منح جائزة زايد الدولية للبيئة لهيئة الاذاعة البريطانية جاء في الوقت المناسب، لاحدى أبرز المؤسسات الاعلامية التي حملت لواء التنمية والبيئة في العالم. ففي تغطيتها الاخبارية وبرامجها الوثائقية، تميزت الـ"بي.بي.سي" خلال العقود الأخيرة بتفهّم عميق للموضوع، والتزام مهني متواصل بقضايا حماية البيئة، ليس بعرض الكوارث فقط، بل عبر انتاج حلقات تعليمية قدمت تجارب ناجحة حول العالم في مجال الحلول البديلة. وتميزت برامج الـ"بي.بي.سي" البيئية بايصالها المعلومات إلى الجمهور الواسع على نحو مبسّط، وذلك عبر الراديو والتلفزيون وشبكة الانترنت.
والمفارقة أن الاعلان عن منح هيئة الاذاعة البريطانية الجائزة تزامن مع صدور تقرير للحكومة البريطانية يدينها في قضية تغطية اخبارية لحرب العراق، وسط دعوات حكومية إلى فرض قيود على عملها والحد من استقلاليتها، مما دعا إثنين من كبار مدرائها إلى الاستقالة. وهذا ما دفع كلاوس توبفر، رئيس اللجنة التحكيمية للجائزة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى التشديد في كلمته خلال حفل توزيع الجوائز على ضرورة دعم الـ"بي.بي.سي" للمحافظة على حريتها المهنية في ممارسة عملها الاعلامي، "لأنها أصبحت ملكاً للعالم كله".
وقد تسلمت مديرة التحرير في هيئة الاذاعة البريطانية سيان كيفيل الجائزة الأولى، وأعلنت تقديمها باسم الهيئة لدعم برامج تنموية في الدول الفقيرة. وقيمة الجائزة نصف مليون دولار، مخصصة لعمل فردي أو مؤسساتي كبير أحدث تغييراً ملموساً في الوضع البيئي العالمي.
أما الجائزة الثانية، وهي مخصصة للانجازات العلمية والتقنية وقيمتها 300 ألف دولار، فتم منحها لثلاث شخصيات عالمية كانت وراء الاتفاق الاطاري لتغير المناخ، هي الدكتور مصطفى كمال طلبه (مصر) وغودوين أوباس (نيجيريا) وبرت بولتي (السويد).
ومنحت جائزتان للتميز في العمل القيادي البيئي على المستوى الوطني والاقليمي، إلى الدكتورة بدرية العوضي رئيسة المركز العربي للتحكيم البيئي في الكويت وجمال صافي مدير مركز أبحاث البيئة في قطاع غزة.
تم تسليم الجوائز في إطار مؤتمر دبي حول التلوث الجوي. وكان الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الاعلام والثقافة في الامارات، افتتح المؤتمر نيابة عن راعي الجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ووزير الدفاع. ودعا في كلمته "إلى التعاون لايجاد حلول مناسبة لقضية التلوث الجوي على الصعيدين الاقليمي والدولي، بحيث تبذل كل دولة جهدها للحد من تلوث الهواء، وذلك دعماً للاستقرار الاقتصادي والسياسي الاقليمي والعالمي". وأضاف أن هذا "لن يتحقق الا بخطوات جادة نحو دعم البحث العلمي لتطوير أجهزة الانتاج النظيف واتباع الاساليب والممارسات المقبولة دولياً للتقليل والتخلص الآمن والسليم من مختلف أنواع النفايات، الى جانب الاستفادة من جميع الابتكارات التقنية الحديثة".
إعلان دبي حول التلوث الجوي
صدر عن المؤتمر إعلان دعا دول المنطقة إلى اتخاذ التدابير اللازمة "لرصد حالات التلوث الجوي الاقليمي الناجمة عن الانشطة الصناعية والزراعية والمصادر الأخرى، والظروف البيئية التي تؤدي إليها، ومواجهة مصدر التلوث". كما دعا إلى "تبادل المعلومات بين مراكز الرصد الوطنية، وتطوير استراتيجيات وخطط عمل لتحديد ورصد حالات تلوث الهواء واعداد خطط للطوارئ".
وبغرض تدعيم جهوزية الدول لمكافحة الأخطار التي تهدد صحة الانسان أو البيئة من حالات التلوث الجوي، طالب الاعلان الدول الأعضاء بتقديم التعاون الفني في هذا المجال، "بما في ذلك تسهيل حشد المصادر اللازمة داخل وخارج الدول الأعضاء، والقيام على الفور بتبادل المعلومات اللازمة والخبرات المطلوبة والتقنيات والمساعدة والمعرفة الفنية، وتقديم الترتيبات بشأن عمليات التدريب والتثقيف والتوعية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بترويج الوقود النظيف والممارسات التي تحد من عمليات الاحتراق والأثر الناجم عن المواد العالقة والأخطار الناشئة عن التلوث والتي تهدد صحة الانسان والبيئة، وتطوير الأساليب الفنية بشأن الرقابة على الانبعاثات الصناعية والحضرية ومخلفات الحرق والمحاجر والمكاسر وغيرها من الصناعات، وتبادل المعلومات والخبرات بشأن الممارسات الرقابية والادارية".
وأعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن استضافة دبي لمركز التنسيق الاقليمي لمكافحة التلوث الجوي عبر الحدود، "الذي سيعزز سبل التعاون بين دول المنطقة لتعزيز الاستجابة لمخاطر التلوث الجوي، ويدعم البحوث ونقل التكنولوجيا".
