حماية البيئة وإنماء الحياة الفطرية هما في صلب عمل المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية في قطر. ومنذ إنشائه عام 2000، يضع المجلس السياسات العامة لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، ويرسم خطط العمل اللازمة ويتابع تنفيذها.
"البيئة والتنمية" حاورت الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، ولي عهد قطر، وهو رئيس المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية. هنا مقتطفات من الحوار الذي شارك فيه السيد أحمد حسين عبدالرحمن رئيس قسم التوعية والتثقيف البيئي في المجلس.
البيئة والتنمية: حماية البيئة تقوم على التشريعات والقوانين. ماذا حققت قطر في مجال التشريعات البيئية، وماذا تخططون للمستقبل؟
الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني: رغم وجود العديد من القوانين والقرارات التي تتعامل مع قضايا البيئة بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد بادر المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية منذ إنشائه عام 2000 الى إعداد مجموعة من التشريعات البيئية تحقق الحماية المطلوبة للموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من مصادر التلوث، وتعكس تصميم المجلس على إعطاء حماية البيئة اهتماماً أكبر آخذاً بعين الاعتبار الضرورات التنموية. وقد روعي فيها ملء الفراغات التشريعية في مجال البيئة، وتحديث بعض التشريعات الحالية بحيث تواكب المستجدات علمياً وتقنياً وإدارياً، والتأكيد على التزامات دولة قطر تجاه الاتفاقيات الاقليمية والدولية، وفرض احترام التشريعات من خلال تقرير العقوبات الرادعة.
وفي إطار مراجعة التشريعات والقوانين البيئية، قامت المجموعة التشريعية المنبثقة عن المجلس بإعداد مشروعات قوانين، منها: قانون حماية البيئة، وقانون تقييم الأثر البيئي، وقانون التحكم بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وقانون تنظيم الاتجار والتعامل مع الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض، وقانون تنظيم صيد الحيوانات والطيور والزواحف البرية، وقانون الوقاية من الإشعاع. وقد صدر بعض هذه القوانين، مثل قانون تنظيم صيد الحيوانات والطيور والزواحف البرية، ويجري استصدار البقية.
ونتيجة لجهود المجلس وتعاونه مع المؤسسات الاخرى، أنشأت الدولة مؤخراً دائرة تختص بالفصل في جرائم الاضرار بالثروات المائية الحية والبيئية الطبيعية، وبإعادة توزيع الأعمال القضائية في المحكمة الجنائية الصغرى والمدنية الصغرى. وهذا من شأنه أن يؤدي الى سرعة الفصل في جرائم الاعتداء على البيئة ويحقق الردع المطلوب.
ما هي الضوابط على التلوث الصناعي، وكيف تتم المراقبة، وما هي عقوبات المخالفة؟
يهتم المجلس الأعلى بتقييم الأثر البيئي، إذ وُضع نظام متكامل تتم مناقشته مع الجهات المعنية في الدولة، ويجري العمل به وتطبيقه فعلياً على كافة المشاريع التنموية. وتم خلال العام الأول من عمر المجلس تقييم قرابة 41 مشروعاً، بين الثقيل والمتوسط، بالاضافة الى 11 مشروعاً للطرق الرئيسية في البلاد.
وتهدف استراتيجية المجلس في القطاع الصناعي الى الحد والتحكم في التلوث والتأثيرات البيئية الجانبية التي قد تنتج من هذا النشاط المهم في الدولة. وتقوم الفكرة أساساً على تقييم بيئي لجميع المشاريع الجديدة قبل تنفيذها، ومتابعة ومراقبة كل الشركات والمصانع القائمة للتأكد من عدم وجود أي تأثيرات سلبية تضر بالبيئة. وتعتبر إجراءات تقييم الأثر البيئي من المتطلبات القانونية والأساسية لحصول جميع المشاريع على تصاريح بيئية، فلا يتم إعطاء تصريح لاقامة أي مشروع إلا بعد إجراء اختبارات ودراسات بيئية له وأخذ الاحتياطات والشروط اللازمة، تفادياً لأي ضرر بيئي قد ينتج عن إقامته. أما بخصوص متابعة ومشاركة المشاريع والمصانع القائمة، فإن المجلس الأعلى للبيئة يشترط حصول جميع المنشآت الصناعية على رخصة تشغيل يتم التأكد بواسطتها من مطابقة المنشأة الصناعية لجميع الشروط والمواصفات البيئية. لذلك نطلب من الشركات الصناعية إرسال تقارير ربع سنوية تحتوي على جميع البيانات المطلوبة لمصادر الانبعاثات فيها. ويقوم المجلس، بالتنسيق مع الشركات التي لديها بعض التجاوزات البيئية، بوضع خطة عمل وجدول زمني مقبول من الطرفين يهدف الى تصحيح وضع هذه الجهات والالتزام بجميع الشروط والمواصفات البيئية. وفي حالة مخالفة الاشتراطات والنظم، يعاقب المخالف بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف ريال (2750 دولاراً) أو بإحدى العقوبتين. ومن صلاحية المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية سحب تراخيص الأعمال والمنشآت والأنشطة المخالفة.
