في العام 1998، كانت منطقة ماركا في شرق العاصمة الأردنية عمّان تعاني من مشكلة بيئية كبيرة. فمكب النفايات القديم تحول إلى بؤرة أمراض ومصدر إزعاج لكل سكان المنطقة، التي تضم أحد أفقر المجتمعات في الأردن، والمحاطة من كل جانب بمصادر التلوث والتدمير البيئي من مصانع ومقالع ومناجم فوسفات.
قررت السيدة نادية الخاروف، رئيسة "جمعية المرأة المنتجة التعاونية"، القيام بعمل ما تجاه هذا الوضع. ففكرت في أن الجمعية، بمساعدة الجهات المختصة وسكان المنطقة، قادرة على تحويل المكب القديم من مكرهة صحية إلى منتزه طبيعي. وقدمت باسم جمعيتها الصغيرة اقتراح مشروع بهذا الخصوص إلى برنامج المنح الصغيرة التابع لمرفق البيئة العالمي. والآن، يمكن لهذه السيدة، وزميلاتها في الجمعية، أن يفخرن بما أنجزنه مع سكان المنطقة. فالمكب القديم اختفى، وأصبحت الأرض الآن منتزهاً ومتنفساً للسكان.
وفي المفرق، إحدى أكبر محافظات الأردن مساحة وأقلها سكاناً، فوجئ النواب والمسؤولون الرسميون بصناديق من الخضار والفواكه تصل إليهم مع تحيات "جمعية المجد النسائية التعاونية". وحملت الصناديق رسالة مفادها أن هذه المنتجات خالية من المبيدات، وقد تم إنتاجها عن طريق المكافحة المتكاملة. وكان هذا أحد أنواع الترويج والتسويق المبتكرة لجمعية نسائية صغيرة أخذت على عاتقها المبادرة في زراعة المحاصيل الخالية من الكيماويات والمبيدات، في بلد عانى طويلاً من مشاكل وجود متبقيات المبيدات في منتجاته، شأنه شأن جميع دول العالم النامي.
هذان مثالان لما يمكن للمرأة أن تحقق في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة. ففي معظم المجتمعات الريفية والتقليدية في الدول النامية، تلعب المرأة دوراً رئيسياً في إدارة الموارد الطبيعية وحماية البيئة المحيطة. وهـذه الانجازات علـى أرض الواقـع تتجاوز الصخب الإعلامي المرافق لمسألة النـوع الاجتماعي أو الجنس (gender) والذي سيطر بشكل واضح على النقاشات المتعلقة بدور المرأة في حماية البيئة خلال السنوات الماضية، بل أصبح في كثير من الأحيان المدخل الوحيد للنقاش ورسم الاستراتيجيات والخطط في هذا المجال. فالتطبيق الحقيقي لقواعد الاستدامة البيئية كان يتم عادة من قبل النساء الريفيات، وفي المجتمعات المحلية، وضمن الظروف الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بكل مجتمع.
بدلاً من السعي إلى تغيير هذه الظروف بما يتلاءم مع نظرة المجتمعات الغربية، قامت بعض الجهات الدولية والمحلية في العالم النامي بتطبيق توجه مختلف وأكثر فاعلية، من خلال دعم المؤسسات النسائية القائمة، وخاصة في المناطق الريفية، لتطبيق مشاريع مستدامة تعزز قدرة النساء على إدارة الموارد الطبيعية. وأكدت هذه المشاريع أن التخطيط للتنمية المستدامة يجب أن ينبثق أساساً من معرفة احتياجات النساء في المجتمعات المحلية، وتمكينهن من استثمار قدراتهن بشكل يجمع بين حماية البيئة وتحسين المستوى الاجتماعي والاقتصادي للنساء. وهكذا يتحقق فعلياً نوع من المساواة بين الرجل والمرأة.
في الأردن، تم تنفيذ العديد من المشاريع النسائية في الأرياف، قدمت دعماً محدوداً ولكنـه كان كافياً لإطلاق الطاقات الكامنة واستثمار المعرفة التقليدية وتوظيفها فـي حمايـة الموارد الطبيعية. ولعل الدعم الأكبر جاء من خلال برنامج المنح الصغيرة في مرفق البيئة العالمي، الذي بدأ تطبيقه عام 1992 بمبادرة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقام حتى الآن بدعم أكثر من 70 مشروعاً أردنياً بقيمة اجمالية تزيد على مليوني دولار. وقد طور البرنامج استراتيجية وطنية لتوفير معايير واضحة في كيفية وضع أولويات المشاريع والتمويل بناء على الاحتياجات المحلية والوطنية، وقدم دعماً كبيراً للجمعيات النسائية التي نفذت مشاريع ناجحة.
