"بحر لبنان"، الجمعية اللبنانية لحماية البيئة البحرية التي تأسست مؤخراً برئاسة الرئيس رفيق الحريري، وقعت اتفاق تعاون مع امارة موناكو، يشمل التربية والتدريب العلمي لحماية البحر والشاطئ. ورعى الحفل، الذي أقيم في موناكو مساء الأربعاء، الرئيس رفيق الحريري والأمير ألبير ولي العهد.
وقد وقّع الاتفاق عن إمارة موناكو برنار فوترييه، الوزير المسؤول عن التعاون الدولي لشؤون البيئة والتنمية، وعن جمعية "بحر لبنان" نجيب صعب عضو الهيئة التأسيسية. وحضر الوزير الأول للدولة في موناكو باتريك لوكليرك والنائب نبيل بستاني وعدد من المسؤولين وأعضاء المجتمع العلمي.
وتم التوقيع في مرفأ موناكو على ظهر قارب شراعي مختص بتدريب الأولاد على البيئة البحرية من خلال رحلات الاستكشاف. وقال الوزير فوترييه إن اختيار هذا الموقع "يعبّر عن فحوى الاتفاق، الذي يتمحور على التربية البيئية البحرية". وردّ صعب بشكر الرئيس الحريري والأمير ألبير لرعايتهما الحفل، وقال ان "ما يجمع لبنان وموناكو ليس البحر المتوسط فقط، بل روح المبادرة والاستكشاف أيضاً". وتلا التوقيع حفل استقبال دعت إليه وزارة التعاون الخارجي، تبادل خلاله الرئيس الحريري والأمير ألبير الهدايا، وقدم الوزير فوترييه الى صعب المجموعة الأولى من المواد التربوية.
وكان وفد من جمعية "بحر لبنان" قضى يوماً بيئياً في موناكو، حيث زار الأكواريوم والمتحف البحري، واطلع على تقنيات تنظيف الشاطئ وحمايته. وضم الوفد نجيب صعب والدكتور منال نادر والدكتورة ماري عبّود أبي صعب وبشارة نمور وجمال الراسي وأراكيل توباليان ومحمد السارجي والأمينة التنفيذية للجمعية ريما طربيه.
وتأتي اتفاقية التعاون في اطار نشاطات التوعية والتبادل العلمي لميثاق "راموج" لحماية مياه المتوسط، وتنفيذاً للخطة التنفيذية لقمة الأرض حول البيئة والتنمية في جوهانسبورغ، التي دعت الى حماية الموارد الطبيعية وإدارتها، مع حفظ التوازن بين التنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية. كما دعت الى تسهيل الشراكة في مجالات البحث العلمي وتعميم المعارف التكنولوجية وبناء القدرات البشرية والمؤسسية، لحماية البيئة البحرية المشتركة، مع ادخال المجتمع الأهلي كجزء متكامل في عملية التنمية.
وستقدم إمارة موناكو، المعروفة ببرامجها المتطورة لحماية البيئة البحرية، الدعم الفني الى جمعية "بحر لبنان"، لتعميم المعارف حول البيئة البحرية وتقوية القدرات البشرية لدى السلطات المحلية في المناطق الساحلية بهدف تمكينها من التعاطي بفعالية مع مشاكل التلوث البحري وتنظيم برامج حماية الشاطئ. كما سيضع "ميثاق راموج" في تصرف الجمعية المواد التي ينتجها للتوعية حول البحر المتوسط. وستسعى الجمعية الى إنشاء أكواريوم ومتحف للبيئة البحرية في لبنان، بهدف التعليم وتوعية الجمهور.
الحريري: البحر ماضينا ومستقبلنا
ودعت جمعية "بحر لبنان" مساء الى حفل عشاء في فندق "مونتي كارلو غراند أوتيل"، حضره الأمير ألبير وعدد من المسؤولين وأفراد من الجالية اللبنانية، تم خلاله عرض فيلم تسجيلي مؤثر عن البيئة البحرية في لبنان، صوره محمد سارجي وكتب نصه الدكتور منال نادر ونسق موسيقاه ديدييه مرواني.
