المزارع السلطانية في ظفار تنبت 13 نوعاً من الاوركيديا في أنجح تجربة عربية لزراعة هذه الزهرة الغامضة
محاد بن احمد المعشني (صلالة، عُمان)
الزهور تجسد الجمال والبهجة والنقاء والطهارة والحب. ولألوانها في بعض الثقافات دلالات محددة، فالأحمر يرمز إلى الحب والاحترام والشجاعة، والأصفر إلى المرح والسعادة والصداقة والحرية، والزهري إلى العرفان بالجميل والتقدير والإعجاب والتعاطف، والبرتقالي إلى الافتتان والرغبة والحماسة، والأبيض إلى التبجيل والنقاء والطهارة والسرية.
النباتات المزهرة قديمة قدم الزمان. لكن للاوركيديا بينها منزلة خاصة. كانت ترمز إلى الرجولة والقوة عند اليونانيين. واعتبرها الصينيون نبتة خاصة بالملوك. وكان لها دور في القرون الوسطى كعلاج ومثير للشهوة. ومع بدايات القرن الثامن عشر أصبح اقتناء الأوروكيديا شائعاً في أوروبا، بفضل البحارة البريطانيين الذين جلبوا مجموعات من هذه النباتات من مناطق شتى حول العالم. لكن التاريخ الحقيقي لانتشار الأوركيديا الواسع كان عام 1818، عندما قام الكابتن وليم كاتلي باستنبات أحد أنواعها الذي عرف لاحقاً باسمه. وقد جمعت في الفترة اللاحقة ألوف العينات من هذه النباتات وصنفت وحفظت بذورها في بريطانيا.
الأوركيديا مسمى لثاني أكبر عائلة نباتية في العالم، والتي يعتقد أنها تضم أكثر من 500 ألف نوع. وهي في الأصل تنمو طبيعياً، خصوصاً في المناطق الاستوائية. وبفضل التقدم العلمي في المجال الزراعي والانتاجي، نشطت البيوت الخضراء (الدفيئات) ومختبرات التهجين والتلقيح، وأصبح من الممكن إنبات هذه الأنواع الاستوائية في أماكن كثيرة وفي مناطق لا تلائم ظروفها المناخية نموها. وتعتبر فصيلة الكتليا أشهر الفصائل، وتعرف بملكة الاوركيديا.
تجربة السلطنة
قامت عدة محاولات لاستنبات أنواع من الاوركيديا في سلطنة عمان. لكن التجربة نجحت في محافظة ظفار فقط عام 1983، عندما تم جلب نحو ألف نبتة من عدة أنواع من سري لانكا ضمن جهود المزارع السلطانية. واليوم أصبح المشتل التابع لمزرعة "بئر بنت أحمد" يرعى نحو 37 ألف نبتة تنتمي الى 13 نوعاً من الأوركيديا. وهذا شجع على القيام بتجارب مماثلة في عدة مناطق في السلطنة، منها محافظة مسقط والجبل الأخضر، ولكن لم يكتب لها النجاح حتى الآن. وتعتبر عُمان الدولة العربية الوحيدة التي نجحت فيها زراعة الأوركيديا على هذا النطاق.
تحتاج الأوركيديا إلى ظروف بيئية ومناخية ملائمة لكي تنمو وتعطي أزهاراً في معدل عام أو عام ونصف. ومن هذه الظروف ألا تزيد درجات الحرارة عن 30 درجة مئوية في النهار، ولا تنقص عن عشرين درجة في الليل، وأن تكون الرطوبة بين 75 ـ 80 في المئة، وألا يزيد ضوء الشمس عن 60 في المئة. كل هذه الظروف متوفرة بشكل طبيعي في محافظة ظفار، الا نسبة ضوء الشمس التي يتم التحكم بها عن طريق استخدام البيوت الخضراء، وهي عبارة عن مظلات ذات قياسات متعارف عليها تتيح فتحاتها التحكم بكمية الضوء الساقط على النباتات.
هناك عدة طرق لزيادة إنتاج نباتات الأوركيديا، مثل الحقن المجهري والفصل والتنبيت من البصيلات وزرع البذور. ويحتاج بعض هذه الطرق إلى مختبرات مجهزة. وفي تجربة محافظة ظفار، يتم التكثير بطريقتي الفصل وتنبيت البصيلات. فتهيَّأ حاويات من الفخار بقياس 15 سنتيمتراً فيها فتحات من الأسفل، توضع فيها كميات مقدرة من الفحم. وتستخدم للتسميد عناصر معدنية مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، بحيث لا تزيد عن ربع إلى نصف ملعقة شاي في الغالون الواحد من الماء. وتحتاج الأوركيديا الى المياه بشكل يومي وأكثر من مرة. ولا يتم الري مباشرة، وإنما يفضل على شكل رذاذ. واضافة السماد يجب أن تكون أيضاً بقياسات متحكم بها، فالأوركيديا في سلوكها تشبه الأشجار.
مزارع صلالة
تدر زراعة الأوركيديا ملايين الدولارات في بعض الدول. فهذه الأزهار تستخدم على نطاق واسع في الفنادق والمناسبات المختلفة. ومن الدول الشهيرة بزراعتها تايلاند. وفي هولندا تزرع في البيوت الزجاجية.
وهنا في صلالة يمكن القيام بمشاريع تجارية ناجحة لزراعة هذه النبتة الثمينة. قد تكون الكلفة مرتفعة في البداية لتجهيزات البيوت الخضراء وقوالب الفخار والأسمدة وأنظمة الري والتسميد وغيرها. فلكي تعتني بنحو عشرة آلاف نبتة أوركيديا بشكل سليم، تحتاج الى ثلاثة عمال على الأقل. وخلال عام أو نحوه يمكن جني ما متوسطه ألف زهرة أسبوعياً من نحو 5000 الى 7000 نبتة. ويراوح العمر المقدر لنبتة الأوركيديا بين خمس وسبع سنوات، يتم بعدها التخلص من النباتات التي تقل إنتاجيتها من الزهور، واستبدالها بأخرى جديدة.
ويتزايد الطلب على أزهار الأوركيديا في صلالة. وقد وفر مشتل المزارع السلطانية إمكانية الحصول عليها بأسعار معقولة. ويكثر الطلب خلال فصل الخريف في مناسبات الزواج. فالأوركيديا، بقليل من العناية، يمكن أن تبقى لمدة أسبوعين من دون أن تذبل. والعناية المطلوبة هي تغيير الماء، والتخلص من أسفل ساق الزهرة الملامس للماء مع كل تغيير، والتخلص من الأوراق التي أوشكت على الجفاف.