Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
راغدة حداد دخــان العمـــر الضائــع  
تشرين الأول (أكتوبر) 2005 / عدد 91
 هناك 1,3 مليار مدخن حول العالم يحرقون نحو 5 تريليون سيجارة سنوياً. ويقتل التدخين نحو 5 ملايين شخص كل سنة ويصيب ملايين آخرين باعتلالات تراوح من السرطان وأمراض القلب الى الاضطرابات التنفسية والعجز الجنسي. ومع ذلك، ما زال عدد المدخنين يزداد، ولا سيما بين النساء والمراهقين، تلبية لاغراءات صناعة السجائر التي تنفق على الاعلانات أكثر من أي صناعة أخرى. لكن سريان الاتفاقية العالمية لمكافحة التبغ منذ 27/2/،2005 وفرض عدد متزايد من البلدان وضع صور وعبارات مخيفة على علب السجائر، فضلاً عن تطبيق أنظمة حظر التدخين في الأماكن العامة، يؤمل أن تخفض عدد المدخنين طوعاً أو قسراً.
في 26 أيار (مايو) 2005 بات من حق دول الاتحاد الأوروبي استعمال صور مرعبة على علب السجائر، لاقناع المدخنين بالاقلاع عن التدخين والصغار بعدم مباشرته. تظهر هذه الصور، مثلاً، أسناناً مهترئة ورئة مسودّة وأوراماً سرطانية في معظم أعضاء الجسم. وتتضمن أيضاً مشاهد مبتكرة، منها صورة سيجارة منحنية في إشارة الى خطر الاصابة بعجز جنسي، وصورة تفاحة متجعدة تمثل شيخوخة مبكرة للبشرة.
مفوض الصحة وحماية المستهلك السابق في الاتحاد الاوروبي ديفيد بايرن، الذي خصص 72 مليون يورو لهذه الحملة في اليوم الأخير من توليه منصبه، قال: "الناس بحاجة الى صدمة، ولن أعتذر عن نوع الصور التي نستعملها، فالوجه الحقيقي للتدخين هو المرض والموت والرعب، لا المتعة والعنفوان كما تريدنا صناعة التبغ أن نعتقد. على الاتحاد الأوروبي أن يبلغ هذه الرسالة الى الصغار عبر حملة اعلامية، والى المدخنين من خلال علب السجائر التي يحملونها".
وأعلنت المفوضية ان أكثر من 650 ألف أوروبي يموتون كل سنة من أمراض متعلقة بالتدخين، الذي يعتبر أبرز سبب للوفيات التي يمكن تفاديها، مما يفرض علىحكومات الاتحاد فاتورة سنوية تزيد قيمتها على 100 مليار يورو في شكل نفقات أمراض ووفيات، وهذا يمثل واحداً في المئة من الناتج القومي الاجمالي.
وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية خطوات قانونية للحد من استهلاك التبغ. فابتداء من تموز (يوليو) 2005، حظرت جميع اعلانات التبغ في الراديو والانترنت ووسائل الاعلام المكتوبة في البلدان الأعضاء، بعدما حظرت على التلفزيون منذ 1989. وفرض منذ 2003 وضع تحذيرات صحية بالغة الوضوح على جميع منتجات التبغ التي تباع في بلدان الاتحاد، كما حظر استعمال تسميات مثل ''خفيفة(light) أو ''معتدلة" (mild).
إجراءات حظر حول العالم
في تدابير مشابهة لما يعتمد في الاتحاد الأوروبي، ألزمت الحكومة التايلاندية منذ أيار (مايو) 2005 منتجي ومستوردي السجائر بوضع صور مخيفة على علب السجائر تغطي نصف واجهتها الأمامية، تضاف اليها تعابير تحذير مثل ''التدخين يؤدي الى الموت''. وتعتبر تايلاند من الدول الناشطة ضد التدخين منذ سبعينات القرن الماضي، إذ يحظر التدخين في معظم الأماكن العامة، وهي رابع دولة اعتمدت وضع هذه التحذيرات ا لمصورة على علب السجائر بعد البرازيل وكندا وسنغافورة.
