"لو كان الثلج على الأبواب، فإنني أفتح النوافذ كل صباح ليدخل الهواء النظيف الى منزلي"، هكذا تعبر مي متى عن علاقتها الشخصية بالطبيعة، بمعزل عن تطرقها الى الموضوع في برنامج "نهاركم سعيد" على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال. أما غيدا مجذوب رعد فتحمل شعال "كل فرد يُحدث فَرقاً"، وتحاول أن تطوِّع مساحات من برنامج "عالم الصباح" عبر تلفزيون المستقبل لتقديم بعض الارشادات البيئية من خلال الفقرات التي تقدمها. واذا كانت مي وغيدا تتوسلان "الكاريزما" الاعلامية للفت نظر المشاهد الى أهمية الحفاظ على البيئة، ففاطمة مزنر خصصت 30 دقيقة أسبوعياً لبرنامج "البيئة بيتك" على اذاعة "النور"، ونالت عليه الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة الدولي للاذاعة والتلفزيون عن فئة المجلة الاذاعية.
أجمعت المذيعات على أن خطر البيئة بعيد المدى، وغالباً غير ملموس ويتراكم مع الوقت فلا يدركه الفرد بسهولة، وبالتالي لا يعيره الاهتمام الا بعد أن يطاله مباشرة فيمرض مثلاً من جراء تلوث المياه أو الهواء. وارتباط البيئة بالصحة يفسّر اهتمام سميرة قصابلي منيّر بالموضوع البيئي، مع أن برنامجها الاذاعي "كلينيك صوت لبنان" ذو موضوع صحي. وتقول في هذا الصدد: "نكتشف أن ثلاثة أرباع أمراض الانسان مرتبطة بالبيئة نهتم بها أكثر. ان الاهتمام بالبيئة يمكن أن ينعكس وقاية من الأمراض".
الصحافية في جريدة النهار رلى معوّض تقدم أيضاً برنامجاً صحياً على شاشة أوربت هو "المجلة الطبية"، لكنها تمرر من خلاله الرسائل البيئية. والمستمع الى حديثها وهي تقول: "لدي واجب بيئي 24/24 ساعة يومياً، يقرأ في عينيها الحماسة المفرطة لبيئة أنظف. ورلى تربط اهمال البيئة بالسرطان: "لا يمكننا فصل الأمراض السرطانية عن البيئة، خصوصاً اذا عرفنا ان 75 في المئة من أسبابها بيئية".
ميمتى:الاشجارالمثمرةأفضلهديةلنا
احترام البيئة ينبع من قناعة شخصية، كما تؤكد مي متى التي تمضي الصيف والعطلات في منزلها الجبلي لأنها لا تفصل البيئة عن الانسان. وتعقّب: "الأشجار المثمرة هي أفضل هديّة لنا، وكل ما نتلقاه منها نزرعه في حديقتنا، فمن المهم وجود النبات حول المنزل". ولا تختلف عنها غيدا مجذوب رعد بالسلوك البيئي الشخصي، وتشدّد بحماسة: "أوراقي التي أكتب عليها أستعملها على الوجهين. ومنذ انتشار مشكلة طبقة الأوزون أتأكد من أن الأشياء التي أشتريها صديقة للأوزون (ozone friendly)".
أما رلى معوّض فلها مفهومها الخاص: "على قدر ما تكون بيئتي نظيفة أكون هادئة ومبدعة". وتستشهد: "بعض أهم كبار الموسيقيين هم من الدول الاسكندينافية التي تتمتع بطبيعة رائعة". من جهتها، تقول فاطمة مزنر بلهجة صارمة: "اهتمامنا بالبيئة يخفف من فاتورتنا الاقتصادية على المستويين الصحي والبيئي". وتتابع: "ألتزم بيئياً لكي أكون صادقة مع نفسي ولا أفقد مصداقيتي أمام جمهوري".
