لم يكن أحد يتوقع أن تتحول أجمل بقاع الدنيا في غمضة عين الى دمار قد تمتد آثاره لعشرات السنين. لكن هذا ما حدث، وتجرعت مرارته الدول الآسيوية التي كانت مقصد السياح من مختلف أرجاء المعمورة، حين أطبق عليها تسونامي بلا رحمة فأطلق العنان لأمواجه العاتية لتكسر سكون اليابسة في كارثة رهيبة لم تشهد البشرية مثيلاً لها منذ قرون.
ولم يحصد تسونامي الأرواح فحسب، وانما حصد حضارات وبقاعاً خلابة. فحوّل جزر المالديف من فردوس خلاب الى أرض جحيم. وأفقد سري لانكا سفوحها الخضراء. أما تايلاند، أو أرض العجائب كما يطلق عليها عشاق السفر والسياحة، فتحولت الى مسرح أبطاله جثث عائمة وبقايا أشلاء بشر كانوا يبحثون عن الراحة.
يشهد التاريخ أنه، على أثر الكوارث والأحداث الجسام التي تصيب بلدان العالم، يشتد أزر الأمم والشعوب بعضها لبعض، فتمتد يد العون للمساعدة وتخفيف الحزن والأسى وما لحق بالسكان من أضرار مادية ونفسية. وذلك عبر تقديم المساعدات العينية من طعام وشراب ومأوى ودواء وغيرها، من خلال جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر والمنظمات الدولية الأخرى. وقد اعتادت دولة الامارات العربية المتحدة أن تكون سباقة في تقديم المساعدات. وأمام موقف إنساني من نوع جديد، تنكب شباب من دولة الامارت، وهم 27 غواصاً من 13 جنسية مختلفة أعضاء في جمعية الامارات للغوص في دبي، لاعانة اخوان لهم في دول جنوب شرق آسيا تضرروا حتى العظم من جراء تسونامي.
التقينا هيئة ادارة فريق الغوص وبعض الغواصين بعد عودتهم من تايلاند. فحدثونا عن هذه التجربة الانسانية الفريدة من نوعها. قال جمعة بن ثالث، منسق قسم التراث في الجمعية: "كنا الفريق العربي الوحيد الذي جاء لمساعدة متضرري تسونامي بالغوص تحت الماء في جزيرة بيبي في تايلاند، وهي تابعة لمقاطعة بوكيت المنكوبة. وقد انتشلنا الكثير من المخلفات الغارقة، وأجرينا مسحاً لأماكن الغوص للاطلاع على مدى الأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية".
الفكرة جاءت عند اقامة الجمعية معرضاً خاصاً بالبيئة البحرية في فندق الجميرا في دبي. فقد زار المعرض وفد من الطيران التايلاندي، وأعجب بالخبرة المميزة لدى أعضاء جمعية الامارات للغوص، فاقترح على الجمعية تنظيم رحلة إنسانية الى تايلاند للمساهمة في اكتشاف ما نجم عن الكارثة والاستفادة من خبرتهم في تنظيف البيئة البحرية في الأعماق. عقب ذلك جرت اتصالات مكثفة مع كامل أعضاء الجمعية الـ700 للتنسيق معهم، وتم اختيار 27 غواصاً ممن لهم في سجلاتهم 80 غوصة فما فوق وممن لهم مهارات خاصة بالبحث والانتشال من تحت الماء.
وروى محمد بيطار، منسق المشاريع في قسم الغوص في الجمعية، أن المغامرة بدأت في 15 حزيران (يونيو) 2005 واستمرت خمسة أيام متواصلة. فانطلق فريق الجمعية بالبحث تحت الماء من السادسة صباحاً الى الخامسة مساء، وفق برنامج محدد وعلى عمق نحو عشرة أمتار، حيث كانت الرؤية شبه معدومة نتيجة للتيارات البحرية التي عكرت الماء. وأضاف: "على رغم الظروف المناخية الصعبة التي رافقتنا خلال أيام الرحلة، والتي كانت تستوجب عدم نزولنا في البحر بتاتاً بحسب نصيحة أهل جزيرة بيبي، نفذنا عمليات الغوص وفق البرنامج".
تم تقسيم أعضاء البعثة الى عدة فرق ومجموعات عمل فنية، للبحث في مساحات محددة تحت الماء ولمدة 45 دقيقة في كل غوصة. ونفذت كل مجموعة خمس غوصات في اليوم الواحد. وشمل البحث كل ما هو مفقود، فكانت النتائج مذهلة، اذ انتشلنا جوازات سفر عديدة مما ساعد في معرفة بعض المفقودين، وثياباً وعلب حليب للأطفال، وهدايا بقيت ملفوفة، ومفاتيح لغرف الفنادق، ومجموعة كبيرة من الدراجات الهوائية والنارية".
وقد استقبل حاكم بوكيت أعضاء البعثة في مكتبه، بحضور المدير الاقليمي للطيران التايلاندي في الامارت، فأعرب عن شكره وتقديره لمساهمات دولة الامارت في التخفيف من معاناة منكوبي تسونامي.
وعاد أعضاء بعثة جمعية الامارات للغوص بذكريات لا تمحوها كوارث الدنيا.
|