خلال قمة الأرض (ريو +20) في حزيران (يونيو) 2012، أعلن وزير حماية البيئة والتنمية الإقليمية في لاتفيا إدموندز سبرودز أن بلاده صُنِّفت بين الأوائل في مؤشر الأداء البيئي (EPI)، الذي يصدر كل سنتين، رابطاً أداءها بأهدافها التنموية والتزامها «سياسة ونمواً مستدامين بيئياً».
صنفت لاتفيا في المرتبة الثانية على مؤشر الأداء البيئي للعام 2012، بعد سويسرا مباشرة، متقدمة على النروج ولوكسمبور ومحققة تقدماً كبيراً بالمقارنة مع نظيراتها الأوروبيات. وبالمقارنة مع جاريتها على بحر البلطيق، تفوقت لاتفيا على ليتوانيا التي أتت في المرتبة السابعة عشرة، وعلى إستونيا التي حلت في المرتبة الرابعة والخمسين. ولدى هذه البلدان الثلاثة المتجاورة خصائص جغرافية وأنظمة حكومية وأعداد سكانية ونواتج محلية فردية متشابهة، لكن الاختلافات في الأداء تعني أن لاتفيا تفعل شيئاً لا تفعله جارتاها.
حققت لاتفيا أقوى أداء في السياسات المتعلقة بصحة البيئة ونوعية الهواء والتنوع البيولوجي والموئل.
ويعتبر معدل وفيات الأطفال دليلاً واضحاً على صحة البيئة، لأن الأوضاع البيئية تؤثر كثيراً في صحة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات. وعلى رغم أن لاتفيا أتت في المرتبة الخمسين في هذه الفئة عام 2012، فإن أداءها بين عامي 2000 و2012 تحسن أكثر مما في أي بلد مصنَّف آخر.
تشمل فئة سياسة الهواء مؤشرين: انبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت للفرد، وانبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت بالنسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي. وقد اقتربت لاتفيا من تحقيق هدفها خلال النصف الأول من العقد الماضي، إذ حسنت علامتها في هذا المجال بنسبة 72,5 في المئة بين عامي 2000 و2005.
ويعتبر أداء التنوع البيولوجي والموئل الأقوى في لاتفيا. فقد حصلت على علامة مثالية في حماية النظام الإيكولوجي، بتحسن بلغ 11 في المئة بين عامي 2000 و2010. ويعود معظم ذلك إلى إقامة كثير من المحميات الجديدة خلال هذه الفترة. فقد أضافت 342 منطقة محمية تبلغ مساحتها 6536 كيلومتراً مربعاً، معظمها أنشئ بين 2004 و2005، في مقابل 362 محمية أقيمت بين 1912 و1999 تغطي مساحة 10820 كيلومتراً مربعاً. ويعتبر عدد من هذه المحميات «مناطق لإدارة الموائل والأنواع» بحسب تقييم الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
نقطة انطلاق
على رغم أداء لاتفيا الاستثنائي، فهناك بالتأكيد متسع للتحسين. والفئات التي تواجه فيها أكبر التحديات هي تغير المناخ، والطاقة، ومصائد الأسماك، وموارد المياه. على سبيل المثال، ازدادت كثافة انبعاثات الكربون للفرد في لاتفيا خلال العقد الماضي، كما أن تباطؤ مؤشر الكهرباء المتجددة يفرض عليها أن تعمل أكثر على أجندتها المناخية.
وثمة نواقص متعلقة بهذه المؤشرات. فمؤشر موارد المياه لا يوضح التوجه خلال عقد. وسياسة تغير المناخ والطاقة لا تشمل من غازات الدفيئة إلا ثاني أوكسيد الكربون. وفئة الغابات، التي احتلت فيها لاتفيا المرتبة الأولى على مؤشر الأداء البيئي للعام 2012، تظهر أيضاً فارقاً ضئيلاً في التقييمات الكمية للبيئة. ففي حين أن ارتفاع كمية المخزون الغابي قد يعزز قيمة الموارد الغابية، خصوصاً في احتجاز الكربون، فإن هذه الفئة لا تأخذ في الحسبان نوعية الغابات لجهة تعزيز التنوع البيولوجي وتكامل النظم الإيكولوجية.
من المهم ألا يسيء صانعو السياسة استعمال هذه المؤشرات، على رغم الاختلافات الصغيرة فيها. فبحسب يانيس روزيتيس، مدير الصندوق العالمي لصون الطبيعة (WWF) في لاتفيا، «يعتبر صانعو القرار والموظفون الحكوميون وممثلو قطاع الأعمال أن مرتبة لاتفيا في مؤشر الأداء البيئي هدف نهائي تحقق»، مبدياً خشيته من أن يعيق ذلك جهود مواصلة التقدم.
كذلك يحذر مادارا بيبينا، من منظمة «هومو إيكوس» البيئية غير الحكومية في لاتفيا، من أن بعض «المتخضّرين» في الحكومة، الذين يعملون على خطة التنمية الوطنية المقبلة لسنة 2020، هم أكثر اهتماماً بتقوية الاقتصاد منهم بخلق بيئة آمنة.
ولئن يكن مؤشر الأداء البيئي مفيداً كنقطة انطلاق، فإن مؤيديه يرون أن تحقيق أهداف سياساته ليس كافياً، وأن فهم محركات التوجهات يساعد صانعي القرار في توجيه سياساتهم بشكل أفضل.
