Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عرض ومراجعة: ماريا فوس أداء أميركا البيئي  
أيار (مايو) 2005 / عدد 86
 كتاب صدر حديثاً من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، يرسم صورة مرعبة لوضع البيئة في الولايات المتحدة. ويتطرق الى تلوث المياه (20 في المئة من الاميركيين يرفضون أن يشربوا مياه الشبكة العامة لأنهم يشكون في سلامتها)، وأخطار الفيضانات (التي تزايدت بسبب قطع أشجار الغابات لاقامة المزارع والاتجار بالأخشاب)، وارتشاح السوائل السامة من مطامر النفايات، وتسرب المبيدات الزراعية الى المستجمعات المائية. ويتفحص طرق توليد الطاقة وما ينجم عنها من احترار عالمي وتلوث هوائي (معظم كمية الهواء التي يتنشقها الفرد يومياً ومقدارها نحو 9,5 أمتار مكعبة تحتوي على أبخرة عوادم ورصاص وأسبستوس)، واستنزاف طبقة الاوزون وما يترتب عليه من ازدياد اصابات سرطان الجلد، والطاقة النووية والنفايات المشعة المترتبة على انتاجها
 
هارفي بلات عالم متقاعد درّس الجيولوجيا في جامعات أميركية طوال عقود. دفعته اهتماماته البيئية، خصوصاً قلقه حول صحة الأميركيين جسدياً واقتصادياً، الى تأليف كتاب يساعد مواطنيه في فهم أسباب الأمراض البيئية المتفشية في البلاد وحلولها المحتملة. عنوان الكتاب "الأداء البيئي لأميركا"، وهو واضح وصريح وسهل القراءة، لا يكتفي بعرض التحديات البيئية والتحذير منها، بل يحدد وسائل عملية ومعقولة لتذليلها.
قلق الجمهور الاميركي حول التدهور البيئي في ازدياد، الى حد أن استفتاء أجري عام 2002 أظهر أن 63 في المئة من الأميركيين يرغبون في إلغاء تخفيضات ضريبية واستثمارها في تمويل حماية البيئة. لكن المخاوف الجماهيرية ليست دائماً كالمخاوف العلمية. والكتاب يأخذ في الاعتبار المخاوف العلمية كما يأخذ التقييمات الشخصية لعامة الناس.
الفصل الأول يتناول المياه والمشاكل المتعلقة بها. نهر كولورادو، الذي هو من أكثر الأنهار استغلالاً في العالم، أُخذ مثالاً حول كيف يمكن أن تسوء الأحوال عندما لا يكون هناك حد للاستهلاك ولا اتفاقيات واضحة بين الولايات الأميركية حول كمية المياه المخصصة لكل منها.
ويعطي المؤلف أمثلة حول سبل تخفيض استخدام المياه. فالقطاع الزراعي، كونه مستهلكاً رئيسياً للمياه، يمكنه تطبيق طرق ري عصرية ومقتصدة. والصناعة مستخدم رئيسي آخر، وبما أنها في الغالب لا تستهلك المياه فعلاً، بل تستخدمها خلال عمليات الانتاج، فمن المنطقي أن تعيد استعمالها داخل المصانع. ثم هناك الاستخدام المنزلي، ويمكن هنا القيام بالكثير من خلال وسائل بسيطة ومنخفضة الكلفة، كاستعمال غسالات للملابس والصحون مقتصدة بالمياه، ومراحيض ذات دفق منخفض واصلاح التسرب منها، وتغيير عادات الاستحمام المبددة للماء. هذه التدابير وحدها يمكن أن توفر كميات هائلة من المياه في الولايات المتحدة اذا التزم بها 295 مليون شخص. يقول المؤلف: "ان الاستخفاف بشيء هو بالمعنى الحقيقي تجاهل له، هكذا يتعامل معظمنا مع المياه".
