بعد مناقشات في بيروت دامت ثلاثة أيام ، بين 6 و8 أيلول (سبتمبر) الماضي، بضيافة رئاسة مجلس الوزراء، صدر مشروع لانشاء ''مرفق البيئة العربي''، في انتظار اقراره من هيئات جامعة الدول العربية. فهل يرى المرفق النور، ويكون بداية عمل عربي تعاوني جدي لرعاية البيئة، تدعمه الأفعال لا الأقوال؟

إدارة الدكتور مصطفى كمال طلبه للجلسة الختامية في اجتماع بيروت، الذي بحث انشاء مرفق البيئة العربي، نجحت في التوصل الى توافق على مشروع عملي سيتم رفعه الى مجلس وزراء البيئة العرب ومنه الى القمة العربية. وحين يعبر المشروع المخاض الرسمي ويصبح المرفق البيئي مؤسسة، أو ''آلية'' كما فضّل البعض تسميتها، يأمل المراقبون أن يكون حظه أوفر من حظوظ هيئات جامعة الدول العربية الأخرى. ومن أولى التحديات حصوله على الدعم المالي الكافي ليتمكن من إحداث تغيير فعلي في الواقع البيئي. وقد وافق المجتمعون على رأي الدكتور طلبه أن يبدأ المرفق بميزانية متواضعة تصل إلى 30 مليون دولار خلال السنوات التجريبية الثلاث الأولى.

الدكتور طلبه وضع خبرة عقود في قيادة العمل البيئي الدولي في تصرف المجتمعين، فوجه العمل وحدد المسار. كما كان لمشاركة الدكتور عمر العريني، المدير السابق لصندوق بروتوكول مونتريال حول طبقة الأوزون، أثر كبير في تحديد أساليب الادارة الناجحة للمرفق. فصندوق الأوزون يعتبر من أهم انجازات التعاون البيئي الدولي.

حضر الاجتماع، الى جانب وزير البيئة اللبناني يعقوب الصراف، وزير البيئة الأردني خالد الايراني، ووكيل وزير البيئة العراقي مثنّى العمر والمدراء العامون لست هيئات بيئية عربية رسمية. أما بقية الحضور العربي الحكومي فانحصرت في مستشارين وممثلي سفارات. كما أن حضور هيئات تمويل التنمية العربية انحصر بممثلين عن البنك الاسلامي وصندوق أوبك للتنمية.

وفي حين حضرت ممثلة عن اتحاد الغرف العربية وممثلة عن مجلس سيدات الأعمال العرب، انحصر تمثيل القطاع الخاص ببعض الشركات والهيئات اللبنانية.

ومن اللافت أن وزير البيئة اللبناني كان الوحيد الذي ألقى كلمته شخصياً في جلسة الافتتاح، أما الباقون (وزير المال اللبناني، أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء البيئة العرب الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز، رئيس دورة المجلس الحالية الوزير الاماراتي حمد المدفع) فقد ألقاها ممثلون نيابة عنهم.

أما محمد العشري، الرئيس السابق لمرفق البيئة العالمي، فقد أرسل كلمة مطبوعة ولم يحضر. والى جانب مداخلتين مهمتين في الجلسة العامة من الدكتور طلبه والدكتور العريني، برزت مداخلة ممتازة لحاكم مصرف لبنان عن دور القطاعين الخاص والمالي في الاستثمار البيئي.

انطلاقاً من مقولة ''عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة''، أصر معظم المشاركين في اجتماع بيروت على تجنب أي تعارض بين المرفق العربي و''مرفق البيئة العالمي'' (GEF). فبعض الدول العربية، خاصة الأردن وتونس واليمن ومصر والسلطة الفلسطينية، التي تحصل على تمويل ملموس من ''مرفق البيئة العالمي'' واتفاقات ثنائية، تخوفت من أن تخف المساعدات الدولية عنها اذا أنشئت هيئة عربية مشابهة، غير مضمونة النتائج. وقد انعكس هذا في مقدمة المشروع، التي أوضحت أن "مرفق البيئة العربي ليس بديلاً عن مرفق البيئة العالمي والآليات الدولية التمويلية الأخرى".

وقد اتفق المجتمعون على تعريف مرفق البيئة العربي بأنه ''آلية عربية مستقلة ضمن منظومة جامعة الدول العربية، لدعم المشاريع البيئية ذات الخصوصية الاقليمية العربية وشبه الاقليمية والوطنية''. ويكون الدعم عن طريق تقديم منح لاستكمال التنفيذ الكامل للمشروع، أو لاجراء دراسات المشاريع الكبرى التي تتعدى قدرات المرفق لاعدادها للتسويق لدى جهات أخرى.

