Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
الضـجـيـج  
أذار (مارس) 2006 / عدد 96
 نتائج الدراسة الميدانية حول مستويات الضجيج في بعض المدن العربية نشرت في تحقيق خاص صدر في عدد ''البيئة والتنمية'' لشهر شباط (فبراير) 2006، تضمن خريطة لمستويات الضجيج في بيروت تم قياسها خلال ستة أشهر. هنا تقرير يستعرض مشكلة الضجيج في بعض الدول الأوروبية، وآثاره على صحة الانسان، وأساليب الوقاية الممكنة
تحقيق: بوغوص غوكاسيان ونادين حداد
مراجعة: د. ايمان نويهض
إذا كان سكان المدن العربية يحتجون على التفاوت في مواقيت انطلاق مكبرات الصوت من المآذن المتعددة والمتقاربة، فإن أجراس الكنائس ومكبرات الصوت على سطوحها هي أيضاً موضوع جدل في ما يتعلق بالتلوث الضوضائي في بعض الدول الأوروبية. وقد أصدر المجمع الأرثوذوكسي في اليونان بياناً جاء فيه أن الكنيسة اليونانية ترفض رفضاً قاطعاً طلب وزارة البيئة التخفيف من قرع أجراس الكنائس أو استعمالها بخفر وعدم قرعها ليلاً. وكانت الوزارة طلبت ايضاً عدم استعمال مكبرات الصوت خارج الكنيسة باستثناء الأعياد الكبيرة. وأبدى المجمع استعداده للتخفيف من مكبرات الصوت، لكنه اعتبر أن الأجراس جزء من العبادة ويحميها الدستور والقوانين، وأن ضجيج السيارات والنوادي الليلية يلوث أكثر.
وفي فرنسا، يمنع ازعاج الجيران نهاراً وليلاً بموجب مرسوم صدر عام 1995، وتفرض غرامة تصل الى 40 يورو على المتسبب بضجة متواصلة أو متقطعة، مع مصادرة القطعة مصدر الازعاج. وقد تقدم عمدة باريس برتران دولانوي بخطة الى مجلس المدينة لمواجهة التلوث السمعي الذي يؤرق الباريسيين، ويعد صوت المحركات وآلات التنبيه من أكثر مسبباته. وتشير بيانات المعهد الوطني للاحصائيات والدراسات الى أن الضجيج يعتبر المسبب الأول لانزعاج سكان العاصمة الفرنسية (بنسبة 54 في المئة من الذين شملتهم الاستطلاعات). وكشفت مؤسسة ''ايبسوس'' لاستطلاع الرأي أن من أولويات 68 في المئة من الباريسيين تزويد مساكنهم بعازل جيد للصوت. في السياق عينه، نشرت مجلة فرنسية متخصصة في بيع وشراء المساكن تقريراً أشارت فيه الى أن 97 في المئة من الملاكين يضعون الضجيج كأول سبب لفسخ عقد الشراء، قبل عيوب أخرى مثل افتقاد المساحة الخضراء أو تلوث الجو أو ضعف الموقع.
في الهند، اتخذت المحكمة العليا قراراً في تموز (يوليو) 2005 بمنع اطلاق أبواق السيارات والمفرقعات ليلاً، علماً أن الضجة تبلغ أوجها في موسم المهرجان الوطني في الخريف.
وفي جزيرة أوكيناوا جنوب اليابان، وفي شباط (فبراير) ،2005 صدر حكم قضائي في دعوى تلوث سمعي على الحكومة اليابانية، بدفع 8,2 مليار ين (7,26 مليون دولار) كتعويضات لمقيمين بالقرب من قاعدة ''كادينا'' الجوية الأميركية في الجزيرة. فقد اعتبرت المحكمة أنهم يتعرضون لمستوى من الضوضاء فوق 85 ديسيبل طبقاً للمعايير المعترف بها دولياً. وتعتبر اليابان أكثر دول العالم ضجيجاً، تليها اسبانيا، واحتلت مدريد المرتبة الأولى بين العواصم، بحسب دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2004.
وأشارت دراسة ألمانية الى أن الطيور المغردة في المدن الكبرى صارت تعاني من فرط استخدام حناجرها بسبب محاولتها التفوق على ضوضاء الشوارع.
ويحتفل في 25 نيسان (ابريل) باليوم العالمي للتوعية من الضجيج.