وكانت دراسة صادرة حديثاً في كندا أشارت الى تراجع عدد المدخنين بنسبة 17 في المئة بعد تطبيق الحكومة الكندية هذا الاجراء، حيث غطت أكثر من نصف مساحة علب السجائر بصور مخيفة وتحذيرات من مخاطر التدخين. واعتبر صحافي كندي مدخّن أنه اذا اشترى علبة سجائر ووجد عليها صورة مقيتة فسيرميها ويضع السجائر في علبة جميلة أخرى، لكنه اعترف بأنها قد تقلل من عدد المدخنين الجدد، خصوصاً المراهقين.
ويحاول الكونغرس الاميركي إصدار قانون يمنع الاعلان عن السجائر ذات النكهات المختلفة التي تجذب المراهقين، وتتراوح بين طعم النعناع والكولا والسوس والفواكه.
وفي كانون الثاني (يناير) 2005 بدأ العمل بقانون في ايطاليا قيل انه الأشد قسوة في أوروبا، اذ حظر التدخين في كل المباني والمكاتب العامة والحانات والمطاعم والنوادي الليلية والفنادق. ويعاقب من يدخن سيجارة في هذه الأماكن بغرامة لا تقل عن 27 يورو، ومن يدخن في وجود أطفال أو حوامل بغرامة تبلغ 660 يورو.
وكانت ايرلندا أصبحت في آذار (مارس) 2004 أول بلد في العالم يحظر التدخين في جميع أماكن العمل والمقاهي والحانات والمطاعم، وتبعتها النروج ونيوزيلندا.
ووضعت الحكومة البريطانية خطة لفرض حظر كاسح على التدخين في جميع الأماكن العامة، يبدأ جزئياً سنة 2006، على أن يشمل نحو 90 في المئة من الحانات والمطاعم في نهاية 2008.
وأقر البرلمان الروسي مشروع قانون يحد من التدخين في وسائل النقل العامة وأماكن العمل، وبيع التبغ في المراكز الصحية والرياضية والثقافية وقرب المدارس. ويسجل في روسيا أحد أعلى معدلات التدخين في العالم.
وأقر برلمان الجمهورية التشيكية قانوناً يحظر التدخين في الأماكن العامة ويفرض قيوداً على محلات بيع السجائر كما يحظر بيعها في الماكينات الآلية، بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2006.
وبعدما مرر البرلمان الألماني قانوناً يجرّم استخدام السائقين الهاتف المحمول، يرغب عدد من المشرعين الألمان في حظر التدخين أثناء قيادة السيارات، باعتبار أن السجائر تشتت الانتباه هي أيضاً. ومن اللافت في ألمانيا انتشار ظاهرة تدخين النارجيلة (الشيشة) في المقاهي بين فئات الشباب، ما دعا ''المؤسسة الألمانية لتقويم المخاطر'' الى المطالبة بالاعلان عن مخاطر تدخين النارجيلة كما في إعلانات السجائر. وأكدت أن خطورة تدخين النارجيلة لا تقل عن تدخين السجائر بسبب المواد الخطيرة التي تحويها، خصوصاً القطران والزرنيخ والنيكل والكروم، وكلها تزيد احتمالات تدهور وظائف الرئتين والاصابة بالأمراض السرطانية.
وفي نيوزيلندا، بيع عقب سيجارة تم تدخينها في الثواني الاخيرة قبل سريان قانون حظر التدخين منتصف ليل 9 ـ 10 كانون الأول (ديسمبر) 2004 بمبلغ 5400 دولار أميركي، في مزاد أقيم على الانترنت. وقد بات التدخين ممنوعاً في الأماكن العامة وغالبية الاماكن المغلقة، بما فيها المقاهي والحانات والمطاعم.
وفي العام 2004، أعلنت مملكة بوتان في جبال حملايا حظر التدخين علانية، ومنعت بيع التبغ والسجائر، وكانت أول بلد في العالم يفعل ذلك.
