"التلوث أكبر كارثة في لبنان"، "هذا ما فعلته الكسارات فجردت الطبيعة من جمالها"، "النفايات في كل مكان والمستوعبات لا تستوعب"، "تعددت الشاحنات والتلوث واحد"، "كفّوا عن التدمير، فالبيئة لا تتحمل غياب الضمير". هذه بعض التعليقات المعبرة التي أرفقها الطلاب بصور التقطوها أثناء استطلاعهم المشاكل البيئية في محيط مدارسهم.
أكثر من 250 مدرسة من لبنان وسورية والأردن والمغرب ودول عربية أخرى شاركت في مسابقة "وضع البيئة 2004" التي نظمتها مجلة "البيئة والتنمية". وقامت فرق من الطلاب والطالبات، معظمهم من المرحلتين المتوسطة والثانوية، وباشراف أساتذة، بجمع المعلومات واعداد التقارير عن الوضع البيئي ضمن مسافة 500 متر حول مدارسهم. وعززوا تقاريرهم بالصور، وأوردوا مقترحات لحلول ارتأوها في ضوء الواقع.
شملت التقارير مواقع الصناعات والمشاغل والملوثات الناجمة عنها، والشواطئ البحرية والانهار ومصادر المياه، والأشجار والغابات والتربة، والنفايات المنزلية، والتمدد العمراني والطرقات والمساحات الخضراء، والمشاكل المتنوعة التي يعاني منها السكان نتيجة التدهور البيئي.
في 8 حزيران (يونيو) تعلن نتائج المسابقة ويقام معرض لمشاريع الطلاب في احتفال يقام في دار نقابة الصحافة اللبنانية. وتنشر أسماء المدارس الفائزة في عدد تموز ـ آب (يوليو ـ أغسطس) من "البيئة والتنمية". وسوف تصدر المجلة كتاباً يتضمن تقارير المدارس بالتفاصيل والصور، بالتعاون مع "أمديست ـ لبنان".
في ما يأتي عرض لوضع البيئة سنة 2004 بعيون هؤلاء الطلاب.
بيروت: تلوث الهواء والضجيج وغياب الحدائق
في العاصمة اللبنانية، شكل الاكتظاظ السكاني وزحمة السير وتلوث الهواء والنفايات والضجيج سمة مشتركة في تقارير الطلاب. فقد لاحظت طالبات ثانوية فخرالدين المعني الرسمية للبنات أن الهواء في محيط المدرسة ملوث بسبب وسائل النقل واحراق النفايات من وقت الى آخر وهدم الابنية القديمة بطريقة عشوائية ووجود بعض الورش والمشاغل. ولاحظن أن نفق سليم سلام مصدر كبير لتلوث الهواء في تلك المنطقة المكتظة بالسكان وبالعمران غير المنظم. ومن المشاكل الأخرى الضجيج داخل الثانوية وفي محيطها نتيجة الاكتظاظ الطلابي والسكاني وصراخ الباعة الجوالة وأبواق السيارات، والروائح الناتجة عن فتحات بعض المجارير المكشوفة، ومحطات الوقود المنتشرة بين البيوت، ورمي فضلات المختبرات الطبية مع النفايات العادية، وصعوبة المرور أثناء الدخول الى المدرسة والخروج منها بسبب ضيق الارصفة وايقاف السيارات عليها وازدحام المارة والسيارات في الطرقات الضيقة. وفي رأس الحلول التي اقترحتها الطالبات نقل المدارس الى أماكن ملائمة بيئياً واقامة حدائق عامة.
مدرسة وطى المصيطبة الرسمية المختلطة ركزت في تقريرها على مشكلتي السير والنفايات الصلبة. محيط المدرسة يشمل تقاطع الكولا الذي تعبره آلاف السيارات يومياً مما يشكل سبباً أساسياً لتلوث الهواء. وقام الطلاب باحصاء عدد السيارات المارة خلال ساعة ونصف صباحاً، فبلغ عددها 15,583 سيارة. كما أجروا احصاء شمل 500 سيارة، وتبين لهم أن 213 منها مجهزة بمحولات حفازة تحد من الانبعاثات الملوثة. وركزوا على معاناة الأحياء الداخلية الغارقة بأكوام النفايات، خصوصاً ما يعرف بحي بيوت التنك، حيث ترمى في خلاءات المنازل الخربة. والتمدد العمراني في المنطقة لم يترك الا مساحات خضراء قليلة احتلتها النباتات البرية. لكن الأشجار رغم قلتها تمتاز بتنوعها وقدمها. وأوصى الطلاب باستعمال النقل العام بدلاً من النقل الخاص في ساعات الذروة، وتزويد عوادم السيارات بمصاف خاصة، ووضع النفايات في أكياس محكمة الاقفال، وازالة أكوام النفايات من حي التنك ووضع مستوعبات داخله ورفع مستوى الوعي لدى قاطنيه.