دعم المعيشة المستدامة
من أهداف برنامج المنح الصغيرة إظهار سبل المعيشة المستدامة بيئياً من بدائل اقتصادية واجتماعية مقنعة وقابلة للتكرار. ويتجلى ذلك بشكل خاص في ما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية وحماية التنوع الحيوي، من خلال استثمار المعارف التقليدية للمجتمعات المحلية.
تعتبر محافظة عجلون المنطقة الأكثر خضرة في الأردن، وتحتفظ بنحو 50 في المئة من الغابات الطبيعية الباقية في البلاد. وتؤدي نساؤها دوراً كبيراً في إدارة الموارد الطبيعية. وفي منطقة الجبل الأخضر، قامت جمعية نسائية بتنفيذ مشروع "حملة التوعية البيئية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية". وكان الهدف الرئيسي للمشروع إدخال أساليب الإدارة المستدامة للأراضي، لحماية التنوع البيولوجي وتحسين مصادر الدخل والمكانة الاجتماعية والاقتصادية للسكان المحليين. وتضمن المشروع كذلك تأسيس قرض دوار يخدم 100 امرأة في المنطقة، وبناء آبار الحصاد المائي المترافقة مع أنظمة الري بالتنقيط، ونشاطات لتحسين نوعية الأراضي وتربية النحل وإدارة الغابات المنتجة.
حقق المشروع نجاحاً فعلياً في تغيير نمطية الدعم التنموي من مفهوم "الصدقة والمعونة" إلى مفهوم المبادرة لبناء القدرات المستدامة واستثمار المعرفة الأصيلة والمحلية، بحيث يمكن تعميمها على عدة مناطق وفئات اجتماعية واقتصادية. وهو ربط بين التنوع البيولوجي والمشاريع المدرة للدخل، مما جعل حماية الطبيعة نشاطاً إنتاجياً ذا فوائد اقتصادية محسوسة.
ومع اقتراب المشروع من نهايته، تمكنت المستفيدات من إعادة القرض كاملاً والاستمرار في المشاريع الصغيرة التي بدأنها. واستعادت المنطقة حيويتها، وباتت الغالبية العظمى من النساء مقتنعات بجدوى المشروع، وازداد الإقبال على القروض.
المرأة تدير الغابات
للمرة الأولى في الأردن، نفذت جمعية نسائية إدارة ناجحة لغابة وطنية. فقد حصلت "جمعية النساء العربيات" على تفويض من وزارة الزراعة لإدارة غابة وطنية في منطقة مأدبا، وهي أحد أهم مواقع السياحة الدينية في الأردن، من خلال مشروع "غابة مأدبا المنتجة".
وكان الهدف الرئيسي للمشروع إدارة الغابة بشكل مستدام، وتأسيس مركز تدريبي يستهدف بشكل خاص النساء والشباب. وقد تم تنفيذ العديد من مشاريع التوعية والتدريب في هذا المركز، بالإضافة إلى المخيمات البيئية. كما زوِّد المركز بوحدة طاقة شمسية، وجُهِّز للعديد من تطبيقات التنمية المستدامة مثل أنظمة الحصاد المائي التي تم ربطها بآبار رومانية قديمة موجودة في الموقع.
وقد فازت الجمعية بجائزة من وزارة الزراعة، لكونها الجمعية النسائية الأولى التي تتمكن من إدارة الغابات بنجاح كنموذج لاحدى وسائل مقاومة التصحر. وتمكن المشروع من تأمين الاستدامة عن طريق استخدام المركز التدريبي في نشاطات بيئية مع مؤسسات ذات اهتمامات مشتركة.
وبناء على نجاحه، تم تنفيذ مشروع مماثل في بلدة الطفيلة في جنوب الأردن من خلال "الاتحاد النسائي العام". وهو مشروع "دور المرأة في حماية التنوع الحيوي" من خلال الإدارة البيئية لغابة أبوبنا، التي تتهددها نشاطات التوسع العمراني والرعي الجائر. وقد اتخذ الاتحاد خطوات لحماية الغابة، وتأسيس حديقة للأطفال، واستصلاح بناء قديم لاستخدامه مركزاً لتدريب النساء والأطفال، واجتذاب المجتمع المحلي من خلال نشاطات التوعية المختلفة، وتأسيس مشاريع صغيرة مدرة للدخل مبنية على زراعة الأعشاب الطبية وتربية النحل، والتدريب على إدارة الغابات.