وبدأ في آب (أغسطس) 2005 حظر على التدخين في أفلام السينما ومسلسلات التلفزيون في الهند. وسيتعين أن تحذف من الافلام التي صورت سابقاً مشاهد التدخين وأي إشارة الى ماركات السجائر. وفي الهند أكبر صناعة سينما في العالم، اذ تنتج نحو ألف فيلم كل عام بأكثر من 80 لغة، وفيها نحو 250 قناة فضائية. ويبلغ عدد المدخنين في الهند 250 مليوناً (عدد السكان نحو 1,1 مليار). وكانت منظمة الصحة العالمية ذكرت في دراسة أصدرتها عام 2003 تحت عنوان ''بوليوود: ضحية أم حليف؟'' أن ''هوليوود الهندية'' تشجع المراهقين على التدخين، موصية بحظر التدخين على الشاشة.
صناعة مزدهرة
بعد زيادة صغيرة في العام 2003، انخفض الانتاج العالمي للسجائر بنسبة 2,3 في المئة ليبلغ 5,5 تريليون سيجارة عام 2004 (التريليون 1000 مليار). وفي حين بقي الانتاج الاجمالي من دون تغيير تقريباً في السنوات العشر الماضية، فان النمو السكاني العالمي خلال هذه الفترة خفض الانتاج (الاحصائي) لكل فرد بنسبة 11 في المئة منذ العام 1994، ليبلغ 868 سيجارة للشخص سنوياً، وهو المستوى الادنى منذ العام 1972.
الصين والولايات المتحدة وروسيا واليابان تصنع ما يزيد عن نصف الانتاج العالمي. وفي العام ،2004 انتجت الصين 1,79 تريليون سيجارة، أي 32 في المئة من المجموع. وأنتجت الولايات المتحدة 499 مليار سيجارة (9 في المئة) وهذا يتبع انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية (في 1999 انتجت 607 مليارات سيجارة). وبخلاف الصين، التي يدخن سكانها 99 في المئة من السجائر التي تنتجها، تصدّر الولايات المتحدة 24 في المئة من انتاجها الاجمالي.
روسيا حالياً هي ثالث أكبر منتج، اذ صنعت 380 مليار سيجارة في العام 2004، أي أكثر من ضعفي انتاج 1998. واليابان هي الرابعة، اذ انتجت 216 مليار سيجارة، لكنها استوردت أيضاً 63 مليار سيجارة، مما جعلها في طليعة البلدان المدخنة، بمعدل 2190 سيجارة للشخص سنوياً، أي بزيادة 2,5 مرات عن المعدل العالمي. لكن الحصة الفردية تخفي معدلات التدخين الحقيقية لمعظم السكان. ففي اليابان، مثلاً، حيث 30 في المئة من الناس يدخنون، يستهلك المدخن العادي نحو 7228 سيجارة سنوياً، أي نحو علبة في اليوم.
كل يوم يدخل الى عالم التدخين ما بين 82 و99 ألف طفل وشاب حول العالم، 68 الى 84 ألفاً منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن الذين يعتقدون أنهم قادرون على الاقلاع في غضون خمس سنوات، ينجح أقل من 40 في المئة. وفي البلدان المرتفعة الدخل يعرب 70 في المئة من المدخنين عن أسفهم لانسياقهم من البداية الى التدخين.
في البلدان النامية، ينفق كثيرون مواردهم، الشحيحة غالباً، على التبغ عوضاً عن الغذاء والثياب والصحة والتعليم. ففي بنغلاديش، يستقطع التدخين ما بين 15 و45 في المئة من الدخل المعيشي اليومي للعائلات الفقيرة. وفي ماليزيا يتراوح الرقم بين 15 و30 في المئة، وفي بعض المناطق بالصين يقترب من 60 في المئة. وأظهرت دراسة أن العائلات المصرية تنفق 5 في المئة من دخلها على منتجات التبغ، أي أكثر مما تنفق على الرعاية الطبية أو الثقافة أو الرياضة، وأن العائلات المدينية تدفع في شراء السجائر نحو 10 في المئة من مجموع انفاقها على الطعام والشراب.
