إفران، المدينة المغربية التي تتربّع في أعلى جبال الأطلس المتوسط على ارتفاع 1650 متراً فوق سطح البحر، المنتشية بعبق أشجار الأرز والصنوبر البحري والبلّوط الأخضر، الممتدة على غابة مساحتها 116 ألف هكتار، حصلت مؤخراً على علامة "مدينة الأراضي الرطبة" من قِبل اتفاقية "رامسار" الدولية.
بحيرات ومنابع طبيعية وفضاءات غابوية متنوعة وشلالات مائية بهية، أهَّلت المدينة كي تنتزع هذا الاعتراف العالمي الذي سيتم تسجيله رسمياً خلال الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر الأطراف المتعاقدة في اتفاقية "رامسار" بشأن الأراضي الرطب الذي سينعقد من 5 إلى 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
وستمكّن هذه العلامة مدينة إفران من تعزيز تدابير المحافظة على أراضيها الرطبة، كما ستوفّر بشكل مستدام مزايا اجتماعية واقتصادية لفائدة السكان المحليين، وتعزز علاقة إيجابية مع هذه النظم البيئية الثمينة، خصوصاً من خلال المشاركة الجماهيرية والتوعية، فضلاً عن تشجيع دراسات الأراضي الرطبة من ضمن برامج التخطيط لصنع القرار على المستوى الحضري.
تصنيف إفران "مدينة الأراضي الرطبة" جاء نتيجة التزام المدينة بحماية أراضيها الرطبة الحضرية من أجل السكان والطبيعة، وبفعل تضافر جهود مختلف الأطراف بين عمالة إفران والجماعة الترابية لمدينة إفران والوكالة الوطنية للمياه والغابات والصندوق العالمي للطبيعة ومنظمةLiving Planet Morocco .
ويُذكر أنه مع اعتماد 25 مدينة جديدة مرشّحة، سيشمل النادي المصغَّر "مدن الأراضي الرطبة" ما مجموعه 43 منطقة واقعة في 17 دولة. وإفران هي أول مدينة مغربية تحصل على هذا التميُّز.
على بعد مسافة ساعة من جنوب غرب العاصمة العلمية مدينة فاس المغربية، نحو 90 كيلومتر، تتواجد هذه المدينة الغنّاء الزاهية. تنفرد عن سائر المدن المغربية بالبرد القارس والثلوج التي تغطي سفوح جبالها في الخريف والشتاء وكذلك جودة مناخها المعتدل في الصيف والربيع.
تحكي الرواية الشفوية أن مدينة إفران كانت تدعى قديماً "أورتي" أي"الحديقة" بالأمازيغية، لتأخذ تسميتها الحالية عام 1928، والتي تعني "الكهف" بالأمازيغية.
تختال مدينة إفران الجبلية وسط فضاءات طبيعة خلابة. تشكّل أبرز المدارات السياحية الايكولوجية المغربية. وهي تشهد اكتظاظاً طول السنة، خصوصاً في فصلي الشتاء والخريف، وذلك لمزاولة رياضة التزلج في محطة "ميشليفن" الشهيرة ومنحدرات جبل "هبري". عدا عن هذا، فمؤهلات منطقة إفران الطبيعية متنوعة، وهي تتميز بغاباتها الشاسعة وتضم ربع المساحة العالمية لأرز الأطلس وثلث المساحة الوطنية من هذا الصنف.
جهود الصندوق العالمي للطبيعة
يرجع انضمام إفران إلى نادي "مدينة الأراضي الرطبة" أساساً إلى جهود الصندوق العالمي للطبيعة في المغرب مع مجموعة من الشركاء. وقد شرحت مديرة الصندوق في المغرب، السيدة يُسرى مدني، أهمية هذا التصنيف وفوائده، في حوار خاص هنا تفاصيله:
حققت المنظمة التي تديرينها مع فريقكم وشركائكم نجاحات كان أبرزها انتزاع علامة "مدينة الأراضي الرطبة" لمدينة إفران من قبل اتفاقية "رامسار". ما هي أهم محطات هذا التتويج؟
خلال الدورة الثانية عشرة لمؤتمر الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية عام 2015، اعتمدت اتفاقية "رامسار" علامة "مدينة الأراضي الرطبة" التي أطلقها الصندوق العالمي للحياة البرية – شمال أفريقيا. وخلال الإصدار الأول في 2018، تم اعتماد 18 مدينة وتصنيف موقعين من الأراضي الرطبة في المغرب في اتفاقية "رامسار"، وذلك في فترة ثلاث سنوات بين 2016-2018. وتبع ذلك تصنيف 12 أرضاً رطبة جديدة عام 2019، بما في ذلك وادي "تيزكيت" الذي يعبر المنطقة الحضرية لإفران، على قائمة الأهمية الدولية لاتفاقية "رامسار". ثم أتى موعد التقديم الرسمي لطلب مدينة إفران إلى السلطة الإدارية عام 2020، وصولاً إلى تصنيف إفران هذه السنة كأول مدينة مغربية تحصل على علامة "مدينة الأراضي الرطبة".