طرق الحد من الضجيج
وضعت الدول الغربية قوانين لقياس الضجيج والحد منه. في سويسرا مثلاً يطبق قانون يعتبر مستوى المعيشة في منطقة ما ''متدنياً'' اذا تخطى متوسط الضجيج 50 ديسيبل عند الجدار الخارجي للمباني السكنية. ولتحديد مستوياته في المناطق المأهولة، تركب أجهزة قياس في الأماكن التي يتم فيها تجاوز حدود الانبعاثات الضوضائية، كالطرق التي تشهد ازدحام سير. وتبني الحكومة الأسوار والحواجز وأحزمة الأشجار التي تحد من الضجيج على جوانب الطرق. وتُركب في المباني نوافذ عازلة للصوت. كما وضعت حدود للضجيج خاصة بحركة الطيران الدولي، وضرائب تعتمد على مستوياته في المطارات.
وفي هذا السياق، اتخذت المفوضية الأوروبية اجراء قانونياً ضد 11 دولة لم تدمج قواعد الاتحاد الأوروبي في تشريعاتها الخاصة بالتلوث الضوضائي، التي كان لزاماً عليها تنفيذها منذ تموز (يوليو) .2004 ورفعت دعوى على لاتفيا التي فشلت في الالتزام بمعايير ضجيج المطارات. وقال مفوض شؤون البيئة في الاتحاد الاوروبي ستافروس ديماس: ''هدف الاتحاد التقليل من عدد المتضررين من الضوضاء في أوروبا بحلول سنة 2012". وتجدر الاشارة الى أن تشريعات الاتحاد الأوروبي تمنع الطائرات من الاقلاع أو الهبوط ليلاً في مطارات دول الاتحاد، مما ينقل مواعيد اقلاعها وهبوطها من وفي مطارات دول العالم الثالث الى ساعات متقدمة من الليل.
تأثيرات على صحة الانسان
لا تنزعج الأذن من صوت بمعدل 40 ديسيبل، وأيضاً تستطيع أن تحتمل صوتاً بمعدل 60 ديسيبل كمحادثة هادئة بين شخصين. ومع أن زيادة الـ 20 ديسيبل هي زيادة 100 ضعف في شدة الصوت، فهي في هذه الحالة تبقى ضمن الحد المقبول للسمع. ومن المستحسن أن يعيش الانسان في مستوى صوت لا يتعدى 60 ديسيبل. ولكن عندما تزداد قوة الصوت الى 80 ديسيبل، أي ما يقارب صراخ طفل، يشعر المستمع بانزعاج، من دون أن يصل الى حد التعرض للأذى.
وغالباً ما تكون للأصوات العالية آثار سلبية توازي فقدان السمع. وحتى الضجة الخفيفة التي تسببها الثرثرة في المكتب أو آلات النسخ والطباعة، تؤدي الى تدني مستوى الانتاج لدى الموظفين وضياع 15 في المئة من أيام العمل. فالأصوات الدخيلة تفقد المرء قدرته على التركيز وتضعف انتاجيته.
صحيح أن الأذن هي التي تستوعب الأصوات ، لكنها تبعث الرسائل الصوتية الى الدماغ فيتأثر بها. واذا كانت هذه الأصوات أعلى من 90 ديسيبل، تأتي ردة الفعل عنيفة، اذ يرسل الدماغ انذاراً الى الجهاز العصبي مما يسبب تشنجاً في الأعصاب. والضجيج يسرع الدورة الدموية بتأثير من الدماغ، فتتقلص الشرايين ويرتفع ضغط الدم. كما يؤثر على الجهاز الهضمي، وخصوصاً الغدد المكلفة تنظيم التوازن العام كالغدتين النخامية والكظرية. ورغم أن الأصوات التي تزيد قوتها عن 90 ديسيبل، مهما طالت مدتها أو قصرت، تسبب ضرراً محتوماً لسامعها، فذروة الأذى يسببها الصوت الفجائي الذي لا تتعدى مدته ثواني معدودة. فاطلاق الرصاص الذي تصل قوته الى 150 ديسيبل يرسل الى الدماغ انذاراً غير متوقع، فتكون ردة الفعل تجاهه عنيفة جداً وتؤذي الجسم بكامل حواسه وأعضائه. والتعرض المطول للأصوات العالية فوق 90 ديسيبل يقتل خلايا الأذن الداخلية ويسبب خللاً في عصب السمع. وقد يكون هذا الخلل مزمناً، فحتى السماعات لا تستطيع اعادة السمع الى المريض في كثير من الأحيان.