اجتذاب التمويل
ليس من السهل تطبيق مشاريع في التنمية المستدامة تحقق دمجاً فعلياً بين الاحتياجات الاجتماعية والبيئية. لكن جمعية نسائية أردنية قامت بتنفيذ مشروع جمع بين هذه المتطلبات، وهو إنشاء غابة الصفصاف المحيطة بمركز الصفصاف للتأهيل النفسي، الذي تنفذه "الجمعية الأردنية للتأهيل النفسي".
أنشأت الجمعية هذا المركز في منطقة متميزة بتنوع حيوي كبير. وقامت بزراعة الأشجار وتأهيل الموقع بيئياً ليكون مركزاً تأهيلياً للمدمنين والمرضى النفسيين، في مناخ تربوي صحي بعيداً عن الضغوط الاجتماعية. وسيقوم المركز ابتداء من آخر سنة 2002 بتوفير خدمات التدريب والرعاية لهؤلاء، مقدماً نموذجاً في التكامل بين توفير الاحتياجات الاجتماعية وتحسين الوضع البيئي والمحافظة على التنوع الحيوي والغطاء النباتي في منطقة جبلية حساسة بيئياً.
ويتميز هذا المشروع أيضاً بخاصية القدرة على اجتذاب التمويل الإضافي. فبعد البدء بتنفيذ نشاطاته، تمكن القائمون على الجمعية، ومعظمهم من العنصر النسائي، من اجتذاب تمويل إضافي بنحو 200 ألف دولار من مصادر وطنية وخارجية، لبناء المركز الذي يحتوي على غرف علاجية ومشاغل تدريبية وقاعات للمحاضرات.
هذه المشاريع ليست إلا عينات لقدرة المجتمعات النسائية الريفية على الإبداع وإحداث تغيرات ايجابية كبيرة في البيئة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إذا ما منحت الفرصة والدعم لتنفيذ مشاريع مبنية على احتياجاتها الحقيقية. وذلك بدلاً من سياسات التنمية المركزية التي تتجاهل خصائص المجتمعات المحلية، وتحاول فرض طابع وإطار معين على البرامج يتأثر غالباً بتوجهات ثقافية واجتماعية ذات مضمون غربي.
كادر
برنامج المنح الصغيرة في مرفق البيئة العالمي
تأسس برنامج المنح الصغيرة في مرفق البيئة العالمي (GEF) عام 1992، بشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الانمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والبنك الدولي. ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإدارته في أكثر من 60 بلداً، حيث تم تقديم الدعم لأكثر من 2300 مشروع حتى الآن.
المبدأ الأساسي للبرنامج هو القناعة بأنه لا يمكن التصدي للمشاكل البيئية العالمية من دون مشاركة المجتمعات المحلية، وأن هذه المجتمعات تستطيع من خلال تمويل بسيط (لا يتجاوز 50 ألف دولار لكل مشروع) أن تقوم بأنشطة ذات تأثير مهم وواضح على حياتها وعلى البيئة التي تعيش فيها.
ويدعم البرنامج مشاريع التنمية المستدامة على مستوى المجتمعات المحلية في ثلاثة مجالات هي:
1. التنوع الحيوي: مشاريع تعزز المحافظة على التنوع الحيوي واستخدامه بشكل مستدام في النظم البيئية الجافة وشبه الجافة ونظم البيئة البحرية والمياه العذبة، إضافة الى الغابات وأنظمة البيئة الجبلية. كما يدعم البرنامج احترام المعرفة التقليدية والمحافظة عليها.
2. تغير المناخ: مشاريع الطاقة البديلة وبدائل النقل المستدامة وترشيد استهلاك الطاقة.
3. المياه الدولية: معالجة تلوث المسطحات والأحواض المائية البحرية والمياه العذبة المشتركة بين بلدين أو أكثر، بما في ذلك التلوث الناتج عن مصادر أرضية مثل الملوثات العضوية غير القابلة للتحلل.
كما يدعم البرنامج المشاريع التي تعالج مشاكل تدهور الأراضي والتصحر في حال ارتباطها مع أي من المجالات الثلاثة الرئيسية المذكورة.