ويتضح أن الملوث الرئيسي للمياه هو القوات المسلحة الأميركية، وتأتي الصناعة الكيميائية في المرتبة الثانية. لكن المصالح السياسية تعوق الحلول في كثير من الأوقات. فمن الناحية العسكرية، يغلب الأمن القومي دائماً على الاهتمامات الحكومية بالبيئة. ولئن أُحرز تقدم في السنوات الماضية، خصوصاً من خلال تشريعات اتحادية، لكن يبقى الكثير مما ينبغي فعله بكلفة لا يستهان بها.
الكوارث الطبيعية والنفايات
يتناول الفصل الثاني الفيضانات التي قتلت عدداً من الناس أكثر من أي كوارث طبيعية أخرى (لم يورد الكتاب كارثة تسونامي شرق آسيا الذي أوقع أكثر من 200 ألف قتيل في 26 كانون الأول / ديسمبر 2004). ويشرح المؤلف أسباب الفيضانات التي تنشأ على اليابسة، والوسائل التي قد تخفف الأضرار، مثل الحد من التوسع المديني حفاظاً على الاراضي البور التي تشكل عائقاً أمام الفيضان، والامتناع عن البناء في أماكن معرضة للفيضانات، وانشاء حواجز اصطناعية على ضفاف الأنهار عالية بما يكفي لاحتواء مياه الفيضان.
من جهة أخرى، الأعاصير تسبب فيضانات بحرية، وفلوريدا هي الولاية التي تتعرض للعدد الأكبر من الأعاصير. والاحترار العالمي قد يزيد عدد الفيضانات والأعاصير.
التحديات الهائلة لجبل النفايات الصلبة المتعاظم هو الموضوع التالي في الكتاب. فالإنتاج الفردي للنفايات في الولايات المتحدة هو نحو ضعفي الكمية في البلدان الصناعية الأخرى. وأبلغ مثال 315 مليون جهاز كومبيوتر انتهت في المطامر الأميركية عام 2004. وهذه لا تحتل مساحة كبيرة فحسب، بل ان تسرب الرصاص ومواد سامة أخرى منها يلوث التربة والمياه الجوفية.
ناقش الكتاب ثلاث وسائل للتخلص من النفايات الصلبة، هي المطامر والحرق والتدوير. وقارن بين استعمال المطامر والمحارق معطياً صورة واقعية للتحديات التي تواجه في الحالين. وقد بات تبادل النفايات بين الولايات تجارة مزدهرة، لأن بعضها لم يعد يملك مساحات كافية لاقامة المطامر، وهي تدفع أموالاً لولايات أخرى تستقبل نفاياتها. واعتمدت في بعض المناطق طريقة ناجحة لتخفيض الكمية المنتجة، هي فرض رسوم على أصحاب المنازل لكل كيس، بدلاً من رسوم شهرية مقطوعة. وبذلك تم تخفيض النفايات الصلبة المنزلية بنسبة 25 الى 40 في المئة.
يقال ان كثيراً من المنتجات تتحلل بيولوجياً، لكن لكي يحدث ذلك يجب تعريضها لأشعة الشمس والمطر والأوكسيجين. وبما أن معظم النفايات تنتهي في المطامر، فإن التحلل يكون بطيئاً جداً لعدم وصول الهواء ومياه المطر اليها. وهناك بعض المخلفات التي يصعب جداً تحللها، مثل اطارات السيارات، لذلك تفرض قيود مشددة على رميها في المطامر. ومن الطرق البديلة للتخلص منها حرقها كوقود لمحطات الطاقة ومصانع الاسمنت.
ان فوائد التدوير واضحة، لكن له جوانب سلبية تتمثل في ارتفاع التكاليف وكونه لا يغير "الثقافة" الاستهلاكية للأميركيين. وهو، في رأي الكاتب هارفي بلات، إنما يريح الضمير ويعتبر وسيلة سهلة للحكومات كي تسجل نقاطاً خضراء لدى الناخبين! ومن بين الأركان الثلاثة للادارة المتكاملة للنفايات، أي التقليل واعادة الاستعمال والتدوير، يرى أن للتدوير وحده فرصة حقيقية للنجاح في مجتمع الوفرة الأميركي.