وترتفع أصوات الموسيقى في الملاهي الليلية الى أكثر من 90 ديسيبل، وتم تسجيل حالات كثيرة لشباب خف سمعهم نتيجة عملهم في هذه الأماكن. وقد يؤدي ذلك الى الصمم، الذي تظهر عوارضه عندما يتكبد الفرد جهداً لسماع الأصوات القريبة. وهذا يتزامن مع ضغط داخل الأذنين مصحوب بأزيز مستمر، واذا لم تصب الأذنان بضرر، فالأزيز يزول بعد ساعة ويعود السمع الى طبيعته. ولكن هذه علامة خطرة تنذر صاحبها بوجوب اجتناب التعرض الى ضجيج مرتفع.
وبينت دراسة للاتحاد الأوروبي أجريت على 22 ألف شخص أن التعرض للضجيج يرفع مخاطر الاصابة بالأزمات القلبية. كما استنتجت دراسة أوروبية شملت 300 طفل، يتعلمون في مدارس قريبة من مطارات كبرى في بريطانيا وهولندا واسبانيا، أن ضجيج المطارات يضعف تعلم القراءة وتنمية الذاكرة لدى الأطفال. وأشارت دراسة أجرتها مؤسسة سينتف الاسكندينافية للأبحاث الى آثار الضجيج، ومنها الاضطرابات النفسية وقلة النوم والارهاق وضعف القدرة على هضم الطعام وقرحة المعدة وسرعة الانفعال وأمراض القلب. ولفتت الى أن الضجيج الليلي يتسبب في ارتفاع خطر الموت المبكر. وأكدت دراسة ألمانية أن معدل الوفيات بأمراض ناتجة عن الضجيج يكاد يوازي معدل الوفيات في حوادث المرور في ألمانيا، اذ لا يقل عدد ضحايا الضجيج عن 300 شخص سنوياً.
وفي دراسة أجريت في جامعة اوكلاند في نيوزيلندا، أظهرت الأجنة استجابة ''فزع'' للضوضاء، صاحبتها عمليات شهيق وزفير عميقتان وفتح الفم وارتعاش الذقن، وكلها علامات على البكاء.
ولمدة التعرض للضجيج أثرها، اذ يعتبر 85 ديسيبل الحد الأعلى الذي يجوز التعرض له لمدة 8 ساعات في مكان العمل. ويتضاعف التعرض للضجيج مع ارتفاعه 3 ديسيبل، مما يفرض تخفيض المدة الى النصف مع كل زيادة 3 ديسيبل. وبالتالي يجب الا يتخطى التعرض لـ 88 ديسيبلالأربع ساعات. وعلى سبيل المثال، يجب الا يتعرض المرء لأصوات الموسيقى في ملهى ليلي لأكثر من ساعة، اذ أظهرت القياسات التي أجرتها ''بيئة على الخط'' أن معدل الضجيج داخل معظم الملاهي الليلية يفوق 95 ديسيبل.
ثمة وسائل عدة للحد من التعرض لأخطار الضجيج، ومنها استعمال سدادات الأذن، ومنع اطلاق أبواق السيارات، وبناء المطارات بعيداً عن المدن، واستخدام كواتم الصوت في المصانع، ونقل المصانع والورش الى أحياء ومدن صناعية بعيدة عن المناطق السكنية، ووضع حواجز للضجيج على جوانب الطرق. ويخطىء من يظن أن الضجيج المرتفع وحده يؤثر على الصحة، لأن التعرض لضجيج منخفض على مدى طويل يترك آثاره السلبية أيضاً. ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك الأسلوب الذي استخدمه الصينون القدماء، وهو تعذيب السجناء بصوت تنقيط الماء.
المطلوب هو التركيز على التوعية بأخطار الضجيج، والتوجيه الى تغيير السلوك والتصرفاتالخاطئة، وفرض تشريعات لضبط الضوضاء والتشدد في معاقبة من لا يحترمها. ويتبين من الأرقام التي جمعت في لبنان أنه يمكن تخفيض حدة الضجيج من وسائل النقل الى مستويات مقبولة باعتماد تدبيرين فوريين، هما تحديد السرعة بين 30 و50 كيلومتر في الساعة داخل المدن والقرى (مع أخذ التدابير الآيلة الى تخفيف الازدحام وتسهيل المرور)، ومنع استعمال أبواق السيارات، مع تطبيق التدابير بفرض عقوبات وغرامات مادية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.