Monday 25 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عماد سعد (أبوظبي) دورة أبوظبي التدريبية في الإعلام البيئي  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2002 / عدد 52-53
 لو حصلت البيئة على التغطية الإعلامية التي تتمتع بها كرة القدم، لتوقعنا تبدلاً في المفاهيم خلال فترة وجيزة وقيام رأي عام يفهم البيئة ويحترمها ويصونها. كان هذا أحد الآراء التي أبداها المشاركون في الدورة التدريبية للاعلام البيئي، التي نظمتها هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في أبوظبي بالتعاون مع مركز التدريب في مجلة "البيئة والتنمية". وكانت الدورة خطوة عملية لتطوير القدرات المهنية في ايصال المعلومات والاحداث البيئية الى الجمهور. وقد أجمع المشاركون فيها على جدوى تكرارها في الامارات وسائر البلدان العربية.
 "لماذا التعتيم الإعلامي؟ ولماذا تخفي بعض الجهات الأخبار القابلة للنشر والتي لا تضر بسمعة الدولة عن وسائل الإعلام؟" سؤالان طرحهما، حرفياً، الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، وزير الدولة للشؤون الخارجية ونائب رئيس مجلس إدارة هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أيام على غرق ناقلة النفط العراقية "زينب" قبالة الساحل الشمالي للإمارات في نيسان (ابريل) 2001.
آنذاك، تسرب من الناقلة نحو 300 طن من زيت الوقود، فنفقت أطنان من الأسماك، ووصلت المواد الزيتية إلى منافذ شبكة التحلية في إمارة الشارقة. وتم استئجار سفن قامت بشفط الزيوت التي تسربت من الناقلة العجوز. هذه الحادثة فتحت باب النقاش حول مدى استعداد دول المنطقة لمعالجة كوارث من هذا النوع، خاصة وأن مياه التحلية هي عصب الحياة لسكانها. وقد وجه الشيخ حمدان بن زايد انتقاداً شديداً حيال الصمت والتعتيم على أخبار غرق الناقلة. وقال: "ان المصلحة العليا في مواجهة مثل هذه الكوارث تتطلب نشر الحقائق كاملة، حتى لو أدى الأمر إلى إحراج جهات قد تكون مقصرة في أداء واجباتها".
بعد أقل من سنة على هذا التصريح، دعت هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها مجلة "البيئة والتنمية" إلى تنظيم دورة تدريبية في الإعلام البيئي في أبوظبي. وعقدت الدورة في 27ـ29 أيار (مايو) الماضي برعاية الشيخ حمدان بن زايد. وشارك فيها نحو ثلاثين محرراً في الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية ومسؤولو إعلام وتوعية في مؤسسات حكومية وخاصة.
اعتمد برنامج الدورة صيغة تبادلية وتفاعلية بين المشاركين والمدربين، الذين كانوا جميعهم حاضرين خلال كل جلسات العمل على مدى الأيام الثلاثة. وتمحورت أعمال الجلسات على ترسيخ مبادئ الإعلام البيئي، من اختيار المواضيع إلى جمع المعلومات من مراجعها الموثوقة إلى إعداد المادة النهائية. وركزت على كيفية تحويل المواضيع البيئية العامة إلى مادة إعلامية تهم الجمهور وتساعد في إجراء تحولات إيجابية لتحسين وضع البيئة المحلية. كما تضمنت تدريبات وتمارين على تقنيات صحافية لصناعة الخبر والمقال والبرنامج الاذاعي والتلفزيوني، أشرف عليها اختصاصيون ذوو خبرة طويلة في الإعلام البيئي.
ضم فريق التدريب الدكتور عصام الحناوي الخبير البيئي العالمي والاستاذ في المركز القومي للبحوث في القاهرة، ونجيب صعب ناشر ورئيس تحرير "البيئة والتنمية"، ووجدي رياض مساعد رئيس تحرير جريدة "الأهرام" المصرية ونائب رئيس مركز التدريب فيها، وراغدة حداد رئيسة التحرير التنفيذية في "البيئة والتنمية".
