بدعوة من الدكتور مصطفى كمال طلبه رئيس مجلس بحوث البيئة والتنمية في أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، عقدت جلسة خاصة لدراسة ظاهرة السحابة الدخانية السوداء، التي حيرت العلماء فاختلفوا حول مسبباتها الرئيسية: هل هو حرق قش الأرز؟ أم هو التلوث الزائد عن الحد؟ أم هي تغيرات المناخ في الفترة التي تنشط فيها السحابة خلال الخريف؟ الجلسة عقدت بناء لطلب من وزير البيئة الدكتور ممدوح رياض، للادلاء برأي المجلس في أسباب الظاهرة وآثارها وسبل مواجهتها، وحضرها 40 عالماً.

معروف أن هذه الظاهرة بدأت في خريف 1999، وبالتحديد في 23 تشرين الأول (اكتوبر) من ذلك العام، أثناء إدارة السيدة نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة السابقة. وقد حاولت عبيد، على مدى ثلاث سنوات، التخفيف منها ودراسة أسبابها، ولكن دون جدوى، لعدم مساعدة المحافظين، وفقدان التعاون مع الوزارات الاخرى، ورفض المسؤولين اتهام الفلاحين بحرق قش الأرز.

في الاجتماع الأخير، باح المجتمعون بتصريح في غاية الخطورة، وكلهم من العلماء، بأن ظاهرة السحابة السوداء ستظل مخيّمة على سماء العاصمة، بل سوف تتفاقم لعدة أسباب، من أبرزها:

- وزارة الداخلية لا تنفذ القانون الذي يحتم على كل سيارة الكشف عن العادم وضبط المحرك، قبل الاذن بتجديد رخصة تسيير السيارة كل سنة! والسيارات تلوث بنسبة 40 في المئة.

- وزارة الصناعة وقطاع الاعمال لا يطبقان قانون البيئة على المصانع الملوثة. وفي تصريح لرئيس الوزراء أخيراً قال انه لن يغلق أي مصنع بسبب البيئة! والصناعة تسبب 44 في المئة من تلوث الهواء في القاهرة.

- المسابك يجري نقلها الى مدينة بدر، على مسافة 30 كيلومتراً فقط شرق القاهرة.

- حرق قش الأرز والمخلفات الزراعية في شهري تشرين الأول (اكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) موعد الحصاد. والكمية ضخمة تصل الى 3,5 ملايين طن من قش الأرز، وهي مخلفات زراعة مليون ونصف مليون فدان أرز. ولا يمكن الاستفادة بأكثر من مليون طن قش في أغراض مختلفة، ومنها صناعة الورق، والباقي يتم حرقه ليتفرغ الفلاح لزراعة محصول جديد. والوزير يرفض تأكيد هذه الظاهرة. ولان كبس طن القش يكلف خمسين جنيهاً (10 دولارات)، فان الفلاح لن يكبس القش، لا سيما وأنه لا يعلم ماذا يفعل به بعد كبسه.

وعلى هذا الاساس سيبقى الحال على ما هو، وسوف تزداد أحمال التلوث، وستظل السحابة السوداء تهدد سماء القاهرة، ليس في الخريف فقط، بل طوال العام، لأن أعداد السيارات تزداد كل سنة بنسبة 15 في المئة، وهي من أكبر مصادر التلوث.

معروف أن شوارع القاهرة تزدحم بمليون ونصف مليون سيارة تقطع 5,5 مليون رحلة كل يوم في مدينة لا تنام. ناهيك عن الزيادة السكانية المطردة، التي تصل الى 2,9 في المئة سنوياً، في مدينة يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة أثناء النهار ليتقلص الى 14,5 مليون نسمة أثناء الليل.

وقد حملت السحابة السوداء عدة أسماء، فالوزير الجديد قال عنها: "السحابة الدخانية"، والوزيرة السابقة قالت: "نوبة تلوث الهواء الحادة"، والعلماء قالوا: "ظاهرة الانحباس الحراري"، والناس قالوا: "الدخنة"، والصحافة تقول: "سحابة الخريف السوداء".

وزير البيئة الدكتور ممدوح رياض: "من أسباب السحابة الدخانية حرق قش الأرز، ولكنه آخر سبب".

الدكتور محمد القصاص: القاهرة مثل السلطانية، أي الوعاء المقعّر، فهضبة الاهرام وجبال المقطم تحاصر المدينة، فتنحصر داخلها الملوثات ولا تتنفس".

الدكتور مصطفى كمال طلبه: "سمعنا كل الافتراضات وعرفنا ان هناك مئات من الدراسات. قولوا لنا ما هو الحل"؟

رئيس جهاز شؤون البيئة السابق الدكتور ابراهيم عبدالجليل: "حلقوا فوق الدلتا وسوف تشاهدون حرائق قش الأرز تغطي السماء والأرض".

رئيس التنبوءات السابق في الارصاد الجوية شريف حمّاد: "قش الأرز هو السبب، بدليل أن السحابة السوداء لا تظهر في محافظات الجنوب".

عالم كبير في جامعة القاهرة: "المشكلة بيئية ولكن أسبابها اقتصادية واجتماعية".

رئيس جهاز شؤون البيئة الأسبق الدكتور صلاح حافظ: "لقد ظهرت السحابة السوداء منذ 20 عاماً، وشعرنا بها، وكان الاتهام موجهاً يومها الى القمامة".

في محاضرة شيقة أمام أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، نصح رئيس جهاز شؤون البيئة الدكتور أيمن أبو حديد الفلاحين بأن يحرقوا قش الأرز أثناء النهار وليس ليلاً، لان الفلاح عادة يحرق القش ليلاً لعدم وجود العيون التي تراقب. كما نصح الفلاحين عندما يحرقون قش الأرز ألا يكون مكوماً ومكدساً، بل المطلوب "ان يتم فصل القش عن الأرز حتى لا يصدر عنه دخان يسبب السحابة السوداء".