بالطبع، يتخطى الالتزام البيئي الارشادات العابرة الى تربية الأولاد. وفي هذا السياق تشرح غيدا مجذوب رعد: "أربّي أولادي على حماية البيئة، وهم يحترمونها مع أنهم ما زالوا صغاراً. وتتابع: "انهم مثلاً يدركون ضرر التدخين وينزعجون منه، حتى أنهم يطلبون من أقاربنا المدخنين عدم التدخين". ويستوقفك تعليق مي متى: "كل يوم أنظّف جيوب ابني من النفايات، لأنه لا يرميها أبداً على الأرض".
وتستكمل الصورة مع سميرة قصابلي منيّر اذ تقول بصراحة: "ابنتي، حين كان عمرها سبع سنوات، كانت أول من أجبرني على وضع كيس للنفايات في السيارة". وهي لا تتوانى عن دعم فكرة تعلّم الأهل من الأولاد اذا لم تصل اليهم الرسالة بطريقة أخرى. وتعيد هذا التقدم في الوعي لدى الأولاد الى التوعية البيئية في المدارس اليوم. وتؤيدها رلى معوّض قائلة: "الأولاد قابلون للتعلم، وحملات التوعية البيئية يجب أن تبدأ في صفوفهم ونشاطاتهم".
غيدا مجذوب رعد: المشاهد تجذبه خصوصياتنا
يلعب الاعلام دوراً أساسياً في ايصال الرسائل البيئية. وتعتبر مي متى أنه أفعل مع الأولاد: "الولد، حتى لو كان متلهياً بألعابه، يسجل المعلومة وترسخ في ذهنه وينبّه أهله اليها". وتؤكد سميرة قصابلي منيّر على فعالية الاعلام وتصفه بنقطة الماء التي تحفر: "على قدر التزامنا نوصل الرسالة. والناس يعرفون ما اذا كنت صادقة في ما أقول أو أنظّر عليهم". وتحمل على معظم وسائل الاعلام التي تعالج الموضوع البيئي بشكل موسمي أو فقط عند وقوع الأحداث البيئية. وعن تأثر الجمهور بالرسائل، تعتبر فاطمة مزنر أن "كل مؤسسة اعلامية لها صدقيتها وتوصياتها وجمهورها الذي يتأثر بها".
من البديهي أن لكل مذيعة شخصيتها وأسلوبها في الاقناع. وتقول سميرة قصابلي منيّر: "أحس أنني موضع ثقة عند المستمعين لأنني أتناول المواضيع بجدية وأوصل الرسالة غالباً بطريقة غير مباشرة، فأنا أكره الوعظ". وتفسّر: "يتحفز الناس ويهتمون أكثر عندما نذكر مثلاً الزيادة في أعداد المصابين بأمراض الحساسية بدل أن نعظهم بطريقة مباشرة". أما مي متى فترى أن الله أعطاها بصمة قوية جداً، هي القدرة على الاقناع: "أشعر ان كلماتي تدخل الى آذان الناس وقلوبهم وتقنعهم. لذلك أحاول أن أمرر التوصيات بأسلوب مرن، وأنتبه كثيراً لدقة ما أقوله. الاعلامي مسؤوليته كبيرة، والجمهور قد يأخذ كلامه على أنه الحقيقة حتى لو كان خطأ".
من جهتها، تنطلق غيدا مجذوب رعد بالموضوع من الشخصي الى العام لخلق التفاعل مع الناس. وتشرح: "المشاهدون تجذبهم خصوصياتنا وتفاصيل حياتنا ويحسون ان الرسالة تأتي من فرد مثلهم". وتعتبر أن الاعلام قادر على الوصول وأنه يعطيها امتياز التعبير والتأثير من خلال المساحة المتاحة لها على الهواء. أما رلى معوّض فتؤمن بأنه "على قدر ما يقتنع المرء بقضية معينة ويتحمس لها يستطيع أن ينقل حماسته الى الآخرين. واذا كان يعمل في وسيلة اعلامية يحبها الناس ويحبون الاستماع اليه، سيكون تأثيره أكبر من أي مواطن عادي".
