شح موارد المياه العذبة واستنزافها، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، والتصحر، وضعف الهيكليات المؤسساتية للادارة البيئية، مشكلات رئيسية في منطقة غرب آسيا التي تضم 12 دولة عربية. وتمثل البيئات الساحلية والبحرية مورداً مهماً للتنمية، لكنها تعاني من ضغوط متزايدة وخاصة من ملوثات النقل البحري والتسربات النفطية ومياه الصرف البلدية والصناعية ومشاريع التنمية غير المستدامة. (تشمل منطقة غرب آسيا البحرينوالامارات والسعودية وقطر والكويت وعُمان واليمن ولبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين).
ووفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، فان ادارة الموارد الطبيعية والنفايات والمواد الخطرة لم تساير التقدم الذي حصل في مجال التنمية الاقتصادية. وتعتبر نظم جمع المخلفات الصلبة ''حسنة'' في معظم بلدان المنطقة، لكن التخلص المناسب منها غير متوفر، خاصة في المناطق الريفية. ونادراً ما تدار النفايات الصناعية والخطرة على نحو مرض. وتتزايد مشاكل التلوث، ولا سيما تلوث الهواء في المدن الرئيسية. ويعتبر تطبيق القوانين البيئية معقداً، لأن نسباً كبيرة من المؤسسات الصناعية الرئيسية تملكها الدولة. كما تعاني المنطقة من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الناتجة عن النزاعات السياسية والعسكرية المستمرة، التي تحوّل الموارد المالية بعيداً عن معالجة قضايا هذه القطاعات. وهذا بدورهحدَّ من التعاون والتكامل الاقليميين.
وما زالت الوزارات والمؤسسات والمجالس البيئية حديثة العهد، تكافح لتحصل على دور فاعل في عمليات صنع القرار المتعلقة بالتحديات البيئية الصارخة.
وتعتبر التنمية في المنطقة حالة فريدة من نوعها عالمياً، بسبب ما وفرته الايرادات النفطية من موارد مكنت بعض الدول من تسريع عملية التطور بشكل لم يسبق له مثيل. لكنها طرحت تحديات هامة لحكومات كثيرة في ما يتعلق بادارة اقتصادها، والحفاظ على السلام والاستقرار، والتعامل مع الضغوط المتزايدة للعولمة، ومكافحة الفقر، والحد من أشكال التمييز بين فئات المجتمع، وإبطاء تدهور الموارد الطبيعية. وأوضحت دراسات البنك الدولي أن الكلفة السنوية للتدهور البيئي في منطقة غرب آسيا تتراوح بين 4 و9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتبلغ كلفة الخدمات الصحية السنوية الناجمة عن أسباب بيئية نحو 14 في المئة من إجمالي تكاليف الصحة العامة.
وسط هذا الخضمّ، أعد مكتب ''يونيب'' الاقليمي لغرب آسيا استراتيجية عمل للفترة 2004 ـ 2005 تستهدف تطوير الأداء البيئي في المنطقة، بالتعاون مع مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة والمنظمات العربية والاقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني، مع اعطاء الأولوية لدعم برامج الدول الأقل نمواً.
التنمية المستدامة
تنص الاستراتيجية الجديدة على دعم خطط العمل المعززة لمفهوم التنمية المستدامة في المنطقة. وسيكثف ''يونيب'' مساهماته في نشاطات مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والهيئة الاقليمية لحماية البحر الأحمر وخليج عدن، والمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي / المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم. كما أعلن عزمه على تسهيل تطوير ثلاثة برامج ذات أولوية فيالمبادرة العربية للتنمية المستدامة، تشمل الادارة المتكاملة لموارد المياه، والحد من تدهور الأراضي ومكافحة التصحر، والادارة المتكاملة للمناطق الساحلية والموارد البحرية. وستشارك دول شمال أفريقيا في المبادرة من خلال التعاون بين مجلس الوزراء المسؤولين عن شؤون البيئة في المنطقة العربية (CAMRE) وفي أفريقيا (AMCEN) واللجنة الاقتصادية لافريقيا (ECA) والمكتبين الاقليميين لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في أفريقيا (UNEP/ROA) وغرب آسيا(UNEP/ROWA) .