ما هي البرامج الرئيسية التي تعمل عليها منظمتكم في المغرب؟
منذ 2018 طوّر الصندوق العالمي للطبيعة من خلال شريكه الرسمي في المغرب Living Planet Morocco مبادرة للحفاظ على الموارد الطبيعية، وفق ركيزتين رئيسيتين تتمثلان في برنامج "المياه العذبة" الذي يعمل في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية وحماية الأراضي الرطبة والمحافظة عليها واستعادتها، وبرنامج "التلوث البلاستيكي" الذي يهدف إلى وضع حد لانتشار البلاستيك في الطبيعة.
وفي سياق برنامج المياه العذبة، هناك 5 مشاريع قيد التنفيذ في نطاق "اتفاقية رامسار"، حيث تم تحديد 14 منطقة رطبة في قائمة اتفاقية "رامسار" ذات الأهمية الدولية في عامي 2018 و2019 وكذلك تسمية مدينة إفران بـ "مدينة الأراضي الرطبة" سنة 2022.
كما أن هناك مشروع "التدفُّق البيئي"، الذي يهدف إلى دمج التدفُّق في النصوص التنفيذية للمادة 95 من قانون المياه 36-15 بالتعاون مع إدارة المياه ووكالة الحوض المائي لسبو. ويعمل المشروع لتطوير دليل وطني للتدفُّق البيئي سيتم إلحاقه بالنصوص التنفيذية للمادة 97، ودمج التنوُّع البيولوجي كمستخدم للمياه، وبناء القدرات لمديري السدود والتدريب على تطبيق التدفق البيئي، وأخيراً اختبار التدفُّق البيئي في سدّ واحد على الأقل. وأطلق في الإطار نفسه مشروع "صندوق مياه سبو" سنة 2019 في المنطقة التجريبية لعمالة مدينة إفران.
ويُعتبر صندوق مياه سبو آلية تمويل مستدامة تموّل الأنشطة المتعلقة بالحفاظ على موارد المياه والتنوُّع البيولوجي وإقامة ممارسات زراعية مستدامة والتشجير وإنشاء مناطق محمية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وبناء القدرات. وتنقسم أنشطة صندوق مياه سبو إلى 4 موضوعات رئيسية تغطي المياه والأراضي الرطبة والتنوُّع البيولوجي والزراعة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والتراث الثقافي.
وأتاح صندوق مياه سبو حتى الآن تمويل 15 مشروعاً نفذتها جمعيات محلية وفقاً لمجالات خمسة ذات أولوية ترتبط بالاستخدام المستدام للمياه والتربة وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة الجيدة وصيانة وإصلاح المجاري المائية والأراضي الرطبة، ثم الحماية والإدارة المستدامة للتنوُّع البيولوجي والتربية البيئية وتعزيز التراث الطبيعي والثقافي. ويُدار صندوق مياه سبو من قِبَل لجنة توجيهية مكوّنة من ممثّلين عن وكالة الحوض المائي وعمالة إفران والوكالة الوطنية للمياه والغابات والمديرية الإقليمية للفلاحة بإفران، والمندوبية الإقليمية للسياحة ومنظمةLiving Planet Morocco .
ويعمل مشروع "إحياء ضاية عوا" على إدارة مستدامة ومتكاملة ومنسقة للأراضي الرطبة في الأطلس المتوسط، من أجل استعادة وتعزيز خدمات النظام البيئي والقيم البيئية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للبحيرات انطلاقاً من ضاية "عوا".
تحوّلت ضاية عوا من بحيرة ساحرة إلى أرض جرداء، فهل من مبادرة لإحياء هذه البحيرة؟
لدينا مشروع لإحياء ضاية عوا وتطوير نهج إدارة مستدامة ومتكاملة ومنسقة للأراضي الرطبة في الأطلس المتوسط، من أجل استعادة وتعزيز خدمات النظام البيئي والقيم البيئية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للبحيرات، بدءاً من ضاية عوا. ولقد مكّن هذا المشروع من تعزيز تنفيذ صندوق مياه سبو من خلال إنشاء لجنة محلية لأصحاب المصلحة المتعددين، وهي تعتبر حماية الأراضي الرطبة وإدارتها المستدامة في المنتزه الوطني لمدينة إفران مهمتها الرئيسية. وتمت الموافقة على التدابير اللازمة لترميم وتحسين بحيرة ضاية عوا من قِبَل اللجنة التوجيهية من خلال المصادقة على خطة العمل الموضوعة في إطار المشروع.
