بدايات التعاون الاقليمي البيئي العربي انطلقت في السبعينات من القرن الماضي، وكان موضوعها الأول حماية البيئة البحرية. وتبع هذا تأسيس مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة عام 1987، بهدف تنمية التعاون في مجالات البيئة وتحديد المشكلات البيئية الرئيسة في الوطن العربي وأولويات العمل لمواجهتها.
وقد ركز المجلس نشاطه في برامج ثلاثة أعطاها الأولوية وهي: برنامج مكافحة التصحر وزيادة الرقعة الخضراء والدعم البيئي للبادية، وبرنامج مكافحة التلوث الصناعي، وبرنامج التربية والتوعية والاعلام البيئي.
لقد كان لي شرف قيادة فريق من الخبراء العرب في خلال عام 2000 لإعداد تقرير عن "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي". وقد عرض التقرير على مجلس وزراء البيئة العرب خلال دورتهم الاستثنائية التي عقدت في أبوظبي في أول شباط (فبراير) 2001.
أشرنا في ذلك التقرير إلى أن هناك مجموعة كبيرة من المنظمات العربية المتخصصة التابعة لجامعة الدول العربية تعمل إلى جوار مجلس وزراء البيئة العرب وقد أدرجت العمل البيئي كجزء هام من أنشطتها. كما أن هناك مؤسسات إقليمية وتحت إقليمية أخرى تشارك مشاركات فعالة في العمل البيئي الإقليمي. هناك أيضاً هيئات تتبع الأمم المتحدة تعاون المنطقة في التعامل مع قضايا البيئة.
غير أن حجم المشكلات البيئية في المنطقة وطبيعتها تتطلبان المزيد من الجهد والإمكانات لمواجهة مواطن الضعف في العمل البيئي الإقليمي، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:
1. تعتبر معظم المؤسسات الوطنية أن العمل الإقليمي عمل تكميلي وليس عملاً أساسياً، مما يحد من رغبتها في المساهمة فيه كأولوية.
2. ما زال هناك ضعف في التنسيق والتعاون بين المؤسسات الإقليمية والدولية العاملة في المنطقة.
3. ضعف مشاركة المواطن العربي في وضع برامج عمل مؤسسات البيئة الوطنية والإقليمية والضعف الواضح لمشاركة مؤسسات القطاع الخاص.
4. ضعف الإمكانات البشرية لبعض (إن لم يكن معظم) المؤسسات الإقليمية والمكاتب الإقليمية للمنظمات الدولية مقارنة بالأهداف المرجوة منها.
5. عدم وجود مصادر تمويل كافية للمشاريع البيئية الوطنية والإقليمية.
وقد حدد تقرير مستقبل العمل البيئي العربي أمرين:
أولهما أننا لا نرى بديلاً عن أن يتخذ الملوك والرؤساء العرب في اجتماع من اجتماعات القمة العربية ـ وقد استقر الأمر على دوريتها ـ موقفاً قوياً يدعم قضايا البيئة ويعطي دفعة قوية للمؤسسات الوطنية والإقليمية القائمة عليها في العالم العربي، ويجعل البيئة أحد المحاور الرئيسية في مؤتمرات القمة العربية الدورية. كنا كلنا في هذا الفريق نعتقد أن الدعم السياسي والمالي الواضح المحدد على أعلى المستويات في العالم العربي لقضية البيئة والأجهزة والمؤسسات المسؤولة عنها على المستوى الوطني والإقليمي وتحت الإقليمي هو الأمل الوحيد المتاح للعالم العربي لإيجاد تعاون عربي قوي في التعامل مع المشكلات البيئية المشتركة.
والأمر الثاني ضرورة إنشاء آلية لتمويل الاستثمارات في مجال البيئة تساهم فيها الدول العربية والصناديق العربية والاسلامية، وتكون مهمتها تمويل ما يراه مجلس وزراء البيئة العرب خليقاً بالتمويل العربي لأهميته وشدة الحاجة العاجلة إليه، وذلك في حدود إمكاناتها ودراسة المشروعات البيئية الإقليمية وتحت الإقليمية الكبيرة، والمعاونة على وضعها في أفضل صورة تسمح بتسويقها دولياً عن طريق الترويج المنظم لها.
عندما استعرضت أوراق العمل المقدمة إلى اجتماع بيروت لبحث انشاء "مرفق البيئة العربي"، وجدت تأكيداً وايضاحاً واستكمالاً لكل الأفكار التي وردت في تقرير مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي. ولعل من أهم النقاط التي يمكن التركيز عليها من الأفكار التي جاءت في أوراق العمل تلك ما يلي:
1. ضرورة حصول المرفق على موارده من الدول العربية وحدها.
2. حجم تمويل المرفق وأسلوب المساهمة في التمويل: هل يكون هناك حد أدنى من الاكتتاب من جميع الدول الأعضاء في مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة ثم تكون الاضافات طوعية، أم تكون المساهمات كلها طوعية؟
3. أسلوب إدارة المرفق.
4. المجالات التي يساهم المرفق في تمويلها.
5. تحفيز دور المجتمع الأهلي وتحريك أموال القطاع الخاص المحلية.
ولكن يبقى بعد ذلك أن نناقش، بصراحة ووضوح وباستعداد كامل من كل جانب لتقبل الرأي الآخر، عدداً من المسائل الحساسة. هذه المسائل من وجهة نظري تشمل:
1. تبعية المرفق على وجه التحديد، وكيف يتم اختيار مديره؟
2. حجم التمويل ونوعيته.
