يذهب أكلبيك كوشباكوف (10 سنوات) إلى المدرسة في بلدته مايلوسو في قرغيزستان، حيث كان اليورانيوم يستخرج لصنع أسلحة نووية في الاتحاد السوفياتي السابق. وهو يعيش اليوم محاطاً بأكوام النفايات المشعة التي بقيت ميراثاً ساماً من الحرب الباردة، تلوث المياه السطحية والجوفية للبلدة التي يسكنها 20 ألف نسمة.
لحماية الأشخاص الأكثر تأثراً في مايلوسو، قام معهد بلاكسميث الأميركي لأبحاث الصحة البيئية بتركيب فلاتر مياه خاصة في مستشفى البلدة ومدارسها. والآن، عندما يغسل أكلبيك ورفاقه أيديهم، لا يتعرضون لمستويات خطرة من النويدات المشعة (radionuclides).
هناك 23 مكباً لنفايات اليورانيوم و13 مكباً للنفايات الصخرية منتشرة في أنحاء مايلوسو، التي تؤوي أيضاً مصنعاً لليورانيوم أنتج وعالج خلال الفترة من 1946 إلى 1968 أكثر من 10 آلاف طن من خام اليورانيوم، واستخدمت منتجاته في صنع أول قنبلة ذرية سوفياتية. ما تبقى الآن ليس قنابل ذرية، بل نحو مليوني متر مكعب من نفايات التعدين المشعة. وبسبب ارتفاع النشاط الزلزالي في المنطقة، تهدد هذه النفايات بتلويث مصادر مياه الشفة في وادي فرغانا بكامله، وهو منطقة خصبة مكتظة بالسكان بين قرغيزستان وأوزبكستان وطاجكستان.
في أيار (مايو) 2002، سدّ انهيار طيني مجرى نهر مايلوسو وهدد بإغراق موقع للنفايات السامة. وفي نيسان (أبريل) 2005، إثر زلزال وانهيار آخر، سقط نحو 300 ألف مترمكعب من الوحول والصخور في النهر قرب نفايات منجم اليورانيوم.
وقد أظهرت دراسة أجراها معهد الأورام وعلم البيئة الإشعاعي عام 1999 أن معدل الإصابات السرطانية في هذه المنطقة بلغ ضعفي المعدل العام في قرغيزستان. ويعتبر اليورانيوم مادة مسرطنة ومحفزة للتحوّر الوراثي، كما يمكن أن تضر بالكلى والكبد وأنسجة القلب. وينتج تحلله غاز الرادون الذي وُجد بتركيزات مرتفعة في مايلوسو، وهو أيضاً مادة مسرطنة ويعتقد أنه المسبب الأكبر لسرطان الرئة إلى جانب التدخين.
اشتملت تدخلات «بلاكسميث» في الموقع على فحوص لمستويات الإشعاع. وقدم المعهد فلاتر مياه متطورة ومساعدة تقنية ولوجستية لتغيير شبكة إمدادات المياه. وأقام ورش تدريب لتلاميذ المدارس والهيئات التعليمية وموظفي المستشفى على تقنيات النظافة الأساسية لتفادي الإشعاع، مثل غسل الأيدي وشطف الأتربة وكنسها بعيداً وتجنب المواقع الملوثة.
وقد انخفض محتوى اليورانيوم والمعادن الأخرى في مياه الشفة التي تم فحصها في المدارس والمستشفى بنسبة تتراوح بين 48 و65 في المئة. وانخفض تعرض السكان داخل المنازل (خصوصاً للمواد المشعة في الجدران وتغلغل غاز الرادون) بنسبة بين 38 و55 في المئة. ونقلت بضع عائلات من منازلها بسبب حدة التلوث بالرادون. كما تم تركيب عدادات لقياس مستوى الرادون في عشرات المنازل المعرضة للخطر.
سوف تستغرق أعمال التنظيف الإشعاعي في مايلوسو سنوات، وهي ليست إلا البداية في البلدة التي صنفها «بلاكسميث» ضمن المواقع الأسوأ تلوثاً في العالم.
أطفال مايلوسو ليسوا وحيدين في هذه المحنة، فملايين الأطفال في البلدان الفقيرة يتعرضون للسموم كل يوم. الهواء الذي يتنشقونه والماء الذي يشربونه والطعام الذي يأكلونه ملوث بنفايات صناعية سامة مثل الرصاص والزئبق والكروم. وأسرهم لا تملك الموارد للانتقال إلى مكان آخر أو لحماية أفرادها، لذلك يعيشون في أماكن مثل مايلوسو.
لكن الأمل موجود، فالتلوث السام يمكن معالجته. وقد نظف «بلاكسميث» حتى الآن 67 تجمعاً سكنياً مسموماً، ما حسَّن حياة 4.4 ملايين شخص ربعهم من الأطفال. ووفق تقنيات القياس المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، احتسب المعهد أن هذه التنظيفات أنقذت ما يعادل 60 ألف «حياة». وهو يعمل حالياً على 24 مشروعاً حول العالم تؤثر في حياة ثلاثة ملايين آخرين.