Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رائد الرافعي (طوكيو) كوغوروفو مطعم ماكروبيوتيك في جبال اليابان  
حزيران (يونيو) 2005 / عدد 87
 سألتها ان كنت استطيع أخذ صورة لها. فابتسمت ونظرت بعيداً لهنيهة، ثم أجابت باليابانية: "خجلي يمنعني من مواجهة الكاميرا".
شعرت بالخيبة في البداية، ثم فكرت: قد تكون هذه المرأة أكثر غموضاً من أن تحجِّمها عدسة آلة التصوير. لذلك احترمت خفرها الحذر، وتلك ميزة السيدات اليابانيات.
اسمها يوكو نيزو. امرأة لا توحي بعمر، قد تراوح بين 40 و50 عاماً. تشع نضجاً وحكمة من دون أن تخفي روح الفتاة التي في داخلها.
اعجابي بها بدأ لحظة دخولي مطعمها، كوغوروفو (Kugurofu). هذا المكان الذي يقع في قلب الريف الياباني سحرني كمحفل للصحة والحياة. البيت المميز، المؤلف من طبقتين والمختبئ خلف أشجار صنوبر كثيفة، كان انصهاراً للأناقة الفرنسية والتقاليد اليابانية. الزينة الداخلية بسيطة: كراس وطاولات منحوتة بشكل جميل، وتمثال لبوذا، وموقد من طراز قديم. اختارت يوكو بنفسها كل قطعة من الأثاث الفني الحديث المصنوع في طوكيو. أرادت أن يكون المكان تماماً مثل "عالمها الخيالي".
خلف سحر المكان يكمن مطبخ متقن يعكس تماماً هذا الجو الانتقائي. مطبخ يوكو ياباني بالتأكيد من حيث "الشخصية"، لكنه يجسد أيضاً تأثيرات عالمية متنوعة. وطعامها فريد لسبب بسيط، هو أن وصفاتها جاءت نتيجة تأمل متأنٍّ.
كل أسبوع، تحضر فقط مجموعتين من الأطباق الملونة الصغيرة: واحدة للنباتيين والأخرى لمحبي اللحوم. الطعام طازج ولذيذ، وكما وصفته يوكو "ينم عن توق الى عهد قديم حين كان الناس لا يأكلون الا منتجات طبيعية". ويكمن أحد الأسرار في حديقتها، فجميع الخضار التي تقدمها عضوية تزرعها في حديقة منزلها الخلفية من دون اضافة أي مواد كيميائية.
بين "ين" و"يانغ"
تستعمل يوكو خضاراً شائعة، مثل القرع والبطاطا الحلوة، كما تستعمل التوفو (فول الصويا المختمر) والسيتان (المصنوع من الغلوتين وهو بروتين موجود في القمح) والديكون (فجل ياباني كبير) والفطر البري وغيرها. وتشمل المواد أيضاً أعشاباً غريبة وحتى أزهاراً! وتقدم الأطباق دائماً مع حساء "ميزو" التقليدي المصنوع من مرق السمك، وطاس من الأرز الهش وكوب من الشاي الأخضر لا غنى عنه.
وعلى رغم أن الخبز ليس شائعاً في اليابان، أرض الأرز، فإن المطعم يقدم أنواعاً مختلفة من الخبز الساخن الذي يضاهي أفضل المخابز الفرنسية. ذلك لأن يوكو تخبزه بنفسها منذ عشر سنوات في فرنها البخاري.