البواردي: تأثير على صانعي القرار
صعب: إعلام أرقام ومعلومات
افتتح الدورة العضو المنتدب لهيئة أبحاث البيئة والحياة  الفطرية محمد البواردي. فاعتبر إنها تأتي في إطار استراتيجية الإعلام البيئي التي تنتهجها الهيئة. وأشار إلى تنامي اهتمام الإعلام العالمي بقضايا البيئة، وتفاعل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية مع تكوين جمعيات أهلية لحماية البيئة والحياة البرية، والتنبيه إلى الأضرار الناجمة عن ممارسات الإنسان التي أدت إلى التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية واختلال التوازن الايكولوجي. وأشار إلى الحاجة الملحة لتزويد المواطنين بالمعلومات والحقائق التي من شأنها ترشيد السلوك العام وتأكيد مسؤولية الجميع في المحافظة على البيئة ومواردها من خلال الممارسات اليومية، مثل الاستعمال الرشيد للمياه والطاقة.
وأكد البواردي أن "للإعلام البيئي دوراً فعالاً في التأثير على صانعي القرار وحثهم على انتهاج سياسات إنمائية متوازنة تكفل التنمية مع المحافظة على البيئة ومواردها، وكذلك توجيه الباحثين إلى المجالات التي يجب أن تحظى بالأسبقية في البرامج البحثية". وأمل بمزيد من الطرح الجاد والمكثف لقضايا البيئة الأساسية في الإمارات، وأن تلحق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بركب الصحف، التي أفرد بعضها صفحات للبيئة، وتخصص للقضايا البيئية ما تستحق من المساحة في برامجها.
وركز نجيب صعب، ناشر ورئيس تحرير "البيئة والتنمية"، على أن الاعلام العصري يقوم على الارقام والمعلومات. والصحافة البيئية تعالج عناوين جديدة مختصة تتطلب اطلاعاً على مبادىء علمية ومصطلحات حديثة، كما تتطلب معرفة بدقائق المعاهدات البيئية الدولية وطريقة عمل المنظمات والبرامج البيئية، عالمياً واقليمياً ومحلياً. وقال ان الموضوع الاعلامي يجب ان ينطلق من الاثر على أوضاع الناس الشخصية ونوعية حياتهم ومستقبلهم، والمضاعفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية: "لا يجوز أن نكتفي بالحديث عن ثقب الاوزون في سيبيريا وننسى ملوثات تصدر يومياً في شوارع مدننا وترمى على شواطئنا أو خلف بيوتنا".
ولاحظ أن طريقة تصدي وسائل الاعلام العربية لمواضيع البيئة تميزت في معظم الحالات بالغموض. فالمعالجات تكون اما عامة جداً تغشاها ضبابية انشائية، واما محدودة في اطار ضيق مثل حملات النظافة. وفي كلتا الحالين خروج عن المفهوم الاساسي للمسألة". فهدف الاعلام البيئي أساساً حفز الجمهور للمشاركة الفعالة في رعاية البيئة. وهذا يستدعي اقامة حوار تصل من خلاله آراء الناس الى المسؤولين، كما يوصل المسؤولون الى الجمهور ايضاحات عن جدوى التدابير والاجراءات التي تتخذها الحكومات والهيئات الرسمية لحماية البيئة، "فالاعلام البيئي يخلق حساً بالانتماء الاجتماعي، وبالدور المركزي للفرد والعمل الشخصي في حماية البيئة، التي هي ملك مشترك".
وأضاف صعب ان السياسة الوطنية للاعلام البيئي يجب ان تعمل على توفير المعلومات الموثوقة لوسائل الاعلام، عن طريق شبكات اتصال بالمؤسسات العلمية والمنظمات الدولية المختصة، "فالاعلام البيئي غير المستند الى مراجع موثوقة يؤدي الى بلبلة الرأي العام وتشويش أفكاره". وقال ان أبرز مظاهر الفشل في تنفيذ برنامج اقليمي للاعلام البيئي تكمن في اهمال اقامة شبكة اتصالات بين الاعلاميين ومصادر المعلومات البيئية العربية، وعدم ايجاد آلية ثابتة لجمع المعلومات البيئية الاقليمية وتوثيقها وجعلها في متناول الاعلاميين العرب. ودعا الى معاملة البيئة اعلامياً كقضية وطنية وأساسية، وليس كأخبار في صفحات النشاطات الاجتماعية.
