لعله من نافلة القول أن اقتصاديات الدول العربية تحتاج إلى مزيد من التكامل والنمو لتتمكن من مواجهة جميع التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بها. ويمكن للطاقة أن تلعب دوراً أساسياً في هذه العملية، باعتبارها محركاً رئيسياً في النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. إلا إنه، وللأسف الشديد، لا يزال هناك أكثر من 1,3 بليون شخص في العالم، منهم خمسون مليون في العالم العربي، يعانون من نقص الكهرباء أو انعدامها.
هذه الفجوة الشاسعة في توفر الطاقة على المستويين العربي والعالمي، وما يترتب عليها من ضياع فرص النمو والاستدامة البيئية، كانت هاجساً رئيسياً لصندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، الذي اعتبر القضاء على فقر الطاقة هدفاً تاسعاً يُضاف إلى أهداف الألفية الثمانية. لذلك كنا سعداء عندما تبنت الأمم المتحدة أجندة عالمية للتنمية المستدامة لسنة 2030، يتعلق الهدف السابع من أهدافها السبعة عشر بالطاقة وضمان حصول الجميع وبكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة. ويقر هذا الهدف بأن الطاقة تشكل أساس التقدم في جميع مناحي التنمية. يأتي هذا النجاح تماشياً مع عملنا الدؤوب في الوطن العربي والعالم وموقعنا الريادي في مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «الطاقة المستدامة للجميع».
تتطلب قضايا التنمية عموماً والطاقة بصورة خاصة استثمارات جادة وتوافر حزمة من السياسات والأدوات التي تمكّن الحكومات من دعم برامج التنمية. على سبيل المثال، لتوفير سبل الحصول على الطاقة للجميع بحلول سنة 2030 هناك حاجة لضخ استثمارات هائلة تُقدَّر بنحو 50 بليون دولار سنوياً. وستحتاج مستلزمات الطهي الكفوءة وحدها إلى أكثر من 4 بلايين دولار من إجمالي هذه الاستثمارات.
من هذا المنطلق، وعملاً بالالتزامات التي أكد عليها إعلان قمة أوبك الثالثة في الرياض، أصدر مجلس وزراء أوفيد خلال دورته السنوية الثالثة والثلاثين في حزيران (يونيو) 2012 بياناً عرف بـ «إعلان القضاء على فقر الطاقة»، يقضي بتخصيص بليون دولار للمساهمة في تحقيق هذا الهدف، وكلفني بإعلانه خلال مؤتمر ريو + 20. ونتيجة لزيادة الطلب على مشاريع الطاقة من قبل البلدان الشريكة، قرر المجلس أن يكون هذا المبلغ متجدداً (revolving).
منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، كثف الصندوق نشاطه على أرض الواقع باستخدام جميع آليات التمويل. وبحلول حزيران (يونيو) 2016 بلغت تخصيصات أوفيد أكثر من 3 بلايين دولار لعملياته في مجال الطاقة في نحو 45 بلداً، من ضمنها سبعة بلدان عربية.
وعلى نحو يتفق والتزامنا باتباع نهج محايد بشأن التكنولوجيا المختارة، تباينت المشاريع وفقاً للظروف الخاصة للبلدان والمجتمعات المحلية المعنية، لتشمل مزارع الطاقة الريحية وتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية والغاز الطبيعي وغيرها.
وتماشياً مع هذا النهج تلقى قطاع الطاقة في الدول العربية منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 أكثر 700 مليون دولار لتمويل 13 مشروعاً للطاقة التقليدية ومثلها للطاقة المتجددة في عدد من الدول، من بينها مصر والسودان والأردن واليمن وتونس والمغرب وفلسطين. بصورة عامة، تشمل قائمة الدول الشريكة لأوفيد 13 دولة عربية، تلقت أكثر من 21 في المئة من مجموع التزامات الصندوق منذ نشوئه.
تأتي نظرة أوفيد للطاقة ضمن الإطار الحيوي لمترابطة الطاقة ـ المياه ـ الغذاء. وإذ تشكل تلك القطاعات أقساماً لا تنفصم عراها من المعادلة نفسها، فلا بد إذاً من مقاربتها باتباع نهج كلي متكامل يأخذ في الاعتبار أن الفعل في أحد هذه القطاعات غالباً ما يكون ذا تأثيرات عميقة على القطاعين الآخرين. لهذا كان من الطبيعي أن تركز الخطة العشرية لأوفيد على أهمية هذه القطاعات والترابط في ما بينها.
اختم بالتأكيد على التزام أوفيد الكامل بدعم خطط التنمية المستدامة في الدول العربية وفي مقدمتها مشاريع الطاقة. كما أؤكد على أن رؤية أوفيد تتضمن دوراً أساسياً للقطاع الخاص في هذا المجال خصوصاً وفي تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل عام. لذلك نحن على استعداد للعمل مع الدول العربية الشريكة والمستثمرين لتمويل مشاريع في مجال الطاقة والمياه والزراعة، إضافة إلى القطاعات الأخرى بغية تحقيق التكامل الاقتصادي. كما أننا مستعدون لتمويل الصناعات المحلية على شكل مشاريع أو من خلال توفير حدود ائتمان عن طريق البنوك المحلية بهدف تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
لكنني احذر من هذا المنبر العربي، الذي كان لي شرف المساهمة فيه خلال مراحله الأولى، من أن أخطر ما يهدد أي خطة هو تغيير بنودها أو العبث بها أثناء التنفيذ. فلقد لاحظت أن بعض المتابعين لهذا الشأن المهم يخلطون بحسن نية بين هدف الطاقة المستدامة للجميع الوارد في الهدف السابع من أهداف التنمية، وخطة العمل المطلوبة لتنفيذ مقررات مؤتمر الأطرف الحادي والعشرين (COP21) حول التغير المناخي الذي يتصدى له هدفها الثالث عشر.