فاطمة مزنر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كثيراً ما تضرب المذيعات على وتر العاطفة لايصال الرسائل البيئية. وتقول سميرة قصابلي منيّر: "أحرّك اهتمام الناس من خلال أكبر حافز لهم، وهو الخوف على أولادهم من المخاطر. وفي الوقت نفسه ألامس دور المواطن كإنسان يتحمل مسؤولية الأرض". وتعزف فاطمة مزنر بشكل غير مباشر على أوتار دينية وصحية وحضارية: "لتوجيه الناس نمارس سياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمفهوم العام وليس فقط بالمفهوم الديني". وتقول رلى معوّض بانفعال: "الانسان ومحيطه الشخصي أول المتضررين. كيف تقبل أم بأن يسبح ولدها في مياه وسخة تحدث في جسمه بثوراً وبقعاً حمراء؟
البيئة تتطلب من المذيعات خلفية ثقافية وعلمية يستقينها من مصادر مختلفة. "أصبح عندي تراكم معلومات بيئية، فأنا أعمل على هذا الشأن منذ عشر سنين"، تقول فاطمة مزنر. ولا يغيب عنك حرص غيدا مجذوب رعد على متابعة المستجدات ونقلها الى المشاهدين بشكل سلس، يحثهم على التعايش مع البيئة والتفاعل معها. أما رلى معوّض فتعتبر الثقافة شرطاً أساسياً لاستقاء المعلومات الصحيحة وكسب ثقة المشاهد بما يقال".
سميرة قصابلي منيّر: أسباب الأمراض بيئية
كثيراً ما تستضيف المذيعات ذوي الاختصاص لمقاربة المواضيع علمياً. فسميرة قصابلي منيّر مثلاً تحاور مجموعة أطباء في ندوتها الصحية وتطرح معهم مجموعة اشكاليات، بدءاً بأسباب الأمراض وانتهاء بالتركيز على الوقاية. وتشرح: "عندما نذكر الأسباب والوقاية نتكلم عن البيئة، وتمر رسالة التوعية بشكل غير مباشر". ولكي ترسخ الفكرة في أذهان المشاهدين تعمد رلى معوّض الى تقديم شهادات انسانية حية على بعض مخاطر التعديات على البيئة.
ولا يقتصر دورهن على عرض المعلومات وتقديم الارشادات والنصائح البيئية، بل يمتد الى تغطية النشاطات وملاحقة المؤتمرات والندوات البيئية. وتحاول مي متى "الدخول في تفاصيل المواضيع مع المتخصصين لاكتساب أكبر قدر ممكن من المعلومات المهمة".
اهتمام الناس بالبيئة يتجلى من خلال رجع الصدى الذي تتلقاه برامج تتناول البيئة. وتؤكد سميرة قصابلي منيّر: "هناك أشخاص يعون المخاطر البيئية. قصدني أحد المستمعين مرة لارشاده الى كيفية التصرف ببطاريات خزنها لمدة عشر سنوات لادراكه خطر انبعاثاتها على البيئة". أما غيدا مجذوب رعد فترى أنها لسان حال المواطن: "الناس ينزعجون من السلوك المؤذي للبيئة، ولكنهم غير قادرين على ايصال أصواتهم مثلنا". وتعتبر رلى معوّض أنه "بمشاركة المشاهد في البرامج وابداء رأيه في المواضيع المطروحة، يتحول من مشاهد سلبي الى ايجابي".
رلى معوّض: المطلوب قمع ايجابي
"أتمنى أن أعد وأقدم برنامجاً أعرض فيه وضع البيئة اللبنانية، وأستضيف خلاله اختصاصياً في البيئة يشخّص الحلول للمشاكل، ووزيراً يأخذ على عاتقه تمويل التنفيذ"، تقولها مي متى بعفوية السيدة الرصينة. ولا يفاجئك رأيها في الدولة: "الناس مثقفون بيئياً أكثر منها. الوعي البيئي تقدم عند الناس، وهم مستعدون مثلاً للمساهمة بإعادة التدوير لو خصصت لهم الدولة حاويات مختلفة للزجاج والبلاستيك والمعادن والورق". وتشاركها سميرة قصابلي في هذا الموقف: "نتمنى أن تكون الدولة مثلاً أعلى في الحفاظ على البيئة وأن تحيّدها عن السياسة وتجاذباتها". وتتساءل بنبرة معاتبة: "كيف تقول للناس لا تستعملوا المازوت وانبعاثات محطات توليد الكهرباء تخنقهم؟
على خط آخر، تطالب غيدا مجذوب رعد بتغريم المخالفين: "لو قلنا مليون مرة لا ترمِ النفايات على الأرض فقد لا يستجيب المواطن، لكن عندما يعاقب يتعلّم". الا أنها تعود لتحمل المواطن مسؤولية أساسية "لان الدولة عندها مسؤوليات كثيرة". وعلى الوتيرة نفسها تضرب رلى معوّض: "المطلوب هو القمع الايجابي، أي استحداث قوانين تغرّم المستهترين بسلامة البيئة"، وتقترح أن "توظف هذه الأموال في مشاريع التشجير أو تنظيف الشاطئ".