وضع المجلس استراتيجية للمحافظة على البيئة البرية في دولة قطر. ما هي أبرز مواضيعها؟
تزخر البيئة البرية القطرية بالعديد من النظم البيئية التي يصفها الباحثون بكونها من النظم الهشة الشديدة الحساسية للتأثيرات الواقعة عليها، شأنها في ذلك شأن الأنظمة البيئية الأخرى في المناطق الجافة وشبه الجافة. ولتحقيق أهداف المجلس في المحافظة على البيئة البرية القطرية وما تزخر به من تنوع بيولوجي، إذ تقدر أنواع النباتات المعروفة في بر قطر بحوالى ثلاثمئة نوع تقع في 65 عائلة، كان لا بد من العمل وفق خطة استراتيجية واضحة الأهداف والبرامج تهدف الى تحقيق الآتي: المحافظة على الحياة الفطرية البرية في قطر، إعادة إحياء أو تأهيل ما تدهور منها، زيادة مساحة المناطق المحمية في الدولة لتشكل حوالى 17 في المئة من مساحتها الكلية وذلك حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وخلق نظام مؤسسي للحفاظ عل الحياة الفطرية وإنمائها في الدولة.
ومعلوم أن أهل قطر يرتادون البر ويتفاعلون مع البيئة البرية بشكل فطري، رغم سبل العيش الكريم ومستوى الرفاهية المرتفع. ولذلك بنيت السياسات التي ستتبع في تحقيق أهداف الاستراتيجية على إيجاد نظام علمي لحماية الحياة البرية. وتتمثل هذه السياسات في الآتي: تقسيم أراضي دولة قطر الى مناطق محمية وفق معايير محددة ولأغراض واضحة يتم زيادتها بالتدريج الى أن تغطي المناطق المقترحة، وتفعيل دور المواطنين وحثهم من خلال برنامج توعية مكثف ومستمر، وإصدار عدد من القوانين والتشريعات الخاصة بتنظيم الممارسات البشرية كتنظيم عمليات الصيد وتنظيم العزب والرعي، وإيجاد فريق وطني مدرب وفاعل لادارة المحميات وتطبيق القوانين والتشريعات، وتفعيل دور المؤسسات الحكومية والخاصة في المحافظة على البيئة البرية، وخلق نظم علمية تأخذ على عاتقها توثيق ورعاية عملية الحفاظ على البيئة.
ماذا فعلتم في موضوع التربية البيئية، وهل هي اليوم جزء أساسي من النظام التعليمي في قطر؟
انطلاقاً من السياسة التعليمية في الدولة، وتلبية للنداءات التي انطلقت في أنحاء العالم من المؤتمرات والندوات الدولية والاقليمية بالمحافظة على البيئة وحسن التعامل معها، اهتمت الدولة بادخال المفاهيم والأهداف التربوية البيئية في معظم المناهج والكتب المدرسية لمختلف المواد في معظم المراحل التعليمية.
لقد احتلت التربية البيئية موقعاً خاصاً من اهتمام المربين. وحرصت الدولة على تضمين مناهجها وكتبها المدرسية موضوعات عن البيئة في مختلف المواد الدراسية. فنحن نؤمن بأن صيانة البيئة والمحافظة عليها تبدأ من الاهتمام بحسن تنشئة الانسان الذي سوف يضطلع بمهمة صيانة بيئته، وإعداده للقيام بدور فعال في هذا الشأن.
هل هناك بحوث بيئية جامعية في قطر، وما هو دور المركز الوطني للمعلومات البيئية؟
تدرك دولة قطر أهمية البحث العلمي في مواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد استطاع مركز البحوث العلمية والتطبيقية التابع لجامعة قطر ان يجري العديد من البحوث والدراسات البيئية، فضلاً عن الدور الذي يقوم به في تقديم الخدمات الاستشارية والفنية والعلمية للمؤسسات الصناعية والمساهمة في مشروعاتها العلمية ورسم السياسات من أجل استغلال الموارد المتاحة في الدولة بصورة مثلى. وقام المركز بدراسة مستوى التلوث بالنفط على السواحل القطرية، إضافة الى رصد الظروف البيئية حول حقول النفط ودراسة الأحواض والخيران.