وقد أثبتت زيادة الضرائب نجاحاً كبيراً في خفض الاستهلاك، ولا سيما في البلدان التي بلغت فيها ثلثي سعر البيع بالتجزئة. أما في البلدان المنخفضة الدخل، فلا تتعدى الضرائب نصف سعر البيع بالتجزئة لكل علبة. وتبين أنه، عند ارتفاع سعر علبة السجائر 10 في المئة، يجنح الطلب الى الانخفاض بمعدل 4 في المئة في البلدان المرتفعة الدخل و8 في المئة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ففي بريطانيا مثلاً، وعلى رغم انخفاض عدد السجائر المباعة سنوياً من 138 مليار سيجارة الى 80 ملياراً في فترة 30 عاماً (أساساً بسبب ارتفاع الأسعار)، فإن ريعها الضريبي قد زاد. وفي مصر، بينت دراسة أجريت عام 1995 أن زيادة 9 في المئة في أسعار السجائر سوف تزيد الايراد الحكومي بمقدار 4 في المئة على رغم الانخفاض المتوقع في الاستهلاك. وأظهرت دراسة أجريت على اقتصاديات التبغ في المغرب، حيث تزايد عددحوانيت بيع التبغ من 9600 عام 1969 الى 20 ألفاً عام 2003، أن زيادة الأسعار 10 في المئة تخفض الطلب 3,3 في المئة وتزيد الايرادات 6 في المئة.
التدخين عند العرب
يدخن حالياً 1,3 مليار شخص (سكان العالم حالياً نحو 6,4 مليارات). وفي حين انخفضت مستويات التدخين في البلدان المرتفعة الدخل، ازدادت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتفيد إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن معدلات استهلاك التبغ في الشرق الأوسط ارتفعت 24 في المئة بين عامي 1990 و1997، وأن الشرق الأوسط وآسيا هما الاقليمان الوحيدان في العالم اللذان زادت فيهما مبيعات السجائر خلال هذه الفترة، ونصف الرجال البالغين في الشرق الأوسط من المدخنين.
في لبنان، يقول الدكتور نجيب غصن، مدير برنامج مكافحة التدخين في مكتب منظمة الصحة العالمية، ان أكثر من 53 في المئة من اللبنانيين يدخنون، 54 في المئة منهم رجال و46 في المئة نساء، وهي النسبة الأكبر في بلدان اقليم شرق المتوسط. كما يدخن 45 في المئة من المراهقين. ويموت سنوياً ما بين 3500 و4000 لبناني (نحو واحد في الألف من السكان) نتيجة الامراض التي يسببها التدخين. وينضم الى قافلة المدخنين سنوياً نحو 30 ألف شخص تراوح أعمارهم بين 13 و20 سنة. ويستهلك اللبنانيون ما بين 600 و700 مليون علبة سجائر سنوياً. أما الفاتورة الصحية التي تدفعها وزارة الصحة اللبنانية لعلاج الامراض الناجمة عن استهلاك التبغ فتفوق الارباح التي تتقاضاها الدولة من ''ادارة حصر التبغ والتنباك'' والتي تقدر بين 200 و250 مليون دولار سنوياً.
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول اقتصاديات التبغ في اقليم شرق المتوسط، تحتفظ مصر بأعلى نسبة استهلاك للتبغ في العالم العربي، وقد ارتفعت من 12 مليار سيجارة سنوياً في السبعينات الى 52 ملياراً في 1997. وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية، ازداد عدد المدخنين بسرعة الزيادة السكانية نفسها، وهو مستمر في الازدياد بمعدل 8 في المئة سنوياً. وتقدر الكلفة السنوية المباشرة لمعالجة الأمراض الناجمة عن استخدام التبغ في مصر بنحو 545 مليون دولار، ويتسبب التدخين في 90 في المئة من حالات سرطان الرئة. ومما يضاعف المشكلة أن 85 في المئة من المدخنين في مصر يدخنون أيضاً الشيشة (النارجيلة).
