Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
وحيد مفضّل بحيـرات مصر الى انـقـراض   
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2005 / عدد 88-89
 أهمية البحيرات والأراضي الرطبة لا تقتصر على ما تقدمه لنا من خدمات بيئية عديدة، ولا على تفردها الإيكولوجي أو تنوع أحيائها. فهي تمتد إلى جوانب أخرى لا يمكن تقييمها، ليس أقلها ما تقدمه من ثروات سمكية وموارد مائية وخدمات ملاحية لا تستطيع المجتمعات المحيطة بها الاستغناء عنها.
لكن الإنسان لم يقدر قيمة هذه النظم كما تستحق، فكان أن تعرض عدد كبير منها في أنحاء مختلفة من العالم لخطر التجفيف والاختفاء، سواء من تغيرات مناخية أو تعديات وممارسات بشرية تفتقر الى الحس البيئي والنظرة المستقبلية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك بحيرة أوينز في جنوب كاليفورنيا التي جُففت بالكامل خلال أقل من عشر سنوات، وبحيرة تشاد في أفريقيا التي تقلصت مساحتها بنسبة 95 في المئة خلال أقل من نصف قرن، ومأساة بحر آرال في آسيا الوسطى الذي تقلصت مساحته بنسبة 50 في المئة.
وعلى المستوى العربي نجد أن أهوار العراق تمثل حالة خاصة لكيفية جور الإنسان وتعديه على مقدرات الأنظمة البيئية والموائل الطبيعية المتاحة له، حيث تعرض نظامها البيئي عبر عقود طويلة إلى أنواع الامتهان والانتهاك، حتى تقلصت تلك الأهوار بنسبة تزيد على 85٪ مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة عقود. وإذا انتقلنا إلى مصر، فسوف نجد أن بحيراتها، خصوصاً تلك المحاذية لساحل البحر المتوسط، تسير هي الأخرى على درب بحر آرال وبحيرة تشاد، وإن كان الوضع فيها ليس مأسوياً الى هذه الدرجة بعد.
ثروة وجمال فطري
يمكن القول ان البحيرات في مصر، سواء كانت داخلية أو ساحلية، تتميز بتنوعها وثرائها وامتدادها عبر البلاد. فمنها ما يقع في الشمال على طول ساحل دلتا النيل بمحاذاة البحر المتوسط،وهي بحيرات مريوط وأدكو والبرلس والمنزلة العذبة، وبحيرة البردويل وهي الوحيدة المالحة على البحر. ومنها ما يقع في الجنوب مثل بحيرة ناصر وأخواتها الوليدة عند توشكى. ومنها ما يقع في الغرب عند منخفض الفيوم، ونعني بها بحيرة قارون ذات الشهرة التاريخية. ومنها أيضاً ما يقع في الشرق، وتحديداً شمال خليج السويس، ونقصد بها البحيرات المرة، وهي أقل البحيرات المصرية ثراءً وتنوعاً.
جميع هذه البحيرات تتصف بجمال فطري خاص ونظام بيئي فريد يحوي عدداً كبير من الأنواع النباتية والحيوانية، ومنها أنواع متوطنة نادراً ما تحظى بها منطقة رطبة أخرى في العالم. وعلى رغم ذلك فإنها لم تسلم من الممارسات الخاطئة والتعديات المستمرة، حتى بات معظمها يرزح تحت كم هائل من المشاكل البيئية، مما أثقلها وأثر على إنتاجيتها وأدائها البيئي العام. وقد تفاقمت مشاكل البحيرات المصرية بشدة في الفترة الأخيرة، مما حدا بوزارة البيئة إلى تنظيم مؤتمر قومي لإنقاذها، عقد في القاهرة خلال شهر نيسان (أبريل) 2005، في بادرة تدل على عمق الأزمة وفداحة الخسارة.