مصادر التلوث في محيط مدرسة الليسه ناسيونال أراض بور غير مزروعة، وموقف للسيارات والباصات العاملة على المازوت في منطقة جسر الكولا، ومكب للنفايات في الرملة البيضاء يلوث الشاطئ ومياه البحر، ومستوعبات في منطقة السلطان ابراهيم تعج بأنواع النفايات المكشوفة، ومكب للخردة المعدنية على قارعة الطريق، ومصب مكشوف لمجاري مياه آسنة تنتهي الى البحر. وفي المنطقة محطة لتعبئة الغاز تفوح منها رائحة كريهة وفيها عمال يعملون من دون كمامات واقية. وقرب السفارة الايرانية مكبات للخردة المعدنية تبدو كتلال سوداء. ومن الحلول التي اقترحها الطلاب زرع الأراضي البور تفادياً للغبار وانجراف التربة، وتوجيه رسالة الى رئيس بلدية بيروت لانشاء دورات مياه في المنطقة، ونقل الخردة المعدنية الى مستودعات مقفلة والعمل على فرزها واعادة تدويرها، وانشاء محطة لتكرير مياه المجاري قبل وصولها الى البحر، وإلزام عمال محطة تعبئة الغاز على وضع كمامات واقية أثناء العمل.
ولاحظت طالبات مدرسة زقاق البلاط الرسمية للبنات ضيق الأرصفة في محيط المدرسة ووضع مستوعبات النفايات عليها واستعمالها مواقف للسيارات، وعدم وجود مساحات خضراء أو حدائق عامة. وطالبن بتأهيل الشوارع والأرصفة وتأمين مواقف عامة وتغريم المخالفين، ونقل مستوعبات النفايات الى نقاط ملائمة، وإنشاء حديقة عامة.
طلاب مدرسة بيروت الحديثة لاحظوا أن محطة لتغيير زيوت السيارات في محيط المدرسة تقوم برمي الزيوت المستعملة عشوائياً في الأراضي المجاورة. وطالبوا باستحداث مصانع لتكرير الزيوت المستعملة واعادة استعمالها في صناعات أخرى.
واشتكى طلاب مدرسة عين المريسة المتوسطة الرسمية المختلطة من تلوث الهواء الناتج عن مولدات كهرباء تحوط غرف الدراسة من كل الجهات، وطالبوا بتزويد مداخنها بالمصافي.
لاحظ طلاب مدرسة المخلص خلال جولاتهم في جوار منطقة بدارو والمتحف وجود محلات تبيع لحوماً مكشوفة على جوانب الطرقات، وباعة خضار يرمون نفاياتهم على الأرصفة، وضجيجاً يصم الآذان من أبواق السيارات، وحرفاً وورشاً منتشرة في الأحياء السكنية، ودخاناً يتصاعد من كل شيء: من السجائر والنراجيل ووسائل النقل والمصانع. وطالبوا بتغريم من يلقون النفايات عشوائياً، ومنع استعمال أبواق السيارات في ساعات معينة، وتنظيم السير، ونقل الورق إلى مناطق صناعية بعيداً عن الأحياء السكنية.
طلاب الانترناشونال كولدج (IC) لاحظوا الاهتمام الكبير بالتخضير في مدرستهم وفي الجامعة الأميركية المجاورة وعلى كورنيش البحر. لكنهم لفتوا الى تلوث المياه الساحلية بمياه الصرف غير المعالجة، والى تحاليل بينت أن "بقايا الزئبق والمبيدات وجدت بكميات مركزة في الأسماك التي تعيش قرب الشواطئ والتي ستصبح طعاماً لنا". وطالبوا بادارة متكاملة للنفايات الصلبة والسائلة ومعالجة المياه الملوثة قبل وصولها الى الأنهار والبحر.