معارف وتقنيات
استمع المشاركون إلى عرض مفصل لوضع البيئة العالمية، بما في ذلك المشاكل الرئيسية والمعاهدات الدولية والتنمية والعولمة وموقع العرب في العمل البيئي الدولي. وناقشوا كيفية معالجة قضايا البيئة العالمية في الإعلام.
وقدمت شيرين الزوربا، المسؤولة الإعلامية في مكتب غرب آسيا لبرنامج الأمم المتحدة  للبيئة، تقرير توقعات البيئة العالمية (GEO 3) الصادر حديثاً عن البرنامج، وفيه عرض للسياسات والآثار البيئية التي حدثت على مدى الثلاثين سنة الماضية. وشرحت سبل الوصول إلى مراجع الإعلام في البرنامج وكيف يمكن للصحافيين الاستفادة  منها.
قضايا البيئة في المنطقة العربية فصّلها الدكتور عصام الحناوي. ودار حوار معه فتح للمشاركين آفاقاً في طرح المشاكل البيئية المحلية والإقليمية. فتم عرض التباين بين الأقطار العربية من حيث المساحة والمناخ والسكان والموارد الطبيعية وأنماط التنمية. واتضح مدى تدهور التربة والتصحر وأسبابهما، كالتوسع العمراني والإدارة غير الواعية للأراضي، وتأثيرهما على الإنتاج الزراعي وهجرة  الريف، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية. وتتعرض البيئة البرية لمجموعة من ملوثات الهواء والماء والتربة وتراكم النفايات الصلبة والخطرة، غالباً في غياب الرقابة والروادع ومراكز رصد التلوث. أما البيئة البحرية فترزح تحت وطأة التلوث الناجم عن النقل البحري وعمليات استخراج النفط ومياه الصرف الصناعية والبلدية.
ولفت إلى أن الإعلام العربي يركز عادة على الحدث البيئي المثير، الذي يحصل ربما مرة أو مرتين في السنة، ويهمل الأحداث اليومية التي يمكن أن تكون آثارها التراكمية أكبر بكثير، كخسارة 3.5 في المئة من الناتج القومي الإجمالي العربي بسبب تلوث الهواء. وفي التلوث النفطي، مثلاً، تسلط الأضواء على حوادث التسرب النفطي الكبرى، وتهمل التسريبات اليومية التي يفوق مجموعها بقعة نفط سببتها ناقلة.
وناقش الحاضرون مع راغدة حداد تقنيات جمع الأخبار البيئية وتصنيفها واختيارها وتحريرها، في الصحف اليومية والدورية وفي النشرات والبرامج التلفزيونية والإذاعية. فالعرض يختلف باختلاف وسيلة الاعلام ووتيرة صدورها. والصحافة المكتوبة يجب أن تعطي أكثر من الخبر الآني، فتربطه بما سبقه وتورد توقعات لما سيلحقه، والمعلومات الاضافية تزداد كلما طالت وتيرة الصدور. واطلع المشاركون، في خوض مباشر لشبكة الإنترنت، على مواقع المنظمات البيئية الدولية والعربية التي يمكن الحصول منها على المعلومات المطلوبة، وعلى الشبكات الإخبارية التي تمد المشتركين، يومياً ومجاناً، بآخر المستجدات البيئية في العالم. كما اطلعوا على طرق اختيار الصور المناسبة والمعبرة لترافق المقالات والأخبار، والحصول عليها من الوكالات المختصة وبواسطة الانترنت.
وتداول المشاركون مع نجيب صعب تقنيات كتابة المقال البيئي، وبشكل خاص مقالات الرأي. فقال ان من شروط المقال الناجح تقديمه المعلومات الصحيحة والجديدة والطريفة، والتقاط "الاشارات والموجات المعبرة عن نبض الجماهير" لمخاطبتهم ومحاولة التأثير في اتجاهاتهم. وتناول أهمية تحليل التطورات وعرض آراء الناس والهيئات الأهلية والرسمية والدولية، وطرح سيناريوهات مختلفة مبنية على المعلومات والاتجاهات المتوقعة، وإثارة الاستفهامات. ولفت الى أن هناك خطاً أحمر رفيعاً بين الاسلوب الفضائحي المؤذي والمنفّر وأسلوب عرض الحقائق بقوة الاقناع والمنطق لفضح الخلل والدفع في اتجاه التغيير الايجابي. وركز على أهمية توخي الدقة في عرض المعلومات العلمية، لأن معلومة خاطئة تعرض للتشكيك مئات المعلومات الصحيحة.
