Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
البيئة والتنمية تعديل العادات الاستهلاكية والتوازن السكاني: هل الأرض قادرة على إعالة المزيد من البشر؟  
أيار / مايو 2021 / عدد 278
بدأ الاهتمام بالصحة والنظافة العامة يزداد منذ القرن التاسع عشر، وترافق هذا مع ظهور أساليب أكثر جدوى في الإنتاج الغذائي وتحسّن في نوعية التغذية، مما أتاح للبشر العيش لأعمار أطول وبصحة أفضل.
 
في سنة 1860، كان عدد الوفيات المبكرة بين الأطفال يتجاوز 40 في المائة عالمياً. أما اليوم، فانخفضت النسبة العامة إلى نحو 4 في المائة، وإلى أقل من واحد في المائة في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة. ويبلغ متوسط الأعمار حالياً في دول أوروبا الغربية نحو 80 سنة. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قفز متوسط الأعمار من 44 سنة قبل نصف قرن إلى 60 سنة الآن.
 
هذا التغيُّر في معدلات الوفيات كان المؤشر على المرحلة الأولى من "التحول الديموغرافي"، وهو تغيُّر منهجي تنتقل فيه المجتمعات خلال عقود من معدلات ولادة ووفاة مرتفعة إلى معدلات أقل في الحالتين.
 
ولكن مع ارتفاع متوسط الأعمار زاد عدد البشر بشكل متسارع. ففيما كان التعداد العالمي للسكان سنة 1800 نحو مليار شخص، تضاعف في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ثم تضاعف في منتصف السبعينيات ليقترب من 4 مليارات. وفي أيامنا هذه يصل العدد إلى نحو 7.9 مليارات إنسان.
 
خلال هذه السنة، سيزيد عدد المواليد عن ضعفي عدد الوفيات، وستكون الزيادة الإجمالية للبشر نحو 80 مليون إنسان، بوجود جائحة فيروس كورونا أو بتلاشيها. وتتوقع شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة أن يبلغ عدد البشر 9.8 مليار نسمة سنة 2050 و10.9 مليار سنة 2100، وفق حسابات متفائلة، تعتبر أن معدل الخصوبة سبنخفض في البلدان النامية.
 
إن عدداً أقل من الناس يعني كميةً أدنى من الانبعاثات الكربونية، واستنزافاً أقل للموارد الطبيعية، وتهديداً أخف للتنوع البيولوجي. وفعلياً، عند تقييم البصمة البيئية يجري النظر في ثلاثة أمور هي حجم الاستهلاك، وكفاءة التقنية المستخدمة في تحويل الموارد الطبيعية إلى منتجات، وأعداد المستهلكين. ولكن بسبب الدافع الأخلاقي، غالباً ما يتم التغاضي عن أعداد المستهلكين عند البحث عن حلول.
 
وكان البريطاني توماس مالتوس أول من تحدث صراحةً عن قدرة الأرض على إعالة البشر وتوفير احتياجاتهم. وحسب تقديرات أعلنها سنة 1798 لن تكون الأرض قادرة على تأمين مستلزمات الحياة للأعداد المتزايدة من الناس، وستأتي فترة تكون فيها كمية الطعام المنتج أقل بكثير من حاجة العالم مما يتسبب بمجاعات ضخمة تهدد بقاء الجنس البشري. ولكن التطورات التكنولوجية في إنتاج الغذاء، التي حصلت خلال القرنين الماضيين، أظهرت حتى الآن قدرة سكان الكوكب على تجاوز توقعات مالتوس المتشائمة.
 
بفضل المكننة الزراعية وانتشار "الثورة الخضراء" منذ نهاية الستينيات، زاد إنتاج الغذاء وتناقصت أعداد الجوعى. وبدأت المرحلة الثانية من التحول الديموغرافي في الاتساع أكثر، حيث أخذت معدلات الإنجاب تتناقص في جميع أنحاء العالم. وتقف وراء هذه العملية دوافع معقدة، تتعلق بزيادة التمدن والتعليم والتقدم المادي.
 