جبل لبنان: زحف الاسمنت والصناعة
"عندما نصعد الى الطابق العلوي من المدرسة وننظر الى الغرب لا نجد سوى سدود الاسمنت وخط رفيع أزرق هو البحر. والى الشمال نرى فسحة خضراء هي نادي الغولف. اذا طأطأنا برؤوسنا فنجد بعض الآبار المحفورة، مع ان المياه في المنطقة مالحة لتداخل مياه البحر. واذا أنصتنا فلا نسمع الا أبواق السيارات التي ينبعث من عوادمها دخان أسود. فنسأل أنفسنا: من يجب ان يكون في هذا المكان، نحن الطلاب أم هم؟" هذا الوصف الذي ورد في تقرير طلاب مدرسة الامام المهدي في الاوزاعي لا يعطي فكرة عن الوضع في محيط مدرستهم فحسب، انما ينطبق أيضاً على معظم المدارس الساحلية. والسمة المشتركة هي تلوث الهواء والمياه الساحلية، وردم الشواطئ، والعمران المتواصل الذي يزنر الخط الساحلي. وأجرى طلاب مبرة محمد رمضان في الاوزاعي مقابلات مع عاملين في ورشة لطلاء السيارات وورشة للنجارة والموبيليا ومحطة لتغيير زيوت السيارات في محيط المدرسة. فتبين لهم أنهم يعملون في ظروف غير سليمة، وأن النفايات الناجمة عن هذه العمليات تلقى عشوائياً مما يتسبب في تلويث التربة والمياه.
طلاب المدرسة اللبنانية العالية على طريق المطار اشتكوا من حركة السير الكثيفة التي تلوث الهواء، ومن مستنقع لمياه المجارير قرب مدرستهم يتحول في الشتاء الى بحيرة آسنة. وطالبو بانشاء محطة حديثة لمعالجة مياه الصرف، وبتشجير المنطقة المحيطة بالمدرسة.
وقام أعضاء من نادي البيئة في ثانوية الروضة، على طريق المطار أيضاً، بجولة ميدانية على بعض المستشفيات في المنطقة، وحصلوا على معلومات عن نسبة الاصابات بأمراض تنفسية وحساسية في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) الماضيين. وقد سجلت الأمراض التنفسية نسبة تراوح بين 21 و26 في المئة، فيما بلغت نسبة أمراض الحساسية 9 في المئة.
فريق ثانوية الضحى، مستديرة شاتيلا، واجه بعض الصعوبات "بسبب جهل أصحاب المحلات أهمية القيام بمثل هذه الاستطلاعات الميدانية خوفاً على مصالحهم وأرزاقهم. وقد قام البعض بتوجيه الاهانات الينا، وامتنع آخرون عن الاجابة على الأسئلة، ولا سيما تلك المتعلقة بالملوثات التي تنتجها ورشهم وكيفية التخلص منها". ومن اللافت في التقرير الذي أعده الطلاب اجراء مقارنة بين نتائج استمارات الاستطلاع الحالي ونتائج استمارات استطلاع عام 1998 الذي شارك فيه طلاب سبقوهم تلبية لمسابقة "البيئة والتنمية" آنذاك. فلاحظوا مثلاً ارتفاع نسبة الملوثات في مياه الصرف الناتجة عن محطتي الوقود في المحلة، وكذلك تلوث الهواء، واستمرار الوضع في ورش إصلاح السيارات على حاله من دون مراقبة أو ترشيد، مع ازدياد الحالات المرضية.
وأجرت طالبات ثانوية فرن الشباك الرسمية للبنات استطلاعاً لمنطقتهن، حيث تكثر المدارس والمستشفيات والأفران والمطاعم ومحطات الوقود ومرائب اصلاح السيارات. وطالبن باعتماد حل علمي للنفايات الطبية والصيدلية، وتوسيع الحدائق والفسحات الخضراء المحيطة بالمستشفيات، واقفال الكاراجات المقامة في الأحياء السكنية ونقلها الى منطقة صناعية.
طلاب مدرسة برج البراجنة الرابعة الرسمية المتوسطة المختلطة قسموا المنطقة المحيطة بالمدرسة الى أربعة أجزاء تسهيلاً لعملية الاستطلاع. واشتكوا بنوع خاص من ضجيج السيارات والدراجات النارية. كما اشتكت دار الايتام الاسلامية ـ مهنية الفتيات في الغبيري من ازدحام حركة السير، وأورد تقريرها بعض التدابير التي تقترحها بلدية الغبيري ضمن مشروع ادارة النفايات الصلبة، ومنها نشر مستوعبات لفرز النفايات ونقلها الى معامل إعادة التدوير.
