تتحمس مصانع كثيرة لاعتماد تدابير الإنتاج الأنظف في عملياتها. لكن مساعيها تخيب بعض الأحيان، لقصر نظر في توقع تغيرات السوق، أو لوقف التمويل اللازم، أو لعمى الإدارة عما يمكن تحقيقه. هنا ثلاثة أمثلة حول اعتماد تقنيات الإنتاج الأنظف في الهند والصين والجمهورية التشيكية.

في الهند مصنع لأصباغ المنسوجات ينتج سلفون الفنيل، وهي مادة  كيميائية وسيطة تدخل في صناعة الأصباغ. وتنجم عن ذلك كمية كبيرة  من سائل كحولي يحوي تركيزات عالية جداً من مواد كيميائية مستهلكة للأوكسجين في الماء.

اقترحت وحدة الإنتاج الأنظف في المصنع برنامجاً لاستخلاص منتجات ثانوية من هذه المخلفات، أهمها حامض الكبريتيك (sulphuric acid)  عيار 70% وملح غلوبر. وقدرت كلفة التنفيذ بنحو 360 ألف دولار، لكن هذا الاجراء بدا جذاباً من الناحية الاقتصادية، باسترداد النفقات خلال سنة ونصف سنة، ومن الناحية البيئية بخفض المواد الكيميائية المستهلكة للأوكسجين الى النصف واستبعاد الوحول الجبسية من محطة معالجة النفايات السائلة. لذلك وافقت الإدارة على تنفيذ البرنامج.

ولكن، على رغم مضي 18 شهراً من التشغيل الناجح، تم إيقاف معمل الاستخلاص لثلاثة أسباب رئيسية. الأول، بدء إنتاج كمية ضخمة من حامض الكبريتيك عيار 92% كمادة ثانوية في مصنع مجاور لصهر النحاس، مما هيمن على كامل سوق هذا الحامض. والثاني، حدوث تغير في السياسة الضريبية الحكومية وفرض رسم على الحامض المستخلص. والثالث، حظر شامل لبيع الأحماض الضعيفة بسبب تكرر حالات التخلص منها بطرق غير مشروعة.

العبرة التي يمكن الخروج بها من هذه التجربة هي أن دراسة الجدوى يجب أن تراعي احتمال حدوث تغيرات في سعر السوق نتيجة توافر مصادر جديدة ومنافسة للمنتج، وكذلك أن تتوقع حدوث تغيير في السياسة الحكومية وتحتاط لذلك.

بتمويل من جهات مانحة دولية، أجري في شمال الصين تدقيق بيئي لتكنولوجيا الإنتاج الأنظف في مصنع إسمنت متوسط الحجم تملكه الحكومة، أملاً باجتذاب مزيد من الاستثمارات الدولية.

ودعماً لهذا المشروع التجريبي، نظمت الحكومة المحلية اجتماعاً أولياً لمديري المصنع، الذين وقعوا عقوداً بإجراء تدقيقات بيئية لتكنولوجيا الإنتاج الأنظف. ولكن، ما ان تبين أن تأمين أموال إضافية أمر مستبعد، حتى تراجع دعم المشروع إلى حد كبير. ولم ينجز التدقيق في النهاية إلا بضغط مستمر من الخبراء الأجانب. وحالما غادر هؤلاء البلاد ارتد المصنع إلى ممارساته السابقة.

وبيع المصنع بعد بضعة أشهر إلى صناعي من القطاع الخاص أبدى اهتماماً كبيراً بالفوائد الاقتصادية المحتملة لتنفيذ برنامج الإنتاج الأنظف. واستؤنفت الجهود، وفاجأ التوفير الناتج عنها الجميع.

لقد أدرك المالك الجديد الفوائد الممكنة، وارتباط الإنتاج الأنظف بالتنافسية في السوق.

في الجمهورية التشيكية مصنع غلفنة (طلي المعادن بالزنك) متوسط الحجم، أجرى فيه المركز التشيكي للإنتاج الأنظف تدريبات أثناء العمل. ومعروف أن صناعة صقل المعادن مناسبة جداً لبرامج الإنتاج الأنظف، من خلال التدابير الإدارية الضابطة وإجراء تغييرات تشغيلية بسيطة، كما يمكن جني فوائد كبيرة  بتحسين الأوضاع الصحية والأمنية للعمال.

عندما زار مسؤولو المركز المعمل بعد سنتين من التدريبات الأولية، أبلغتهم الإدارة وبعض المتدربين أن أياً من الخيارات لم ينفذ، وأن جهود الإنتاج الأنظف لم تستمر. لكن بعد زيارة قاعة العمل الرئيسية، تبين أن خيارات الإنتاج الأنظف التي حددت سابقاً نفذها العمال هناك. فقد تحفزوا لإدخال التغييرات اللازمة لأنها حسنت بيئة عملهم وخفضت العبء الملقى على عاتقهم.

هناك ثلاثة دروس يمكن استخلاصها من هذه العملية. الأول، أن أي قصة لم تروَ تبقى طي الكتمان داخل المعمل ذاته، أي ان ما لا يقاس أو يبلغ عنه يبقى كأنه لا وجود له على المستوى الرسمي. والثاني، أن تأثيرات الإنتاج الأنظف ليس من السهل تحديدها، وفي هذه الحالة، كانت هناك تحسينات كبيرة  ولكن لم يتم ردها إلى ممارسات الإنتاج الأنظف. والدرس الثالث، الذي قد يكون الأهم، هو أن الإنتاج الأنظف يمكن أن يسفر عن تحسينات ملموسة، وبسرعة كبيرة أحياناً، ولكن تكون للفكرة قيمة حقيقية وتأثير طويل الأجل عندما تتبناها الإدارة. وفي هذه الحالة، اعتبر الإنتاج الأنظف تدقيقاً بيئياً لمرة واحدة، لا تحسيناً أو تغييراً في منظور الإدارة واستراتيجيتها.

ان تدقيقات الإنتاج الأنظف، كجزء من عملية متكاملة، يجب تطبيقها وقياسها بشكل مستمر، واعتماد مبادئها من قبل جميع المعنيين، خصوصاً الإدارة  العليا.