كلمة الرئيس الحريري ألقاها نيابة عنه النائب نبيل بستاني، بسبب اضطراره للعودة الى بيروت قبل موعد العشاء، لظرف عائلي طارئ. وجاء في الكلمة إن "التقارير المقلقة" عن التدهور البيئي التي يتلقاها كرئيس لمجلس الوزراء اللبناني دفعته الى قبول رئاسة هذه الجمعية، "وذلك من أجل تحمل مسؤوليتي المدنية، كمواطن معنيّ، في الصراع ضد كل ما يؤدي الى تدهور البيئة البحرية وتهديد غناها وتَنوُّعها البيولوجي. فالبحر ليس مسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية فحسب، بل يدخل في نطاق الاهتمام المشروع لكل إنسان". وأشار الى أن التلوث البحري يأتي بنسبة 23 في المئة فقط من مصادر بحرية، و77 في المئة من مصادر برية تكاد تنحصر في النشاط البشري.
وأضاف أن لبنان، الذي يمتد ساحله مسافة 225 كيلومتراً من الشمال الى الجنوب، يواجه مشكلات بيئية وصحية خطيرة ملازمة للتلوث البحري. وبعد أن عدّد بعض المشاكل التي يواجهها البحر والشاطئ، مثل النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي وتسرب النفط وتدفق المواد الكيميائية الصناعية وشفط الرمال، أشار الى أن "للدولة دوراً بالغ الأهمية في سن القوانين وتنفيذها والسهر على حسن سَيرها، لكن من المستبعد أن تستطيع الحكومات وحدها تحقيق الكثير بعيداً عن دعم كل القطاعات الاجتماعية والأفراد الملتزمين".
وأكد الحريري أن "لبنان كان على الدوام بلد الشعراء والمفكرين والمستكشفين، الذين استمدوا وحيهم الكبير من المتوسط. إننا نعتمد على البحر لا في حاضرنا فقط، بل في ماضينا ومستقبلنا أيضاً. وإنقاذه من التلوث يعني تأمين حياة أفضل لأنفسنا وللأجيال القادمة. وبالعمل معاً نستطيع إيجاد تنمية تدوم وازدهاراً يحترم الناس وعالمهم. العلم والتكنولوجيا، جنباً الى جنب مع مشاركة المجتمع المدني، تستطيع حل مشاكلنا، لكن بشرط أن توجد الارادة السياسية. وبصفتي رئيساً لمجلس الوزراء في لبنان، أتعهّد بإيجاد الدعم السياسي الذي يكفل حماية بحرنا".
ودعا الى أن "نعيد الى البحر المتوسط مجده وكبرياءه".
الأمير ألبير: الفينيقيون أول سكان موناكو
الأمير ألبير قال في كلمته إن "اتفاق التعاون مع جمعية لبنانية أهلية يشكل عنصراً اضافياً في العلاقات بين البلدين في مجالات البيئة والتنمية". وأضاف ان موناكو تعمل منذ زمن طويل على حماية البحر المتوسط، منذ أسس جده ألبير الأول مؤسسات علوم البحار، وتابع والده رينييه العمل للمحافظة على التنوع البيولوجي فيه.
وقال ان اتفاقية "راموج" المعقودة بين موناكو وفرنسا وايطاليا، والتي تتولى موناكو مهام سكرتاريتها، تشكل وسيلة تعاون فعالة لتبادل الخبرات للمحافظة على البيئة البحرية، وان "مشاركة جمعية "بحر لبنان" في عملها يسره جداً".
وأشار الى ان امارة موناكو تتولى منذ سنتين رئاسة "خطة العمل للبحر المتوسط"، وهي شاركت بعدد كبير من الاتفاقات المتعلقة بالمحافظة على التنوع البيولوجي ومواجهة الكوارث البيئية الناتجة عن التلوث من البواخر. وشدد على ضرورة اتخاذ اجراءات فعالة وتطوير خطط طوارئ للحد من الكوارث التي تسببها حوادث ناقلات النفط.