تقرير مدرسة سيدة السلام للراهبات الباسيليات الشويريات في الدورة عرض المشاكل البيئية الناتجة عن حركة السير ومحطات المحروقات. ولاحظ الطلاب أن النفايات المنزلية تبقى مدة طويلة في مستوعبات مكشوفة وعلى الطرقات. وطالبوا بتأمين مستوعبات ذات أغطية، وبفرز النفايات بدءاً من المنزل.
وقدم طلاب مجمّع انماء القدرات الانسانية في دوحة عرمون، عرضاً مصوراً للمشاكل البيئية في محيط المدرسة، من حيث تشويه البنية العمرانية وتلوث الهواء والتربة ورمي النفايات وسواها. وسردوا بعض التحسينات المهمة التي تحققت على الصعيد البيئي في المنطقة، واقترحوا حلولاً عملية للمشاكل العالقة، داعين الى "تعزيز التعاون بين القطاع الأهلي والقطاع الحكومي لحل المشاكل البيئية والانمائية".
ثانوية الكوثر على اوتوستراد الرئيس حافظ الأسد معرضة لملوثات خطيرة. وقد استعرض تقرير الطلاب الأثر البيئي والصحي لهذه الملوثات، ولاحظوا أن السحب الدخانية في محيط المدرسة نتيجة عوادم السيارات تفوق السحب الضبابية على المرتفعات المقابلة، لذلك فان "فريقاً من الطلاب يجري بحثاً حول الأدوية المستخدمة لعلاج السعال والحساسية في المنطقة".
طلاب ثانوية الأرز الثقافية في قبرشمون أجروا مسحاً مصوراً شاملاً للمنطقة المحيطة بالمدرسة من الجهات الأربع. ومن المشاكل البيئية التي تعاني منها المنطقة وجود مزرعة لتربية الدجاج تنبعث منها الروائح الكريهة والملوثات. وطالبوا بضبط كل ما يشوه السياحة البيئية والعمل على التوعية ضد الاهمال البشري. أما طلاب مدرسة الربيع التي تقع في البلدة ذاتها، فقد اكتشفوا من خلال جولتهم الاستطلاعية استخدام المبيدات بشكل مفرط، وأن بعض المبيدات ما زالت تستعمل في لبنان في حين يحظر استعمالها في البلدان الأوروبية.
وشمل الاستطلاع الذي أجراه طلاب المدرسة الزراعية الفنية في بعقلين فضلات معاصر الزيتون التي خطراً كبيراً على بيئة المنطقة. وهم يجرون حالياً دراسة مع تعاونية مزارعي الزيتون في الشوف حول تخزين المخلفات السائلة من عصر الزيتون وامكانات تكريرها، اما الجفت فيصنع منه ما يشبه الفحم أو يتم تحويله الى سماد عضوي بعد تخميره.
مؤسسة اقليم الخروب الاجتماعية قدمت تقريراً عن المشاكل البيئية حول مبناها، حيث مواقع الصناعات والمشاغل وما ينتج عنها من تلوث للماء والهواء ومصادر المياه. وتم تعداد أنواع الأشجار ومشاكل الغابات، ونوعية النفايات المنزلية وكميتها وطرق التخلص منها.
وشمل التقرير الذي قدمه طلاب مدرسة الليسه ناسيونال في السمقانية المشاكل البيئية التي تعاني منها البلدة، واقترحوا حلولاً لها. وقدموا عرضاً لبعض المشاريع الصديقة للبيئة، كتحويل مكب نفايات الى مساحة خضراء، وانشاء معمل لفرز النفايات، وإنجاز محطة لتكرير المياه المبتذلة في محيط البلدة، والشروع بمد شبكة للصرف الصحي.