3. دور المرفق: هل يقدم منحاً تساعد في الحصول على قروض أم يقدم المنح والقروض معاً؟
4. نوعية المشروعات التي يمكن أن يمولها المرفق ومعايير اختيارها وتلك التي يسعى إلى ترويجها للتمويل من خارج موارده إذا اتفق على أن هذا الأمر وارد.
5. كيف يكون اتخاذ القرار بشأن المشروعات التي يمولها المرفق أو يعدها للتمويل، وهل تكون الأصوات في هذا الشأن متساوية أم أن هناك أفضلية لنوعية معينة من التصويت تأخذ في الاعتبار المساهمات المالية؟
6. طريقة سداد المساهمات وهل تكون سنوية أم دفعة واحدة كل سنتين أو ثلاث سنوات أو خمس مثلاً.
7. إذا كانت المساهمات طوعية فما هي ضمانات أن يرد إلى المرفق التمويل الكافي؟
8. أسلوب تحديد الجهة التي تتولى تنفيذ المشروعات من بين الهيئات العربية الإقليمية وتحت الاقليمية الكثيرة والمؤسسات الوطنية المختلفة.
وربما كـان الأهـم من كل ذلك هو السؤال: لماذا تساهم الدول العربية في تمويل مثل هذا المرفق الإقليمي ونحن نعلم أن لكل دولة ظروفها الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية الخاصة وأن المشاكل البيئية لكل دولة عربية لها خصوصيتها تبعاً لذلك؟
هذا حديث فيه الكثير من الصدق. ولكن إلى جانب هذا هناك مشكلات بيئية تشترك فيها الدول العربية كلها أو دولتان عربيتان أو أكثر، أو حتى مشكلات على المستوى المحلي لدولة واحدة ولكنها تؤثر في دول أخرى ولا تستطيع أي دولة عربية بمفردها أن تتعامل مع هذه المشكلات.
تقع كل هذه المشروعات ضمن ما أقره مجلس الوزراء العرب في أبوظبي كمشكلات بيئية ذات أولوية للعالم العربي كله، ومنها على سبيل المثال:
1. الاستخدام الرشيد للمصادر الطبيعية وتطبيق مبدأ الإنتاج الأنظف.
2. حماية المناطق البحرية من التلوث.
3. توطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر في منطقة تطل كل دولها على بحر أو أكثر.
4. استخدام الهندسة الوراثية في انتاج النباتات القابلة للعيش في درجات ملوحة عالية أو تحت ظروف الأراضي الجافة وندرة المياه الموجودة في كل الدول العربية.
5. انشاء البنك العربي الإقليمي للأصول الوراثية.
6. التوسع في تنفيذ برنامج إقليمي لمراقبة ظاهرة التصحر في العالم العربي وأساليب الحد من انتشارها.
7. استخدام الطاقة الشمسية في منطقة تقع في حزام انتاج هذه الطاقة بالقدر نفسه الذي تقع في حزام انتاج البترول والغاز.
8. إنتاج الطاقة الهيدروجينية التي تتسارع وتيرتها في الدول المتقدمة، وبصفة خاصة من أجل إنتاج وقود بديل للسيارات، وذلك في مواجهة جادة لقضية تغير المناخ.
يبقى موضوع أساسي تلزم دراسته تفصيلاً هو تحديد البدائل لمجالات التمويل التي يمكن أن يتولاها هذا المرفق، وهي في رأيي:
أ. المشروعات التي تهم الدول العربية كافة.
ب. المشروعات التي تهم دولتين عربيتين أو أكثر.
ج. المشروعات الوطنية ذات التأثير المباشر على البيئة في المنطقة العربية إقليمياً أو على المستوى تحت الاقليمي.
د. المشروعات الضرورية لحماية البيئة على المستوى الوطني.
لكي يستطيع مجلس الوزراء العرب أن يقرر أي مزيج من هذه المشروعات، من الجيد أن يقوم المرفق بتمويله أو إعداده للتمويل من خارج موارده وطبقاً لأية أولويات، وتحديد الأسس التي يمكن أن يتم عليها هذا الأمر.
ليس معنى ما أقوله أنني أتوقع أن يحل مرفق البيئة العربي المقترح محل المؤسسات العربية المختلفة التي أثبتت قدراً واضحاً من النجاح. ولا يعني ما أقوله أيضاً إنشاء منظمة أو جهاز ضخم لهذا الغرض، فهذا أمر غير وارد إطلاقاً، ولا يجوز أن تستهلك الأموال في إنشاء مبان وإنشاء وظائف. أنا لا أدعو إلى تكرار تجارب سابقة، ولكن آمل أن نفيد من تجربة مرفق البيئة العالمي الذي وصل إلى إدارة مليار دولار سنوياً بعد عشر سنوات من إنشائه ولم يتجاوز عدد العاملين فيه الأربعين فرداً، وصندوق بروتوكول مونتريال الذي تعامل مع أكثر من ملياري دولار ولم يتجاوز أفراد أمانته العشرين فرداً. لذلك أعتقد أن مرفق البيئة العربي بعد نشأته يجب أن لا يتجاوز عدد موظفيه العشرة، على ان تقوم بالأعمال المالية إحدى المؤسسات المالية أو الصناديق الاستثمارية الجادة المنتشرة في العالم العربي.