وقد ساهمت البحوث والدراسات البيئية التي أعدها المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية بصورة غير مباشرة في وضع الأسس المستقبلية للعمل البيئي في قطر. فمما لا شك فيه ان اتخاذ القرار المناسب يعتمد على نوعية وحجم وسرعة توفر المعلومات. ومن هذا المنطلق أنشأ المجلس المركز الوطني للمعلومات البيئية، الذي يعتمد على نظم المعلومات الجغرافية (GIS) كأسلوب حديث في عرض المعلومات وربطها بالموقع. وقد قام المركز بتطوير العديد من قواعد البيانات والبرمجيات التي تقدم العـون للأقسام والوحدات المختلفة فـي الأمانة العامة للمجلس. ولعل النجاحات المتتالية تتـوج ببرنـامـج "ESAMS" الذي حصل على جائزة أفضل تطبيق في ورشة العمل الأولى لتعليم نظم المعلومات الجغرافية في الشرق الأوسط. وقد تم تصميم النظام بحيث يمكنه تزويد المستخدمين بمعلومات مفصلة، نوعية وكمية، عن المياه الجوفية في الموقع من خلال بيانات يمكن تحديثها بصورة مستمرة. كما يمكن مراقبة كافة مواقع إلقاء النفايات في قطر، باصدار تقارير مفصلة حول كمية ونوعية النفايات في كل موقع وصور حديثة له. ويقدم النظام تقريراً مفصلاً عن تحاليل المعلومات البيئية المتوفرة والتي توجد في 15 شريحة معلوماتية، تتضمن المياه الجوفية والتركيب الجيولوجي والنمو المدني وتوزيع المزارع والروض والمناطق ذات الحساسية الخاصة وغيرها.
ما مدى تعاون القطاع الخاص مع الحكومة في مجالات الرعاية البيئية؟
هناك تعاون كبير بين القطاعين العام والخاص في هذا الميدان. وكثيراً ما تتبنى الشركات والمؤسسات الخاصة مشاريع بيئية. وتقوم مؤسسات التمويل القطرية الخاصة بدور كبير في تنفيذ خطط وبرامج المجلس الأعلى للبيئة، في ما يتعلق بحملات النظافة العامة وإقامة المخيمات والمعسكرات البيئية وتنظيف السواحل وغيرها من الأنشطة والفعاليات. وهذا جزء من الرعاية البيئية التي تتضافر جهود المؤسسات الحكومية والأهلية في تقديمها لصون البيئة القطرية.
ما مدى المشاركة القطرية في العمل البيئي الاقليمي والدولي؟
ان دولة قطر، بحكم وضعها الجغرافي وكعضو فعال في الأسرة الدولية وعضو مؤسس في العديد من المنظمات البيئية، تلتزم بالانضمام الى كافة الاتفاقيات الخاصة بالبيئة. ولا شك ان المشاكل البيئية تؤثر على المستوى الاقليمي والدولي، وهي بحاجة الى تعاون إقليمي. ويواصل المجلس جهوده في تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات البيئية الدولية والاقليمية التي انضمت اليها الدولة. وهو نقطة الاتصال الوطنية للعديد منها، كالاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة للتغير المناخي، واتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، واتفاقية فيينا لحماية طبقة الاوزون، واتفاقية الأمم المتحـدة لمكافحة التصحر، واتفاقية الكويت لحماية البيئة البحـرية، التجارة الدولية بالأنواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض. وفي إطار التعاون الدولي مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، تم إنشاء وحدة الاوزون لدعم برامج تقليل استخدام المواد المستنزفة لطبقة الاوزون وتشجيع الجهات المختلفة على استخدام البدائل الصديقة للاوزون. كما أسفر التعاون في مجال الوقاية الاشعاعية بين المجلس الأعلى والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الاستفادة من 17 فرصة تدريبية للباحثين القطريين في مجال الوقاية الاشعاعية الصناعية والطبيعية والتعليمية، كما تم تمويل عدة زيارات لخبراء دوليين في هذا المجال. وقدمت الوكالة مختبراً متكاملاً لقياس الجرعات الاشعاعية الشخصية.
على رأس مجلس التعاون الخليجي اليوم قطري هو معالي الاستاذ عبدالرحمن العطية. هل ستساهمون معه في تطوير أطر جديدة للتعاون البيئي الخليجي؟
لا شك أن وجود سعادة الاستاذ عبدالرحمن العطية على قمة الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي هو مفخرة لنا. واننا بلا شك سنسعى الى المساهمة معه في تطوير أطر جديدة للتعاون البيئي الخليجي وفي تنفيذ ما أوجد في السابق.