ماذا يحصل في تونس والمغرب إذا رُفع الدعم عن أسعار المياه؟
تحليل للنتائج المحتملة، وتدابير تحفيزية أهمها إبدال المحاصيل بأخرى أقل استهلاكاً للمياه مع دعم مالي وتقني وحوافز تقلل المخاطر على المزارعين
شكري ثابت أستاذ مشارك ورئيس دائرة الاقتصاد والتنمية الريفية في المعهد الأعلى للعلوم الفلاحية في شط مريم في تونس، علي شبل أستاذ مشارك في المعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية والمياه والغابات في تونس، أيمن فريجه أستاذ مساعد في المدرسة العليا للفلاحة في المقرن في تونس.
شكري ثابت وعلي شبل وأيمن فريجه
المغرب وتونس من البلدان التي قد تمثل فيها ندرة موارد المياه عائقاً جدياً أمام تنمية الاقتصاد. والقطاع الزراعي هو المستهلك الأكبر للمياه، إذ تزيد حصته على 80 في المئة من مجموع الاستهلاك. وإضافة إلى ذلك، ازدادت حصة قطاعات غير زراعية في الناتج المحلي الإجمالي للبلدين، ما يعني زيادة الطلب على المياه في القطاع السكني وقطاعي التصنيع والخدمات.
وللتعامل مع النواقص المائية المحتملة، وضعت تونس والمغرب مجموعة من السياسات والتدابير التقنية على ثلاثة مستويات. المستوى الأول، الذي ما زال يمتص موارد كبيرة، هو الاستثمار في البنية التحتية المائية وإنشاء السدود من أجل اللحاق بارتفاع الطلب عبر زيادة إمداد المياه. والمستوى الثاني للتدخل هو تنفيذ تدابير ترشيد لضبط زيادة الطلب، باستخدام أدوات تسعير المياه. ويشمل المستوى الثالث إصلاح الأنظمة المؤسساتية باتجاه مزيد من الإدارة اللامركزية للمياه.
لقد أتاحت الدولتان المياه بكلفة منخفضة للمزارعين من خلال التمويل العام لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي، ما يحد من هجرة الأرياف إلى المدن ويحسن ميزان التجارة الزراعية. لكن لهذه السياسة عائقاً هو أنها لم تعطِ الإشارة الصحيحة لتحفيز كفاءة المياه، مثل اعتماد تكنولوجيات مقتصدة بالمياه أو تحديث البنى التحتية القديمة المسؤولة حالياً عن خسائر مائية ضخمة. وقاد هذا الوضع إلى تبني زراعة محاصيل مربحة لكنها كثيفة الاستهلاك للمياه. وإذا استمرت السياسات الحالية في تسعير الموارد المائية بأقل مما تستحق، فإن ذلك سيزيد احتمال حدوث نواقص مائية حادة وربما استنزاف خطير. وقد اضطرت الحكومات إلى تنقيح سياساتها والانخراط في إصلاحات للأسعار لتحسين استرداد الكلفة والانتقال إلى سياسات واضحة لإدارة الطلب على المياه. وعلى رغم محاولات سابقة كثيرة لم يحصل تقدم يذكر، نظراً للدور الرئيسي للزراعة في تخفيف الضغوط الاجتماعية. وهكذا، كانت أسعار المياه عادة أدنى من الاسترداد الكامل للكلفة.
ماذا لو؟
إن تحليلاً للسياسات المائية على صعيد الاقتصاد في تونس والمغرب هو الطريقة الأنسب للتعاطي مع قضايا تخصيص وتوزيع الموارد المائية التي تواجه صانعي السياسة. وقد تم اعتماد سيناريو مرجعي يستند إلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك الحكومي خلال الفترة 2006 ـ 2012، ويفترض تباطؤاً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمالي في تونس يتعلق بالاضطرابات السياسية وانتعاشاً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5 في المئة سنوياً بحلول نهاية فترة المحاكاة (2020). ويبين السيناريو المرجعي أن الحفاظ على أسعار المياه الحالية يتطلب إنفاقاً عاماً إضافياً من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8 في المئة في تونس و1.1 في المئة في المغرب بحلول نهاية سنة 2020.
وجرى اختبار ثلاثة سيناريوات بديلة ومقارنتها بالسيناريو المرجعي، وهي: تخفيض دعم سعر المياه بنسبة 50 في المئة، مضاعفة الإنفاق العام على إمداد المياه تدريجياً خلال الفترة 2014 ـ 2020، تنفيذ السيناريوين السابقين في وقت واحد.