وعرض وجدي رياض تقنيات كتابة التحقيقات الصحافية البيئية، استناداً إلى خبرته الطويلة في تحرير صفحة البيئة المتخصصة في الأهرام. فتطرق إلى المصادر الأساسية للمعلومات، من هيئات رسمية وخاصة ومنظمات ومراكز أبحاث دولية ومحلية، وركز على أهمية مقاربة المشكلة المطروحة من كل زواياها، والاطلاع على آراء الناس المتضررين وتأثير المشكلة على حياتهم، والحلول الممكنة، مع عرض تجارب ناجحة لمناطق أخرى تعاني من حالة مماثلة. وناقش مع الحاضرين حجم التحقيق ومساحته، واختيار الصور المعبرة، وحتى الاستعانة برسوم الكاريكاتور... "ذلك التحقيق الصحافي الذي تقرأه في ثانية واحدة". ونصح بالاستعانة أحياناً بشخصيات مشهورة ومحببة إلى قلوب الناس، كفنان أو رياضي أو سياسي، مستشهداً بتحقيق أجراه مع الفنانة فاتن حمامة التي "هربت" من القاهرة إلى الغردقة، وآخر مع الشيخ متولي الشعراوي الذي ترك القاهرة إلى الطريق الصحراوي، والاثنان كانا مريضين بالحساسية نتيجة تلوث الهواء.
وتناقش المشاركون والمدربون في مواضيع يجدر أن يركز عليها الإعلام البيئي العربي، ومنها استهلاك الماء والكهرباء، والتلوث النفطي، والصناعة البتروكيميائية، والتشجير، والأمن المائي، والهندسة المعمارية البيئية ومواد البناء التي تتيح استهلاكاً أكفأ للطاقة، وأساليب الزراعة والري، والمبيدات، وغيرها.
خبرات من المشاركين
عرض المتدربون تجاربهم الشخصية في كتابة مقالات وتحقيقات بيئية. وناقشوا مع المدربين عدداً منها. وطرحوا المشاكل التي يواجهونها في استقاء المعلومات وفي اختيار المواضيع المناسبة. وتساءلوا كيف يمكن أن يجعلوا المادة البيئية "مقبولة للنشر" وقريبة من عقول الناس.
عيسى الطنيجي، من جريدة الاتحاد، قال ان القارئ لا يريد قصة عادية، بل ساخنة، وللمواضيع الساخنة "محاذير وخطوط حمراء". والكلام عنها يحتاج إلى مستندات، لكن نقص المعلومات الموثوقة حاجز يتوقف عنده معظم الصحافيين الذين يتعاطون شؤون البيئة.
ضبابة الرميثي، من المركز الوطني لبحوث الطيور التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها، أشارت إلى ضرورة إيصال المعلومات الصحيحة إلى الناس وبطريقة يفهمونها. وقالت لزميل اشتكى من تقاعس بعض الهيئات عن تعميم نتائج أبحاثها على وسائل الاعلام: "أتعب نفسك واذهب إلى مصدر معلومات!" ملاحظة أن بعض الإعلاميين ينتظرون أن تأتيهم المعلومات جاهزة للنشر من الهيئات المعنية، ولا يريدون بذل جهد للوصول الى معلومات اضافية ذات علاقة باهتمامات الناس وبالأحداث الجارية.
هل يجب أن يكون الإعلامي البيئي متخصصاً بالبيئة؟ هذا السؤال الذي طرحه معاوية إبراهيم، من جريدة خليج تايمز، أثار موجة نقاش. فالصحافيون العلميون "عملة نادرة" في المنطقة العربية. ولئن يكن الوضع المثالي توافر المؤهلات العلمية والصحافية في شخص واحد، ففي معظم الحالات يستطيع الصحافي مزاولة الإعلام البيئي بنجاح حتى لو لم يكن متخصصاً، عن طريق الاطلاع المكثف والموسع على القضايا البيئية العالمية والمحلية، ومتابعتها، وحضور المؤتمرات البيئية، واستشارة اختصاصيين في المجالات البيئية المختلفة، والتدقيق في المعلومات المتاحة. ومن الضروي أن يلمّ بموضوعه بما يكفي لتحديد المصادر الصحيحة لجمع المعلومات ومن ثم عرضها وتحليلها.