وقد أقرت في مصر تشريعات وإجراءات لمكافحة التدخين، ولكن نادراً ما يتم تطبيقها. فبدأ حظر إعلانات السجائر في التلفزيون والراديو منذ 1977. وفي 2002 سنت قوانين تحظر جميع أشكال الإعلان عن التبغ وتطلب وضع تحذيرات صحية على 30 في المئة من مساحة علبة السجائر، وتمنع بيع السجائر للقاصرين دون 18 عاماً. والتدخين ممنوع في الطيران الداخلي وفي دور السينما والمسارح.
ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية الى أن بلدان مجلس التعاون الخليجي تنفق 800 مليون دولار سنوياً على التبغ. ويدخن 50 في المئة من الطلاب الخليجيين الذين تراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً. ونحو 25 في المئة منهم بدأ التدخين بين سن العاشرة والخامسة عشرة. وبمعدل استهلاك يصل الى 2280 سيجارة لكل شخص سنوياً، تأتي الكويت في المركز التاسع عشر على المستوى العالمي، وتحتل السعودية المركز الثالث والعشرين بمعدل 2130 سيجارة. وهنالك 30 ألف حالة وفاة سنوية تحدث من جراء التدخين في بلدان المجلس. ويذهب 15 في المئة من إجمالي التكاليف الطبية في بلدان المجلس، حيث الرعاية الصحية مجانية، الى معالجة الأمراض المتعلقة بالتدخين.
ولا تفرض بلدان المجلس أية ضرائب على المبيعات. وعندما زادت رسوم الجمارك، وافقت شركات التبغ العالمية على تقديم نسبة راوحت بين 50 و65 في المئة من هذه الزيادة. وكان هذا متوقعاً لما تحققه من مكاسب هائلة على أية حال. وترى منظمة الصحة العالمية حاجة الى زيادةالأسعار 40 أو 50 في المئة، بل حتى 100 في المئة، كي يمكن تحقيق تأثير يذكر. وقد أوصى وزراء الصحة في مجلس التعاون بزيادة 200 في المئة على رسوم الجمارك، وباستخدام 0,5 في المئة من ضرائب التبغ في البحوث وبرامج المكافحة، وبأخذ نسبة 1 في المئة من الموزعين قبل البيع لتستخدمها وزارة الصحة في جهود مكافحة التدخين.
وتلفت منظمة الصحة العالمية الى أن الشركات المصنعة للتبغ تستخدم الاعلانات أكثر 50 في المئة من الشركات الصناعية الأخرى. وتنفق شركة ''فيليب موريس'' على الاعلانات في بلدان مجلس التعاون الخليجي 10 ملايين دولار، مما يجعلها من أكبر المعلنين في الاقليم. ومن هذا المبلغ، ينفق 3,9 ملايين دولار في الكويت و3,4 ملايين دولار في السعودية.
وقد اعترف مسؤولون في وزارة الصحة في الامارات بأن الجهود التي بذلوها على مدار السنوات الطويلة الماضية في مكافحة التدخين ذهبت سدى، بسبب النشاط الاعلاني الواسع لشركات التبغ وإغوائها الأطفال والمراهقين من خلال تبني رعاية الأحداث الرياضية والفنية، حتى في بعض المؤسسات الحكومية. وأكدت الوزارة في أحدث دراسة لها حول انتشار التدخين في الدولة أن النسبة بلغت 14,3 في المئة بين الطلاب و2,9 في المئة بين الطالبات. كما أن 25 في المئة من الطلبة جربوا التدخين لأول مرة قبل بلوغهم سن العاشرة، وأكثر من 25 في المئة من الطلبة غير المدخنين وأكثر من 60 في المئة من الطلبة المدخنين يتعرضون للتدخين اللاارادي في منازلهم والأماكن العامة، و20 في المئة قدمت لهم السجائر مجاناً من قبل إحدى متدربات شركات التبغ، و50 في المئة قاموا بشراء السجائر من محال تجارية، ولم يرفض بيعها الى 80 في المئة منهم رغم صغر سنهم.
