التنمية البشرية المستدامة، التي تلبي متطلبات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة لمواجهة متطلباتها واحتياجاتها، هي في الأساس عملية فكرية لأنها تمس المفاهيم والقيم. وهي أيضاً عملية سياسية لأنها تتطلب جهداً مباشراً من مؤسسات الدولة لجعلها واقعاً ملموساً، بحيث يمكن تحقيقها من خلال العمل والالتزام بعدم هدر الموارد بل ترشيدها والاستفادة منها.
لقد طرح مفهوم التنمية المستدامة تحديات جديدة أمام كل المجتمعات، تقضي بتغيير الفلسفة القائمة على التبذير والهدر والاستغلال السيئ للموارد الطبيعية، ليتعزز مكانها مفهوم الحماية الطويلة الأمد.
هذا المبدأ يتطلب من العلماء والمخططين وواضعي السياسيات الاقتصادية التخلي عن الممارسات القديمة، حين كانت مشاريع التنمية والتكنولوجيا تخضع فقط لاعتبارات الفعالية والإنتاجية والربحية وغيرها من المعايير الاقتصادية الأحادية، لتنضم إليها، وعلى المستوى نفسه من الأهمية، اعتبارات الصحة العامة والمؤثرات البيئية والموارد الطبيعية وترشيد استعمال الطاقة وإدارة النفايات.
وتأتي ادارة النفايات في هذا الاطار، من حيث هي تنظيم سليم للموارد. ومن الواضح أن مشكلة النفايات في لبنان تعاني من مأزق حاد نشهد تداعياته بالعين المجردة، على صورة مطامر غير صحية تتحول مع تراكم الزمن وغياب المعالجات السليمة البيئية الى جبال من النفايات تهدد صحة المواطن.
من هنا التركيز على عنصرين أساسيين:
أولاً: أهمية وضرورة الإسراع في إدارة النفايات الصلبةومياه الصرف الصحي بأساليب حديثة تحافظ على سلامة الإنسان والبيئة، نتيجة للزيادات السكانية والتأثيرات السلوكية المرتبطة بها، بما يواكب تقدم العلوم الهندسية والتكنولوجية.
ثانياً: الدور الأساسي الذي تؤديه مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وغير الحكومية في تبني هذه الأساليب والطرق. وفي هذا المضمار أودّ الإشارة إلى الدور الرئيسي للبلديات. فقانون البلديات يعرِّف البلدية بأنها "إدارة محلية تقوم، ضمن نطاقها، بممارسة الصلاحيات التي يخوّلها إياها القانون، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي الإداري". لقد عدّد القانون جملة مسؤوليات تقع على عاتق البلديات، من ضمنها مسؤولية حماية البيئة والمحافظة عليها.
انطلاقاً من هنا، نرى في المشاريع التي تدعم معالجة النفايات الصلبة على مستوى البلديات خطوة ضرورية، يجب أن تلاقي نجاحاً كي يتمّ الاستفادة منها والعمل على نقلها وتعميمها على كلّ البلديات.
هذا يفرض على العلماء والمهندسين والمخططين الاقتصاديين وواضعي السياسات جملة من الأمور المهمة يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: ابتكار الحلول الصحيحة والملائمة للمشاكل البيئية المتراكمة ومنع تفاقمها وتخفيف أضرارها إلى الحد الأدنى الممكن، وذلك بالاستناد إلى العلوم المتاحة، والاستفادة من خبرات وتجارب الدول المتطورة في هذا المضمار وضمن الإمكانات المالية المتوافرة، والمستوفية للمعايير والمواصفات البيئية.
ثانياً:إعطاء الأولوية من الآن فصاعداً لمسائل الحفاظ على الصحة العامة وسلامة الموارد البيئية، جنباً الى جنب مع اعتبارات الفعالية والإنتاجية والجدوى الاقتصادية.
ثالثاً: الاستفادة الى أقصى حد ممكن من تقدم العلوم الهندسية، وثورة المعلومات باختيار الملائم منها، وما يتناسب مع حاجاتنا الملحة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، بما ينعكس إيجاباً على واقعنا الصحي والاجتماعي والفكري والبيئي والاقتصادي.
رابعاً:تشريع القوانين التي تساعد على الممارسات البيئية السليمة، إضافة إلى تشجيع ودعم النشاطات الفردية والاجتماعية التي تهدف إلى المحافظة على البيئة وتحسينها.
الدكتور عمر حلبي مستشار لوزير البيئة في لبنان.