إنقاذ نهر الزرقاء الملوث الذي يعتمد عليه 65% من سكان الأردن، وتحسين الحوكمة المائية لنهر النيل المشترك بين 10 دول أفريقية،وتقييم الموارد الوراثية ورصد الشعاب المرجانية في الخليج، والمساعدة في إعادة تأهيل أهوار العراق، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في المغرب العربي، نماذج من مشاريع كثيرة ينفذها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في المنطقة العربية
جوليا مارتون لوفيفر
قليلة هي المناطق التي تتمتع بالتنوع والجمال الموجودين في المنطقة العربية، ملتقى الحضارات المتوسطية والفارسية والعربية. إنها تزخر بامتدادات من الغابات والصحارى والجبال وأشجار المنغروف والشعاب المرجانية. لكنها تشهد تغيرات بيئية بالغة الأثر.
هذه التغيرات تحد بشكل كبير من خيارات البقاء في البلدان العربية، كما ورد في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول «خيارات البقاء والبصمة البيئية للبلدان العربية». لكن ما يشد انتباه العالم اليوم هو الانتفاضة السياسية والاجتماعية في هذه المنطقة.
فكيف يمكن للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) والجهات المعنية بالبيئة والتنمية في المنطقة أن توحد القوى لضمان الاستدامة ومعها الازدهار والاستقرار؟
الاستدامة، طبعاً، جوهر عمل الاتحاد. فهو، بالشراكة مع الصندوق العالمي للحياة البرية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أول من صاغ مفهوم «التنمية المستدامة» عام 1980 في "استراتيجية الحفاظ على العالم" ويعمل على تحقيقها منذ ذلك الحين.
ولدينا اليوم فكرة أخرى أرى أنها لا تقل وصولاً إلى الناس وقدرة على تغيير قواعد اللعبة. إنها الحلول المبنية على الطبيعة.
كان الاتحاد أول من أطلق هذا المفهوم في سياق مفاوضات المناخ، كاستجابة لأكبر التحديات البيئية والتنموية في القرن الحادي والعشرين. رسالتنا بسيطة: الطبيعة ليست ضحية، الطبيعة جزء من الحل.
سيواصل الاتحاد دائماً التصدي للتهديدات التي تتعرض لها النظم الإيكولوجية الطبيعية والأنواع النباتية والحيوانية التي تعتمد عليها، بما في ذلك نحن البشر. لكننا الآن نذهب أبعد كثيراً من طلب الحماية وتقليل المخاطر وعمل الخير.
نعلم أن التحديات الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، خصوصاً تغير المناخ والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن مواجهتها بحلول مبنية على الطبيعة فقط. لكن جميع هذه القضايا تعتمد على صحة النظم الايكولوجية للأرض.
فما الذي يصنع حلاً مبنياً على الطبيعة؟ أولاً، يجب أن يعالج الحل المشكلة وأن يوفر فوائد واضحة للتنوع البيولوجي. ثانياً، يجب أن يكون قليل الكلفة بالمقارنة مع حلول أخرى. ثالثاً، يجب أن يكون قابلاً للقياس والتثبت والتكرار. رابعاً، يجب أن يكون قادراً على اجتذاب التمويل من القطاعين العام والخاص. خامساً، يجب أن يحترم ويعزز حقوق المجتمعات في الموارد الطبيعية.
حماية المياه ومكافحة التصحر
الحلول المبنية على الطبيعة ليست مجرد أحلام، بل هي عمل فعلي يتطور يوماً بعد يوم. وثمة أمثلة ملموسة في المنطقة العربية، التي تعتبر من أفقر المناطق بالمياه على الأرض.
وفيما يتخبط كثير من الدول المتقدمة في دَين ثقيل اقتصادياً، نحن جميعاً في دين أثقل إيكولوجياً، نطلب من الماء أكثر 40 في المئة مما يستطيع الكوكب تزويده.
في الأردن ثلاثة أحواض نهرية فقط، وهو يواجه نقصاً خطيراً في المياه العذبة. ويعمل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مع وزارة البيئة الأردنية على إنقاذ نهر الزرقاء، الأكثر تلوثاً واستغلالاً في البلاد، وإعادته الى وضعه السليم. ويعتمد على هذا النهر 65 في المئة من مجمل سكان الأردن وأكثر من 90 في المئة من الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ويعمل الاتحاد على تحسين الحوكمة المائية لنهر النيل، شريان الحياة لعشرة بلدان في شمال أفريقيا، وعلى إعادة تأهيل أهوار العراق الفريدة عند ملتقى نهري دجلة والفرات.