انتاج الغذاء
الفصل الخاص بالتربة والمحاصيل والغذاء يشير الى أن الوفرة الزراعية الاميركية قد تتحول في يوم من الأيام نقصاً بسبب إهمال التربة. وتواجه الأراضي الزراعية مشكلتي شح المياه والتمدد المديني. ويتناقص عدد المزارعين بسبب الضائقة الاقتصادية الشائعة في أوساط هذه المهنة وتزايد الفرص في مجالات أخرى. لذلك انخفضت مساحة الأراضي المزروعة منذ العام 1950. وانجراف التربة قضية تثير نقاشاً حاداً، وقد أورد الكتاب وسائل لمعالجتها.
المبيدات أصبحت 10 الى 100 مرة أكثر سمية مما كانت قبل 30 عاماً، ولم يتم اختبار كثير من الكيماويات على البشر لتحديد آثارها على المدى البعيد. وسيكون تغير المناخ ملائماً للزراعة الأميركية من جهة، لكنه سيكون سلبياً من جهة أخرى لأن بعض الأعشاب الضارة والحشرات والأمراض الفطرية ستتزايد مما يتطلب مزيداً من المبيدات.
الزراعة العضوية في نمو بسبب تزايد القلق الجماهيري حول المبيدات في الغذاء. وتشجع الحكومات في أنحاء العالم هذه الزراعة، ويؤمل أن تصبح المنتجات الغذائية العضوية أرخص في المستقبل مع تنامي البنية التحتية للمحصول.
ويستمر الجدل حول الغذاء المعدل وراثياً، رغم أن ثلثي الأغذية في محلات السوبرماركت تحتوي على مواد من هذا القبيل. ويقول الكاتب ان الغذاء المعدل وراثياً موجود في الأسواق، ويحتمل أن يصبح أكثر قبولاً لدى الناس مع مرور السنين، وحتى الآن لا دليل يثبت أنه يشكل خطراً على صحة الانسان. والزراعة الأميركية تمر في تغيرات أساسية لا يمكن إيقافها، لكن يجب مراقبتها وضبطها بعناية.
من أين الطاقة؟
الطرق المختلفة لتوليد الطاقة يبحثها الكتاب بحسناتها وسيئاتها. لقد أصبح من الواضح أن أميركا تحتاج الى تغيير الطريقة التي تولد بها الطاقة، لأن النفط والفحم يشكلان خطراً حقيقياً وماثلاً على الصحة وعلى البيئة. وهذه التغيرات لن تحدث بين عشية وضحاها، لأن الاعتماد ما زال على مصادر الطاقة التقليدية التي استفادت من دعم لأسعارها طوال سنوات.
هناك حاجة الى مزيد من الأبحاث لتخفيض كلفة مصادر الطاقة المتجددة، كالكتلة الحيوية (biomass) وطاقة المياه وجوف الأرض والشمس والرياح. وتتفق غالبية المجموعات البحثية على حصول زيادة سريعة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة خلال العقود القليلة المقبلة، لكن مداها لم يتضح بعد. والمشكلة الرئيسية هي أن العملية السياسية تنتج قوانين لا سياسات طويلة الأجل. وعندما يتم اقرار قانون، يصبح من الصعب تعديله قبل أن تبلغ نتائجه الضارة على المدى البعيد درجات تسبب أزمات. لكن التغيرات المطلوبة في استخدام الطاقة ليست رخيصة الثمن.
الاحترار العالمي حقيقة. فالنشاطات البشرية تساهم في تعزيز أثر الدفيئة، وذلك يعود أساساً الى حرق النفط والفحم. وكثرة السيارات في الولايات المتحدة تساهم الى حد كبير في انبعاث ثاني اوكسيد الكربون والسخام. وقد يكون السخام مسؤولاً عن 15 – 30 في المئة من الاحترار العالمي ويلي ثاني اوكسيد الكربون مباشرة كمسبب له.