في المحصلة، يبدو أن المذيعات يلعبن دوراً في ترسيخ أهمية البيئة في أذهان المشاهدين وارشادهم الى سبل حمايتها. ولكن البيئة تشوهت كثيراً، وسيمر وقت قبل أن يتطور الوعي البيئي عند الأفراد ويتعودوا الالتزام بقوانين الحفاظ عليها. وكما تقول سميرة قصابلي منيّر: "العناية بالبيئة تضعنا في اطار جميل، ونحن هنا نشعر بالكآبة لأن صورة لبنان الأخضر بدأت تتبدد من ذاكرتنا". ويبقى السؤال: من يأخذ المسؤولية على عاتقه، الدولة أو المواطن؟
كادر
المذيعات ومجلة "البيئة والتنمية"
تُقبل المذيعات على تصفح مجلة ''البيئة والتنمية'' بشغف وعناية، ويعتبرنها مصدراً موثوقاً ومرجعاً مهماً للمعلومات. تقول مي متى: ''اقرأها من الغلاف الى الغلاف. انها تنورني بيئياً وتقدم لي افضل المعلومات وأجودها''. اما سميرة قصابلي فتعتبرها المرجع الذي يبقيها في اجواء التطور: ''اذا لم ابحث في الانترنت فالمجلة وافية بتزويدي بالمعلومات البيئية''. من جهتها، فاطمة مزنر تواكب اصدارات المجلة وتستفيد مما تطرحه من مواضيع في برنامجها. ولرلى معوّض اسلوبها الخاص في الحفاظ على اعداد المجلة: ''بعد الاطلاع عليها اعطيها لمدرسة في عمشيت لتوثقها في ارشيفها الخاص''. وتبقى غيدا مجذوب رعد التي تحرص على اطلاع المشاهدين على المواضيع المطروحة في كل عدد جديد للمجلة.
كادر
مواقف طريقة
مخطئ من يقول ان المشاهير يعيشون في عالم آخر، لانهم بالطبع يتعرضون لمواقف يومية تحصل مع أي مواطن عادي. وقد يكون من المفيد ذكر بعض هذه المواقف. ومنها ما حصل مع مي متى: "صادفت مرة على الاتوستراد رجل دولة مع رجاله يأكلون الفول ويرمون القشر على الطريق. تحمست كثيراً لآلفت نظره، لكني خفت منه فهو رجل سلطة". أما سميرة قصابلي فتعترف: "أنا مدخنة، لكن عندما تكون ابنتاي معي لا أتجرأ اذ تقولان لي: شكراً نحن لا نريد أن ندخن". من جهتها، غيدا مجذوب تقول بانزعاج باد على قسمات وجهها: "يثير أعصابي أولئك الذين يمكن تعقب أثرهم من كثرة الأشياء التي يرمونها على الطريق". وتوافقها الرأي رلى معوّض التي تقول بغضب ممزوج بالسخرية: "لم تمنعني شتائم أحد المواطنين المستهترين من تأنيبه لانه رمى كيس نفايات على الطريق العام، وتهديده باستدعاء قوى الأمن اذا استكمل تصرفه البربري".
وتبقى فاطمة مزنّر التي تسرد مبتسمة: "مازحني أحد المقربين قائلاً: ستموتين قتلاً لانك دائماً تصرّين على تقيّدنا باحترام البيئة".