ولعل التصحر، المرتبط بندرة المياه، هو المشكلة الأكثر خطورة والأقل استقطاباً للاهتمام العالمي والعربي. فقد يتسبب في تشريد نحو 50 مليون شخص حول العالم خلال السنين العشر المقبلة. ويُعتقد أنه يكلف الاقتصاد العالمي 42 بليون دولار سنوياً، في حين تقدر كلفة الوقاية منه بنحو 2,4 بليون دولار فقط. ويعمل الاتحاد مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على تحقيق هدف «حياد تدهور الأراضي» الذي تبناه قادة العالم عام 2012 في مؤتمر ريو +20.
دعماً لهذا الهدف، نعمل بنشاط من المشرق الى المغرب على إحياء الواحات، ووقف زحف الصحراء، وتحصين المجتمعات المحلية لمواجهة تغير المناخ، وتعزيز الاستغلال المستدام للنظم الايكولوجية في الأراضي الجافة. فالأراضي الجافة بيئات قاسية، حيث الابداع البشري والمعرفة والاستغلال الحريص للموارد شروط ضرورية للبقاء. لذلك نعمل مع المجتمعات البدوية، ونتعلم من معرفتها التقليدية في إدارة البيئة الهشة.
ونحن نساعد المملكة العربية السعودية في تطوير استراتيجيتها الوطنية لحق الوصول الى الموارد الوراثية وتقاسم فوائدها. كما نروج لتشجيع إشراك النساء في الاستجابة لتحديات تغير المناخ في البحرين ومصر والأردن.
لدى أربعة بلدان من خمسة في الشرق الأوسط اليوم غطاء نباتي يقل عن 10 في المئة من مساحة البلد. وإعادة الأراضي الغابية الى وضع سوي هي من الحلول الأقل كلفة للحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة الفقر وتغير المناخ في آن معاً. وقد أطلق الاتحاد وشركاؤه عام 2011 «تحدي بون» لاستعادة 150 مليون هكتار من الغابات المفقودة والأراضي المتدهورة في أنحاء العالم بحلول سنة 2020. ويمكن أن يسفر تحقيق هذا الهدف عن توليد 85 بليون دولار سنوياً لبعض المجتمعات الأفقر في العالم.
نحن نصبو الى العمل مع جميع المعنيين لتحقيق ذلك في المنطقة العربية. ففي لبنان مثلاً، الذي تتصدر شجرة الأرز علمه الوطني، هناك حماسة كبيرة لاستعادة الأراضي الحرجية، والاتحاد يقدم مشورته حول الأشجار المتوطنة الأكثر ملاءمة لهذا الغرض.
صون النظم البحرية
تعمل النظم الايكولوجية السليمة أيضاً كأساس للأمن الغذائي. فكروا في واحة في الصحراء الأفريقية وما يمكن أن تنتجه من ثمار الحمضيات والتين والخـوخ والـدراق والمشمش والخضـار والحـبوب. تشكـل هذه النظـم أيضـاً مناطق عازلة قليلة الكلفة تحمي من الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال، توفر الشعاب المرجانيـة حمايـة ساحلية وخدمات قيمة تقـدر بنحو 170 بليون دولار سنوياً، ولكن 70 في المئة من الشعاب المرجانية حول العالم مهددة أو مدمرة.
لقد عمل الاتحاد بنشاط في المنطقة منذ عقود، وأجرى دراسات شملت النظم الايكولوجية البحرية في الخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط. إن دراسات إدارة الموائل الساحلية والبحرية في السعودية والبحرين وعُمان وليبيا وبلدان أخرى، التي أجريت في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، توفر الآن تقييمات أساسية ذات أهمية عالمية.
على سبيل المثال، تحول البحر الأحمر خلال عقدين فقط من منطقة نائية الى وجهة سياحية دولية ناشطة، ويقصده نحو ثلاثة ملايين سائح سنوياً. ولكن في طفرة استغلال هذا الازدهار السياحي، تتعرض ثروات البحر الأحمر للاستنزاف. وقد أطلق الاتحاد بالتعاون مع اليونسكو وشركاء آخرين «حملة المحيطات المتغيرة» لتوثيق تنامي الأثر البشري على البيئات البحرية. وسوف يتم اختيار موقعين اختباريين في حوض البحر الأحمر، ويقدم علماء توصيات حول كيفية إبقاء السياحة ضمن حدود مستدامة من أجل توفير فوائد باقية في المستقبل البعيد.