وسيتم إعداد برنامج إقليمي لتطوير وترسيخ مفهوم ''البيئة من أجل التنمية''، بالاستفادة من خبرات علماء وباحثين وشخصيات ومؤسسات إقليمية ودولية بارزة، وتكريس دور العلم والتكنولوجيا في توفير أفضل الحلول البيئية لمشاكل التنمية، وتطوير آليات التنفيذ من خلال التجمعات والمنتديات الاقليمية الرئيسية في المنطقة مثل جامعة الدول العربية ومنظمةالأقطار العربية المصدرة للنفط.
ومن خلال مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة لتطوير وتحديث أجهزة المنظمة ووكالاتها وأساليب عملها، سيكون لـ''يونيب'' دور تخصصي لتعزيز مفهوم الادارة البيئية في دول المنطقة. كما سيعمل مع منظمة المؤتمر الاسلامي (OIC) لتعزيز مفهوم الجوانب الروحية للبيئة ودمجها ضمن نشاطاتها في المنطقة.
بناء القدرات الادارية
يعتزم ''يونيب'' تطوير وتنفيذ خطة لبناء القدرات ونقل التقنيات وتقديم الدعم الفني في منطقة غرب آسيا. وهذا يشمل تطوير برامج التشريعات البيئية والمؤسساتية بمشاركة المركز الاقليمي العربي للقانون البيئي (ARCEL) والاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) والمنظمات الأخرى ذات العلاقة، وإجراء تقييم بيئي متكامل في المنطقة، وانشاء شبكة معلومات بيئية إقليمية لخدمة وزارات البيئة والمنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام، وتطوير برامج خاصة بالشباب.
وتقتضيالخطة جمع وتوثيق البيانات والمؤشرات ونظم المعلومات البيئية، كما تتضمن المساعدة في إعداد وتنفيذ برامج العمل الوطنية وتحت الاقليمية لمكافحة التصحر، واعتماد مفاهيم وأساليب الانتاج الأنظف والاستهلاك المستدام والادارة المتكاملة للمواد الكيميائية والنفايات، وتوظيف التقنيات الفعالة في مجال انتاج الطاقة واستهلاكها.
ومن ضمن خطة العمل، توضع برامج للانذار المبكر والاستجابة للطوارئ، وتنفذ أنشطة مشتركة حول الادارة المتكاملة للموارد المائية مع الاسكوا والفاو والاونيسكو ومنظمة الصحة العالمية. ويُعتمد مفهوم الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية، من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة مع البرنامج الدولي لحماية البيئة البحرية من التلوث الناشئ من مصادر برية، وبرنامج البحار الاقليمية والبنك الدولي.
ووعد ''يونيب'' بتوفير الدعم اللازم لبناء المؤسسات البيئية والهياكل القانونية والسياسات وبرامجالعمل الخاصة بمناطق النزاعات في كل من العراق وفلسطين، من خلال تمويل مشاريع منفردة في هذا الاطار.
التقييم البيئي
أقام ''يونيب'' في الماضي شراكات مع هيئات بحثية (مثل جامعة الخليج العربي والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة) لاجراء تقييم بيئي للمنطقة. وهو يعتزم تطوير عملية التقييم بمشاركة البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي والفاو والاونيسكو ومنظمة الصحة العالمية والمؤسسات العلمية الاقليمية.
وسيتم إنشاء ''المركز الاقليمي لغرب آسيا لمصادر المعلومات البيئية والتقييم والانذار المبكر'' في البحرين لمساندة عمليات التقييم وجمع البيانات والمعلومات البيئية. ويجرى التقييم البيئي على المستوى الاقليمي وشبه الاقليمي كأساس لوضع خطط وبرامج عمل بيئية، وتمهيداً لاجراء التقييم البيئي المتكامل للمنطقة العربية، بحيث تنفذ دراسة شاملة تستخدم في إعدادها منهجية توقعات البيئة العالمية. ويتضمن هذا التقييم تحليلاً استراتيجياً مفصلاً للمياه العذبة ونظم المناطق الساحلية والبحرية، ويعتمد على ''دراسات الألفية'' لتقييم النظم البيئية.
