اعتمدت الحركة الأولمبية العالمية طوال عمرها المديد على محوري الرياضة والثقافة. وتأثر العالم خلال هذه الحقبة بالعديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والدينية والفكرية، وعاش صراعات أيديولوجية وعسكرية بلغت ذروتها إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتعرضت الحركة الأولمبية العالمية الى محاولات لاقحامها في نشر مبادئ وتوجهات بعض التيارات الايديولوجية. لكن هذه المحاولات لم تنجح لتعارضها مع الأهداف الاولمبية النبيلة والسلمية التي نجحت في الحصول على محبة أهل الأرض على اختلاف عقائدهم وأديانهم ولغاتهم.
واستطاعت بعض المنظمات غير الحكومية اقناع القائمين على الحركة الاولمبية الدولية بإدراج محور ثالث في صلب اهتماماتها هو البيئة، فباتت ثلاثية المحاور تقوم على الرياضة والثقافة والبيئة. جاءت المبادرة الاولى حين وصلت الفرق الرياضية المشاركة في اولمبياد ميونيخ عام 1972 حاملة شجيرات من بلادها زرعت في المنتزه الأولمبي بالقرب من المدينة الرياضية. وعلى رغم اعتبارها مجرد اشارة رمزية بسيطة أو مبادرة ثقافية، فقد كانت بداية التوجه نحو الاهتمام بالبيئة.
وفي 26 أيار (مايو) 1981 تبنت اللجنة الوزارية التابعة للاتحاد الأوروبي توصيات للتركيز على الجوانب البيئية عند إقامة الدورات الرياضية بين الدول الأعضاء. ومن هذه التوصيات: المحافظة على المسطحات المائية عند القيام بأي أنشطة رياضية لينتفع بها المجتمع بكامله، وإدخال البعد البيئي في دورات جميع أنواع الرياضات، والتعاون والتنسيق بين الاجهزة المعنية بتنظيم الأنشطة الرياضية والأجهزة الحكومية وغير الحكومية المهتمة بالبيئة. وتأكيداً للقناعات باستثمار البعد البيئي، قام الوزراء الاوروبيون المعنيون بالرياضة في اجتماعهم الذي عقد في مدينة دبلن الايرلندية عام 1986، بالتأكيد على هذه التوصيات ودعوة الحكومات الى إنفاذها.
أصبح البعد البيئي محوراً رسمياً حين دعت اللجنة الاولمبية الدولية جميع الاتحادات الرياضية الدولية واللجان الاولمبية المحلية، خلال دورة الألعاب الاولمبية التي أقيمت في مدينة برشلونة الاسبانية عام 1992، الى التوقيع على ما أطلقت عليه تسمية ميثاق الارض أو إعلان ريو، الذي تمخض عنه مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في حزيران (يونيو) من ذلك العام.
شروط على الدول المضيفة
اتخذت اللجنة الاولمبية الدولية خطوات جادة لتحقيق الاعتبارات البيئية في دوراتها. فوقعت عام 1995 اتفاقية تعاون وشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وفي العام نفسه أوصت الهيئة العليا للاحتفال بالذكرى المئوية للجنة الأولمبية، والتي اجتمعت في باريس في الفترة من 29 آب (أغسطس) الى 3 أيلول (سبتمبر)، بتعديل دستورها من حيث تضمين البيئة كمحور ثالث للحركة الأولمبية. وقد وافقت اللجنة الأولمبية الدولية في اجتماعها الذي عقد في تموز (يوليو) 1996 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية على توصيات الهيئة العليا. وكانت، في كانون الأول (ديسمبر) 1995، قامت بتشكيل لجنة دولية متخصصة للاهتمام بالجانب البيئي في الرياضة، ومناقشة القضايا المتعلقة بانعكاسات الأنشطة الرياضية على البيئة ومواردها الطبيعية، ووضع السياسات التي يجب اتباعها من أجل إقامة دورات أولمبية صديقة للبيئة.