وقام أعضاء نادي البيئة في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في الحازمية بجولات ميدانية مسلحين بكاميراتهم، والتقطوا عدة صور عرضوها على رئيس البلدية طالبين إصلاح الوضع. وأجروا دراسات شملت مختلف مصادر التلوث. واسهاماً في حل مشكلة النفايات الصلبة، أخذوا يأتون بالكرتون والزجاج والعلب المعدنية من منازلهم ويفرزونها في مستوعبات في ملعب المدرسة، مما خفض كمية النفايات في منازلهم الى النصف. وعرضوا الفكرة على البلدية، فوضعت في الساحة العامة مستوعبات للفرز، علماً أن هناك مشروعاً تشارك فيه مدارس المنطقة وبلدياتها لفرز الورق واعادة تصنيعه.
طلاب مدرسة الياس أبوشبكة الرسمية المختلطة عرضوا الوضع البيئي الخطير في منطقة ذوق مكايل حيث المعامل "تفسد الهواء الذي تتنشقه الصدور فتمتلئ بلغماً صديداً قد يؤدي بالمصدورين إلى الموت أو إلى المصحات". ولفتوا بشكل خاص الى دخان محطة الكهرباء القائمة في البلدة والتي تنشر سمومها في القرى المجاورة، كما لحظوا النفايات المتكومة حول المعامل والمرمية على شاطئ البحر المتاخم للبلدة. وختموا تقريرهم بعبارة "أرجع لنا ما كان يا دهر في لبنان" لشاعر الذوق الياس أبوشبكة.
البقاع: المبيدات والنفايات
"بساط أخضر يتخلله العمران وتفترشه مزبلة ضخمة. مياه آسنة تفسد نسيم السهل العليل. عمار عشوائي بلا تخطيط يشوه المنظر الرائع. رمي عشوائي للنفايات. بلدية ليس لديها مشروع لمعالجة النفايات والمياه المبتذلة. لا وعي بيئي لدى الأهالي ولا ارشاد من المسؤولين، فلا فرز للنفايات انطلاقاً من البيوت. الأشجار تقطع للتدفئة أو لتشييد منزل جديد ينبت في قلب السهل. المزروعات ترش بالسموم للتخلص من الحشرات، وتضاف الكيماويات والهورمونات الى الشتول بغية زيادة الربح، ونأكل من انتاجها اليوم فنتسمم غداً ويقصر عمرنا بعد غد، ولا عجب إن متنا باكراً". هذا بعض ما جاء في تقرير طلاب مؤسسة يوحنا لودفيك شنلر حول الوضع البيئي في محيط مدرستهم. وهو معزز بالصور الفوتوغرافية المعبرة جداً، ويختصر الوضع في كثير من المناطق البقاعية.
هذا الواقع تناوله أيضاً تقرير طلاب المدرسة الاميركية العالمية في قب الياس. وهو غني بالمراجع والوثائق وفيه عرض للمشاكل البيئية والصحية المتعلقة بالتنوع البيولوجي، والصناعات المتوسطة والخفيفة والمشاغل، ومياه الشفة، والصيد، وتلوث الخضار والفواكه واللحوم، والأشجار المثمرة والغابات، والتربة والتعرية والتصحر وقطع الأشجار والحرائق والمقالع والكسارات، والمبيدات الزراعية، والحدائق والمساحات الخضراء، والطرقات الرئيسية والفرعية والزراعية، والتلوث الضوضائي والتلوث الكهرومغناطيسي، وحتى ثقب الأوزون. وفي جولة ميدانية قام بها النادي البيئي، تبين له أن النفايات تنتشر على جانبي الطرقات العامة والفرعية، وكذلك الأوساخ والجيف وبقايا الذبائح والعظام التي تشكل غذاء دسماً للكلاب الشاردة والقوارض والحشرات وأسراب الذباب، وخاصة في أشهر الصيف، مما يهدد بانتشار الأوبئة.
ثانوية زحلة الرسمية للبنات تقع على تلة غرب الضفة اليسرى لنهر البردوني، وتحوطها الابنية مما يجعل محيطها مكتظاً بالسكان. وفي زيارة ميدانية للنهر وجد الطلاب أن مياه الصرف المتدفقة من معمل الورق في قاع الريم تصب في النهر محملة بمواد كيميائية تستعمل في علاج عجينة الورق، مما يعرضه لضرر كبير. كما تصب فيه مياه الصرف المنزلية. والبردوني هو من روافد نهر الليطاني الذي يتلقى جميع أنواع الملوثات من المناطق المحاذية. ولاحظ الطلاب ان المستوعبات تبقى طافحة بالنفايات، وهي مكشوفة رغم أنها مزودة بأغطية. ورأوا أن الحل الرئيسي لمشاكل التلوث البيئي هو تطبيق القانون ورفع الوعي لدى المواطنين والصناعيين على حد سواء.