وكمثال على التدابير العلاجية، أعلنت عيادة مركز مكافحة التدخين في محافظة الأحساء السعودية أنها عالجت 775 حالة إدمان خلال النصف الأول من سنة 2005، اقلع منهم 51 مدخناً، وما زال الباقون يتابعون الجلسات العلاجية. وهذه واحدة من العيادات المنتشرة في أنحاء السعودية وتتبع مديرية الشؤون الصحية في كل محافظة. وهي، بالاضافة الى معالجة المدخنين، تنظم محاضرات وتوزع مطبوعات وملصقات توعوية حول أخطار التدخين.
وفي أيلول (سبتمبر) 2005 منعت سورية التدخين بكل أشكاله في جميع الوزارات والمنشآت والدوائر العامة. وطلب من الجهات العامة تخصيص حيز في كل منها للمدخنين، على أن تتوافر فيها الشروط الفنية والصحية المناسبة.
مرض وموت في دخان السجائر
يحوي دخان السجائر مزيجاً من نحو 4000 مادة كيميائية، كثير منها مسبب للسرطان. ولعل أهم المكونات الخطرة النيكوتين والقطران وأول اوكسيد الكربون. فالنيكوتين يسبب الإدمان، ويؤدي الى ارتفاع ضغط الدم وتصلب الأوعية الدموية، ويزيد خفقان القلب ويتعبه، علماً أنه يستخدم أيضاً في مبيدات الحشرات. والقطران يحوي ألوف المركبات الكيميائية السامة التي تسبب سرطان الحنجرة والرئة. أما أول أوكسيد الكربون، فيحل محل الأوكسيجين في الدم ويحرم الجسم من كمية الاوكسيجين اللازمة لقيام الأعضاء بوظائفها، وهو يساعد ترسب الشحوم على جدران الشرايين، ويسبب الخمول وتشوّش الرؤية.
جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2004 أن التدخين يقتل نحو خمسة ملايين شخص سنوياً، وسيكون أكبر سبب للوفاة بحلول سنة ،2030 متسبباً في قتل ما يقرب من عشرة ملايين شخص كل عام. وهذا الرقم يزيد عن مجموع الوفيات المتوقعة الناجمة عن الالتهاب الرئوي، والأمراض الاسهالية، والسل، ومضاعفات الولادة. وتبلغ نسبة من يتعرض من المدخنين الى خطر الوفاة بسبب التبغ واحداً من كل اثنين. ومع الأنماط الحالية للتدخين، سوف يموت نحو 650 مليون شخص يعيشون الآن بسبب استخدامهم التبغ. ويقتل التدخين حالياً واحداً منكل عشرة أشخاص بالغين.
وبينت إحصاءات مركز مكافحة الأمراض (CDC) أن التدخين مسؤول عن 440 ألف وفاة سنوياً في الولايات المتحدة، أي نحو وفاة من كل خمس وفيات، وثلثاها بين الرجال. وأكدت أن خطر الموت بسرطان الرئة أعلى 22 مرة بين الرجال المدخنين و12 مرة بين النساء المدخنات، والنسبة أعلى بين الأفارقة والأميركيين الأصليين. ويزيد التدخين خطر الاصابة بكثير من أمراض السرطان الاخرى، منها سرطان الأنف والشفة والفم والبلعوم والحنجرة والمريء والمعدة والبنكرياس وعنق الرحم والمثانة والكلية والثدي والنخاع العظمي.
وفي الاحصاءات أيضاً أن المدخنين يصابون بأمراض القلب أكثر بمرتين الى 4 مرات من غير المدخنين. ويضاعف التدخين خطر الاصابة بالسكتة الدماغية، ويبطئ الدورة الدموية من خلال تضييق الشرايين. واحتمال الاصابة بأمراض الشرايين هو أكثر 10 مرات لدى المدخنين. ويرتبط التدخين بزيادة 10 أضعاف لخطر الموت بداء الانسداد الرئوي المزمن، ونحو 90 في المئة من جميع الوفيات بهذا الداء تنسب الى تدخين السجائر.