وتأكيداً لتخوف كثير من المجتمعين من أن يؤدي انشاء المرفق العربي الى خسارة مصادر تمويل أخرى موجودة حالياً، حدد مشروع إنشاء مرفق البيئة العربي أهدافه بتمويل المشاريع والبرامج البيئية الاقليمية أو المحلية ''التي لا تقع في اطار اختصاص مرفق البيئة العالمي والآليات التمويلية الأخرى''. واعتبر البعض أن هذا التحديد قد يمنع عن المرفق العربي العمل في كثير من المجالات البيئية، اذ أن معظمها مشمول في برامج تمويلية أخرى.

وتم الاتفاق على أن تشمل هيكلية المرفق مجلس الأمناء والمجلس التنفيذي والمدير العام والأمانة الفنية، إضافة الى قائمة من الاستشاريين.

وحددت مهام هيئات المرفق كما يلي:

مجلس الأمناء: هو مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة. يضع السياسة العامة للمرفق ويحدد المواضيع ذات الأولوية ويعتمد الأسس والمعايير التي يتم بموجبها تقديم الدعم، كما يعتمد الأنظمة الداخلية للمرفق.

المجلس التنفيذي: يعين من قبل مجلس الأمناء، وتكون مدة ولايته ثلاث سنوات ويتألف من 11 عضواً هم: رئيس مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب، ورؤساء 5 صناديق عربية، و3 شخصيات عامة عربية من ذوي الخبرة في مجال تخطيط وتنفيذ المشاريع البيئية وإدارة التمويل الاقليمي والدولي، وممثل عن قطاع الأعمال.

ويتولى المجلس التنفيذي إقرار المشاريع التي يتم دعمها في ضوء التقارير الفنية التي يعدها الخبراء، وإقرار قائمة الخبراء الفنيين، ومتابعة التزام الأمانة الفنية للمرفق بالخطوط التوجيهية والممارسات الادارية الجيدة. وهو يعقد اجتماعات دورية مرتين على الأقل في السنة، ويقدم تقريراً سنوياً عن نشاطه لمجلس الأمناء.

المدير العام والأمانة الفنية: يرأس الأمانة الفنية مدير عام يعينه مجلس الأمناء بناء لاقتراح المجلس التنفيذي لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. تتكون الأمانة الفنية من فريق عمل محدود من المتخصصين.

وحدد المشروع الأولويات البيئية وفقاً لما جاء في اعلان أبوظبي حول مستقبل العمل البيئي العربي ومبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية، ووفقاً لما يقرره مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة.

ومع التركيز على معالجة القضايا البيئية العربية المشتركة، قرر المجتمعون أنه في حال شمول بعض المشاريع دولاً غير عربية، مثل تركيا أو إيران، فيمكن أن يكون دور المرفق تحضيرياً لتحريك موارد دولية، على أن ينحصر دعمه للجانب العربي.

وحدد المشروع النطاق الجغرافي للمستفيدين من المرفق بالدول العربية الـ.22 أما الجهات المعنية فتشمل الحكومات العربية ومن خلالها القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والقطاع الأكاديمي.

واتفق على أن ينحصر موظفو الأمانة الفنية للمرفق، في المرحلة التجريبية من العمل، بما بين 5 و7 أفراد يتمتعون بخبرة فنية عالية. كما ينبغي العمل على تغطية الاختصاصات والخبرات في كافة المجالات ضمن قائمة الخبراء الفنيين التي تضم اختصاصيين ذوي خبرات عربية عالية في مختلف المجالات، والمنظمات العربية والاقليمية المتخصصة ذات العلاقة. كما يقتضي تحديد ضباط ارتكاز في الدول الأعضاء.

وشدد المجتمعون على ضرورة أن يؤدي مرفق البيئة العربي دوراً هاماً في انشاء شبكات تواصل، عبر لعب دور مركز تبادل معلومات وخبرات وتنسيق بين الدول العربية الأعضاء والمؤسسات التمويلية العربية، وانشاء قاعدة معلومات ومعرفة اقليمية.

وفي الاطار المالي، دعا المشروع الى فتح مجال المساهمة في الرأسمال التأسيسي لمرفق البيئة العربي، في حدود مبلغ 30 مليون دولار أميركي خلال السنوات الثلاث الأولى، أمام الحكومات العربية من جهة، والصناديق العربية والاقليمية القائمة من جهة ثانية. وتؤمن الموارد التمويلية الاضافية للمشاريع والاستثمارات التي يوافق عليها المرفق من الصناديق العربية القائمة كما من المنظمات والصناديق الدولية المختصة.

وقد رحب المجتمعون بعرض الحكومة اللبنانية لاستضافة الأمانة التأسيسية للمرفق، وتأمين التمويل اللازم لها، في الفترة الممتدة بين موافقة جامعة الدول العربية على انشاء المرفق وبدء عمله الفعلي. وتتولى الأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة مسؤولية متابعة الاجراءات الادارية في مؤسسات الجامعة العربية.