وفي الخليج، نعمل مع قطر على تقييم وضع أنواع الأسماك، كجزء من «القائمة الحمراء» الشهيرة للأنواع المهددة التي يصدرها الاتحاد. وسوف نباشر مراقبة الشعاب المرجانية بالتعاون مع الكويت. ويساعد الاتحاد عُمان وتونس والمغرب في تقوية قطاع السياحة البيئية لديها.
الحمى العربي نموذج للعالم
إن كثيراً من الحلول المبنية على الطبيعة ليست جديدة، بل كانت موجودة منذ قرون. و«الحمى» مثال على ذلك، وهو نظام تقليدي لإدارة الموارد يُمارس منذ أكثر من 1400 سنة في شبه الجزيرة العربية، وقد يكون المؤسسة الفطرية الأوسع انتشاراً والأكثر قدرة على الاستمرار لحماية الطبيعة ومواردها. ويتم احياؤه في بلدان كثيرة، مثل الأردن ولبنان ومصر، كنموذج إنمائي وحمائي مستدام.
وغالباً ما يتم الحفاظ على الحمى من خلال صناديق الوقف القائمة على مشاركة المجتمعات. وهذا حل واعد آخر في بحثنا العالمي عن آليات مالية خلاقة لدعم حماية التنوع البيولوجي. وفي إمكان بقية العالم استخلاص دروس مفيدة من هذه التجارب. وقد عُرضت حلول تتعلق بالحمى، وحلول أخرى كثيرة مبنية على الطبيعة، في مؤتمر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في جيجو بجمهورية كوريا في أيلول (سبتمبر) 2012. هناك لم نتحدث عما يجب أن نفعل، أو لماذا، أو متى، بل حول كيف نجعل للطبيعة دوراً في الاقتصاد والسياسة وحياتنا اليومية.
النبأ السار هو أن كلاً من مجتمعي البيئة والأعمال بدأ يتعلم لغة الآخر، كما يظهر من مفهوم «الرأسمال الطبيعي» الذي يزاد شعبية. ويعمل الاتحاد مع عدد من الشركاء في القطاع الخاص في المنطقة: مع شركة «هولسيم» لإعادة تأهيل مقلعها في لبنان، ومع مصرف HSBC للاقتصاد بالطاقة والمياه في الأردن، ومع "شل" لإعادة تأهيل الأهوار في العراق، ومع الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال من أجل تقليل التأثيرات البيئية لعملياتها في خليج عدن.
إن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي اليوم حقيقية جداً وخطيرة جداً. لكن هناك أملاً وإدراكاً متزايداً بأن حماية الموارد الطبيعية وإدارتها بشكل جيد توفران حلولاً فعالة وقيمة لكثير من هذه التحديات. كل ما نحتاج إليه هو تغيير في العقلية. وأنا على اقتناع بأننا نستطيع بهذا التغيير حل أكثر من مشكلة في هذه المنطقة وفي أماكن أخرى.
إن موجة الديموقراطية التي تجتاح المنطقة العربية ترسم عصراً جديداً للمجتمع المدني يتيح تحديد مستقبل مستدام. وهذه فرصة فريدة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة كي يعمل مع أعضائه وشركائه في المنطقة العربية لتحقيق التحول الى الاستدامة التي تضع حياة البشر ورفاهيتهم في المرتبة الأولى. وبفضل وضعنا كمنظمة مراقبة في جامعة الدول العربية، وشراكتنا مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية في أنحاء المنطقة، فإننا نعمل انطلاقاً من القاعدة الشعبية وصولاً الى أعلى المستويات السياسية، لترويج الحلول المبنية على الطبيعة من أجل تنمية مستدامة.
لقد أصاب نجيب صعب، أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، إذ قال: «بعد الحروب والثورات وجميع أنواع البؤس، سيبقى على الناس أن يأكلوا ويشربوا ويتنفسوا، وبالتالي أن يديروا مواردهم الطبيعية».