ما يحصل في الجزائر يحصل في بلدان عربية كثيرة
غزت مواد التجميل والعطور المغشوشة والمقلدة باحترافية أسواق الجزائر، حيث تجدها تحمل أسماء ماركات عالمية وتعرض بأسعار منخفضة. وهي تستقطب العنصر النسوي الذي يهتم بالجمال والزينة والأناقة ويقدم على اقتناء هذه المواد الخطيرة على الصحة والجمال.
تتهافت النساء والفتيات على المحلات المخصصة لبيع مثل هذه السلع. وقد لا تأخذ معاينة المنتج المطلوب من وقتهن أكثر من دقيقتين قبل أن يقررن شراءه. والسبب هو الأسعار «المعقولة» التي تكون في متناول الجميع، فتستّر على الأضرار والمخاطر الصحية التي قد تلحق بهن. هذا ما وقفت عليه خلال زيارة لإحدى عيادات أمراض الجلد، حيث كانت الصدمة كبيرة لكثرة عدد فتيات في مقتبل العمر وسط نساء من مختلف الأعمار.
سألت سارة البالغة من العمر 25 سنة عن سبب وجودها في العيادة، فردت بنبرة ندم أنها اشترت مرهماً يقي من أشعة الشمس من أحد الدكاكين، سبب لها حروقاً في الوجه تطلبت منها زيارة طبيبة أمراض الجلد. أما فاطمة فروت لي قصتها مع الجمال. قالت إنها اقتنت مرهماً وبودرة (مسحوق) من أحد محلات مواد التجميل، وبعد مدة من استعمالها بدأت تظهر على وجهها بثور، ثم تكاثرت لتشوه وجهها. وأضافت: «أنا هنا في العيادة باستمرار، كل مرة أدفع نحو 5000 دينار (63 دولاراً) بين العلاج والدواء».
تحدثتُ مع فارس حماني، الاختصاصي بالجلد في العيادة، حول هذه الظاهرة وأسباب وجود عدد كبير من الفتيات هناك. فأوضح أن عدد النساء اللواتي يزرن العيادة في ارتفاع مستمر منذ أصبحت مواد التجميل والعطور في متناول الجميع بسبب انخفاض أسعارها. وتابع أن الأسعار انخفضت لأن كثيراً من المساحيق والعطور والكريمات المعروضة مغشوشة وليست أصلية، «وهي خطر كبير يهدد جمال المرأة، من حروق والتهابات وتعفن وحساسية وربما سرطان الجلد». وأضاف أن استعمال هذه المستحضرات حول العينين، سواء تعلق الأمر بظلال العينين أو التجاعيد، يسبب أحياناً هالات سوداء وحكة دائمة. وقد تحمر العينان ويترهل الجلد أسفلهما، ما يؤدي إلى مشاكل أخرى قد تستدعي تدخلاً طبياً أو جراحياً. وأوضح: «أستقبل في العيادة يومياً أشخاصاً من مختلف الأعمار، خاصة من الإناث، يعانون من إصابات مختلفة الخطورة، منها الحكة أو الحساسية، وبقع متعفنة في الجسم والوجه والشفتين وحول العينين». وواصل أن مثل هذه الحالات قد تستدعي تناول مضادات حيوية قوية المفعول. وثمة حالات تتطلب النقل إلى المستشفى والمكوث أياماً للقضاء على التعفنات، ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة للمصابين بداء السكري.
مدير التجارة في ولاية الجزائر محمد بوراس اعتبر أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على المواطن الذي تنقصه ثقافة الاستهلاك، باقتنائه مثل هذه المواد لرخص سعرها على حساب صحته.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الجزائري جهيد حباني أن غياب الوعي لدى المستهلك ساهم في رواج تجارة المواد المغشوشة، لذا لا بد من نشر ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين في ظل انتشار أساليب الاحتيال والغش. وأوضح أن هناك شركات خاصة تقوم بصنع هذه المنتجات باستعمال الغش في التركيبة كي لا تكلفها غالياً، مع التركيز على تطابق التغليف مع أغلفة المواد الأصلية. ولفت إلى أن المواد المغشوشة لا تباع فقط في دكاكين الأحياء وعلى الأرصفة، بل هي تملأ رفوف محلات في الأسواق التجارية.
وأفاد سليماني بن عبو، مساعد المدير العام لشركة «سوبالوكس 2000» في العاصمة الجزائر، التي تنتج مجموعة من العطور ومواد التجميل، أن معظم المتابعات القضائية المتعلقة بالتقليد تُرفع ضد جهات مجهولة، كثيراً ما لا تتم معرفتها أو الوصول إليها، وبالتالي تفقد الشركة حقوقها وتخسر زبائن يشترون منتجات مقلدة لمنتجاتها. وهو دعا الجزائريين إلى التأكد من المنتجات التي يشترونها والحرص على اقتناء ما هو أصلي حفاظاً على صحتهم وسلامتهم.
وعن المواد التي يتم استعمالها ضمن تركيبة مواد التجميل والعطور المغشوشة، باعتبار أن الشركة تخضع المنتجات المغشوشة والمقلدة لماركاتها للتحليل والدراسة، قال بن عبو إن «غبار القرميد، والإسمنت، والماء الملوث، والفلين، والدقيق، والجير، والملح وملونات غير غذائية، وأشياء كثيرة أخرى، تدخل في صناعة مواد التجميل والتنظيف والعطور ومزيلات الروائح ومعجون الأسنان المغشوشة».
قابلتُ رئيس مختبر مراقبة النوعية والأمن الغذائي والبيئة التابع للشرطة العلمية الجزائرية، الطاهر بن عياد، الذي كشف عن قيام تجار المواد المغشوشة بملء عبوات مزيل الروائح وقوارير العطور المستعملة بمياه ملوثة وصابون وملح. أما في ما يتعلق بمواد التجميل والمساحيق، فقد أثبتت التحاليل أنه يتم إضافة مختلف أنواع التوابل، والطحين، والملونات، وترابة الإسمنت والجبس، وحتى زيت السيارات. وقال إن التحقيقات أدت إلى اكتشاف شبكات تستورد كميات كبيرة من العبوات والعلب الخاصة بمواد الزينة، وأغلفة تحمل ماركات عالمية، لتتم تعبئتها في ورش غير قانونية بعيداً عن الشروط الصحية والمقاييس العالمية، وتباع على أساس أنها مواد أصلية مستوردة من الخارج.
وقد سجل مكتب مراقبة النوعية وقمع الغش في مديرية الجزائر 1800 تدخل خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2013، وتحرير 6 محاضر تتعلق بعدم مطابقة المواصفات التقنية، و7 محاضر بغياب العلامات التجارية، و114 محضراً بمخالفات أخرى كعدم الإعلام بالأسعار. وأفاد نائب رئيس المكتب عن حجز ما يقارب 720 طناً من مواد التجميل والزينة المغشوشة خلال هذه الفترة.
ولا شك في أن ما يحصل في الجزائر يحصل في بلدان عربية كثيرة.