الحضور البيئي المتميز في الحكومة الاردنية الجديدة لم ينحصر في وزير البيئة خالد إيراني، الآتي الى المهمة الرسمية حاملاً مجموعة انجازات مرموقة حققها على رأس أكبر مؤسسة بيئية أهلية في الأردن. فهذا الحضور يبدأ من قمة الهرم، حيث أن رئيس الوزراء الدكتور عدنان بدران أكاديمي مرموق مختص بعلوم الحياة، وله إسهامات عالمية في مجال البيئة، قد يكون أبرزها ''الموسوعة العالمية لأنظمة دعم الحياة''، التي أصدرتها اليونسكو عام 2000 وكان بدران المشرف عليها. وكرئيس الأكاديمية العربية للعلوم، يشرف بدران حالياً على إعداد ''موسوعة المعرفة من أجل التنمية المستدامة".
وإذا كان اختيار بدران لرئاسة الوزارة تكريساً لانجازات أكاديمية على مستوى خدمة المجتمع المدني، فان اختيار إيراني لوزارة البيئة هو تتويج لنجاح القطاع الأهلي الأردني في مجال البيئة، من خلالقيادته لمؤسسة غير حكومية أصبحت نموذجاً في الادارة البيئية الحديثة.
خلال السنوات العشر الأخيرة شغل خالد إيراني منصب المدير التنفيذي للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وهي أكبر منظمة بيئية غير حكومية في الأردن. وعدا عن دور الجمعية في ادارة المحميات الطبيعية الأردنية، التي حققت نجاحات باهرة بادخالها مفهوم تنمية المجتمعات المحلية كعنصر رئيسي في تدابير الحماية، فقد نفذت برامج كبيرة في الادارة والسياحة البيئية والتعليم والتوعية والتنمية الريفية.
هكذا، وصل خالد إيراني الى وزارة البيئة عن طريق نجاحه في تحويل العمل الاهلي البيئي إلى نشاط مؤسسي منتج. وهذا ما أكد حضوره الفعلي في توجيه السياسة البيئية الأردنية، وصولاً الى صنعها وادارتها في قمة الهرم. والوزير الجديد من المؤمنين بأن المجتمع الأهلي شريك حقيقي في عمليات التنمية، وبضرورة دمج البعد البيئي في السياسات العامة لامجرد اضافته شكلياً كزخرف خارجي لحاقاً بالموضة. وهو يؤمن بأن رعاية البيئة تمثل رافداً للاقتصاد في حال الاستخدام المستدام للموارد، وليس عائقاً أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولم يخيّب خالد ايراني آمال البيئيين، إذ عمد في الأيام الأولى لاستلامه مهامه الرسمية الى العمل على بناء المؤسسة الادارية والتقنية في الوزارة الحديثة العهد، ومراجعة السياسات والاستراتيجيات البيئية لتحقيق التكامل بينها، والتنسيق مع المؤسسات الأخرى لتطوير خطة عمل وطنية متكاملة. وهذه بداية ضرورية لضمان توظيف البرامج الدولية في اتجاه تحقيق أولويات وخطط وطنية، بدل هدر المساعدات في مشاريع مصممة على قياس الهيئات الدولية وبعض المستفيدين المحليين، كما يحصل في معظم الحالات.
وصول عدنان بدران وخالد ايراني الى الحكومة الأردنية امتداد لحيوية المجتمع الأهلي والقطاع الأكاديمي. وهو إشارة مضيئة على طريقتحويل البيئة من موضوع مضاف الى قضية جدية في السياسات الرسمية.
''وزارة الدرجة الثانية'' هو الاسم الذي أطلقناه سابقاً على وزارات البيئة في الدول العربية، إذ يتم التعاطي معها وكأنها جوائز ترضية للأقليات السياسية والاجتماعية والأحزاب الصغيرة في الائتلافات الحاكمة. ونذكر يوم اعتُبر تعيين سياسي ووزير خارجية سابق كوزير للبيئة في أحد بلداننا، عقاباً له وتحجيماً لمكانته.
فهل تنطلق اعادة الاعتبار الى البيئة العربية من الأردن؟
|