وتحدث الأمير ألبير على "أهمية الروابط التاريخية والثقافية التي تربط بين بلدينا منذ أيام الفينيقيين الذين كانوا بالتأكيد أول سكان شواطئنا".
وأضاف أنه "خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، وبسبب الاحداث الأليمة التي أصابت لبنان، زارنا عدد كبير من مواطنيكم يبحثون في بلدنا عن شيبه لجو بلدكم، بلدكم الذي اضطروا الى مغادرته موقتاً. وان التشابه بين بلدينا في مواقعهما الطبيعية وفي تصرفات أبنائهما بالنسبة الى بحرنا المشترك يجعل هذا الاتفاق الموقع اليوم مفيداً جداً". وختم متمنياً التوفيق لجمعية "بحر لبنان" في رسالتها، مؤكداً "ان موناكو ستؤمن لها كل مساعدة في تحقيق أهدافها".
صعب: الحماية من خلال التربية
بعد شرح من إدي عزام لخطة حملة إعلامية لتعميم أهداف الجمعية، قدم نجيب صعب تقريراً عن البرنامج التربوي الذي تعتزم جمعية "بحر لبنان" تنفيذه خلال ثلاث سنوات، موضحاً أن الجمعية "وضعت التربية في طليعة أولوياتها، وتم تطوير برنامج عمل يشمل إنتاج مواد تعليمية ونشر معلومات حول البيئة البحرية وتدريب معلمي المدارس، ودعم المجموعات الشبابية وأندية البيئة لادخال نشاطات تغطي البحر والشاطئ في برامجها".
وأوضح أن علماء البحر والمربين والاعلاميين سيساهمون في هذه العملية التربوية، "عن طريق اعداد مواد مقروءة ومرئية ومسموعة وتجارب عملية لمعلمي المدارس، يمكن نقلها الى الطلاب، والاشراف على رحلات مدرسية تعليمية لاستكشاف البحر والشاطئ". وقال "إن تعميم المعرفة والوعي حول البحر، لادراك القيم التي يمثلها والمخاطر التي يواجهها، شرط أساسي لأي محاولة جدية لحماية التراث البحري. فنحن نحبّ ما نعرف، ونحافظ على ما نحبّ". وأوضح ان الجمعية ستسعى الى انشاء أكواريوم ومتحف للحياة البحرية.
وأعلن أن البرنامج التربوي سيشتمل على: انتاج دليل عملي لتدريب المعلمين في التربية البيئية البحرية، وتدريب 480 معلماً، وإنتاج برنامج تلفزيوني تعليمي من 26 حلقة، وإنتاج 3 أشرطة فيديو تدريبية، واقامة موقع انترنت لدعم برامج التوعية وتبادل المعلومات، وتوزيع مواد توعية حول البيئة البحرية من خلال المدارس. ثم قدم صعب تقريراً مصوراً عن الشاطئ اللبناني من الشمال الى الجنوب، مختتماً بالدعوة الى "المساعدة في انقاذ بحرنا، الذي هو بحركم أيضاً".
وكانت جمعية "بحر لبنان" قد حددت هدفها، حين تأسست رسمياً في كانون الثاني الماضي، بالمساعدة على حماية الشواطئ والبيئة البحرية، من خلال خطة عمل تتضمن ست نقاط: حملة وطنية للتوعية وتشجيع العمل الشخصي الملتزم، مراقبة التشريعات والعمل على اقرار قوانين تحافظ على البيئة البحرية، تنظيف الشاطئ، اقامة بنى تحتية صالحة لحماية الشاطئ، حماية التنوع البيولوجي البحري والساحلي، إنشاء أكواريوم ومتحف بحري. ووضعت التربية والتوعية في مقدمة أولوياتها للمرحلة المقبلة.