اللافت أن الاميركيين يشترون بشكل متزايد السيارات الرياضية (SUV) والميني- فان والشاحنات الصغيرة، على رغم ارتفاع كلفتها واستهلاكها للبنزين وتأثيراتها السيئة على الاحترار العالمي. وهم يعتبرون سياراتهم "امتداداً لأنفسهم" ومظهراً من مظاهر الاعتداد. لقد أرسى الفحم والنفط أساس حضارتهم الصناعية منذ 150 عاماً، والتغيرات لا يمكن ادخالها بين عشية وضحاها.
في هذه الأثناء، تتم دراسة وتجربة مصادر طاقة بديلة، ويتزايد استخدام الغاز الطبيعي في محطات توليد الطاقة بدلاً من الفحم الأكثر تلويثاً. ويتم اطلاق سيارات هجينة (hybrid) تعمل بالوقود والكهرباء. وخلايا الوقود، التي يحدث فيها تفاعل بين الهيدروجين والاوكسيجين، هي مصادر الطاقة التي ينتظر أن تكون الأكثر رواجاً في المستقبل، لكنها ما زالت باهظة الكلفة.
في مقابلة مع هارفي بلات، قال ان الاستقلال الطاقوي للولايات المتحدة ليس ممكناً ما دام النفط والغاز المصدرين الرئيسيين لطاقتها، مذكراً بأنها كانت المنتج الأول للنفط عام 1859 في ولاية بنسلفانيا. وأضاف: "نحن نستورد حالياً 60 في المئة من النفط الذي نستهلكه، والنسبة في ارتفاع مطرد منذ وقت طويل. واذا أصبحت طاقة الرياح والشمس قيد الاستغلال على نطاق واسع، وهذا يستغرق عقوداً كثيرة مقبلة، فعندئذ يصبح الاستقلال الطاقوي ممكناً. قد يشهد أولادي ذلك قبل موتهم، لكن الاحتمال أكبر أن يشهده أحفادي".
وعن مدى إلحاحيَّة تطوير مصادر بديلة للطاقة، رأى بلات أن الأميركيين يتجاهلون المشكلة، بل ينكرونها، وفلسفتهم هي أن الأكبر هو الأفضل دائماً: سيارات أكبر، بيوت أكبر، حصص أكبر من الطعام، مزيد من الطرقات السريعة، مزارع أكبر... ويضيف: "لا أحد يفعل شيئاً حتى يشارف المريض الموت ويصاب الجميع بالذعر. الجمهور لم يشعر بعد أن مشكلة الطاقة في أميركا شبه قاتلة".
من تغير المناخ الى ترقق الاوزون
يرجح أن يرتفع مستوى البحر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، بصرف النظر عن حدوث تخفيضات في انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. وهذا يمكن أن يعرض للخطر الناس الذين يعيشون في مدن ساحلية. وبروتوكول كيوتو، الذي أصبح نافذاً في شباط (فبراير) 2005، يلزم الدول الصناعية المصدقة عليه أن تخفض انبعاثاتها بحلول سنة 2012 بنسبة 5,2 في المئة عن مستوياتها سنة 1990. لكن الولايات المتحدة ما زالت ترفض التصديق عليه خشية أن تكون له آثار كارثية على اقتصادها. وبأية حال، فان تخفيضات الانبعاثات التي تم الاتفاق عليها صغيرة جداً مقارنة بما هو مطلوب. فالاتفاقية الاطارية لتغير المناخ الصادرة عن الامم المتحدة قدرت عام 2003 أن انبعاثات غازات الدفيئة سنة 2010، بناء على المعدلات الحالية، ستكون أعلى بنسبة 17 في المئة عن مستويات 1990. ان خفض غازات الدفيئة يحتاج الى تعاون عالمي، وهناك حاجة الى تخفيضات أشد صرامة بكثير مما تم الاتفاق عليه حتى الآن.