وحول أهمية البحث العلمي في تطوير سياسة مكافحة تلوث الغلاف الجوي قال الدكتور برت بولين، الرئيس السابق للجنة الحكومية للتغير المناخي والفائز بجائزة زايد للانجازات العلمية والتقنية، إن ملوثات الهواء تنتقل بسرعة ولا تعرف حدوداً بين الدول، كما ان الكميات المتزايدة من ثاني اوكسيد الكربون ليس لها تأثير على المناخ فقط ولكن على كوكب الارض عامة، مشيراً الى ان الساسة لم ينتبهوا الى تلك القضية حتى عام 1980. وحذر من أن الحكومات غالباً ما تحجب الأرقام الحقيقية، مطالباً بالشفافية واعلان الحقائق بهدف اتخاذ الاجراءات المناسبة.
الجلسات العلمية
ناقش المشاركون في المؤتمر خلال سبع جلسات علمية عدداً من الموضوعات التي طرحها المتخصصون، شملت قضايا عالمية وبعض الأبحاث المحلية. فقدم الدكتور جمال صافي، استاذ كيمياء المبيدات وعلم السموم في قطاع غزة، ورقة بحث حول اصابة الاطفال بالامراض الناتجة عن استخدام الرصاص، أظهرت ارتفاع مستوى الرصاص في الدم إلى حدود خطيرة فوق المعدلات المقبولة لدى نحو 20 في المئة من أطفال غزة ما بين عمر سنتين و6 سنوات.
وقدم الدكتور هانز ديتليف غريغور ورقة بحث عن تقييم مقادير الكبريت والنيتروجين في الهواء، مؤكداً ارتفاعها في انحاء كثيرة من العالم بما يتجاوز الحدود المقبولة صحياً. وتحدث الدكتور لي جوان الاستاذ في معهد الفيزياء في جامعة بيجينغ عن "المتغيرات الخاصة بتركيز الانوية في الغلاف الجوي"، مشيراً إلى أن المخاطر الاشعاعية اصبحت تهدد حياة الانسان نظراً لاستخدام المواد المشعة، بما فيها اليورانيوم المستنفد، في الحروب، او القيام بتجارب في وقت السلم، بالاضافة الى وقوع بعض الاخطاء البشرية في عمليات الصناعة الاشعاعية.
وفي الاطار ذاته قدم الدكتور ثيو كيلي، أستاذ الفيزياء في جامعة سيتي في هونغ كونغ، ورقة بحثية حول شبكة مراقبة ترسيب الاحماض في دول شرق آسيا، طارحاً عدداً من الطرق الواجب اتباعها لحل مشكلة ترسيب الحمض في تلك الدول نظراً للمؤثرات المباشرة التي يحدثها على غذاء الانسان. وتحدث الدكتور في رامانتان من مركز علوم الغلاف الجوي في جامعة كاليفورنيا عن مشاكل الغيوم الحمضية في الغلاف الجوي وتأثيرها على المناطق الاستوائية. ثم قدم الدكتور نادر العوضي نائب المدير العام لشؤون الابحاث بمعهد الكويت للبحوث العلمية ورقة بحثية حول الملوثات الاساسية في دولة الكويت الناتجة عن عوادم السيارات، مشيراً الى أن تقارير منظمة الأمم المتحدة كشفت عن ان دول الخليج تتمتع بواحد من أعلى مستويات انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون على مستوى العالم، حيث تصل حصة الفرد فيها الى 5 أطنان. وقدم تروند بوهر من المعهد النروجي لأبحاث الهواء بحثاً بعنوان "نظام ادارة موحدة لنوعية الهواء من أجل التنمية المستدامة"، تناول فيه عدداً من التشريعات والانظمة المعمول بها حالياً وأوجه القصور فيها. كما قدمت أبحاث حول الادارة المشتركة لنوعية الهواء ونماذج من قياسات التلوث في بعض المدن الأوروبية والآسيوية.
برلمان طلابي ومعرض
على هامش أعمال المؤتمر عقد "برلمان الطلاب" بمشاركة 40 طالباً وطالبة يمثلون مدارس دبي، تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة. وقد عرضوا أفكارهم وآراءهم البيئية وناقشوا عدة مواضيع تتعلق بتلوث الغلاف الجوي وعلاقته بالتقدم الاقتصادي وتأثيره على البيئة والصحة العامة ومسؤولية الافراد والشركات في الحد من هذا التلوث. وقدموا إلى الجلسة الختامية للمؤتمر تقريراً بمناقشاتهم ومطالبهم. ولوحظ أن معظم المشاركين كانوا من طلاب المدارس الأجنبية في دبي، واعتمدوا الانكليزية لغة للنقاش.
وأقامت اللجنة المنظمة للمؤتمر، بالتعاون مع مركز دبي للمعارض، معرضاً للتقنيات البيئية الحديثة (إنفيروتيكس) شاركت فيه بعض الشركات المعنية بتكنولوجيا البيئة وهيئات رسمية. وعبر المنظمون عن أملهم باستقطاب مشاركة أوسع من القطاع الخاص في الدورات اللاحقة. كذلك أقيم معرض للفنون البيئية، بمشاركة عدد من الفنانين التشكيليين الذين عرضوا لوحات تحاكي البيئة بالشكل واللون.
وأعلن رئيس لجنة الجائزة الدكتور محمد أحمد بن فهد عن برامج متنوعة تشمل إقامة مؤتمرات متخصصة وإصدار دراسات بيئية وتنظيم معارض لتكنولوجيا البيئة. وتعمل اللجنة على التحضير للمؤتمر العالمي الذي يرافق الدورة الثالثة للجائزة بعد سنتين.