لكن ما يجعل كوغوروفو أكثر من مطعم بسيط، بل ملاذاً للراحة والرضا، هو مذهب الـ "ماكروبيوتيك" الذي تتبعه يوكو في طبخها. هذه المدرسة الفكرية اليابانية مبنية على فلسفة "ين" و"يانغ" الصينية القديمة، أي الطاقة الموجبة والطاقة السالبة. ولكي يعيش الناس بسعادة، عليهم أن يسلكوا الطريق الوسط في جميع نواحي الحياة، لكن خصوصاً في الطعام الذي يأكلون. وتشدد يوكو على أن "الطعام الذي نأكله يصبح جزءاً من أجسادنا". ويمكن تصنيفه أيضاً في فئة "ين أكثر" أو "يانغ أكثر". وعلى العموم، تميل أطعمة ين الى أن تكون أكثر سكرية أو ماوية أو باردة أو استوائية المنشأ (مثل السكر والمشروبات الكحولية القوية). وتميل أطعمة يانغ الى أن تكون أكثر لحوماً أو جافة أو مطبوخة (مثل لحم المواشي والدواجن والملح وعشبة الجنسنغ). هذه الأطعمة كلها تعتبر "متطرفة" ويتم تجنبها عموماً. والأطعمة المتوازنة مثل الحبوبيات والفجل (ديكون) تشكل الغذاء الماكروبيوتيكي عموماً.
تحضر يوكو أطباقها مدركة أهمية هذا التوازن. فهي لا تضيف أي سكر أو دهن حيواني. وقد أكدت لي قائلة: "طبخي يستغرق ساعات كثيرة، وأفكر دائماً في الجمع الجيد بين الخضار لكي آخذ منها الطعم اللذيذ". وهذا ما جعل الطبخ بالنسبة اليها حالة مزاجية: "عندما أكون مجهدة أو متوترة لا أستطيع العمل".
سيرة امرأة ماكروبيوتيكية
على رغم هذه الأسرار التي تعلمتها من مطبخ يوكو، كنت تواقاً لمعرفة المزيد عن المرأة ذاتها، وكيف نجحت بمهارة كبيرة في "تكييف الطعام الذي أقدمه مع الأذواق البسيطة للسكان المحليين حولي". ولما أخبرتني قصة حياتها، فهمت كيف أصبحت حادة الملاحظة وحكيمة في ما يتعلق بالناس.
عندما تزوجت يوكو، تولت ادارة فندق عائلة زوجها. فغيرت قائمة الطعام في الفندق حتى قبل أن تدرس طبخ الماكروبيوتيك. كانت ترى أن الطريق الى قلوب الناس هي من خلال معدتهم. لذلك راحت تحضر الطعام بنفسها وبعناية، بينما في معظم المنتجعات الأخرى القريبة كان الطعام يطبخ مسبقاً ليقدم بشكل يجتذب الناس. وكان النازلون في فندقها تغريهم أطباقها اللذيذة ويبوحون لها باعجابهم.
ثم أصيبت يوكو بمرض خطير. ودفعتها معاناتها الى البحث عن العلاج في نظام غذاء متوازن بدلاً من الأدوية. فذهبت الى طوكيو لتدرس أسرار فلسفة الماكروبيوتيك. قالت لي بهدوء: "ان تناول طعام الماكروبيوتيك والعيش وفق تعاليم هذا المذهب شفيا جسمي وروحي".
لكن طوكيو بازدحامها وتلوثها وضجيجها وضغطها لم تكن مكاناً ليوكو. فراحت تبحث عن بقعة وادعة في الجبال لتنشر نمط حياة الماكروبيوتيك في الريف الياباني. قالت بحماسة: "أتيت الى هنا لأنه مكان جديد وغريب علي. ومع أنني لم أكن ثرية جداً، فقد قررت أن أفتح هذا المطعم لتقديم تشكيلات خلاقة من الخضار كنظام غذاء صحي بديل".
لكن مهمة يوكو ليست سهلة. فمع غزو سلاسل مطاعم الوجبات السريعة للمنطقة، أصبحت المنافسة شديدة. قالت متنهدة: "تهمني صحة زبائني، وهذا يجعل عملي صعباً أحياناً". وقد فكرت في اغلاق المطعم مرات كثيرة بسبب ارتفاع تكاليف المواد التي تستعملها.
رضا الزبائن عزاؤها الوحيد، وهو يعطيها القوة للاستمرار. وهي أنهت قصتها بابتسامة قائلة: "سوف يدرك الناس يوماً أن الوجبات السريعة ستدمر أجسامهم".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.