وتوصل باحثون من مختبر بروكهيفن الوطني التابع للحكومة الأميركية في أيلول (سبتمبر) 2005 الى ان انزيم مونوامين ينخفض بنسبة قد تتجاوز 50 في المئة في رئات المدخنين، مما  يضعف وظائف الرئة والتحكم في ضغط الدم.
وللتدخين تأثيرات على الصحة الجنسية ومشاكل الطفولة المبكرة، بما في ذلك العقم والاسقاط والولادة قبل الأوان وانخفاض وزن المواليد والموت الفجائي للاطفال. ويزيد التدخين ترقق العظام، وتكون كثافتها أدنى لدى النساء المدخنات في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، ويزداد خطر اصابتهن بكسر في الورك.
وفي تموز (يوليو) 2005، أكد باحثون طبيون في جامعة أرهوس الدنماركية في كوبنهاغن أن النساء اللاتي يدخنّ خلال فترة الحمل يزدن الى ثلاثة أضعاف احتمال اصابة أطفالهن بخلل الحركة المفرطة، ومن أعراضه النشاط العضلي المفرط وعدم التركيز والسلوك المتهور، وهي أكثر الاضطرابات العقلية انتشاراً في الطب النفسي للأطفال.
ويرتفع خطر الاصابة بمرض اللثة ست مرات لدى المدخنين، والاقلاع عن التدخين يقيهم خطر سقوط أسنانهم قبل موعدها، وفق ما خلصت اليه دراسة في جامعة نيوكاسل البريطانية نشرت في تموز (يوليو) 2005. والمدخنون هم أكثر عرضة للاصابة بمرض اللثة بسبب أثر التدخين التدميري على الجهاز المناعي، فتصبح أجسادهم أقل قدرة على مكافحة تكوّن البكتيريا والبلاك الذي يتراكم على الأسنان. وتسبب البكتيريا التهابات في اللثة فتنحسر وتدمى، وفي الحالات الخطيرة تنحسر اللثة وتتآكل العظام التي تمسك الأسنان.
وأعلن باحثون بريطانيون في نيسان (ابريل) 2005 ان المدخنين يزداد احتمال اصابتهم ضعفين باختلال تحللي في العين هو من أهم مسببات العمى لدى المسنين. ومن المشاكل الصحية الأخرىالتي يسببها التدخين: تجعّد البشرة، اعتام عدسة العين (كتاراكت أو المياه الزرقاء)، ضعف السمع وفقدانه، تسوس الاسنان، القرحة المعدية والتهابات الأمعاء، إضعاف جهاز المناعة، اختلالات في الغدد الصمّ.
ولا ينجو المرء من شر السجائر حتى لو كان غير مدخن، اذ يتعرض لدخان الآخرين في المنزل وموقع العمل وفي أماكن عامة كالحانات والمطاعم وغيرها. ويرتبط التدخين اللاإرادي بتزايد خطر الاصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب لدى البالغين غير المدخنين. كما أن الأطفال معرضون بشكل خاص للتدخين اللاإرادي بسبب عدم اكتمال نمو رئاتهم، وهو يرتبط بتزايد خطر الموت الفجائي والربو والالتهاب الشُعبي وذات الرئة (نومونيا).
لعل أهم انتصار تحقق في مجال مكافحة التدخين هو سريان الاتفاقية الاطارية العالمية لمكافحة التبغ، التي أصبحت نافذة في 27 شباط (فبراير) ،2005 بعد أن صادق عليها أكثر من 40 بلداً. وهي وضعتمقياساً دولياً صارماً لمكافحة التبغ، اذ تلزم البلدان الأعضاء بزيادة ضرائب التبغ، وحظر الاعلان عنه ورعايته والترويج له، وتوسيع مساحات التحذير على منتجاته، وزيادة تدابير الوقاية من التدخين اللاإرادي، وتنفيذ اجراءات لوقف تهريب التبغ. وبدعوة من منظمة الصحة العالمية، تبنت عشرات الهيئات والمنظمات الصحية الدولية ''دستور الممارسات المهنية حول مكافحة التبغ''، الذي لا يقصر دور الفعاليات الصحية على القدوة والتثقيف، بل يتعداهما الى التصدي لاستراتيجيات صناعة التبغ في عرقلة جهود مكافحة التدخين.