ويؤدي ارتفاع مستويات التعليم إلى زيادة عدد الأشخاص الذين ينجبون عدداً أقل من الأطفال وفي سن متأخرة. ومن الملاحظ أن المرأة التي تتمتع بصحة أفضل وتعليم أعلى تحظى بفرص عمل تزيد من صعوبة الإنجاب ورعاية الأطفال. ويبدو العالم أقل قلقاً حول ما يوصف على أنه "قنبلة سكانية"، مع تراجع معدلات الزيادة السكانية من 2 في المائة سنوياً في أواخر الستينيات إلى نحو 1 في المائة حالياً.
 
في العديد من دول أوروبا وأميركا الجنوبية تقارب معدلات الإنجاب "معدل الإحلال" البالغ 2.1 طفل لكل امرأة، وهو المستوى الذي يضمن ثبات عدد السكان مع الوقت. وفي بعض أجزاء العالم، خاصةً اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وبعض الدول في جنوب وشرق أوروبا، تكون معدلات الإنجاب أقل من ذلك وعدد السكان آخذ في التناقص. وحتى في المناطق المتبقية، مثل جنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تشهد معدلات الإنجاب تراجعاً مستمراً.
 
وعلى الرغم من أن تدني معدلات الإنجاب جيد من وجهة النظر البيئية، إلا أن نماذج النمو الاقتصادي القائمة على عدد أكبر من الناس الذين يخلقون طلباً على السلع والخدمات، ستتضرر من هذا الأمر. ومن المؤكد أن الاقتصادات النامية تجني ثمار سكانها الأكثر شباباً، حيث تشهد القوى العاملة فيها ازدهاراً، كما جرى سابقاً في الاقتصادات المتقدمة.
 
مع وجود عدد أقل من الناس، تنشأ مصاعب جديدة في تأمين النمو الاقتصادي والتمويل المستقر والتعاضد الاجتماعي. وتؤدي "شيخوخة المجتمع" وتناقص أعداد العاملين إلى زيادة الضرائب وتراجع مستوى الرعاية الاجتماعية. وتعدّ التحديات المرتبطة بالشيخوخة عاملاً كبيراً في نجاح الحركات القومية في أجزاء كثيرة من العالم، حيث من الثابت أن الخطاب الذي يربط بين النمو السكاني ومصير الأمة آخذ في الارتفاع في بلدان مثل المجر وإيطاليا وبولندا وإيران وتركيا وغيرها.
 
إن الحديث عن السكان في المقام الأول ناتج عن القلق بشأن تأثير البشرية على الكوكب، وعلينا أن ننظر من أين يأتي هذا التأثير. في حالة تغيُّر المناخ، من الواضح أن النمو السكاني كان عاملاً مهماً في زيادة انبعاثات الكربون، ولكن العامل الأهم هو سلوك الأفراد والمجتمعات.
 
ويشير تقرير لمنظمة "أوكسفام"، صدر في نهاية سنة 2015 تحت عنوان "التفاوت الشديد في الكربون"، إلى أن 10 في المائة هم الأغنى في العالم مسؤولون عن نصف انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. وفي المقابل، تقتصر مساهمة 3.5 مليارات شخص من بين الأفقر عالمياً على 10 في المائة فقط من مجمل الانبعاثات.
 
وتُظهر آخر معطيات البصمة البيئية أن الحفاظ على نماط حياة المواطن الأميركي استلزم 8.1 هكتارات من مساحة الأرض سنة 2016، بينما احتاج الأوستراليون والكنديون إلى 6.6 و7.7 هكتار على التوالي، والبريطانيون 4.4 هكتار، والألمان 4.8 هكتار، واليابانيون 4.5 هكتار. وفي المقابل، نجد أن بلدانا تتصدر العالم في معدل النمو السكاني مثل الهند ومعظم أفريقيا لم تتجاوز بصمتها البيئية 1.2 هكتار.
 
ويشير هذا إلى أن التركيز على الناس في الاقتصادات المتقدمة يجب أن يُعيد التفكير في نماذجها الاقتصادية التي يغذيها الاستهلاك، بينما يساعد الناس في الأماكن الأخرى على النمو بشكل أكثر استدامة. فالعالم، كما يقول المهاتما غاندي، لديه ما يكفي لاحتياجات الجميع ولكن ليس ما يكفي لجشع البعض.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.