ومن معوقات الصحافة البيئية، في رأي إشراقة النور من جريدة الوحدة، عدم إتقان كثير من الإعلاميين للغة الإنكليزية، التي تتوافر فيها مصادر المعلومات الدولية وكثير من التقارير المحلية. وهذا عائق يشل أيضاً إمكانات استخدام شبكة الإنترنت. وفي هذا الصدد، روت منال عليوة، من مركز رقابة الأغذية والبيئة في بلدية أبوظبي، أن صحافياً طلب منها مرة معلومات عن الميكروويف المنزلي، لعجزه عن استخدام الإنترنت وعدم إلمامه بلغة أجنبية. فأجرت بحثاً مكثفاً، واضطرت الى ترجمة المعلومات الضرورية له إلى العربية. فاستخدمها في إعداد تحقيق أثار ضجة شعبية واسعة وتناقلته وسائل الإعلام المحلية، خاصة وأن الميكروويف جزء من موجودات مطابخ معظم العائلات.
واشتكى معظم المشاركين من أنهم يغطون أخبار البيئة وأخباراً أخرى، لذا هم دائماً مستعجلون. وتمنوا لو يتم تفريغهم ليتعاطوا قضايا البيئة دون غيرها. فإعداد تحقيق دقيق ـ مثلاً، عن أثر مشروع عمراني أو صناعي ما على البيئة ـ يتطلب أياماً وأسابيع من البحث وجمع المعلومات ومقابلة الخبراء، ومن ثم الكتابة والتحليل. وهذا ما لا توفره وسائل الاعلام العربية عادة لمحرريها. وهو يتناقض مع الممارسة المتعارف عليها في الصحافة الدولية المتقدمة، إذ تشترك مجموعة من المحررين، على فترة أسابيع، في جمع المعلومات عن موضوع بيئي أو تنموي أو علمي وكتابته. وقد لا يحتل في المجلة أكثر من مساحة صفحة واحدة أو اثنتين، لكنه يعطي المعلومات الدقيقة ويحللها ويثير اهتمام المخططين والفنيين والقراء عامة.
سؤال وجيه طرحه ميوم ألير من جريدة "غلف توداي": هل تستحق البيئة مجلة متخصصة، أم صفحة متخصصة، أم توزع أخبارها في كل الصفحات؟ وأثار هذا الطرح نقاشاً حامياً أجمع الحاضرون في نهايته على ان البيئة تستحق الثلاثة معاً. فهناك حاجة إلى مجلة متخصصة تقارب القضايا العالمية والمحلية من وجهة نظر بيئية وتكون مرجعاً دورياً ودائماً. أما الصفحة المتخصصة في جريدة، فيمكن أن تتضمن تحقيقات وتحليلات تطرح هذه القضايا من حيث تأثيرها على حياة الناس والوضع الاجتماعي والاقتصادي. وأما الأخبار البيئية اليومية فيتم إدراجها في صفحات المحليات والدوليات والاقتصاد والثقافة وغيرها، بحسب نوعيتها، من غير أن تنتظر صدور الصفحة المتخصصة.
ولاحظ المشاركون نقص البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تتطرق إلى القضايا البيئية، خصوصاً وأن عنصر الإعلانات هو الذي يحدد غالباً نوعية معظم البرامج وتوقيتها. وقالت ناعمة الطنيجي، من إذاعة أبوظبي، ان التوعية البيئية يجب أن تتخلل فقرات الربط وأن تحظى بمساحة يومية في البرامج، وليس فقط في المناسبات البيئية كما يحصل عادة. واقترحت رلى نجم، من مجلة "كل الأسرة"، تحويل المواضيع البيئية إلى مواضيع أسريّة تهمّ الناس، الذين يحبون مثلاً برامج حماية المستهلك وما قد تتضمنه من تأثير الملوثات على الصحة. وهكذا لا يكون توافر الإعلانات أمراً مفروضاً لنشرها أو بثها لأن الناس سيهتمون بها.