وأصبحت اللجنة الأولمبية الدولية تشترط على الدول الراغبة في استضافة الألعاب الأولمبية، إضافة الى الشروط التقليدية المعتمدة سابقاً، التالي:
- تقديم معلومات عن الادارة البيئية للموارد الطبيعية في البلد.
- تقديم معلومات عن البيئات الفريدة والنادرة والحساسة من الناحية البيولوجية، إضافة الى قائمة البيئات المحمية ومواقعها.
- تقديم تعهدات بأن جميع أعمال البناء التي ستقام للإعداد للدورة لن تتعارض مع التشريعات والأنظمة البيئية على المستويين المحلي والعالمي.
- إجراء دراسات تقيم الأثر البيئي لجميع العمليات التي ستقوم بها الدولة المضيفة تحضيراً للدورة، بهدف تحديد المخاطر المحتملة على البيئة ومحاولة تجنبها قبل تنفيذ العمليات.
- تقديم خطة العمل حول سبل المحافظة على البيئة في الدولة المضيفة قبل انعقاد الدورة وأثناءها.
توصيات اجتماع دبي الاقليمي
ان السلبيات التي يراها مناصرو البيئة في تجميع مئات الآلاف من سكان الأرض في مدن الألعاب الأولمبية، وما يتسببون به من تلوث للماء والهواء والتربة وتزايد كميات النفايات وما يهدر من طاقة، علاوة على إنشاء المدن الأولمبية في مناطق طبيعية كانت مأهولة بأنواع نباتية وحيوانية، جعلتهم يمارسون ضغوطاً على اللجنة الأولمبية الدولية أثمرت بتشكيلها لجنة الرياضة والبيئة.
وبعد عدد من الندوات والمؤتمرات، عقد مؤتمر دولي حول البيئة والرياضة في مدينة تورينو الايطالية عام 2003، وضع أسساً وصيغاً لانشاء لجان وطنية للرياضة والبيئة. ومن ضمن اجتماعات إقليمية تالية حول العالم، كان اجتماع اللجان الوطنية في اقليم وسط وغرب آسيا الذي عقد في مركز التجارة العالمي بمدينة دبي، تحت رعاية الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس اللجنة الأولمبية لدولة الامارات، في الفترة 19 ـ 20 نيسان (ابريل) 2005 وبحضور مندوبي 24 دولة أعضاء. وخرج المؤتمر بتوصيات لخطط السنوات الأربع المقبلة، أهمها:
- تطوير النشاطات القائمة لدعم التنمية المتوازية في ضوء توصيات مؤتمر تورينو حول البيئة والرياضة.
- تطوير شبكة من الشركاء والتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني ووسائل الاعلام وقطاعات الأعمال والصناعة، لزيادة وعي المجتمع عن حلقات الوصل المتعددة بين الرياضة والبيئة.
- تعليم الرياضيين القياديين الأخذ في الاعتبار أن تكون الرياضة، على أشكالها، محافظة على البيئات الطبيعية.
- استغلال الأحداث الرياضية الاقليمية والوطنية في رفع مستوى التوعية بشأن التنمية المستدامة من خلال الرياضة.
- تنشيط السياحة البيئية من خلال النشاطات الرياضية.
- استغلال الرياضيين كقدوة للرأي العام، بايصال رسائل خضراء تتعلق بالرياضة.
- إجراء تقييم بيئي منهجي للأحداث الرياضية، يتضمن تحديد نسبة النجاح بحسب معايير معينة (مثلاً: حجم النفايات المعالجة، حجم الوفر في المياه، عدد الأشجار التي تمت زراعتها...) وإجراء تقييمات منتظمة لتحديد المشاكل وبحث الحلول المناسبة لها، وتزويد المجتمعات والشركاء بالنتائج المستخلصة والسبل الممكنة للتحسين.
خالد محمد البصري هو المدير التنفيذي لصندوق دعم الحياة الفطرية وعضو اللجنة السعودية للرياضة والبيئة.