الآثار السيئة لتلوث الهواء على الأمراض التنفسية والسرطانية والقلبية باتت معروفة عموماً. وقد أضر بانتاج المحاصيل وسبب وفيات في الولايات المتحدة أكثر من حوادث السير. كثير من المدن الكبرى تعاني من مستويات عالية جداً للغازات السامة في الهواء، ولا تفي بمقاييس وكالة حماية البيئة. ولحسن الحظ، فان اقرار قانون الهواء النظيف عام 1970 حسَّن بوضوح نوعية الهواء. وقد اتخذت منذئذ اجراءات كثيرة للحد من الملوثات الهوائية، ويتمثل التحسن الرئيسي في منع اضافة الرصاص الى البنزين. ومن الاجراءات الأخرى تركيب محولات حفازة في السيارات، وفرض ضوابط مشددة على انبعاثات الصناعات، واتفاقية التبغ الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والتي تحسن الهواء الداخلي (لم توقعها الولايات المتحدة بعد). وما زالت الطائرات مستثناة من معظم الأنظمة الخاصة بالتلوث.
في فصل خاص، يشرح المؤلف أهمية طبقة الاوزون، والأسباب التي أدت الى دمارها، والى أي مدى وصل الضرر، وما الذي تم فعله لعكس مسار العملية. لقد حظرت مركبات الكلوروفلوروكربون في معظم البلدان الصناعية منذ 1996 من خلال بروتوكول مونتريال. ووافقت غالبية البلدان بسهولة على الحد من انتاجها. وذلك، في رأي هارفي بلات، لأن الأطراف المتأثرين انحصروا في مجموعة واحدة، والنتيجة ستكون استبعاداً شبه شامل للمواد الكيميائية المدمرة لطبقة الأوزون، وهذا من شأنه أن يوفر علاقات عامة جيدة بكلفة منخفضة جداً. فعدد الأشخاص المصابين بسرطان الجلد في ارتفاع نتيجة دمار جزيئات الأوزون في الغلاف الجوي. ويرى المتفائلون أن ترقق طبقة الأوزون بلغ الذروة وبدأ مرحلة الانحسار بفضل الاجراءات المتخذة لاستبعاد المواد الكيميائية الآكلة للأوزون. لكن هذه الطبقة الواقية للأرض من أشعة الشمس فوق البنفسجية تحتاج الى 50 سنة اخرى على الأقل لتعود الى وضعها السابق.
مفاعلات نووية متقاعدة
الخشية من الطاقة النووية تعود أساساً الى تسرب الاشعاع من الوقود النووي وتأثيره على صحة الانسان، وتعذر استبعاد الخطأ البشري. فكارثة تشيرنوبل لم تلوث أوكرانيا فحسب، وانما بلغ الغبار المشع نصف الكرة الشمالي برمته. وارتفعت معدلات الاصابة بالسرطان في البلدان المتأثرة. وازدادت العيوب الخلقية والاضرار الجينية الموروثة، لكن الآثار الكاملة لن تعرف الا بعد مرور سنوات عديدة.
المشكلة أن محطات نووية كثيرة ستبلغ نهاية عمرها التشغيلي قريباً، أو هي أصبحت قديمة وغير صالحة للعمل، وتفكيكها ينطوي على صعوبات هائلة. فلم يتم حتى الآن تفكيك أي مفاعل "متقاعد"، ولا أحد يعلم ما اذا كان التفكيك مجدياً في ضوء مستوى النشاط الاشعاعي الذي يجب التعامل معه. ويقدر أن تفكيك كل مفاعل يحتاج الى 500 مليون دولار على الأقل (هناك 103 مفاعلات شغالة في الولايات المتحدة). وتنظيف مجمعات الأسلحة النووية العسكرية قد يكون أكثر كلفة بمقدار عشرة أضعاف. ولم يجرؤ أي سياسي على التطرق لمعالجة المشكلة، فمجرد كلفة تأمين الشركات التي ستؤدي العمل وموظفيها، هائلة وفوق التصور.