تعديات وتداعيات
من بين جميع بحيرات مصر، تعد البحيرات الساحلية الأسوأ حالاً والأكثر تعرضاً لعشوائية التخطيط وسوء الاستغلال، وإن كانت البحيرات الداخلية مثل قارون وناصر لم تسلم هي الأخرى من الأذى. والعجيب أن عدداً من تلك البحيرات، مثل البرلس وأشتوم الجميل في المنزلة، قد أعلن منذ سنوات طويلة محميات طبيعية. بل ان بحيرة البرلس أعلنت منذ العام 1992 كمنطقة رطبة ذات أهمية دولية خاصة وتحتاج للرعاية والحماية تبعاً لاتفاقية رامسار الدولية. لكن يبدو أن هذا لم يكن كافياً ولم يشفع لوقف التدهور الحادث فيها، فبقيت على حالها... محميات على الورق!
قائمة التعديات كثيرة وتنبع من كل اتجاه. وتتضمن، في ما تتضمن، التجفيف المتعمد لأجزاء كبيرة من مسطحاتها المائية أو استقطاعها للاستغلال في التوسع العمراني أو الزراعة أو إنشاء مزارع سمكية أو طرق أو غيرها. وتطرح في مياهها النفايات ومخلفات الصرف الصحي والزراعي والصناعي. وتمارس فيها عمليات الصيد الجائر مع استخدام وسائل غير مشروعة، واستنزاف الزريعة والأسماك الصغيرة، واستقدام أنواع دخيلة إلى تشكيلة البحيرة البيولوجية مما يخل بتركيبتها ويضر بإنتاجيتها.
حقائق وأرقام مفزعة
كان من الطبيعي أن يتفاقم الوضع، وأن تفرز تلك الممارسات الآثمة مشاكل خطيرة أصبح بعضها عصياً على الحل. ومن تلك المشاكل ارتفاع مستويات التلوث إلى معدلات غير مسبوقة، وهو ما انطبع على الحالة الصحية لآلاف المواطنين القاطنين حول البحيرات. ومنها غزو النباتات الطافية والمغمورة مما أعاق أنشطة الملاحة والصيد. ومنها كذلك تكرار إطماء ''البواغيز'' والفتحات البحرية التي تغذيها بمياه البحر، مما ساهم في عدم تجدد مياهها وبالتالي اضمحلال إنتاجيتها وثرواتها السمكية.
وقد أدى هذا كله إلى تدهور تلك البحيرات وترهل حالها. ولعل الحقائق التالية توضح حجم الخسارة الناتجة:
تقلصت مساحة بحيرة البرلس بمقدار الربع، وبحيرة أدكو إلى النصف، عما كانتا في أوائل الخمسينات. وفي كلتا الحالتين، حدث نصف هذا التقلص تقريباً خلال الـ 15 سنة الماضية، ما يدل على تسارع معدل التجفيف والردم في البحيرتين. ولا يختلف الأمر كثيراً عند الحديث عن البحيرات المجاورة، بل يمكن القول إنه أكثر سوءاً.
وانتشرت النباتات المائية، مثل البوص وورد النيل، بكثافة وبطريقة مستشرية في جميع البحيرات. ففي البرلس، تشغل هذه النباتات حالياً ما لا يقل عن 50 في المئة من مساحة البحيرة، وفي أدكو تصل النسبة إلى نحو 65 في المئة. وحدث ولا حرج عن البحيرات الأخرى. وهذا يعني أن المسطح المائي الحر لا تزيد نسبته في أي بحيرة وفي أحسن الأحوال عن النصف تقريباً!
وفي بحيرة البرلس، تضاعفت كمية المياه العادمة التي تحوي نواتج الصرف الزراعي والصناعي والآدمي، الواردة عن طريق المصارف المختلفة، من نحو 1,7 مليون متر مكعب سنوياً في أواخر السبعينات إلى ما يقرب من 4 ملايين متر مكعب حالياً. والنسبة لا تختلف كثيراً في البحيرات المجاورة.
