أطلق مؤخراً مشروع طموح في محمية للحياة البرية في أنغولا، لنزع الألغام الأرضية التي زرعت خلال الحرب الأهلية واعادة فتح طريق قديمة لهجرة الفيلة تربط بوتسوانا بتنزانيا وأنغولا. هذا المشروع، الذي سيكلف مليون دولار، أعلن عنه في قمة نيروبي من أجل عالم خال من الألغام، التي عقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2004 في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العاصمة الكينية. وهو جزء من خطة أكبر لتكوين محمية كبرى عبر الحدود تدعمها حكومتا سويسرا والولايات المتحدة. واذا تم نزع الألغام، فسيكون في امكان نحو 120 ألف فيل، تتزايد بنسبة 5 في المئة سنوياً، الانتقال من بوتسوانا الى أنغولا وزامبيا.
ارتفاع عدد هذه الحيوانات في منتزه تشوبي الوطني أحدث كارثة بيئية يتمثل جانب منها في تدمير كبير للغطاء الغابيّ في المنتزه والمناطق المتاخمة. كما دخلت الفيلة في صراع متفاقم مع القرويين بسبب الاضرار التي تلحقها بالمحاصيل والتهديدات اليومية لحياة السكان.
خلال قمة نيروبي قال كلاوس توبفر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: ''الألغام الأرضية هي من الموروثات المريعة للحرب التي تؤدي دوراً قاتلاً في جعل الفقر مؤبداً. والخطر المباشر على الناس نتيجة بذور البؤس هذه يجب أن يكون همنا الأول، لكن من الواضح أن البيئة التي يعتمد عليها السكان المحليون لتأمين ضروريات الحياة، مثل الغذاء والمأوى والأدوية الطبيعية، تعاني هي أيضاً''. وأضاف: "ان الألغام الأرضية التي تمنع الناس من استغلال أراضيهم تدفعهم الى تعرية الغابات وأماكن ثمينة أخرى لاستخدامها في الزراعة، مما يؤثر سلباً على خصوبة التربة ويعجل في تدهور الأراضي وفقدان الحياة البرية. ونحن نحتاج الى مزيد من المشاريع التي لا تؤدي فقط الى نزع هذه الأسلحة المتروكة وإنما تستبدلها بفرصة للسكان المحليين لكسب رزق مستدام".
سلام وسياحة بيئية
أنغولا التي عانت من حرب أهلية دامت ثلاثة عقود وانتهت في كانون الأول (ديسمبر) 2002، هي من البلدان الأكثر اكتظاظاً بالألغام في العالم إن لم تكن الأكثر على الاطلاق. ففي أراضيها ما يزيد على 2200 موقع معروف تحوي ألغاماً أو ذخائر غير منفجرة.
يقول الدكتور جون هانكس، الاستشاري لدى منظمة Conservation International التي قدمت المشروع الى منظمة جذور السلام (Roots of Peace) في كاليفورنيا لتمويله، ان نزع الألغام ''سوف يسمح لهذه الحيوانات بالدخول الى زامبيا والعودةالى أنغولا، مما يمكنها من اتباع طرق قديمة لهجرة الفيلة يعترضها حالياً وجود الألغام الأرضية''. وأضاف: "اذا لم يتم اتباع هذا الخيار، واجهت بوتسوانا الحقيقة الصارخة المتمثلة في قتل ما قد يصل الى 60 ألف فيل خلال السنوات الخمس المقبلة".
يركز المشروع في البداية على منطقة مساحتها 150 كيلومتراً مربعاً في محمية لويانا الجزئية في جنوب شرق أنغولا. وخلال قمة نيروبي استعرض المندوبون التقدم الذي أحرز بموجب ''اتفاقية منع استعمال وتخزين وانتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها''، والتي أبرمت قبل سبع سنوات. وقالت هايدي كون، مؤسسة ورئيسة ''روتس أوف بيس'' ان المشروع ''يشن السِّلم على البلد الأكثر اكتظاظاً بالألغام في افريقيا''، وان استعادة طرق الهجرة من خلال نزع الألغام في المحمية ستؤمن وظائف ومداخيل للسكان هم بأمس الحاجة اليها.
مبادرات السياحة البيئية قليلة جداً في أنغولا، وسبب ذلك أساساً وجود الألغام الأرضية. واعادة تأهيل هذه المنطقة جزء من خطة أكبر لاقامة ''محمية اوكافانغو ـ زامبيزي العليا عبر الحدود''، التي تمتد من زمبابوي عبر بوتسوانا وناميبيا وأنغولا وزامبيا. ''وعند انجاز هذه المحمية ستكون أكبر منطقة متواصلة من القفار والأراضي الرطبة والحياة البرية في افريقيا الجنوبية، وستوفر مستقبلاً سياحياً لا يستهان به وأبواب رزق للسكان المحليين''، بحسب كون التي أنشأت منظمتها سجل متابعة لجمع الأموال من أجل مشاريع نزع الألغام في أفغانستان وكمبوديا وكرواتيا والعراق.
وتتعاون ''روتس اوف بيس'' مع هيئات دولية اخرى بينها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتطور مشاريع زراعية في مناطق نزعت منها الألغام. ففي أفغانستان، مثلاً، تم تحويل المناطق المنزوعة الألغام الى كروم عنب. وفي كمبوديا يجري حالياً استغلال ''أراضي الموت'' السابقة في زراعة الرزّ. تقول كون: "معاً زرعنا الرز في كمبوديا، والكرمة في أفغانستان، وبساتين الفاكهة في كرواتيا، والقمح في العراق، محوِّلين النصال الى محاريث في بلدان مزقتها الحروب".
وحدة تقييم ما بعد النزاعات في برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومقرها جنيف، أجرت دراسات في عدة بلدان ومناطق دمرتها الحروب، بما في ذلك البلقان وأفغانستان والعراق وليبيريا، وتلقَّت طلبات لاجراء دراسات مماثلة من بلدان افريقية بينها أنغولا. وقال هنريك سلوت، المسؤول في الوحدة، ان الألغام والذخائر غير المنفجرة تمثل مشكلة خطيرة في مناطق كثيرة يعمل فيها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ووحدة تقييم ما بعد النزاعات، مثل أفغانستان وكوسوفو وصربيا ومونتنيغرو والبوسنة والهرسك والعراق. وأضاف أنه "فضلاً عن الأخطار المباشرة على السكان واللاجئين العائدين بعد النزاعات، فهي تشكل أيضاً خطراً على الحياة البرية وتحول دون الافادة منمناطق حماية الطبيعة مثل المنتزهات الوطنية ومحميات الحياة البرية".
|