وتساءل سالم الكعبي، من إذاعة أبوظبي، هل يتوافر العنصر البشري والفني لإعداد برامج بيئية محلية جدية حتى لو وجد الدعم المادي المطلوب؟ فكانت إشارة هنا إلى أن كثيراً من الهيئات البيئية العربية، ولاسيما تلك المهتمة بالطبيعة، لديها إمكانات كبيرة للإنتاج البيئي كما يحصل في أنحاء العالم. ففي أرشيفاتها ألوف الساعات من الأشرطة المصورة، وما عليها إلا أن توكل إلى مخرجين ومنتجين أكفياء إعداد برامج وثائقية منها على الأقل. وغالب الظن أن محطات التلفزيون سترحب بعرض مادة جيدة إذا وجدت. ومعلوم ان أفضل محطات التلفزيون والاذاعة العالمية احتاجت إلى دعم خارجي لإعداد برامج بيئية. لكن المشكلة غالباً في البلدان العربية أن هواة يقومون بإنتاج ما يسمى أعمالاً احترافية، فتكون النتيجة عملاً لا يقرأ أو يسمع أو يشاهد.
دورة لرؤساء التحرير!
المشاركون في الدورة التدريبية أجمعوا على إفادتهم الشخصية منها، واعتبر كثيرون منهم أنها غيرت نظرتهم إلى مفهوم العمل الصحافي البيئي. وقال ممدوح عبد الحميد أمين، من جريدة البيان، انها فتحت له آفاقاً أرحب للتعاطي برؤية جديدة مع الأخبار والمواضيع البيئية وتأثيرات الاتجاهات العالمية على البيئة المحلية. وأضاف أن الأيام الثلاثة التي أمضاها الإعلاميون في هذه الدورة المكثفة صقلت قدراتهم في الصحافة العلمية، خصوصاً محرري الصحف اليومية غير المتفرغين للأخبار البيئية.
الدكتور إبراهيم الشمسي، الأستاذ في قسم الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات، قال ان الدورة "أغنتنا بالمعلومات البيئية ووجهتنا لاستثمارها وتنميتها وصياغتها بشكل إعلامي". وطالب بإتاحة الفرصة لطلاب الإعلام في الجامعات لحضور مثل هذه الدورات. واعتبرت ماجدة ملاوي، من جريدة "أخبار العرب"، ان الدورة تميزت بالمدربين المتخصصين وطرحت كمية هائلة من المعلومات البيئية العالمية والعربية، ومنحت المشاركين مساحة زمنية جيدة للمناقشة وإبداء الرأي.
واقترح سلام أبو شهاب، من جريدة الخليج، تعميم الدورة على مستوى العالم العربي بالتعاون مع الهيئات البيئية، وعلى ضوئها تحدد عناصر يمكن تأهيلها محلياً واقليمياً ودولياً للاعلام البيئي المتخصص. وتمنى أحدهم لو تنظم دورة مماثلة لرؤساء تحرير الصحف، ومديري البرامج في الإذاعة والتلفزيون، لكي يعطوا مزيداً من الاهتمام والدعم لتغطية القضايا البيئية. وطلب محمود إسماعيل بدر من مجلة "تراث" أن تكون الدورة المقبلة أطول "لتزاد فيها جرعة الجانب الفني التقني وورش العمل الخاصة بكتابة الخبر والمقال والتحقيق البيئي".
ولعلّ ما كتبه أحمد هاشم عن الدورة في جريدة "الاتحاد" يلخص ما تحقق خلالها. ومما جاء في مقاله: "كشفت الدورة المستور عن واقع الاعلام البيئي العربي وفنَّدت عجزه وقصوره، سواء في أداء العمل والامكانات المؤهلة لعناصره العاملة أو في آلية الطرح. وهي ـ والحق يقال ـ حددت المؤهلات والملكات التي يجب ان يتمتع بها الصحافي البيئي، الذي لا بد أن يمتلك مقومات الموهبة والعلم واللغة الاجنبية ورشاقة القلم الذي يحول المادة العلمية البيئية الجافة الى موضوع مقروء أو مقالة ذات مضمون معرفي ميسر. وهي جعلت، وبصورة غير مباشرة، كل واحد من المشاركين في موقف حرج، يقيّم نفسه ويعرف قدرها".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.