الحافز الأقوى لفن عمارة حسن فتحي (1900 ـ 1989) كان إحساس هذا المهندس المعماري المصري الفذ بمدى معاناة الفقراء في الحصول على مسكن لائق. فبنى فلسفته على حُسن استخدام ما هو متاح من خامات طبيعية. فمادة الطين، مثلاً، كانت متاحة أمام الفلاح المصري، وتتجدد سنوياً بفعل ما يحمله فيضان نهر النيل منها، وباستخدام تقنية بسيطة نسبياً يستطيع "ابن البلد" بناء منزله بالطين دونما حاجة الى مقاول.
كان الهدف الأول هو الاقتصاد في الكلفة. الا أن إيجابيات هذه الطريقة على أكثر من صعيد، كالتوافق البيئي والتراثي وجماليات التشكيل العمراني والبعد الصحي، أثارت اهتماماً عالمياً بها، حتى أصبحت ضمن مناهج معظم أقسام العمارة في الجامعات المحلية والعالمية.
وأقبل كثير من العرب على تصاميم فتحي لبناء منازلهم، وخصوصاً من اطلع على تقدير الثقافات الغربية لأفكاره التي شملت، الى جانب التناسق مع البيئة، معالجات مناخية تمثلت في الأفنية الداخلية، وملاقف الهواء، والأسقف المنحنية التي تساهم في تقليل الحرارة المكتسبة داخل المبنى.
وما زالت أعمال حسن فتحي شاهدة على أفكاره التي سبقت عصرها. ومنها ما هو موجود في مصر ومعظم الدول العربية، كما أقام قرية صغيرة في ولاية نيو مكسيكو الاميركية، طبق فيها فلسفته، واستخدم نوعاً محلياً من الطوب تم تصنيعه في الموقع. وما زال المعماريون حول العالم يستوحون أفكاره ويطوعونها لملاءمة البيئات والمستويات الاقتصادية المختلفة. فمنهم من يبني بالطوب المصنّع من الطين، وآخرون يستخدمون الطوب مع الاحجار الطبيعية الجيرية أو الرملية، لبناء مساكن وقصور فخمة ومنتجعات سياحية فاخرة.
الصور المرافقة لهذا المقال هي لدارة طالوني في عمان، الأردن، من تصميم حسن فتحي عام 1988.
الدكتور سامي علي كامل مهندس معماري وأستاذ في كلية الهندسة بجامعة حلوان في مصر.
|