يرى مؤلف "الأداء البيئي لأميركا" هارفي بلات أن التغيير البيئي يحتاج الى تعاون الجميع: الحكومة والصناعة والمستهلك، "فالحكومات تميل عادة الى مقاومة التغيير، والصناعة عموماً تعارضه لأن لديها استثمارات مالية ضخمة تريد الابقاء عليها، والمستهلك عادة يفتقر الى المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات صائبة. لهذه الأسباب كلها يأتي التغيير بطيئاً". ويخلص الى أن معظم الأميركيين متفقون على القيام بشيء ما لاعادة البيئة الى وضعها الطبيعي. لكنهم جميعاً يتشاطرون تخوفاً مشتركاً، هو أن القوانين والأنظمة البيئية ستسبب بطالة واسعة الانتشار، وستدفع الشركات الى بناء مصانع لها في الخارج لتفادي التزاماتها الصارمة. لكن تحليل المعطيات الاقتصادية وتلك المتعلقة بالبطالة منذ 30 سنة يبين أن هذه المعتقدات غير صحيحة. فالتغيير من الوقود الاحفوري الى مصادر الطاقة البديلة، مثلاً، يقضي تدريجياً على احدى الصناعات لكنه يخلق صناعات أخرى. وهذا لا يؤدي بالضرورة الى استفحال البطالة، فتحول ألمانيا من الطاقة النووية الى طاقة الرياح خلق وظائف فاقت تلك التي فقدت. لذلك على الجمهور الاميركي الاهتمام والمعرفة والمشاركة والضغط على الحكومة، وايصال وجهات نظره الى ممثليه في الكونغرس. فهؤلاء لا يحتاجون فقط الى مال اللوبي النفطي، بل يحتاجون أيضاً الى أصوات المواطنين.
هناك أمور كثيرة يمكن القيام بها على مستوى شخصي، انطلاقاً من تخفيف هدر المياه، وقيادة سيارات صغيرة (الاحتمال ضئيل في الولايات المتحدة)، ومراجعة الخرائط التي تشير الى مواقع الفيضانات، ومعرفة ما يحصل للنفايات، والفرز عند الامكان، وتشكيل لجان، واجراء أبحاث، واقامة حدائق عضوية أو شراء منتجات عضوية، وتكوين رأي حول الغذاء المعدل وراثياً، ومعرفة مخاطر التعرض لأشعة الشمس في الصيف، والسؤال عن اجراء عمليات تفتيش منتظمة لمحطات الطاقة النووية، والضغط من أجل وضع ضوابط لتلوث المياه والهواء، ودعم فرض ضرائب على الأنشطة المدمرة للبيئة (تجبى هذه الضرائب في أنحاء اوروبا وتستخدم الايرادات في دعم استثمارات خضراء).
الانثروبولوجية الشهيرة مارغريت ميد، كتبت ذات مرة: "لا يشكِّكن أحد بأن مجموعة صغيرة من المواطنين العميقي التفكير والملتزمين تستطيع أن تغير العالم". جميع المشاكل البيئية هي سياسية واجتماعية، وليست مشاكل علمية. وعلى المواطنين أن يتغلبوا على ترددهم ويصروا على أن يقر المشترعون أنظمة مشددة ضد التلوث ويضعوها موضع التنفيذ. يجب تبديد لامبالاة الجمهور في ما يتعلق بأمور مثل تقليل استخدام المياه وتدوير النفايات وشراء سيارات صغيرة والتحول الى مصادر بديلة للطاقة. لقد تسببنا في المشاكل البيئية، ولكن بامكاننا ايجاد حلول لها اذا غيرنا أساليب عيشنا. فهذه ستحسن الى حد كبير نوعية حياتنا جميعاً.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
ثائر جلّود (رام الله) حديقة أطفال ألعابها من إطارات مستعملة
رجب سعد السيِّد من أحوال سكان الماء
زينة الحاج (أمستردام) بوبال في العشرين
إدلب - "البيئة والتنمية" زيتون سورية
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.