الشمال: التمدد العمراني وتلوث الشاطئ
التمدد العمراني في مدينة طرابلس الساحلية يقلص الرقعة الزراعية ويهدد بالقضاء على بساتين الحمضيات في "الفيحاء" التي توشك أن تصبح اسماً بلا مسمى. هذا ما لاحظته طالبات تكميلية طرابلس الأولى الرسمية للبنات في حي النجمة، ومدرسة التهذيبية الرسمية للبنات في طرابلس الميناء. فقد وجدن أن النفايات المنزلية توضع في مستوعبات مكشوفة أو ترمى عشوائياً في الطرقات. وعلى بعد أمتار من كل مدرسة مولد كهرباء يصدر ضجيجاً وينفث دخانه في كل الاتجاهات. ومياه نهر أبو علي، الذي يبعد عن التكميلية نحو 400 متر، يصب في البحر مياهه الملوثة بمياه الصرف ونفايات محلات بيع الخضار بالجملة المنتشرة على ضفتيه. ولفتت طالبات التهذيبية الى أن مياه المجارير تصب مباشرة في البحر والروائح الكريهة تزنر كورنيش مدينة الميناء.
وأشار تقرير طلاب مدرسة الفوار الرسمية في قضاء زغرتا الى أن النفايات المنزلية تنتشر على الطرقات وبين المنازل وفي مجاري المياه لعدم وجود مكب للنفايات في البلدة. ومياه المجارير تجري على الطرقات أو تتجمع على شكل مستنقعات صغيرة لعدم وجود شبكة للصرف الصحي. ولا توجد شبكة لمياه الشفة في البلدة، حيث يشتري الاهالي مياهاً معظمها غير صالح للشرب. وقضمت الكسارات مساحات شاسعة من الأراضي، وبعضها يهدد حياة أصحاب البيوت التي تصدعت جدرانها.
واشتكى طلاب مدرسة بطرماز الرسمية من كسارة في جنوب القرية شوهت المنظر الطبيعي وقضت على قسم كبير من الأشجار الحرجية، ومن الحشرات وديدان الصندل التي تفتك بأشجار الصنوبر وتؤدي الى يباسها. وتزدهر في البلدة صناعة الفحم التي تتسبب بقطع أشجار السنديان. وطالب التلاميذ بتأمين أماكن للكسارات بعيدة عن أماكن السكن، وبردع قاطعي الأشجار.
ولاحظ فريق العمل في مدرسة حقليت الرسمية المختلطة في الضنية افراطاً في استعمال المبيدات، وأن الحرائق تلتهم ما تبقى من مساحات خضراء، وبعضها متعمد. وقد أنشأت البلدية شبكة مجارير جديدة، لكن قسماً من مياهها يصب في نهر البارد ومنه الى البحر، وآخر يصل الى نهر أبو علي ومنه الى البحر. وقد أوقفت الكسارات والمرامل في البلدة، لكن المساحات التي شوهتها تحتاج الى اعادة تشجير.
وعالج تقرير ثانوية بخعون الرسمية المشاكل التي تعاني منها الزراعة والثروة الحرجية ومياه الشفة ومياه الصرف الصحي والتربة والهواء والنفايات المنزلية. واقترح عدداً من الحلول، منها ايجاد أسواق لتصريف الانتاج الزراعي، ومراقبة الأحراج ومعاقبة المخالفين، والعمل بقانون التنظيم المدني، وانشاء شبكة حديثة لجر مياه الشفة وأخرى لمياه الصرف الصحي ومحطة لتكريرهما، وفرز النفايات المنزلية في المصدر.
الكسارات والمرامل خربت كذلك الجبال والمواقع الأثرية والطبيعية في بلدة بزبينا في عكار، بحسب تقرير طلاب مدرستها الرسمية المختلطة، الذي أشار أيضاً الى حرائق الغابات وقطع الأشجار والرعي الجائر والتمدد العمراني والاستيلاء بالقوة على الأراضي المشاع في غياب عملية المسح الطوبوغرافي عن كثير من المناطق العكارية.