في تونس، تبين أن رفع الدعم عن المياه بنسبة 50 في المئة يؤدي إلى تأثيرات متباينة. التأثير الأول إيجابي، حيث بلغ المعدل السنوي للتحسن في التوفير العام 0.6 في المئة، والثاني سلبي يعكس تدهور الأوضاع المنزلية في الأرياف. وإضافة إلى ذلك، تبين ارتفاع مكاسب الكفاءة الناتجة من استخدام أفضل للمياه، ما يعوض التأثيرات السلبية. بناء على ذلك، أصبح التأثير الشامل إيجابياً، حيث بلغ متوسط الزيادة السنوية في الناتج المحلي الإجمالي 0.2 في المئة. وفي هذا السيناريو، انخفضت الصادرات الإجمالية بنسبة 1.4 في المئة سنوياً.
وأسفرت زيادة الاستثمارات العامة في إمدادات المياه وتوزيعها عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 0.5 في المئة سنوياً، وصادرات السلع الزراعية والمواد الغذائية الزراعية بمعدل 1.7 في المئة سنوياً.
وتبين أيضاً أن التأثير التراكمي لتنفيذ السيناريوين السابقين هو إيجابي، إذ أسفر عن زيادة في جميع المتغيرات الاقتصادية المهمة، مثل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة، والاستهلاك الخاص بنسبة 0.4 في المئة، والاستهلاك الحكومي بنسبة 0.7 في المئة.
أما في المغرب، فتسبب رفع الدعم عن المياه بنسبة 50 في المئة بتأثير سلبي شامل على النشاط الاقتصادي، من خلال انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 0.4 في المئة. وهذا يظهر بوضوح أن القطاع الزراعي التونسي أكثر مرونة للتكيف بشكل إيجابي مع أسعار المياه المرتفعة، بالمقارنة مع المغرب حيث الزراعة أكثر تصلباً. وثمة ثلاثة أسباب رئيسية يمكن أن تفسر هذا النمط. فمستوى دعم المياه في المغرب أعلى كثيراً مما في تونس (45 في المئة مقابل 20 في المئة)، ومساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد المغربي أعلى كثيراً مما في تونس (15 في المئة مقابل 9 في المئة عام 2012)، ويساهم قطاع الزراعة المروية في النشاط الاقتصادي الى حد كبير نظراً لتأثيراته المضاعفة المرتفعة.
تظهر النتائج أيضاً أن الدعم الحكومي الكبير لتأمين إمدادات المياه وتوزيعها أثر كثيراً في هيكلية الإنتاج الزراعي في كلا البلدين. ويؤثر تخفيض الدعم مباشرة في مداخيل المزارع على المديين القصير والمتوسط، إذ انخفضت بنسبة 20 في المئة في المغرب و12 في المئة في تونس. كما أن تقليل عدد المحاصيل المتوافرة للزراعة، نتيجة ارتفاع تعرفة المياه، يؤدي أيضاً إلى ضعف تقني واقتصادي أكبر لقطاع الزراعة في تونس والمغرب، إضافة إلى تأثر فرص العمل. لكن انخفاض مداخيل المزارعين سوف يعوضه إلى حد كبير التوفير في النفقات العامة، وأيضاً في استخدام الموارد المائية بشكل أفضل وأكثر كفاءة. وفي المديين المتوسط والطويل، سوف يعدل المزارعون التونسيون والمغاربة نشاطاتهم لكي تتكيف مع الإدارة العامة الجديدة للموارد المائية، بتبديل النشاطات واعتماد تلك التي هي أكثر كفاءة في استخدام المياه.
بالنسبة إلى التوصيات الخاصة بالسياسات، يمكن تنفيذ إصلاح دعم المياه من خلال إلغائه بشكل كامل أو على مراحل. وفي حالة الإلغاء الكامل، يمكن إبدال المحاصيل بأخرى أقل استهلاكاً للمياه إذا قدمت السلطات الدعم المالي والتقني لذلك بالتزامن مع إلغاء دعم المياه. أما إذا اختيرت إزالة الدعم على مراحل، فيمكن للسلطات أن تطلب اختيار المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه من دون إزالة الدعم فوراً، مستخدمة أدوات تحفيز تقلل المخاطر على المزارع. ■