تجربة الحي الصحي في مسقط، وتخفيض عدد القوارض في دبي بنسبة 59 في المئة، ومشروع إقامة مرادم ومراكز جديدة لتجميع النفايات في العاصمة الأردنية عمّان، وإجراءات بلدية المنطقة الوسطى في البحرين في هذه المجالات، كانت تجارب ناجحة عرضت في مؤتمر إدارة النفايات ومكافحة الحشرات والقوارض في مسقط.
غداة فوزها بجائزة الأمم المتحدة للتميز في مجال الخدمات العامة والنظافة، استضافت العاصمة العمانية مؤتمراً دولياً حول إدارة النفايات ومكافحة الحشرات والقوارض. عقد المؤتمر في فندق قصر البستان بين 6 و8 أيلول (سبتمبر) الماضي، ونظمته بلدية مسقط بالتعاون مع مكتب غرب آسيا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية، ورعاه رئيس مجلس الشورى في السلطنة عبد الله بن علي القتبي.
عرض خبراء ومسؤولون وأكاديميون، من خلال 29 ورقة قدمت في سبع جلسات على مدى ثلاثة أيام، نظريات واقتراحات وتجارب فعلية في إدارة النفايات البلدية الصلبة ومكافحة الحشرات والقوارض، وتناولوا التشريعات المتعلقة بالموضوع وأساليب التنفيذ والتقنيات الحديثة، وخيارات خصخصة العمليات المختلفة في إدارة النفايات.
هل يدفع المواطن ثمن مخلفاته؟
في جلسة اليوم الأول عُرضت أحدث الوسائل للتخلص من النفايات وكيفية اختيار المناسب منها، في ضوء كلفتها الاقتصادية وقدرتها على حماية البيئة. كما نوقشت إيجابيات وسلبيات التخلص من النفايات في المرادم المكشوفة مقارنة بمعالجتها لتحويلها إلى طاقة غازية، وتحويل المخلفات البلدية الصلبة إلى سماد، والتقنيات البيئية السليمة في تصميم وإدارة المرادم الصحية. واقترحت إحدى الأوراق أن يدفع المواطنون رسوماً على النفايات، بحسب حجمها أو وزنها، فيساهمون في كلفة إدارتها، ويدفعهم ذلك إلى التقليل من إنتاجها. وقد جوبه هذا الاقتراح بتعداد بعض سلبياته مثل محاولة المواطنين التخلص من النفايات بطرق غير مأمونة، لتقليل الوزن الذي يسجل عليهم، وربما الاحتفاظ ببعضها لأوقات أطول مع ما لذلك من إضرار بيئية وصحية. إضافة إلى أن إقرار مثل هذا الأمر يحتاج إلى دراسة حول تأثيره على الوضعين المادي والاجتماعي للمواطن وتقبله له.
الحي الصحي: تجربة ناجحة
جلسات اليوم الثاني تناولت موضوع النفايات الطبية من ناحية التشريعات والمعايير وافضل السبل للتخلص منها. كما طرحت إمكانات وأهمية خصخصة إدارة النفايات، وعرضت تجارب لإدارة النفايات الخطرة في سلطنة عمان، ودراسات لكميات المخلفات الطبية وأسس التحكم بالمخلفات الخطرة في مصر، وتجربة تحسين إدارة النفايات الطبية في كوسوفو كنموذج لإدارة النفايات في الحالات الطارئة. وظهر في المناقشات أن العديد من مؤسسات العناية الطبية ترسل نفاياتها إلى المرادم البلدية دون أية معالجة، على رغم خطورتها. وتعدّ بلدية مسقط، مثلاً، مركزاً لمعالجة النفايات الطبية لم يبدأ العمل به بعد بانتظار الانتهاء من دراسات الجدوى الاقتصادية
واستكملت الجلسات بعرض لتجارب مدينة الرياض في السعودية وأمانة عمّان وبلدية السلط الكبرى في الأردن وبلدية مسقط في التخلص من النفايات والنظافة العامة. وقد ركزت بلدية مسقط على نجاح تجربة الحي الصحي، حيث تجمع المخلفات يومياً من المنازل مباشرة، مستغنية بذلك عن مراكز تجميعها في الأحياء وما تسببه من تجمع للحشرات والقوارض، وموفرة في كلفة المستوعبات والمساحات المطلوبة لتركيزها في الأحياء، ومحافظة على نظافة الشوارع وجمال منظرها.
جلسات اليوم الأخير خصصت لموضوع مكافحة الحشرات والقوارض وتقنيات مكافحتها والمبيدات المستخدمة في ذلك. فنوقشت نوعيات وأساليب استخدام المبيدات الكيميائية التي يجب التعامل معها بطريقة سليمة وبدقة، ومولدات الضباب الحار والبارد، والتقنيات البيولوجية، مما يعزز الإدارة الشاملة لمكافحة الحشرات والقوارض من خلال الإدارة البيئية. وهذه تشمل العوامل البيولوجية مثل التكاثر والحركة الأرضية وفترة الحياة، والعوامل السلوكية مثل النظر والطعم والسمع واللمس وغيرها، والعوامل البيئية مثل الصحة والنظافة. ويعتبر كبت التكاثر من المعايير المكملة للنظافة البيئية الأساسية وليس بديلاً عنها.