ووجد طلاب ثانوية سيدة الخلاص في شكا أن أهم مصادر التلوث في محيط المدرسة مسلخ للحوم والدواجن يتخلص من نفاياته في مجارير تصب على الشاطئ حيث الروائح الكريهة والمناظر المقرفة. ويبث مصنعا الاسمنت غازات سامة وروائح كريهة تقضّ مضاجع السكان، وتنبعث من مداخنها غبائر تغمر البيوت حيث تتفشى أمراض الربو والروماتيزم ويتساقط الضحايا من جراء أمراض السرطان. وأجرى الطلاب مقابلة مع مسؤول الشؤون البيئية في شركة "هولسيم" للترابة حول مشكلة تسرب الفيول أويل الى الشاطئ السنة الماضية. وطالبوا في تقريرهم بتأمين المصافي للمصانع الملوِّثة ومراقبتها.
الجنوب: مرامل ومسالخ
"اننا لم نشاهد تلوثاً خطيراً كالذي شاهدناه على شاطئ مدينة صيدا. فبعد أن كان الكورنيش المكان الأنسب لممارسة جميع هواياتنا الرياضية، من ركض ومشي وركوب دراجات وسواها، أصبح الآن كارثة بيئية لا يتصورها عقل. فقد دهشنا بكمية المياه المبتذلة التي تصب في البحر، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً يهدد سلامتنا وسلامة الثروة البحرية من نباتات وأسماك". هذا لسان حال طالبات ثانوية صيدا الرسمية للبنات في تقريرهن الذي أشار أيضاً الى ثلاثة مولدات كهرباء في منطقة قريبة من المدرسة، حيث ينتشر المازوت (الديزل) على الأرض بسبب الاهمال وتتصاعد في الاجواء سحب سوداء من الدخان.
واشتكى طلاب مدرسة صيدا المتوسطة المختلطة الرسمية من وجود قناة قريبة لري البساتين، جرّت اليها مياه الصرف وأصبحت مياهها آسنة. وثمة فرن ملاصق لملعب المدرسة، يستعمل فيه الحطب كوقود مما يولد دخاناً أسود. وحول المدرسة أربع نقاط لمستوعبات النفايات، لكنها لا تكفي لاحتواء الكميات الهائلة التي ترمى فيها فتنبعث منها روائح كريهة. وعلى بعد 50 متراً بستان قطعت أشجاره وتم تحويله الى موقف للسيارات. وتبعد المدرسة عن الشارع العام حوالى 10 أمتار مما يسبب ازدحاماً أمامها في أوقات الذروة، وكثيراً ما حدثت حوادث دهس للطلاب.
المرملة التي لا تبعد عن مدرسة دير سيدة مشموشة أكثر من 450 متراً أثبتت للطلاب بالدليل القاطع ما تسببه المرامل من انجراف للتربة. فقد رأوا عدة أشجار تنتظر هبوب الرباح لتسقط بسبب زوال الأتربة حول جذورها التي أصبحت ظاهرة للعيان. ومن المشاكل البيئية التي رصدها الطلاب مقلع للصخور يسبب ازعاجاً وضرراً للسكان، وملوثات ناتجة عن حركة السير لكون المدرسة تقع على منحدر مما يلزم السائقين باستخدام مكثَّف لدواسة البنزين، فتترك السيارات، خاصة القديمة منها، دخاناً أسود كثيفاً وراءها. وتنتشر في الجوار "هواية" صيد الطيور، رغم منعه. وفي محيط المدرسة مصب لمياه الصرف الناتجة عن بلدة مجاورة. وترمى النفايات المنزلية وتحرق في جوار المدرسة، مما يسبب الانبعاثات الضارة والروائح الكريهة.
وأفاد طلاب ثانوية الشهيد مصطفى شمران في البيسارية ان من أهم المشاكل التي تعاني منها منطقتهم نقل نفايات المسالخ الى مكب في طرف القرية حيث ترمى في الهواء الطلق، الى جانب النفايات التي تجمع من المنازل. وتنتشر الغازات السامة في أجواء القرية لدى احراق هذه النفايات.
ومن خلال استطلاع ميداني قام به طلاب ثانوية كفرحتى الرسمية، تبين وجود عدة مشاكل بيئية في البلدة، أبرزها تلوث المجاري المائية بالمياه المبتذلة، وطرح النفايات الصلبة قرب الينابيع والجداول، وانحسار الغابات، والتمدد العمراني العشوائي في غياب أي تنظيم.