المدخنون العرب بين الأطباء والممرضين والعاملين في المهن الصحية
الأشخاص الذين يتعين عليهم تقديم القدوة الايجابية في تشجيع الشباب على عدم التدخين هم، في أحيان كثيرة، يدخنون أكثر من غيرهم. ففي مصر، مثلاً، يدخن 45 في المئة من المعلمين و43 في المئة من الأطباء. ويتراوح عدد من يدخن من الأطباء في الكويت والسعودية والامارات بين 33 و50 في المئة.
شارك 10,939 من الأطباء والعاملين في المهن الصحية في خمسة بلدان عربية، هي مصر والأردن وليبيا وقطر والسعودية، في مسح حول التدخين في الوسط الصحي، أجري في الفترة بين 2002 و2004. وقد أجرته منظمة الصحة العالمية نظراً لأهمية القطاع الصحي في توعية المرضى لأضرار التدخين ومساعدتهم في الاقلاع عنه والتأثير في الحكومات لاقناعها بضرورة السياسات الشاملة لمكافحة التبغ. كان بين المستجيبين للدراسة 7613 طبيباً و701 طبيب أسنان و1394 ممرضاً وممرضة و1226 من العاملين في المهن الطبية المساعدة. واشتملت العينة على 66 في المئة من الذكور و34 في المئة من الاناث، ومتوسط أعمارهم 39 عاماً.
وفي ما يأتي بعض نتائج المسح:
- أفاد 67٪ من المستجيبين للدراسة أنهم لم يدخنوا قط، فيما أبلغ 10٪ أنهم نجحوا في الاقلاع عنالتدخين، وقال 23٪ منهم انهم يدخنون حالياً.
- متوسط استهلاك المدخنين 16 سيجارة يومياً، أدناه في السعودية (11 سيجارة) وأعلاه في الأردن (19 سيجارة).
- نسبة المدخنين 32٪ بين الذكور و5٪ بين الاناث. وشكل الممرضون أكبر نسبة من المدخنين، والطبيبات أكبر نسبة من المدخنات.
- أقر 97,9٪ بأن التدخين ضار بالصحة.
- استبعد 83٪ من غير المدخنين أن ينصح الطبيب المدخن مريضه بالاقلاع عن التدخين. وأكد ذلك 70٪ من المدخنين المنتظمين.
- قال 57٪ انهم ''مستعدون تماماً'' لتقديم التوعية حول الاقلاع عن التدخين، في حين قال 30٪ انهم "مستعدون الى حد ما".
- أعرب 97٪ عن تأييدهم لحظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، وأيد 87٪ من المدخنين و93٪ من غير المدخنين وضع عبارات تحذير صحية بحروف كبيرة على أغلفة السجائر. وأيد 97٪ حظر بيعها لغير البالغين، و92٪ حظر رعاية شركات التبغ للأنشطة الرياضية، و97٪ الحظر الكامل للاعلان عن التبغ، و96٪ حظر التدخين تماماً في المستشفيات.
- أيد 84٪ من غير المدخنين الزيادة الحادة في الأسعار كإجراء لمساعدة المدخنين على الاقلاع ولمنع الصغار من الاقبال على التدخين، وبلغت النسبة 66٪ حتى بين المدخنين.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
راغدة حداد وباتر وردم الجمهور قال كلمته وعلى الحكومات أن تسمع
الخطاب الذي بقي في جيبه
مصطفى كمال طلبه ونجيب صعب الـبيئـة العـربيــة: تحديات المستقبل
نيروبي، أوسلو، بيروت ـ ''البيئة والتنمية'' العالـم يغرق في جلـيـده الذائب
عماد فرحات ماذا نشرب؟
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.