وسيتم إعداد ونشر دراسة التقييم البيئي والصحي عام 2005 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، استعداداً لمؤتمر إقليمي حول البيئة والصحة ينظم عام 2005.
التحديات البيئية الرئيسية
تتضمن استراتيجية ''يونيب'' إعداد برنامج للبيئة والمياه لتنفيذه في منطقة غرب آسيا يكون له بعد وتأثير سياسي، مع دعم مشاريع المياه وبرامجها ونظمها ضمن إطار مجموعة المياه في الأمم المتحدة. ويركز برنامج خاص على المناطق الساحلية والبيئة البحرية.
وسيطور ''يونيب'' برنامجه الاقليمي المتعلق بالصناعة والبيئة، بما في ذلك مقومات الانتاج الأنظف وكفاءة الطاقة والاستهلاك المستدام وادارة المواد الكيميائية والنفايات، بمساندة من القسم المختص بالصناعة والبيئة والاقتصاد (UNEP/DTIE).وبالاعتماد على برنامج ''يونيب'' العالمي للكيماويات، سيتم إعداد برنامج لدعم دول المنطقة في مجال إدارة الكيماويات. كما يجري تطوير آلية اقليمية للتعامل مع الاتفاقيات ذات الصلة بالمواد والنفايات الكيميائية (بازل واستوكهولم وروتردام) من خلال لجنة تسيير الصناعة والبيئة والفرق الفنية العربية التابعة لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة.
ويستمر دعم برنامج الأوزون الاقليمي لمساعدة الدول الأعضاء في المنطقة على الالتزام بالاتفاقية الدولية وبروتوكولاتها، مع الحرص على إدماج العراق والأراضي الفلسطينية في البرنامج. كما يدرس ''يونيب'' إطلاق مبادرة إقليمية لحماية التنوع الحيوي، بالتعاون مع وحدة مرفق البيئة العالمي والمركز الدولي للادارة والحماية (WCMC) والأمانة الدائمة لاتفاقية التنوع الحيوي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا) والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) ومجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة. ولتنفيذ برامج مكافحة التصحر وتطويرها وتعزيزها في المنطقة، يستمر التعاون مع إيكاردا وأكساد ومرفق البيئة العالمي والأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وإعداد وتنفيذ المشاريع التي تدعم البرامج الوطنية لمكافحة التصحر.
وسيتم طرح برنامج للتجارة والبيئة بالتنسيق مع قسم الصناعة والبيئة والاقتصاد (DTIE/ETU) في ''يونيب'' وبالتعاون الوثيق مع الاسكوا. ويعتمد تنفيذه على مدى توفر الموارد البشرية والمالية اللازمة. وتوفير هذه الموارد هو أيضاً شرط لدعم البرامج البيئية وخطط التنمية المستدامة، بما في ذلك برامج التشريع البيئي والتوعية البيئية. ويتعاون ''يونيب'' مع الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للبيئة والتنمية (رائد) وجمعيات المجتمع المدني الأخرى، ويعد بإشراك وسائل الاعلام في إعداد البرامج الاقليمية التوعوية وتنفيذ برنامج المواطنة البيئية.
من ينفذ ومتى؟
برنامج الأمم المتحدة للبيئة أعلن استراتيجيته للعمل في المنطقة العربية خلال 2004 ـ 2005، ويبقى أن ننتظر لنشهد التنفيذ الذي يفترض أن يكون بدأ في مطلع هذه السنة.
ولكن على من تقع مسؤولية هذا التنفيذ؟ فالمدير الاقليمي الدكتور محمود يوسف عبدالرحيم استعفى من منصبه الذي شغله منذ العام 1999، والبحث جار عن مدير جديد لمكتب غرب آسيا. فعسى ألا تدوم المرحلة الانتقالية و''تصريف الأعمال'' حتى نهاية 2005!