وعرضت تجارب من البحرين وسلطنة عمان وبلدية دبي في مكافحة الحشرات والقوارض. وأظهرت تجربة بلدية دبي انخفـاض نسبـة إصابـة بعـض مناطقها بالقوارض من 35 في المئة عام 1995 إلى 5 في المئة فقط عام 2001، بعد تنفيذ حملة مركزة للمكافحة إثر إجراء مسح شامل ومن ثم المكافحة المشددة، خصوصاً وان نسبة كبيرة من الـقوارض تأتـي عبـر المراكب التجارية التي تدخل خور دبي، وقد أقيـم مركـز مراقبة لهذا الغرض عند مدخل الخور.
التوعية هي الأساس
ما أشار إليه معظم المؤتمرين ولم يناقشوه بالتفصيل هو دور المواطن ومستوى وعيه البيئي في المساهمة في إدارة فعالة للنفايات، وكذلك في حسن التعامل مع وسائل مكافحة الحشرات والقوارض لجهة استخدام المبيدات والالتزام بالأسلوب الصحيح الموضوع من قبل الجهات المعنية. أما رفع مستوى وعي المواطن والتوصل إلى تغيير سلوكه وأنماط استهلاكه، فهو ثالثة الأثافي في الإدارة المتكاملة للنفايات. وهو الذي سيقلل الإنتاج ويعيد استخدام ما يمكن ويفرز في منزله تحضيراً لإعادة تدوير فعالة. فالتشريعات والقوانين وتطبيقها من جهة، وتوفر المعدات والوسائل الضرورية للنقل ومصانع التدوير ومراكز المعالجة والمرادم الصحية من جهة ثانية، يستكملها وعي المواطن وسلوكه للتوصل إلى إدارة ناجحة للنفايات.
رئيس بلدية مسقط المهندس عبد الله بن عباس بن أحمد طالب الخبراء والباحثين بتقديم الدراسات والخطط القابلة للتنفيذ لتتمكن الجهات المسؤولة، كبلدية مسقط، من تطبيقها، فتعمل على تطوير خدماتها تجاه المواطنين. كما دعا شركات القطاع الخاص والمستثمرين العمانيين إلى الإنخراط في مشاريع إدارة النفايات في مراحلها المتعددة، خصوصاً تدوير النفايات الذي يشكل فرصاً جيدة وعالية المردود في مجالات إعادة التصنيع.
كادر
توصيات المؤتمر
خرج مؤتمر إدارة النفايات والحشرات والقوارض بإحدى عشرة توصية تضمنت:
1. إنشاء شبكة معلومات إقليمية وعربية تضم معلومات وإحصائيات عن النفايات الخطرة، بما فيها المبيدات التي ينتجها الوطن العربي، بهدف توفير قاعدة بيانات دقيقة تتم الاستعانة بها والاستفادة منها في الدراسات والمشاريع التنموية.
2. الاستمرار في إقامة الدورات التدريبية والمؤتمرات والحلقات النقاشية وتبادل الخبرات والمعارف، بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية، لبناء القدرات الذاتية والوطنية على الصعيدين المعرفي والتقني.
3. العمل مع الجهات الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية على وضع وتنفيذ استراتيجية إقليمية متكاملة في مجال إدارة المواد الكيميائية والنفايات الصلبة والخطرة، تستند إلى الاتفاقيات والمواثيق البيئية الإقليمية والدولية.
4. تفعيل برامج التوعية والتثقيف والتدريب ووضع الأدلة الإرشادية بما يحقق تغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة وتقليل كميات النفايات المنتجة.
5. تشجيع السياسات الوقائية التي تستند إلى مبادئ الإنتاج الأنظف و"الملوث يدفع"، وإشراك القطاع الخاص في معالجة القضايا البيئية، وخاصة في ما يتعلق بإدارة النفايات، وتحفيزه على الاستثمار في هذا المجال.
6. الاهتمام بالنفايات الطبية ووضع الحلول العملية لمجابهة هذه المشكلة وحلها محلياً وإقليمياً، بما يتناسب مع الظروف السائدة ومراعاة معايير الصحة والسلامة وحماية البيئة.
7. اعتماد أساليب الإدارة المتكاملة والتقنيات الملائمة فنياً وبيئياً في إدارة النفايات والمخلفات البلدية والخطرة، بالتركيز على التقليل إلى الحد الأدنى من كمياتها أو أخطارها عند المصدر، واتباع أساليب إعادة التدوير، واسترجاع المواد الأولية ما أمكن، ويلي ذلك المعالجة المناسبة والتخلص النهائي بالطرق الصحية والآمنة.
8. اعتماد الإدارة المتكاملة لمكافحة نواقل الأمراض، والاعتماد على مدى وبائية الأمراض في توجيه أسلوب المكافحة، والحرص على التدريب المنظم لجميع مستخدمي هذه المبيدات والتقليل ما أمكن من كميات التخزين.
9. العمل على تطوير التشريعات الحالية في مجال استخدام المبيدات الحشرية بجميع أنواعها وجعلها أكثر صرامة وتفعيل تطبيقها.
10. تعزيز متطلبات الصحة الوقائية ومدها بالموارد البشرية والمادية اللازمة وكل الإمكانات الضرورية الأخرى، بهدف الارتقاء بالمستوى الصحي للمجتمعات، وتوفير المبالغ الباهظة التي تنفق على الصحة العلاجية لتحقيق مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
11. تعزيز المختبرات بالكوادر المؤهلة والتجهيزات المختبرية الخاصة بتحليل المبيدات مع العمل على إيجاد مختبر مرجعي لدول مجلس التعاون الخليجي.