وانخفضت درجة التنوع الإحيائي بشكل واضح، حيث تفيد جميع التقارير باختفاء أعداد كبيرة من أنواع الأسماك والطيور المهاجرة والثدييات وبقية الأحياء التي تشكل الشخصية البيئية لهذه البحيرات.
بداية رحلة الانقراض
توضح هذه الأرقام والحقائق مدى تأزم موقف البحيرات الساحلية وعمق مشاكلها البيئية. وهي تكشف أيضاً أن من الممكن جداً، إذا استمر الوضع على هذه الحال وإذا استمرت معدلات التجفيف والردم على هذه الوتيرة المتسارعة، أن يختفي بعض منها خلال فترة وجيزة.
وعلى رغم أن هذه النظرة لا تخلو منتشاؤم، إلا أن حدوثها ليس بمستبعد، وفي تجارب الماضي عظة وعبرة للجميع. ولو عدنا بالزمن حتى أوائل القرن التاسع عشر، لوجدنا أنه كان هناك غرب بحيرة أدكو الحالية بحيرة أخرى تسمى بحر أبو قير، لم يعد لها وجود الآن. كما كانت الحدود الجنوبية لبحيرة البرلس في تلك الآونة تمتد جنوباً حتى مدينة كفر الشيخ، في حين أنها تكاد لا تمس اليوم حدود مدينة دسوق. أما في الإسكندرية، فالعامة قبل الخاصة ما زالوا يذكرون كيف كانت حال بحيرة مريوط وكم كان اتساعها، مقارنة بحالة التقزم البيئي والحجمي التي تعيشها الآن.
وليس في هذا أي مغالاة أو مزايدة، بل هو مبني على حقائق موثقة وخرائط تاريخية لا تقبل الجدل. الخوف من ''انقراض'' أو اختفاء احدى البحيرات المصرية الساحلية له أسبابه وحيثياته الواقعية والمنطقية. وعلى أي حال، فإن معنى الانقراض المذكور هنا لا يقتصر بالضرورة على الاختفاء أو التقلص الحجمي، بل يشمل مفاهيم أخرى تتعلق بتراجع أداء البحيرات البيئي وتقلص مواردها وثرواتها وليس فقط مساحتها. لذلك فإن الأمر خطير جداً ويستدعي تحرك كل الجهات المعنية أفراداً وجماعات.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
لا يمكن تخيل حجم الخسارة البيئية والاقتصادية إذا ما انقرضت بالفعل احدى البحيرات المصرية من على ساحل البحر المتوسط. فبحيرة البرلس، على سبيل المثال، تعيل وحدها أكثر من 55 ألف أسرة، كما تعطي منفردة نحو 55 ألف طن من الأسماك سنوياً، فضلاً عن إنتاجها من الطيور والموارد الأخرى. فكيف يمكن تحمل خسارة كل هذه الخدمات؟
قد يكون الوقت فات لعودة بحيرات مصر، خصوصاً الساحلية، إلى سابق مساحتها وعهدها أيام كانت في منأى عن أنشطة الإنسان وممارساته السيئة. إلا أن الوقت لم يفت لمحاولة تحسين وضعها البيئي ومن ثم إنقاذها من الزوال.
من هنا، ينبغي على الجميع التكاتف من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيها. ليس أقل من محاولة معالجة النفايات ونواتج الصرف التي تخنق أحياءها وتسمم موائلها. ليس أقل من الحزم في تطبيق القوانين البيئية المحافظة، ومن التزام الجميع بواجباتهم المفروضة. المسؤولية في الحقيقة مشتركة بين سكان البحيرات والمنتفعين منها والأجهزة الحكومية وإداراتها المختلفة.
لا وقت للانتظار، فعجلة الانقراض ومعدلات التدهور تسير بخطى ثابتة وترتقي في كل سنة درجات. الوقت يمر، ونداء بحيرات مصر يعلو ويزداد، فهل يلبي أحد النداء.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.