محركات التوجهات البيئية
النمو الاقتصادي في لاتفيا، وتنفيذ سياساتها، واندماجها في الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي، ساهمت بالتأكيد في تحسنها البيئي. وقد استفادت البلاد من مواردها الطبيعية، مثل الأخشاب والأسماك والتربة الغنية، لدعم صناعة تصدير المنتجات الغذائية والخشبية. كما أن موقعها الاستراتيجي على بحر البلطيق ساعد في نموها الاقتصادي.
والتاريخ مهم أيضاً في تقييم الأداء البيئي. فقد أعلنت لاتفيا استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991. ومنذ ذلك الوقت، كان عليها أن تتعامل مع الضرر الإيكولوجي الذي خلفته العمليات الصناعية والعسكرية خلال الفترة من 1944 الى 1991. ان علاقة لاتفيا في فئة سياسة الهواء، على سبيل المثال، تعكس جزئياً عملية التنظيف التي بدأت مذذاك. فالتلوث وهدر الموارد وسوء إدارتها كانت نتيجة عمليات الصناعة المحلية على وجه الخصوص.
وترافقت مطالبة لاتفيا بالاستقلال مع أجندة بيئية. فكثير من أعضاء حركة الاستقلال الوطنية اللاتفية في ثمانينات القرن العشرين كانوا أولاً أعضاء في «نادي حماية البيئة» الذي تأسس لمواجهة سياسات التصنيع السوفياتية. وفي العام 1986، ثبت نجاح الحملة الشعبية لوقف إنشاء سد لتوليد الطاقة الكهرمائية كان سيُغرق أجزاء من حوض نهر دوغافا، وهي فتحت الطريق أمام الجمهور للتعبير عن مخاوفه الاجتماعية. وسرعان ما أدى ذلك الى دعوات لحماية لغة لاتفيا وتراثها، إلى جانب بيئتها.
بعد الاستقلال، سارعت لاتفيا الى تقوية سياساتها وتشريعاتها الوطنية من أجل حماية البيئة. وأقرت قانوناً فرض «ضريبة الموارد الوطنية» عام 1990. ومضت في استحداث وزارة البيئة عام 1993، وخطة وطنية للسياسة البيئية عام 1995. وأصبحت عضواً دائماً في الأمم المتحدة عام 1991، وانضمت الى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي عام 2004. وكان الانضمام الى الاتحاد الأوروبي مهماً على وجه الخصوص، لأنه جعل لاتفيا خاضعة لتوجيهات ملزمة، مثل خطة «20 ـ 20 ـ 20» للمناخ والطاقة لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي الثلاثة في هذا المجال بحلول سنة 2020، وهي تخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 20 في المئة عما كانت عام 2009، وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأوروبي بنسبة 20 في المئة، وزيادة الكفاءة الطاقوية بنسبة 20 في المئة. كما يعني أن لاتفيا لم تعد تحصل على بعض أنواع التمويل الخاص بمشاريع تغير المناخ.
محركات أخرى
يتناقص النمو السكاني في لاتفيا بمعدل 0,6 في المئة، كما تشهد البلاد تناقصاً في معدلات الهجرة والحضرنة. ومن شأن تناقص عدد السكان تخفيف الضغط على الموارد الطبيعية المحلية. وقد يشير أيضاً الى ارتفاع في مستوى المعيشة مرتبط بتحول في الأنماط الاستهلاكية. والواقع أن الناتج المحلي الاجمالي للفرد في لاتفيا ارتفع من 8529 دولاراً عام 2000 الى 13,773 دولاراً عام 2012، مترافقاً مع تغيرات في الاقتصاد.
وفي ما يتعلق بمؤشر التنمية البشرية، الذي يضيف الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط العمر المتوقع والتعليم، تأتي لاتفيا ضمن شريحة أعلى 25 في المئة من البلدان. وهذا قد يشير الى أنها، وإن بقيت بلداً متوسط الدخل، وجهت مواردها نحو الأهداف التي تنتج أفضل الأوضاع البيئية والاجتماعية لشعبها، مع قبولها الإشكاليات الاقتصادية.
وتعمل حكومة لاتفيا على تشجيع وتبني أفكار جديدة تتعلق بالتنمية المستدامة. وتحشد منظمة «هومو إيكوس» الشباب في حملات إعلامية اجتماعية. ويساعد الصندوق العالمي لصون الطبيعة في العمل على حماية النظم الإيكولوجية. وتستعين وزارة البيئة بمجلس استشاري للوقوف على آراء المنظمات غير الحكومية وتبادل المعلومات مع الجمهور. وتواصل الحكومة تقييم تقدمها الوطني من خلال التعاون مع المؤسسات الأكاديمية مثل جامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتين. وتأمل لاتفيا أن تصبح عضواً في منطقة اليورو (Eurozone) سنة 2014، وهي فاوضت مؤخراً للاحتفاظ بأرصدتها الكربونية الأصلية في مؤتمر تغير المناخ في الدوحة. لذلك فإن سمعتها ومرتبتها المرموقة في المؤشرات العالمية، مثل مؤشر الأداء البيئي، ستساعد في زيادة قوتها التفاوضية.
على رغم النواقص والحاجة الدائمة الى التحسن، تستحق لاتفيا بالتأكيد أن تفخر بوضعها الحالي على مؤشر الأداء البيئي.
عمر مالك باحث في مركز القانون والسياسة البيئيين في جامعة ييل الأميركية.