كما أن هناك مشروعاً آخر يهم "إحياء أرز أطلس"، وهو يركّز على الحفاظ على التنوُّع البيولوجي من خلال إدارة وحفظ الموارد الطبيعية من خلال الممارسات الجيدة في الاستخدام المستدام للمياه والأراضي داخل محمية المحيط الحيوي في الأطلس. وقد أتاح هذا المشروع، منذ إطلاقه، إرساء الأسس للتنسيق المرن بين مختلف أصحاب المصلحة المشاركين في إدارة واستغلال الموارد الطبيعية المحلية وزيادة الوعي بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية حول أهمية محمية المحيط الحيوي في الأطلس، وذلك وفق ديناميكية تشاركية لمكافحة التهديدات المحددة، وإدخال ممارسات جيدة للإدارة المستدامة لموارد المياه والأراضي والغطاء النباتي كخيار مهم ومناسب للحفاظ على القيم والوظائف وخدمات النظام الإيكولوجي للمنطقة واستدامتها.
تعمل منظمتكم على مشروع حيوي حول "التلوث البلاستيكي" في مدينة طنجة، فما هو بالتحديد؟
نعم، نحن ندعم مدينة طنجة في تنفيذ مشروع "المدن البلاستيكية الذكية – طنجة"، والذي يهدف إلى جعل المدينة "صفر تلوُّث بلاستيكي" في أفق سنة 2030. حيث تلتزم المدن التي تنضم إلى هذه المبادرة باعتماد وتنفيذ خطة عمل ذات أهداف وإجراءات قابلة للقياس لتقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام وتحسين إدارة النفايات، وتحقيق انخفاض ملموس في التلوُّث البلاستيكي من خلال تطوير حلول الاقتصاد الدائري، ثم تخفيض البلاستيك بنسبة 30 في المئة خلال سنتين، وذلك بالتعاون مع الشركات السياحية الرئيسية لتجنُّب واستبدال البلاستيك أحادي الاستخدام (الفنادق والحانات والمطاعم). فضلاً عن زيادة مشاركة المواطنين للحدّ من استخدام البلاستيك واعتماد التخلُّص الفعّال من النفايات من خلال إجراءات التواصل والتوعية العامة. ويعمل مشروع "المدن البلاستيكية الذكية – طنجة" تحت إشراف لجنة توجيهية مكوّنة من ممثّلين عن: ولاية طنجة وبلدية طنجة والمندوبية السامية للتخطيط والمديريات الجهوية للتنمية المستدامة والسياحة والتعليم ومندوبية الإقليمية للتجارة والصناعة والشركات المسؤولة عن النظافة الحضرية.
ما هي النتائج الرئيسية لمشروع "التلوُّث البلاستيكي"؟
تم إجراء دراسة حول إدارة النفايات في مدينة طنجة بنجاح خلال النصف الثاني من عام 2021. هذا التحليل، الذي جاء بناءً على منهجية وضعها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية تم تطبيقها لأول مرة في المغرب، مكّن من إنشاء مؤشرات جديدة ملائمة ستوفّر حالة مرجعية ويضمن مراقبة الأنشطة المنفّذة في إطار المشروع. وتم تنظيم حملات توعية وتحديد وتنظيف نقاط تراكم النفايات خارج دائرة الجمع بمشاركة الشركات المفوضة والمتطوعين من العديد من جمعيات الأحياء السكنية. كما تم تنظيم حملات توعية مباشرة لسكان منطقة نموذجية من أجل شرح أهداف مشروع المدن البلاستيكية الذكية وتشجيعهم على المشاركة في نظام مراقبة المواطن الذي تم وضعه. سيسمح نظام المراقبة هذا للسكان بإبلاغ البلدية عن مظهر المناطق الملوّثة بحيث يمكن تنظيفها على الفور من قِبَل عمّال الشركة المفوضة.
وأشير هنا إلى أن العديد من المؤسسات التجريبية، بما في ذلك المدارس وفندق "طنجة مارينا باي إنترناشونال"، أقامت تجارب لممارسات تدبير البلاستيك للتوزيع العام على المدى المتوسط والطويل للمؤسسات الأخرى في المدينة. وبعد العمل مع المدارس التجريبية، تم وضع دليل بالشراكة مع المديرية الجهوية للتربية الوطنية وتوزيعه على جميع المدارس في المدينة. والهدف من ذلك هو إنتاج سلسلة كتيّبات إرشادية على المدى المتوسط تتكيّف مع مختلف القطاعات، بالشراكة مع المؤسسات الرائدة والمؤسسات الشريكة في المشروع.
كلام الصور:
الصورة الرئيسية: متدرّيون محلّيون في إفران
لوحات بإسم المشروع في شوارع مدينة إفران
يُسرى مدني، مديرة الصندوق العالمي للطبيعة في المغرب