عن اليورانيوم المستنفد، ومشروع تلوث الهواء، ومعالجة مياه الصرف الصحي، ومشروع التلوث في شط العرب (''الشرق الأوسط''، 17/1/2005).
المشاكل لا تعالجها أنصاف الحلول
شهدت الأشهر والأسابيع الأخيرة تصريحات ووعوداً كثيرة من وزراء ومسؤولين كبار في الحكومة العراقية. والملاحظ أنها ترافقت مع الحملة الانتخابية لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية التأسيسية. وكان من المرشحين في الانتخابات العديد منهم، وفي مقدمهم رئيس الوزراء والعديد من الوزراء وبينهم وزيرا البيئة والصحة.
الأمل هو في ألا تكون الوعود مجرد دعاية انتخابية، فالوعود وأنصاف الحلول لن تعالج المشاكل البيئية الوخيمة، والمطلوب من وزارة البيئة العراقية، أياً يكنوزيرها أو وزيرتها، ومن مركز الوقاية من الإشعاع التابع لها، وبالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة العلوم والتكنولوجيا والمؤسسات العراقية المعنية الأخرى، وبدعم من المؤسسات الدولية وفي مقدمتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية، استكمال الجهود التي بذلت لتقييم حجم التلوث البيئي المنتشر في أرجاء العراق، خصوصاً الاشعاعي، والسعي الجاد والعاجل لمعالجته، فمن شأن المزيد من التأخير أن يحصد المزيد من الضحايا الأبرياء.